الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَالْمُحرِمَةُ حَتَّى تَحِلَّ.
وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ إِلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْوَطْءُ، فَدَلَّ أَنَّهَا إِذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ حَلَّتْ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَايَةً لِتَحْرِيمِهَا، وَحِلُّهَا مَوْقُوفٌ عَلَى طَلَاقِ الثَّانِي وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهِ (وَالْمُحَرَّمَةُ حَتَّى تَحِلَّ) ; لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا تَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ ; وَلِأَنَّهُ عَارِضٌ مَنَعَ الطِّيبَ، فَمَنَعَ النِّكَاحَ كَالْمُعْتَدَّةِ.
[لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ]
(وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا (وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَلَا نِكَاحُ مُرْتَدَّةٍ وَإِنْ تَدَيَّنَتْ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَى دِينِهَا، وَلَا مَجُوسِيَّةٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا كِتَابٌ (إِلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ) فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] ; وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: مَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِبَاحَتِهِنَّ لِشِرْكِهِنَّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: آيَةُ الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا ; لِأَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَنَصَّ عَلَى الْحَرَائِرِ ; لِأَنَّ الْإِمَاءَ يَأْتِي حُكْمُهُنَّ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ كَذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ، وَشَمَلَ الْحَرْبِيَّاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " ; لِدُخُولِهِنَّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ; حَمْلًا لِآيَةِ الْمَنْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَآيَةُ الْجَوَازِ عَلَى غَيْرِ الْحَرْبِيَّاتِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، وَإِنِ اضْطُرَّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ الضَّرُورَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ،
كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَلَّلَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ ; لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ وَيَصِيرَ عَلَى دِينِهِمْ، وَمُقْتَضَاهُ: لَا يَتَزَوَّجُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إِنْ كَانَتْ مُغَيَّبَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ آيِسَةً وَصَغِيرَةً.
تَنْبِيهٌ: أَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، كَالسَّامِرَةِ، وَالْفِرِنْجِ، وَالْأَرْمَنِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَأَلْحَقَهُمْ بِالْيَهُودِ وَفِي " الْمُغْنِي ": الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ الْيَهُودَ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَخَالَفَهُمْ فِي فُرُوعِهِ - فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، فَلَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ كَالْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَشِيثَ، وَزَبُورِ دَاوُدَ، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَلَا تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام: 156] الْآيَةَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ، الْأُولَى: قَطَعَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَمَنْ لَا يَحِلُّ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: بَلَى ; لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ، فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ ثَالِثَةً: أَنَّهَا تَحِلُّ إِذَا كَانَ أَبُوهَا كِتَابِيًّا ; لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا خَطَأٌ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدِّينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ الْحُكْمَ بِالنَّسَبِ الْبَتَّةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " رَدًّا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ دُونَ النَّسَبِ، وَالدِّينُ الْمُحَرَّمُ مَوْجُودٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَ النَّسَبِ، وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ أبواه غير كِتَابِيَّيْنِ، فَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ عَنْهُ: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَحِلُّ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَرِهَهُ إِلَّا عَلِيًّا ; وَلِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَتَشْمَلُهَا الْآيَةُ ; وَلِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِبَذْلِ الْمَالِ، فَتَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ.