الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ
، فَلَهَا أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً، وَهُوَ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّ الَّذِي قَصَدَ الْكَذِبَ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ، وَحَكَى فِي " زَادِ الْمُسَافِرِ " عَنِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ - يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيُرْجَعُ إِلَى نِيَّتِهِ فِي الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: مُقْتَضَى قَوْلِ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ - أَيْ: فِي الْحُكْمِ، وَيَجْعَلُ أَنَّهُ طَلَاقٌ إِذَا نَوَاهُ.
فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا حَلَفَ بِهِ، وَفِي الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ الْيَمِينُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى هَذَا، فَيَلْزَمُهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
[إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ]
فَصْلٌ (إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ) فَهِيَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَضَالَةُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هُوَ ثَلَاثٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ، فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ مَا شِئْتِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَلَا يَدِينُ، وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، قَطَعَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ وَصَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ "، كَاخْتَارِي عَنْهُ، وَفِيهِ غَيْرُ مُكَرَّرٍ ثَلَاثًا، وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ بِنِيَّتِهَا لَهَا، كَقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا، فَتُطَلِّقُ بِنِيَّتِهَا (وَهُوَ فِي يَدِهَا) أَيْ: عَلَى التَّرَاخِي، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمْلِيكٍ فِي الطَّلَاقِ، فَمَلَّكَهُ الْمُفَوَّضَ إِلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ (مَا لَمْ يَفْسَخْ) فَإِنْ فَسَخَهَا - بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ كَسَائِرِ الْوِكَالَاتِ (أَوْ يَطَأُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسْخِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ: يُتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ
يَدِهَا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، فَإِنْ جَعْلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِهَا، فَرَدَّتْهُ، أَوْ رَجَعَ فِيهِ، أَوْ وَطِئَهَا - بَطَلَ خِيَارُهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَالْخِيَارِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مُطْلَقٌ أَشْبَهَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ، وَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهَا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِعِوَضٍ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا قَالَتِ: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي وَأُعْطِيكَ عَبْدِي - فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا لَمْ يَطَأْ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ.
1 -
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) رَجْعِيَّةٍ، حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ، فَيَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُضَافٌ إِلَيْهَا، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) كَاخْتَارِي مَا شِئْتِ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ نِيَّتُهُ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ: اخْتَارِي عَدَدًا، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ طَالَ (وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّخْيِيرَ عَلَى الْفَوْرِ. رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: مُتَرَاخٍ كَالْأَمْرِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ:«إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي، وَخِلَافُنَا فِي الْمُطَلِّقِ، و" أَمْرُكِ بِيَدِكِ " تَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَتَّصِلِ الْجَوَابُ، لَمْ يَقَعْ، وَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَشْتَغِلَا بِقَاطِعٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّشَاغُلِ يَكُونُ إِعْرَاضًا عَنْ قَوْلِهِ: اخْتَارِي، وَمِنَ الْمَقُولِ لَهَا إِعْرَاضًا عَنِ الْقَبُولِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ افْتَرَقَا (فَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ) جَازَ (أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِهَا فَرَدَّتْهُ) بَطَلَ كَالْوَكِيلِ (أَوْ رَجَعَ فِيهِ أَوْ وَطِئَهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا - هَذَا الْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ
وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى، وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ، وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ: أَنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ عَلَى التَّرَاخِي، وَاخْتَارِي عَلَى الْفَوْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْفَسِخَ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ دَارٍ وَسَكَنَهَا (وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى) أَيْ: يُقَاسُ كُلٌّ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةِ حُكْمَيْنِ، الْأَوَّلُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوْرُ، وَأَنْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَّا بِشَرْطِهِ، قُلْتُ: كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي تَخْرِيجَ الْعَدَدِ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَفْيُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ - لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ، وَغَدًا، وَبَعْدَ غَدٍ - فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ بَعْدَ غَدٍ، فَإِنَّهَا إِذَا رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ نَوَى - بِقَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَكِ - إِيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَقَعَ، وَإِنْ كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا، فَإِنْ أَرَادَ إِفْهَامَهَا وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ - فَوَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، فَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ كَالْبَيْعِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ يَوْمًا، فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ تُطْلَقُ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ، وَإِنْ قَالَ: شَهْرًا، فَمِنْ سَاعَةِ نَطَقَ إِلَى اسْتِكْمَالِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ.
(وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ) ظَاهِرَةٌ وَخَفِيَّةٌ (فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ (إِلَى نِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ عَلَى مَا مَضَى، وَكَذَا كَذِبُهُ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ (فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ نَحْوَ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهَا مُوقِعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِلَفْظِ
الْكِنَايَةِ نَحْوَ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا، وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي - وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلَاقَ - وَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْكِنَايَةِ، فَافْتُقِرَ إِلَى نِيَّتِهَا كَالزَّوْجِ، فَلَوْ قَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَأَنْكَرَ وَجُودَهُ - قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، فَادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ (وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي - وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيَقَعُ مِنَ الْعَدَدِ مَا نَوَيَاهُ دُونَ مَا نَوَاهُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَقَعْ؛ لِفَقْدِ النِّيَّةِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِنِيَّتِهَا، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ.
1 -
مَسَائِلُ: الْأَجْنَبِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ، وَالْمَذْهَبُ: إِلَّا أَنَّهُ مُتَرَاخٍ، وَيَقَعُ بِإِيقَاعِ الْوَكِيلِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ، وَفِي وُقُوعِهِ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ مِمَّنْ وُكِّلَ فِيهِ بِصَرِيحٍ وَجْهَانِ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَلَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا: اخْتَرْتُ بِنِيَّةٍ حَتَّى تَقُولَ: نَفْسِي أَوْ أَبَوَيَّ، أَوِ الْأَزْوَاجَ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَوَاحِدَةٌ، وَنَفْسَهَا ثَلَاثٌ، وَعَنْهُ: إِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا - وَقَعَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَوْلَهَا، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَتُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ إِيقَاعِ وَكِيلِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ وُكِّلَ فِي ثَلَاثٍ فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً أَوْ عَكْسُهُ - فَوَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا.
(وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ) فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا: هَلْ تُلْحَقُ بِالْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؛ وَذَلِكَ تَوْكِيلٌ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهَا بِعِوَضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ الْوَكِيلُ (فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلَاقَ - وَقَعَ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهَا الطَّلَاقَ، وَقَدْ أَوْقَعَتْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْقَعَتْهُ بِلَفْظِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إِلَيْهَا بِلَفْظِهِ الصَّرِيحِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِعَ غَيْرَ مَا فَوَّضَهُ إِلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي إِيقَاعُهُ بِلَفْظِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ، فَبَاعَهُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي، فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ