الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَ
يَمَلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ، وَمَنَافِعَهُ، وَالْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ
، وَالْإِجَارَةَ، وَالِاسْتِئْجَارَ، وَالسَّفَرَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ، وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ) إِذَا بَانَ بِالْعِوَضِ عَيْبٌ فَأَمْسَكَهُ، اسْتَقَرَّ الْعِتْقُ ; لِأَنَّ إِمْسَاكَهُ الْمَعِيبَ رَاضِيًا بِهِ رِضًا مِنْهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَجَرَى مَجْرَى إِبْرَائِهِ، إِنِ اخْتَارَ إِمْسَاكَهُ، وَأَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَدَّهُ، أَخَذَ عِوَضَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ قِيمَتُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: إِنْهُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ، فَإِذَا حَكَمَ بِوُقُوعِهِ لَمْ يَبْطُلْ، أَشْبَهَ الْخُلْعَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ، وَيَحْكُمُ بِارْتِفَاعِ الْعِتْقِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالتَّرَاضِي كَالْمَبِيعِ، أَمَّا إِذَا دَفَعَ مَالَ الْكِتَابَةِ، فَبَانَ مُسْتَحِقًّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الدَّفْعِ كَعَدَمِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ.
[يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ]
فَصْلٌ
(وَيَمَلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَدَاءِ عِوَضِهِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا بِالِاكْتِسَابِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ أَقْوَى جِهَاتِ الِاكْتِسَابِ، فَإِنْهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ:«أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ» (وَالْإِجَارَةَ، وَالِاسْتِئْجَارَ) كَالْبَيْعِ (وَالسَّفَرَ) قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْكَسْبِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ تَحِلُّ نُجُومُ كِتَابَتِهِ قَبْلَ قُدُومِهِ، كَالْغَرِيمِ الَّذِي يَحِلُّ الدَّيْنُ عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِهِ (وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ) وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَحَبَّةً ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِينَ الْأَخْذَ مِنَ الْوَاجِبَةِ، فَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى (وَالْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنًى عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ، أَيْ: التَّابِعُ لَهُ كَوَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، فَإِنْ عَجَزَ، وَلَمْ يَفْسَخْ سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ، فَتَلْزَمُ النَّفَقَةُ لِسَيِّدِهِ، وَلِلْمُكَاتَبِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ لِسَيِّدِهِ، وَفِيهِ مِنْ مُكَاتَبِهِ لِسَيِّدِهِ احْتِمَالَانِ (وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ) أَيْ: يَمْلِكُ كُلَّ تَصَرُّفٍ فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ كَأَدَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَجَرَيَانِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُ صَارَ لِمَا بَذَلَهُ
شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يَعْتِقَ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنَ الْعِوَضِ كَالْحُرِّ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا مِنْ سَيِّدِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَعَكْسُهُ لَوِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شِقْصًا لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنَ الْمُكَاتَبِ.
(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ، فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ كَشَرْطِ تَرْكِ الِاكْتِسَابِ.
وَالثَّانِي، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ ; لِأَنَّ لَهُ فِيهِ فَائِدَةً، فَلَزِمَ كَمَا لَوْ شَرَطَ نَقْدًا مَعْلُومًا، فَعَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ سَافَرَ، فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا مَلَكَ تَعْجِيزَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِشَرْطِهِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَإِمْكَانِهِ رَدَّهُ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ إِنْ خَالَفَ مَرَّةً لَمْ يُعَجِّزْهُ بِخِلَافِ الْمَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا رَآهُ يَسْأَلُ النَّاسَ مَرَّةً فِي مَرَّةٍ، عَجَّزَهُ، كَمَا إِذَا حَلَّ نَجْمٌ فِي نَجْمٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُطْعِمُهُ مِنْ صَدَقَتِهِمْ وَأَوْسَاخِهِمْ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ حِينَئِذٍ، كَمَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ.
فَرْعٌ: إِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعَيْبِ وَالدَّيْنِ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِذِمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ مِنَ السَّيِّدِ غُرُورٌ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يُعْتِقُ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» وَلِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ كَسْبِهِ، وَرُبَّمَا عَجَزَ فَيَرِقُّ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ نَاقِصَ الْقِيمَةِ، أَمَّا إِذَا أَذِنَ سَيِّدُهُ، جَازَ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَلَقِنِّ، لَصَحَّ، فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ وَلَا أَمَتَهُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنِ الْقَاضِي: لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضًا فِي تَزْوِيجِهَا، وَلَنَا أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ضَرَرًا، وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَمَهْرُهَا، وَهِيَ تُمَلِّكُ الزَّوْجَ بِعضَهَا وَيَنْقُصُ قِيمَتَهَا، وَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا لَيْلًا وَكَسْبُهَا لِسَيِّدِهَا.
الثَّانِيَةُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، جَازَ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ التَّسَرِّي، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْمَنْعُ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ ضَرَرًا، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالتَّزْوِيجِ، لَكِنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ; لِأَنَّهُ وَلَدُهُ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَعَتَقَ الْوَلَدُ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ، أَشْبَهَ الْجُزْءَ، وَإِنْ عَجَزَ، عَادَ إِلَى الرِّقِّ.
الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ مَالِهِ، وَلَا هِبَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا يُقْرِضُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ بِفَلْسٍ أَوْ مَوْتِ الْمُقْتَرِضِ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا قَرْضَهُ بِرَهْنٍ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ لَا يُحَابِيَ الْمَالَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ.
السَّادِسَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ
وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يُكَفِّرَ بِالْمَالِ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السيِّدِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَقَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَصَالِحِ مِلْكِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ، صَارَ وَسِيلَةً إِلَى إِقْدَامِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
السَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ رَقِيقِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
(وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: لَهُ إِنْ عَتَقَ (وَلَا يُكَفِّرَ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةٌ وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ) صَحَّحَهَا فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، لَكَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى تَفْوِيتِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ يَجِبِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ كَالتَّبَرُّعِ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ) أَوْ يَبِيعَ نِسَاءً، وَلَوْ بَرهن وَهِبَته بِعِوَضٍ وَقَوَده مِنْ بَعْضِ رَقِيقِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِهِ إِذَا كَفَلَ بَعْضٌ بَعْضًا وَحْدَهُ، وَعِتْقُهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوَدُهُ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ بِلَا إِذْنٍ (يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى السَّيِّدِ، وَرُبَّمَا فِيهِ غَرَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنْهُ أَسْلَمَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلرِّبْحِ، أَشْبَهَ الِاسْتِدَانَةَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ إِنِ احْتَاجَ إِلَى إِنْفَاقِ مَالِهِ فِيهِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ أَنْ يَحُجَّ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحُجُّ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ إِنْفَاقِ مَالِهِ، فَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ.
الثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ هَدِيَّةٌ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَوَابِّهِ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ، وَيَحْتَمِلُ
الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ، وَمَتَى مَلَكَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ، وَلَهُ كَسْبُهُمْ وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ، فَإِنْ عَتَقَ، عَتَقُوا، وَإِنْ رَقَّ، صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا، وَإِنِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْجَوَازَ، وَلَا يَضْمَنُ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: لَهُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ لِضِيفَانِهِ، وَإِعَارَةُ أَوَانِي مَنْزِلِهِ مُطْلَقًا.
الثَّالِثَةُ: إِذَا شَرَطَ الْخِدْمَةَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَفِي الِانْتِصَارِ: يَسْتَمْتِعُ بِجَارِيَتِهِ وَيَسْتَخْدِمُهَا وَيَتَصَرَّفُ بِمَشِيئَتِهِ إِلَّا بِتَبَرُّعٍ (وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ مَالِهِ، فَإِنْهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْهِبَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ) رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ كَتَمَلُّكِهِمْ بِالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، إِذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ عَجَزَ، فَهُمْ عَبِيدٌ، وَإِنْ عَتَقَ، لَمْ يَضُرَّ السَّيِّدَ عِتْقُهُمْ، وَمِثْلُهُ الْفِدَاءُ، قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ: يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَنْ يُعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالتَّرْغِيبِ، فَإِنْ عَجَزَ عُتِقُوا (وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَبُولِ إِتْلَافُ مَالٍ وَلَا ضَرَرٌ، مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْأَدَاءِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا (وَمَتَى مَلَكَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ) وَلَا إِخْرَاجُهُمْ عَنْ مِلْكِهِ ; لِأَنَّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ جُزْئِهِ، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَبَعْضِهِ (وَلَهُ كَسْبُهُمْ) لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ (وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ) لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُ (فَإِنْ عَتَقَ عَتَقُوا) أَيْ: لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّى عَتَقَ وَكَمُلَ مِلْكُهُ فِيهِمْ، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ، وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ لَهُمْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمُ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَتَقُوا (وَإِنْ رَقَّ صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ) وَنَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ ; لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمُ السَّيِّدُ لَمْ يُعْتَقُوا ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَبِيدًا لَهُ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ (وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ، فَسَرَى إِلَى الْوَلَدِ
نِكَاحُهَا، وَإِنِ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَالِاسْتِيلَادِ، فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ، عَتَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَمْلًا حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا، فَأَمَّا قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَلَا يَتْبَعُهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهَا بِالْعِتْقِ، لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا، فَلِأَنْ لَا يَتْبَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
فَرْعٌ: قِيمَةُ الْوَلَدِ إِنْ تَلَفَ وَكَسْبُهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأُمِّهِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ، عَادَ رَقِيقًا، فَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً، انْبَنَى عَلَى فَسْخِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عُتِقَتْ بِغَيْرِ الْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ وَلَدَهَا دُونَهَا، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا، وَوَلَدُ بِنْتِهَا كَبِنْتِهَا، وَوَلَدُ ابْنِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ.
(وَإِنِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ) أَوِ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا، صَحَّ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَلِكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ، وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ، فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. (وَإِنِ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ; لِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَتُهُ، أَشْبَهَتْ مُسْتَوْلَدَةَ الْحُرِّ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِمَمْلُوكٍ في غير مِلْكٍ تَامٍّ.