الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُلْعُ، وَوَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا.
وَالْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ، إِلَّا أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوِ الْفَسْخِ، أَوِ الْمُفَادَاةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ، فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: الْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ، سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا) لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ (لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا إِذَنْ لَهُ فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَالْأَظْهَرُ: الصِّحَّةُ مَعَ الْإِذْنِ لِمَصْلَحَةٍ - وعَلَى مَا ذَكَرَهُ (وَوَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا عِوَضَ لَهُ، فَوَجَبَ وُقُوعُهُ رَجْعِيًّا؛ لِسَلَامَتِهِ عَمَّا يُنَافِيهِ، وَهَذَا إِذَا وَقَعَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ نَوَاهُ بِهِ.
فَأَمَّا إِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوِ الْمُفَادَاةِ - وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ الْخُلْعُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِهِ بِعِوَضٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَلَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ بِبَذْلِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ كَانَ بِهَا لَمْ يَقَعْ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا رَجْعَةَ مَعَهَا، فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِ غُرَمَائِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ التَّبَرُّعِ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا فِي ذِمَّتِهَا، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا لِحَظِّ نَفْسِهَا.
[أَلْفَاظُ الْخُلْعِ]
(وَالْخُلْعُ) لَهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ لَفْظُ الْخُلْعِ، وَالْمُفَادَاةِ وَكَذَا الْفَسْخُ فِي الْأَشْهَرِ، وَكِنَايَةٌ: وَهُوَ الْإِبَانَةُ وَالتَّبْرِئَةُ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": صَرِيحَهُ الْخُلْعُ، أَوِ الْفَسْخُ، أَوِ الْفِدَاءُ، أَوْ بَارَئْتُكِ (طَلَاقٌ) أَيْ: إِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِوُجُودِ صَرِيحِهِ أَوْ كِنَايَتِهِ مُقْتَرِنَةً بِالنِّيَّةِ (بَائِنٌ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَإِنَّمَا يَكُونُ فِدَاءً إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا لَكَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَكَانَتْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَقَبْضَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَوْ جَازَتِ الرَّجْعَةُ لَعَادَ الضَّرَرُ (إِلَّا أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ الْمُفَادَاةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهِيَ أَظْهَرُهُمَا، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ثُمَّ
الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] فَذَكَرَ طَلْقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَهُ بَعْدَهُمَا، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ أَرْبَعًا؛ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ، فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ دَلَّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَمُرَادُهُ: مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي كَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ: مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ تَفْرِيقٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ.
(وَفِي الْأُخْرَى هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْأَكْثَرُ، لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ؛ وَلِأَنَّهَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إِيقَاعَهَا هِيَ الطَّلَاقُ دُونَ الْفَسْخِ؛ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلَاقًا كَغَيْرِ الْخُلْعِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، حُسِبَ وَنَقُصَ بِهِ عَدَدُ طَلَاقِهِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ فَسْخٌ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَعَهَا بِمِائَةِ مَرَّةٍ، وَتُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا، فَيَقُولُ: خَلَعْتُكِ عَلَى كَذَا، وَتَقُولُ: هِيَ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، وَتَصِحُّ تَرْجَمَةُ خُلْعٍ بِكُلِّ لَفْظِ طَلَاقٍ مِنْ أَهْلِهَا.
فَرْعٌ: لَا يَحْصُلُ الْخُلْعُ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ وَقَبُولِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ، قَالَ الْقَاضِي: ذَهَبَ إِلَيْهِ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبُرِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ إِلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِقَبُولِ الزَّوْجِ الْعِوَضَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ شِهَابٍ بِعُكْبُرَا، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ هُرْمُزٍ، نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: كَيْفَ الْخُلْعُ؛ قَالَ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ فَهِيَ فُرْقَةٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ: مَنْ قَبِلَ مَالًا عَلَى فِرَاقٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْبُضْعِ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ اللَّفْظِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فَلَمْ يَقُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَقَامَ الْإِيجَابِ، كَقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ.