الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ
، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا طَلَّقَهَا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ بِغَيْرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعَبَّاسِ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَقَدْ كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَبِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا قَلِيلًا حِيلَةً، وَحَكَى الْمَجْدُ قَوْلًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ: وَتَضَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَهْرَ الْأُخْرَى فَقَطْ لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّشْرِيكِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ، أَنَّهُ مَتَى صَرَّحَ بِالتَّشْرِيكِ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، قَوْلًا وَاحِدًا، فَهَذِهِ الصُّورَةُ عِنْدَهُمْ مُخْرِجَةٌ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ بِتَسْمِيَةٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا اخْتَارَهُ: أَنَّ بُطْلَانَهُ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمَهْرِ، وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إِذَا سَمَّيَا صَدَاقًا، فَقِيلَ: تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا دُونَ الْأُخْرَى، فَسَدَ نِكَاحُهُمَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَفْسَدُ فِي الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقًا، وَفِي الْأُخْرَى رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، وَيَكُونَ رَقِيقُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِكَ - لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ، وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا، صَحَّ، وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً، وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا، صَحَّ النِّكَاحُ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ.
[نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ]
(وَالثَّانِي: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا) لِلْأَوَّلِ (طَلَّقَهَا) أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، أَوْ زَوَّجْتُكَهَا إِلَى أَنْ تَطَأَهَا، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ:«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ،
شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ.
الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ عليه السلام لَا يَلْعَنُ عَلَى فِعْلٍ جَائِزٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَفَسَادِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ الْحِلَّ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْحِلُّ، كَقَوْلِهِ عليه السلام:«مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَوُتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنَ التَّابِعِينَ ; وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ إِلَى مُدَّةٍ، وَفِيهِ شَرْطٌ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ، أَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ، لَكِنَّهُ خَرَّجَهَا مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ; لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ شَاهِينَ فِي غَرَائِبِ السُّنَنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، فَقَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا نِكَاحُ رَغْبَةٍ» ، لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَظَاهِرُهُ شَامِلٌ إِذَا اشْتَرَطَا التَّحْلِيلَ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ كَالْمُقَارِنِ، إِلَّا أَنَّ هُنَا النِّيَّةَ كَافِيَةٌ فِي الْمَنْعِ، فَغَايَتُهُ أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، نَعَمْ، لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ نَوَى فِيهِ نِكَاحًا، فَالْمُؤَلِّفُ يُصَحِّحُهُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ: إِنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ كَالْمُقَارِنِ، فَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ مَعَهُ الْعَقْدُ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ) قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ ; فَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، وَأَمَّا صِحَّتُهُ ; فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ خَلَا عَنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا بِغَيْرِ الْإِحْلَالِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ، عَنْ أَحْمَدَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نَفْسِهِ طَلَاقُهَا - فَكَرِهَهُ، فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِنَا، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، إِذْ رِوَايَةُ حَرْبٍ فِيمَنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُحَلِّلُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِذَا نَوَى التَّطْلِيقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَنِيَّةِ التَّحْلِيلِ، وَنَصُّ أَحْمَدَ يَشْهَدُ لَهُمْ.