الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ
إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل: الضَّرْبُ الثَّانِي:
الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمدٍ
، وَهُنَّ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا:
الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ
، فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، فَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَهْرَ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ فِرَاشًا، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا وَابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَا دَوَاعِيهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ.
[الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ]
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ) إِذَا لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ ; لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، رَوَاهُ الْجُوزْجَانِيُّ، وَنَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَحْرُمُ ; لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ; وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ قَبْلَ الْجَلْدِ وَالتَّكْذِيبِ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالتَّكْذِيبِ كَالرَّضَاعِ.
وَالثَّانِيَةُ: تَحِلُّ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهَا الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ صَارَتْ شُبْهَتُهُ بِحَالِهَا قَبْلَ الْمُلَاعَنَةِ، وَهِيَ حِينَئِذٍ حَلَالٌ، وَعَنْهُ: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا إِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ قِيلَ: لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِفُرْقَةِ الْحَاكِمِ، فَلَا تَحْرُمُ حَتَّى يَقُولَ: حَلَّتْ لَهُ، وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ اللِّعَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَا حَدَّ، قَوْلًا وَاحِدًا.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوِ ابْنَتَهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُحَرِّمُهَا، أَشْبَهَ الرَّضَاعَ.
[الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ]
[الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ]
فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ) أَيْ: غَايَةٍ (وَهُنَّ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، حُرَّتَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، أَوْ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً - فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23](وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:«لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ، وَفِي " التَّمْهِيدِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَإِفْضَاؤُهُ إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَيَحْصُلُ تَخْصِيصُ قَوْله تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَضَابِطُهُ: كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ، وَلِهَذَا حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا ; لِأَنَّ الْأَخَ لَا يُبَاحُ لَهُ بِنْتُ أُخْتِهِ، وَابْنُ الْأُخْتِ لَا تُبَاحُ لَهُ خَالَتُهُ، وَأُبِيحَ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْنِ وَبِنْتَيْ خَالَيْنِ، وَبِنْتَيْ عَمَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ خَالَتَيْنِ ; لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ عَمِّهِ، وَابْنُ الْخَالِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ خَالَتِهِ، وَهَلْ يُكْرَهُ لِأَجْلِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ إِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً أَوْ لَا يُكْرَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ، بِأَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَابْنُهُ أُمُّهَا، فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ، وَبَيْنَ عَمَّتَيْنِ بِأَنْ يَنْكِحَ أُمَّ رَجُلٍ وَالْآخَرُ أُمَّهُ، فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ، وَبَيْنَ خَالَتَيْنِ بِأَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنَةَ الْآخَرِ لَا بَيْنَ أُخْتِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَبَيْنَ أُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ، وَلَا بَيْنَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ، وَبِنْتُهُ مِنْ غَيْرِهَا (فَإِنَّ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعًا (لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً، فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ) ; لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ، فَاخْتَصَّ الْبُطْلَانُ بِهِ، لَكِنْ إِنْ جُهِلَ السَّابِقُ فُسِخَ النِّكَاحَانِ، وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ
عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا - صَحَّ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، صَحَّ، فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَزْوِيجٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ، فَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَهْرِ، وَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةَ: لَا ; لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ، صَحَّ فِي حَقِّ الْبِنْتِ فَقَطْ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ فِي حَقِّهِمَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَاخْتَصَّتْ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ، يَخْتَارُ إِحْدَاهُمَا، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَاهُمَا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ (وَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا، صَحَّ) ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاءُ الْمَجُوسِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا بِغَيْرِ الشِّرَاءِ (وَلَمْ يَحِلَّ له وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ وَجَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ) أَوْ مَلَكَهُنَّ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، صَحَّ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُرَادُ لِغَيْرِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ، وَإِذَا جَازَ شِرَاءُ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، فَمَعًا أَوْلَى (فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا) جَازَ ; لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يَقْرُبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ و (لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ رَجَبٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ (أَوْ تَزْوِيجٍ) بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ (وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا تَحِلُّ لَهُ إِذَا أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ زَالَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتِ الْأُولَى صَغِيرَةً، وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَشَرَطَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ:(وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ) ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُخْتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، فَهُوَ كَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، لَا يُقَالُ: هَذَا الشَّرْطُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، إِذْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ غَيْرُ حَامِلٍ ; لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَعَلَى الْمَنْعِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِالْعِتْقِ، وَلَكِنْ مِنْ صُوَرِ الْإِخْرَاجِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِتَحْرِيمِهَا بِكِتَابَةٍ وَرَهْنٍ وَبَيْعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَجْهَانِ، وَلَا
عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ، لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْرِيمِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ -: أَحَلَّتْهَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهَا أُخْرَى، يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23]{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3](فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) فِي ظَاهِرِ نُصُوصِهِ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا، وَقَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ الَّتِي كَانَتْ فِرَاشًا، فَحَرُمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِكَوْنِ الْأُخْرَى فِرَاشًا، كَمَا لَوِ انْفَرَدَتْ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي ": إِنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَهِيَ الْمُبَاحَةُ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": بَلْ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَأَنَّهَا إِنْ عَادَتْ بَعْدَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَأُخْتُهَا الْمُبَاحَةُ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا إِذَا لَمْ يَجِبِ اسْتِبْرَاءٌ، فَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ أُخْتِهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا حَتَّى تَحْرُمَ إِحْدَاهُمَا، وَأَبَاحَ الْقَاضِي وَطْءَ الْأُولَى بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الثَّانِيَةِ (وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ) حَكَاهَا الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ تَقُولُ: إِنَّهُ حَرَامٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَامْتَنَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ إِثْبَاتِ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَهَذَا أَدَبٌ فِي الْفَتْوَى، كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُهُ السَّلَفُ، لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ، يَقُولُونَ: يُنْهَى عَنْهُ.
فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً، فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ ".
(وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ) أَوْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ (ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ النِّكَاحَ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ فِرَاشًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ (وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ، فَجَازَ أَنْ يَرِدَ عَلَى وَطْءِ الْأُخْتِ، وَلَا يُبِيحُ كَالشِّرَاءِ (وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ) ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنَ النِّكَاحِ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ سُلِّمَ تَسَاوِيهِمَا، فَسَبَقَ مِلْكُ الْيَمِينَ مُعَارِضَهُ، وَعَنْهُ: تَحْرِيمُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إِحْدَاهُمَا، وَكَذَا
يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَحْرِيمِ سُرِّيَّتِهِ ثُمَّ رَجَعَتِ السُّرِّيَّةُ إِلَيْهِ، لَكِنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) ; لِأَنَّ الْأُولَى عَادَتْ إِلَى الْفِرَاشِ، فَاجْتَمَعَا فِيهِ، فَلَمْ تُبَحْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَبْلَ إِخْرَاجِ الْأُخْرَى عَنِ الْفِرَاشِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَجُزْ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَفِي وَطْءِ أَرْبَعٍ غَيْرَهَا أَوِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ وَجْهَانِ، وَمَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ حَرُمَ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إِنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ: إِنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً مِنْ زَوْجٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ أَبَاحَ تِسْعًا لِقَوْلِهِ:{مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ ; وَلِأَنَّهُ عليه السلام مَاتَ عَنْ تِسْعٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ «عليه السلام قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وَأَمَرَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حِينَ أَسْلَمَ عَلَى خَمْسٍ أَنْ يُفَارِقَ وَاحِدَةً مِنْهَن، رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ. فَإِذَا مُنِعَ مِنَ الِاسْتِدَامَةِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعٍ فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى، وَالْوَاوُ أُرِيدَ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] الْآيَةَ، لَيْسَ لِكُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى جَوَازُ التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ ; لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، فَرَاعَتْ شَرِيعَتُنَا مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ (وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ) إِجْمَاعًا،