الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ.
فَصْلٌ وَ
لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ
فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أخبرنا مُسْلِمٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِلَّا إِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلْقَةٌ، وَيَكُونُ بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " كَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالْعِوَضِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ (وَفِي الْآخَرِ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ) أَيْ: فَيَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِوَضِ وَالرَّجْعَةِ يَتَنَافَيَانِ، فَيَسْقُطَانِ، وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ، فَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِالْأَصْلِ لَا بِالشَّرْطِ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ الْمُسَمَّى فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عِوَضًا حَتَّى ضُمَّ إِلَيْهِ الشَّرْطُ، فَإِذَا سَقَطَ الشَّرْطُ، فَيَصِيرُ مَجْهُولًا، فَيَسْقُطُ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْمُسَمَّى فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا بِهِ عِوَضًا، فَلَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ خَلَا عَنْ شَرْطِ الرَّجْعَةِ.
فَرْعٌ: إِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْخُلْعِ، بَطَلَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ، وَمَتَى وَقَعَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى رَفْعِهِ.
[لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ]
فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي
يَقَعْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ، كُرِهَ، وَصَحَّ، وَقَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ رُكْنٌ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ تَرْكُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ (فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ يَقَعْ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ لِلْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا) دُونَ الثَّلَاثِ (فَيَقَعُ رَجْعِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا عِوَضَ فِيهِ، فَكَانَ رَجْعِيًّا كَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ كِنَايَةً عَنِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ إِنْ كَانَ فَسْخًا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ إِلَّا لِعَيْبِهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَسَخْتُ النِّكَاحَ، وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ - لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَهُ الْعِوَضُ، فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ (وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخُلْعِ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ عَنْ زَوْجِهَا، فَإِذَا سَأَلَتْهُ الْفِرَاقَ، فَأَجَابَهَا إِلَيْهِ - حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخُلْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا خِلَافَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْخُلْعَ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ، فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ طَلَاقٌ، يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَالْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ خَالَعَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَهِيَ لِلْمُشَارَكَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ: فَسَخَتْ، أَوْ خَلَعَتْ إِذَا قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ بِمُجَرَّدِهِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى سُؤَالٍ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ.
فَرْعٌ: تَبِينُ بِالْخُلْعِ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَلَا يَمْلِكُ رَجَعَتْهَا إِلَّا بِشَرْطٍ كَالْبَيْعِ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ حَدِيقَتَهُ، وَلَا يَزْدَادُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّهُ بَذْلٌ فِي مُقَابَلَةِ فَسْخٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالْإِقَالَةِ (فَإِنْ فَعَلَ، كُرِهَ، وَصَحَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ،
أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ، وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَالْحُرِّ - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا - فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَوِ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمِيرَاثِهَا وَعِقَاصِ رَأْسِهَا كَانَ جَائِزًا.
وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ: قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَرَاهَةِ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي، فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ؛ وَلِأَمْرِهِ عليه السلام ثَابِتًا أَنْ لَا يَزْدَادَ، وَأَمْرُهُ لِلْوُجُوبِ (وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ) ؛ لِعَدَمِ جَوَازِهَا (وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ) يَعْلَمَانِهِ (كَالْخَمْرِ، وَالْحُرِّ - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَا فَاعِلِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا يُقَالُ: هَلَّا يَصِحُّ الْخُلْعَ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِزَوْجِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ فَعَلَتْهُ، وَفَارَقَ النِّكَاحَ، فَإِنَّ وُصُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ إِذَا خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَجَّانًا، وَاقْتَضَى أَنَّهُمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمَا الْمُحَرَّمَ أَنَّ لَهُ قِيمَتَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا.
فَرْعٌ: إِذَا تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَغَا، وَقِيلَ: لَهُ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلِهَا. (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا - فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَتِهَا، فَوَجَبَ بَدَلُهَا مَعَ تَعَذُّرِهَا كَالْمَغْصُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَيَجِبُ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى دِنِّ خَلٍّ، فَبَانَ خَمْرًا - رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَقِيلَ: تَرْجِعُ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،
بَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ عَامَيْنِ أَوْ سُكْنَى دَارٍ، صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ - رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا، صَحَّ وَسَقَطَتْ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْبُضْعِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ بِخَمْرٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا عَيْنٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَتِهَا، وَبَقَاءِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَوَجَبَ بَدَلُهَا مُقَدَّرًا بِقِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا كَالْمَغْصُوبِ.
(فَإِنْ بَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَالْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَيَقُولُ: خَلَعْتُكِ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَهَذَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ - طُلِّقَتْ وَمَلِكَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهِ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ عَامَيْنِ) أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً - صَحَّ، قَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ، فَفِيهِ أَوْلَى، فَلَوْ خَالَعَهَا مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا - صَحَّ، وَانْصَرَفَ إِلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ هُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ سُكْنَى دَارٍ) مُعَيَّنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ كَالْإِجَارَةِ (صَحَّ) وَكَذَا إِذَا خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الطِّفْلِ أَوْ كَفَالَتِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ - رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَاقِي أُجْرَةِ الْمُدَّةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَابَّةً شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فِي نِصْفِهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِقِيمَةِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ دُفْعَةً أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَنَجَّمًا، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِي خُبْزٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، فَمَاتَ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِبَاقِي الْمُدَّةِ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَدَلَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَكْفُلُهُ، فَأَبَتْ، أَوْ أَرَادَتْهُ هِيَ، فَأَبَى - لَمْ يَلْزَمَا، وَكَذَا نَفَقَتُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً إِذَا مَاتَ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ نَفَقَتَهَا وَصِفَتَهَا، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَكَذَا مَوْتُ مُرْضِعَةٍ أَوْ جَفَافُ لَبَنِهَا فِي أَثْنَائِهَا.
(وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا، صَحَّ وَسَقَطَتْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ