الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ.
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ قَادِرٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الدِّينِ، وَقَالَ: الْمُكْرَهُ لَمْ يَأْثَمْ فِي الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْتُ أَقُولُ: يَقَعُ حَتَّى تَبَيَّنْتُهُ، فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ أَتَى خَصْلَةً، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِهِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ، حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَأَحَلَّهَا لِغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمْعٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ خَالَفَ عُثْمَانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ عُثْمَانَ أَرْفَعُ شَيْءٍ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ وَكَالْمَجْنُونِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ، وَيُقَالُ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَفْهَمُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ، قَالَ: وَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّشْوَانِ الَّذِي يَفْهَمُ وَيَغْلَطُ، فَأَمَّا الَّذِي تَمَّ سُكْرُهُ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ - قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ مَنْ يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوْبَهُ أَوْ هَذَى، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَعْرِفَ السَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى الْمَجْنُونِ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ) وَإِقْرَارِهِ، وَإِسْلَامِهِ، وَكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ، وَكَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ، وَعَنْهُ: فِي الْحَدِّ كَالصَّاحِي، وَفِي غَيْرِهِ كَالْمَجْنُونِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَعِتْقِهِ وَقَتْلِهِ بِالصَّاحِي، وَفِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ كَالْمَجْنُونِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: ولا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ؛ لِلْخَبَرِ.
فَرْعٌ: الْبَنْجُ وَنَحْوِهُ كَجُنُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَقَعُ لِتَحْرِيمِهِ؛ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَصْدُ إِزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
[طَلَاقُ الْمُكْرَهِ]
(وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ،
يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي غِلَاقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُمَا فِي إِغْلَاقٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ الْمَحْفُوظُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقُتَيْبِيُّ مَعْنَاهُ: فِي إِكْرَاهٍ، لَكِنْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِالْغَضَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي "؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ الْإِكْرَاهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْحُلْوَانِيُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ نَظَرًا إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْإِكْرَاهِ، فَيَبْقَى بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ، إِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَحَكَى شَيْخُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مَذْهَبًا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ - أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ يَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَنِ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَاكِمِ الْمُؤْلِي عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ التَّرَبُّصِ إِذَا لَمْ يَفِ، وَإِكْرَاهِ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَصَحَّ كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِ عُمَرَ فِي الَّذي قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُهُ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرَدَّهُ إِلَيْهَا، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَهَذَا كَانَ وَعِيدًا، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْمَاضِيَ لَا يَنْدَفِعُ بِفِعْلِ مَا أُكْرِهَ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْفِعْلُ الْمُكْرَهُ دَفْعًا لِمَا يَتَوَعَّدُ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِيمَا بَعْدُ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لَهُ أُمُورٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَا هَدَّدَهُ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ - رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالضَّرْبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالَى بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّهْدِيدُ مِنْ قَادِرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَخَفْ وُقُوعَ الْمَحْذُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ.
شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ السَّاقِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ.
وَيَقَعُ الطَّلَاقُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّالِثُ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ.
فَرْعٌ: ضَرْبُ وَلَدِهِ وَحَبْسِهِ وَنَحْوِهِمَا إِكْرَاهٌ لِوَالِدِهِ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى عِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا كَطَلَاقٍ.
(وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ السَّاقِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ: كَمَا فُعِلَ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ عَمَّارٍ حِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَرَادُوهُ عَلَى الشِّرْكِ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدُّمُوعَ عَنْ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ:«أَخَذَكَ الْمُشْرِكُونَ، فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ، وَأَمَرُوكَ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، فَفَعَلْتَ، فَإِنْ أَمَرُوكَ مَرَّةً أُخْرَى فَافْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّرْبِ أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا أَوْ يَسِيرًا فِي حَقِّ ذِي مُرُوءَةٍ، وَمِمَّا يُشْبِهُ الضَّرْبَ وَعَصْرَ السَّاقِ - الْقَيْدُ وَالْحَبْسُ الطَّوِيلَانِ، وَأَخْذُ الْمَالِ الْكَثِيرِ، زَادَ فِي " الْكَافِي ": وَالْإِخْرَاجُ مِنَ الدِّيَارِ، لَا السَّبُّ وَنَحْوُهُ - رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: إِنْ هَدَّدَ بِقَتْلٍ، وَعَنْهُ: أَوْ قَطْعِ طَرْفٍ، وَقِيلَ: أَوْ إِحْرَاقِ مَنْ يُؤْلِمُهُ - فَإِكْرَاهٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَإِنْ سَحَرَهُ لِيُطَلِّقَ، فَإِكْرَاهٌ - قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ فَطَلَّقَ غَيْرَهَا، أَوْ عَلَى طَلْقَةٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ عَلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ فَأَتَى بِكِنَايَةٍ، أَوْ عَلَى تَعْلِيقِهِ فَنَجَزَهُ - وَقَعْنَ وَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى مُبْهَمَةٍ، فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً - فَوَجْهَانِ، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إِكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ، فَلَا ثَوَابَ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّنَا مُكْرَهُونَ عَلَيْهَا، وَالثَّوَابُ بِفَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ - ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ".