الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَ
يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ
، كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ، وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ، عَادَتِ الصِّفَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَتَبْطُلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ]
فَصْلٌ
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَصَحَّ كَالتَّدْبِيرِ (وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا) أَيْ: إِبْطَالَ الصِّفَاتِ (بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ شَيْئًا، فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ بِالْقَوْلِ، كَالنَّذْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً: إِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَإِجَارَتِهِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ، إِذِ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَالتَّدْبِيرِ، وَعَنْهُ: لَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ غَيْرُ تَامٍّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ، فَمَتَى جَاءَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، عَتَقَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لَمْ يُعْتَقْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ، لَا سَبِيلَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ إِلَى إِبْطَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنَ الْأَلْفِ، لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِمَجِيئِهَا، وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنْ كَسْبِهِ، يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ.
فَرْعٌ: لَا يُعْتَقُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِكَامِلِهَا، كَالْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَ بِوُجُودِ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ أَكَلْتَ رَغِيفًا، فَأَكَلَ نِصْفَهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأُمُورٍ، مِنْهَا: أَنَّ مَوْضُوعَ الشَّرْطِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ.
(فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ) بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهُ (عَادَتِ الصِّفَةُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ مَوْجُودَانِ فِي مِلْكِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا لَا تَعُودُ ; لِأَنَّهَا انْحَلَّتْ بِوُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا وُجِدَ مَرَّةً، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ.
الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا فَأَنْتَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالثَّانِيَةُ: تَعُودُ ; لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ الَّتِي يُعْتَقُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّرٌ فِي الصِّفَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْعِتْقُ بِخِلَافِهِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ عَمْرٍو: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، فَأَنْتَ وَعَبْدِي زَيْدٌ حُرَّانِ، فَبَاعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ، وَقَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَعَبْدِي زَيْدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْهَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ عِتْقَ زَيْدٍ وَعَدَمَهُ.
(وَتَبْطُلُ الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ بِزَوَالِهِ، كَالْبَيْعِ (فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَهَلْ يَصِحُّ، وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى - وَهِيَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ - أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةُ لا تنعقد ; لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِي إِيَّاكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ لَهُ بَعْدَ إِقْرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُعْتَقْ، كَالْمُنَجَّزِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُعْتَقُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ صَرَّحَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ، وَبِبَيْعِ سِلْعَتِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَيُفَارِقُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فِي ثُلُثِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالثَّانِيَةُ:
حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قَالَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُعْتَقُ إِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ تُوجِبُ وُقُوعَ الْعِتْقِ عِنْدَ شَرْطِهِ ضَرُورَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَبْلَ الْعِتْقِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ، وَكَسْبُهُ لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلَى الْأُولَى، لَا يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ بَيْعَهُ قَبْلَ فِعْلِهِ كَمُوصًى بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، صَارَ مُدَبَّرًا) لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَدْخُلْهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَبْقَ دُخُولِ الدَّارِ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ لِلشَّرْطِ، إِذِ الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِهِ الْجَزَاءَ (فَإِنْ قَالَ) الْحُرُّ (إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَقُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَخَلْقٍ، وَفِي الْمُغْنِي: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا عِتْقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَعْلِيقَهُ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالثَّانِيَةُ: يُعْتَقُ إِذَا مَلَكَهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ مَقْصُودٌ مِنَ الْمِلْكِ، وَالنِّكَاحُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ لِلَّهِ، وَلَا فِيهِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إِلَى حَالٍ مَلَكَ عِتْقَهُ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ
الْعَبْدُ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ، فَمَلَكَ عَبِيدًا، ثُمَّ مَاتَ، فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، أَوْ كَسْبِهِ لَهُ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا، ثُمَّ مَيِّتًا لم يُعْتَقُ الْأَوَّلُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَهُ الْعَبْدُ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ حِينَ التَّعْلِيقِ ; لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ، فَهُوَ مِلْكٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَتَقَ، وَمَلَكَ: عَتَقَ كَالْحُرِّ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ الْحُرُّ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، انْبَنَى عَلَى الْعِتْقِ، قَبْلَ الْمِلْكِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ وَاحِدٍ شَيْئًا، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ مَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا، فَقِيلَ بِعِتْقِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ وُجِدَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، كَالْمُسَابَقَةِ، وَعَكْسِهِ، وَقِيلَ: وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا فِي أَوَّلِ غُلَامٍ أَوِ امْرَأَةٍ تَطْلُعُ، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ طَالِقٌ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ لَفْظَهَا: أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ عَبِيدِي.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ مَلَكَهُ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، لَمْ يُعْتَقْ.
(وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ) أَيْ: صِحَّةِ التَّعْلِيقِ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ عُلِّقَتْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْآخِرِيَّةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْآخِرِ (فَمَلَكَ عَبِيدًا، ثُمَّ مَاتَ، فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ مَلَكَهُ، وَيَكُونُ (أَوْ كَسْبُهُ لَهُ) وَإِنْ كَانَ أَمَةً، كَانَ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا مِنْ حِينِ وَلَدَتْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا ; لِأَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إِذَا اشْتَرَاهَا، حَتَّى يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهَا غَيْرَهَا، فَهِيَ آخِرٌ فِي الْحَالِ، فَإِنْ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ، فَكَأَوَّلٍ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي أَوْ فِي مَالِي، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ رَضِيَ سَيِّدُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ مَوْلُودٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، عَتَقَ كُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ بَاعَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا لِوِلَادَتِهَا لَهُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا، لَمْ يُعْتَقِ الْأَوَّلُ)
وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا، عَتَقَ الثَّانِي، وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأُشْكِلَ الْآخِرُ مِنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِهِ حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ أَلْفٌ أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ عِتْقِهِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّرِيفِ: أَنَّهُ يُعْتَقُ الْحَيُّ (وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا، عَتَقَ الثَّانِي) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأُشْكِلَ الْآخِرُ مِنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ، فَوَجْهُ إِخْرَاجِهِ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا حُرٌّ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا، فَعَنْهُ: يُعْتَقُ الْحَيُّ، ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ، وَعَنْهُ: لَا وهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ إِنَّمَا وُجِدَ مِنَ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ فَانْحَلَّتِ الْيَمِينُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا، ثُمَّ لَمْ تَلِدْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، فَفِي عِتْقِ الْحَيِّ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتِ اثْنَيْنِ، وَأُشْكِلَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَقَانِ جَمِيعًا، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ، أَنَّ مَعْنَاهُمَا: أَنَّ أَمَدَ مَنْعِ السَّيِّدِ مِنْهُمَا هَلْ هُوَ الْقُرْعَةُ أَوْ الِانْكِشَافُ، وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: لَا يُعْتَقُ وَلَدٌ حَدَثٌ كَتَعْلِيقِهِ بِمِلْكِهِ.
(وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) أَيْ: إِذَا حَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، وَوَضَعَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حَالَ التَّعْلِيقِ، وَلَا فِي حَالِ الْعِتْقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ، قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ يُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُمُّ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، أَوْ بَاعَهَا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ، وَوَلَدُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِعِتْقِ أُمِّهِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِهِ حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا) أَيْ: إِذَا عُلِّقَ عِتْقُ أُمِّهِ بِصِفَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ، تَبِعَهَا وَلَدُهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، ثُمَّ وُجِدَتْ، عَتَقَ ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الصِّفَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَطْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَالَ التَّعْلِيقِ، ثُمَّ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، وَهِيَ حَامِلٌ، عُتِقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وُجِدَ فِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا كَالْمُنَجَّزِ.
فَرْعٌ: إِذَا بَطَلَتِ الصِّفَةُ بِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُعْتَقًا بِصِفَةٍ.
عَلَى أَلْفٍ، عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ، وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبَلَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً، فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ أَلْفٌ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَقْبَلْهُ، فَلَمْ يُعْتَقْ بِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ مِائَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ (وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ) نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ قَصَدَ الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبَلَ) فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُعْتَقْ بِدُونِ قَبُولِهِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بِمِائَةٍ أَوْ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِمِائَةٍ ; لِأَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْعِوَضِ {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] و {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَلَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ: زَوَّجْتُكَ فُلَانَةً ابْنَتِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَقَبِلَ الْآخَرُ، صَحَّ، وَوَجَبَ الصَّدَاقُ، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ، كَقَوْلِهِ: عَلَى مِائَةٍ، وَإِنْ أَبَاهُ، لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ بِقَبُولِهَا مَجَّانًا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِالْأَدَاءِ، فَإِنْ بَاعَهُ نَفْسَهُ، بِمَالٍ فِي يَدِهِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعُتِقَ فِي الْحَالِ، وَفِي الْوَلَاءِ رِوَايَتَانِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُعْتَقُ بِلَا قَبُولٍ، وَتَلْزَمُهُ الْخِدْمَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ قَصْدَ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا ظَاهِرٌ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَزِمَتْهُ خِدْمَتُهُ سَنَةً، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ كَمَالِ السَّنَةِ، رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الْخِدْمَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْعِوَضِ، رَجَعَ إِلَى قِيمَتِهِ، كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَبْدِ، وَهَلْ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، نَقَلَ حَرْبٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا مِنَ الْعَبْدِ، أَوْ مِمَّنْ شَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَوِ اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَذَكَرُوا صِحَّتَهُ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا مَثَّلَهُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْبَائِعِ خِدْمَةَ الْمَبِيعِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ.