الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، وَقِيلَ: كَانَتْ قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ رُبْعَ دِينَارٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ) ; لِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَعْظَمُ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُنَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ عُمَرُ: لَا تُغَالُوا في بِصُدُقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَأَلَّا يُعَرَّى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ) بَلْ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ ; لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُزَوِّجُ وَيَتَزَوَّجُ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِي ذَلِكَ مِنْ صَدَاقٍ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، وَقَالَ لِلَّذِي زَوَّجَهُ الْمَوْهُوبَةَ:«هَلْ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ; وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَلَيْسَ ذِكْرُهُ شَرْطًا وِفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ; وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ، وَبَالَغَ فِي " التَّبْصِرَةِ " فَكَرِهَ تَرْكَهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُبْطِلُونَ هَذَا النِّكَاحَ إِذَا خُوصِمُوا فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
[أَقَلُّ الصَّدَاقِ وَأَكْثَرُهُ وَمَا يُجْزِئُ فِيهِ]
(وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ صَدَاقَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَزْوَاجِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " و" الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ ": أَلَّا يَزِيدَ عَلَى مُهُورِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَعَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَمُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَبَنَاتِهِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَقَدَّمَ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يُزَادُ عَلَى مَهْرِ بَنَاتِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ; لِمَا رَوَى أَبُو الْعَجْفَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: «مَا أَصْدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، لَكِنْ أَبُو الْعَجْفَاءِ فِيهِ ضَعْفٌ.
(وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَجَازَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ ; وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَتِهَا، فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ كَالْبَيْعِ (وَلَا أَكْثَرُهُ) بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْتُ وأَنَا أُرِيدَ أَنْ أَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ، فَذَكَرْتُ هَذَا {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْقِنْطَارُ مِائَةُ رَطْلٍ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بَلْ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ (بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا) أَوْ أُجْرَةً (جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ) ; لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، أَشْبَهَ عِوَضَ الْبَيْعِ، لَكِنْ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلِنِصْفِهِ قِيمَةٌ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً بِحَيْثُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَقِيَ لَهَا مِنَ النِّصْفِ مَالٌ حَلَالٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَهُ أَوْسَطُ النُّقُودِ ثُمَّ أَدْنَاهَا (وَعَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَمُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً
وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَرَدِّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ، وَخِدْمَتِهَا فِيمَا شَاءَتْ - لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَعْلُومَةً) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] ; وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ، فَجَازَتْ صَدَاقًا كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ كَالْمَمْلُوكِ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَنْكِحُوا الْأَيَامَى، وَأَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ: مَا الْعَلَائِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ وَلَوْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنَافِعُ الْحُرِّ صَدَاقًا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ (وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَرَدِّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) ; لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْمَبِيعِ كَالْمُحَرَّمِ، وَالْمَعْدُومِ، وَالْمَجْهُولِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَبِيعِ مِنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، وَحَبَّةِ حِنْطَةٍ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ نَقَلَ الْمِلْكَ فِيهِ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ وَخِدْمَتِهَا فِيمَا شَاءَتْ لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ ; لِأَنَّ الْحُمْلَانَ مَجْهُولٌ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حُدُودٍ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَرَقَبَتِهِ، وَمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَصَحُّ -: أَنَّهُ يَصِحُّ بِدَلِيلِ قِصَّةِ مُوسَى، وَقِيَاسًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مَعْلُومَةً كَبِنَاءِ حَائِطٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً، مِثْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَبْدِهَا الْآبِقِ أَيْنَ كَانَ، وَيَخْدِمَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَتْ، فَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلٌ يَسِيرٌ، وَغَرَرٌ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شِرَائِهِ لَهَا عَبْدَ زَيْدٍ، صَحَّ فِي الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ بِقِيمَتِهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ، وَكَذَا عَلَى دَيْنٍ سَلَمٍ، وَآبِقٍ، وَمَغْصُوبٍ يُحَصِّلُهُ، وَمَبِيعٍ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ) كَالْخَمْرِ، وَالْمَعْدُومِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَجْهُولِ
مِنَ الْفِقْهِ، أَوِ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا، فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعَلُّمِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) ; لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ يَقْتَضِي رَدَّ الْمُعَوَّضِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَوَجَبَ قِيمَتُهُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَنِ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فَاسِدٍ، فَقَبَضَ الْمَبِيعَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَعَنْهُ: يَفْسُدُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ فَسَادَ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَمِهِ، وَعَدَمُهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، كَذَا هَذَا، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إِلَّا بِبَدَلٍ، وَلَمْ يُسَلَّمِ الْبَدَلُ، وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْعِوَضِ فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِخَمْرٍ، فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ مِنَ الْفِقْهِ، أَوِ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ) أَوْ أَدَبٍ، أَوْ صَنْعَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ (صَحَّ) ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، كَمَنَافِعِ الدَّارِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا (فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، كَذَا قِيلَ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا شَيْئًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْخِيَاطَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُعَلِّمَكِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " ; لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا (يَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا) أَوْ يُقِيمُ لَهَا مَنْ يُعَلِّمُهَا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِهَا فَقَالَتْ: عَلِّمْهَا الْقَصِيدَةَ الَّتِي تُرِيدُ تَعْلِيمِي إِيَّاهَا، أَوْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ يُعَلِّمُهَا، لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي عَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِيقَاعُهُ فِي غَيْرِهَا ; وَلِأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعْلِيمِ (فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعَلُّمِهَا) ; لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِالْوَاجِبِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ، وَكَذَا إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ فَتَعَذَّرَ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ عَلَّمَهَا وَأَنْكَرَتْهُ، قُبِلَ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَإِنْ عَلَّمَهَا ثُمَّ أُنْسِيَتْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَقَّنَهَا الْجَمِيعَ وَكُلَّمَا لَقَّنَهَا شَيْئًا أُنْسِيَتْهُ - لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ) ; لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَلَا يُؤْمَنُ فِي تَعْلِيمِهَا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ كُلُّهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلِّمَهَا
يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَجْرِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ قِرَاءَةٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ خَالَعَهُنَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
نِصْفَهَا) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، أَشْبَهَ سَمَاعَ كَلَامِهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَعَلَى هَذَا يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِي تَعْلِيمِهَا الْكُلَّ الْوَجْهَانِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَجْرِ) ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ التَّعْلِيمِ مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ - وَهُوَ نِصْفٌ - وَإِنْ سَقَطَ مَهْرُهَا رَجَعَ بِالْكُلِّ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْمَالِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ {تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَالطَّوْلُ: الْمَالُ ; لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ قُرْبَةٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كَالصَّوْمِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) ذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " ; لِحَدِيثِ الْمَوْهُوبَةِ ; وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَ جَعْلُ ذَلِكَ صَدَاقًا كَتَعْلِيمِ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَحَدِيثُ الْمَوْهُوبَةِ قِيلَ: مَعْنَاهُ: زَوَّجْتُكَهَا ; لِأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، كَمَا زَوَّجَ طَلْحَةَ عَلَى إِسْلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ، يُؤَيِّدُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ غُلَامًا عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكُونُ بَعْدَكَ مَهْرًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالنَّجَّادُ، فَعَلَى هَذَا تُعَيَّنُ السُّورَةُ أَوِ الْآيَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَيَّنْ يَصِيرُ مَجْهُولًا مُفْضِيًا إِلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ قِرَاءَةٍ) مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ) ; لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ، وَالْقِرَاءَاتِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا هُوَ صَعْبٌ، كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ، وَوُقُوفُهُمَا عَلَى الْمَدِّ، أَشْبَهَ تَعْيِينَ الْآيَاتِ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَعَرَّفَ الْبَلَدَ، فَإِنْ تَعَلَّمَتْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنَّ عَلَّمَهَا ثُمَّ سَقَطَ، رَجَعَ بِالْأُجْرَةِ، وَمَعَ تَنَصُّفِهِ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُعَلِّمْهَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا يَلْزَمُهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ سَمَاعُهُ بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: يُعَلِّمُهَا مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.