الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حروف الزيادة
مدخل
…
حُرُوفُ الزِّيادَة:
وأمَّا حروفُ1 الزيادة فعشَرةٌ، ويجمعها قولك: أَمانٌ وتَسهيلٌ.
فإِن قيل: ولم سُمِّيَتْ حروفَ الزيادة، وهي قد تكون أصولًا؟ فالجواب أنَّ المراد بذلك أنها الحروف التي لا تكون الزيادةُ إِلَّا منها؛ ألا ترى أنه متى وُجِد حرفٌ في كلمة زائدًا2 لا بدَّ أن يكون أحدَ هذه الحروف.
فإِن قيلَ: فهلّا زِدتُم في حروف الزيادة كافَ الخطاب، التي في "تِلك" و"ذاك"3 ونحوهما، والشينَ اللاحقة للكاف التي هي ضمير المؤنث في الوقف، نحو: أعطَيتُكِشْ وأكرمتُكِشْ. فالجواب أنه لا يُتكلَّمُ في هذا الموضع، من حروف الزيادة، إِلَّا فيما جعلتْه العرب كالجزء من الكلمة، نحو همزة أحمر وتاء تَنضُب وأشباه ذلك؛ ألا ترى أنهما من كمال الاسم، كالدال من "زيد"؟ لأنَّ هذا الضرب هو الذي يُحتاج إِلى إِقامة الدليل على زيادته، لمشاكلته الأصلَ في كونه من كمال البناء. فأمَّا ما لم تجعله كالجزء ممّا زِيد معه فزيادته بيّنة، لا يُحتاج إِلى إِقامة دليل عليها.
فإِن قيل: فإِنَّ الكاف قد تُزاد على أنها من نفس الكلمة، فيقال: هِندِيّ وهِندِكيّ، في معنى واحد. وهو المنسوب4 إلى الهند. قال الشاعر5:
ومَقُرونةٍ، دُهْمٍ وكُمتٍ، كأنَّها
…
طَماطِمُ، يُوفُونَ الوِفارَ، هَنادِكُ
أي: منسوبون إلى الهند. فالجواب أن هِندِيًّا وهِندِكيًّا6 من باب سَبِط وسِبَطْر –أعني ممّا
1 الكتاب 2: 312 وشرح الشافية 2: 330-396.
2 م: زائد.
3 م: ذلك.
4 م: منسوب.
5 كثير عزة. ديوانه 2: 137 وسرّ الصناعة 1: 281 واللسان والتاج "هند". يصف خيلًا. والطماطم: جمع طمطم. وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح. ويوفي: يطيل. والوفار: جمع وفرة. وهي الشعر المجتمع على الرأس. وفي النسختين: "الوفاز". والوفاز: جمع وفزة. وهي المكان المرتفع.
6 م: هندًا.
تقارب فيه اللفظُ، والأصلُ مختلفٌ– لأنه لم يثبت1 زيادة [18ب] الكاف في موضعٍ غيرِ هذا، فيُحملَ هذا عليه.
فإِن قيل: فإِذا كان الأمرُ على ما ذكرتَ فلمَ أَوردوا في حروف الزيادة اللّامَ الزائدةَ، في مثل "ذلك"، والتاءَ الزائدةَ للتأنيث، في مثل قائمة، وهما ليسا كالجزء مما زيدا فيه؟ ألا ترى أنَّ "قائمًا"2 اسمٌ كامل دون التاء، وكذلك "ذلك" اسمٌ كاملٌ دون اللّام؛ لأنك تقول:"ذاك"؟ فالجواب عن ذلك شيئان:
أحدُهما: أنَّ التاء الزائدة قد تكون، في موضع، من نفس الكلمة3 نحو: عِفرِيت، وكذلك اللّام في نحو4: عَبْدلٍ5 وزَيدلٍ6. فإِن قيل: فإِنَّ اللام في عَبدلٍ ليست من كمال الاسم؛ لأنك تقول: عَبْدٌ، وكذلك زَيدلٌ لأنك تقول: زَيدٌ. فالجواب أنَّ الذي يقول عبدلًا وزيدلًا ليس "عبد" و"زيد" عنده باسمين كاملين، بل هما بعضُ اسم، بدليل جعلهما حرفي إعراب كالدال من "زيد"7. فلمَّا كانا من نفس الحرف في بعض المواضيع ذُكرا مع حروف الزيادة.
والآخَرُ: أنَّ تاء التأنيث في مثل قائمة واللّام في مثل "ذلك" بمنزلة ما هو من نفس الحرف. أمَّا تاء التأنيث فلأنها قد صارت حرف إِعراب. وأيضًا فإِنك لو أسقطتها لاختلَّت دلالة الاسم؛ لأنه كان يُعطي التأنيث، فإِذا سَقطت منه لم يبقَ ما يدلُّ على التأنيث، وصار مدلول الاسم شيئًا آخَر. وقد تلزم في بعض المواضع نحو: رَفاهِيَة8 وكَراهِيَة وطَواعِيَة، لا يجوز حذفها في شيء من ذلك. وأمَّا اللّام فإِنها إِذا زيدت في اسم المشار صار اسم الإِشارة يقع على البعيد، فإِذا أسقطتها منه اختلَّت9 دلالته التي كانت له مع اللّام، وصار يعطي القريب، نحو "ذا".
فإِن قيل: فلمَ أوردوا فيها الهاء، وهي لا تُزاد إِلَّا لبيانِ الحركة، فلم تتنزَّل منزلة الجزء مما زيدت فيه؟ فالجواب أنَّ المبرّد10 قد أخرجها لذلك من حروف الزيادة. وسنُبيّن كونها من
1 م: لم تثبت.
2 م: قائم.
3 م: البناء.
4 سقط من م.
5 عبدل: عبد.
6 زيدل: زيد.
7 سقط "بدليل جعلهما حرفي إعراب كالدال من زيد" من م.
8 سقط من م.
9 م: اختلفت.
10 هو أبو العباس محمد بن يزيد، إمام في اللغة والأدب والنحو، توفي سنة 285. البلغة ص250.
حروف الزيادة في فصل الهاء1 إِن شاء الله [تعالى]2.
فتَبَيَّنَ أنَّ حروف الزيادة3، التي يجب أن تُورَدَ هنا، إِنما هي العشَرةُ المتقدّمةُ الذّكر. وما عدا ذلك من الحروف لا يزاد4 إِلَّا في التضعيف. فإِنَّ كلَّ حرف يُضعَّفُ فإِنَّ أحدَ المُضعَّفينِ زائدٌ، ما لم تَقُم الدَّلالةُ على أصالتهما5. وذلك بأن يؤدِّي جعل أحدهما زائدًا إلى بقاء الكلمة على أقلِّ من ثلاثة أحرف، نحو: ردّ، إذ لا بدَّ من فاء وعين ولام6. وسنُفرِد لذلك7 بابًا، عقِبَ الفراغ من حروف الزيادة، وسنُبيِّن8 فيه أيُّ الحرفين هو الزائد؟ فإِنَّ في ذلك خلافًا.
ولا يُزاد حرف من هذه الحروف إِلَّا:
للإِلحاق: نحو واو: كَوثَر.
أو لمعنى: نحو حروف المُضارَعة9.
أو للإِمكان10: نحو همزة الوصل –فإِنها زيدت ليُتوصَّلَ بها إِلى النطق بالساكن- ونحو الهاء المزيدة، فيما كان من الأفعال على حرف واحد، في الوقف، نحو: فِهْ، وعِهْ. فإِنه لا يمكن النُّطق بحرف واحد، إذ لا أقلَّ من حرفٍ يُبتدأ به، وحرفٍ يوُقَفُ عليه.
أو لبيان الحركة: في نحو {سُلطانِيَهْ} 11.
أو للمَدّ12: نحو: كِتاب وعَجُوز13 وقَضِيب. وإِنّما زيدت هذه الحروف، ليزول معها قَلَقُ اللسان بالحَركات المجتمعة، أو ليزولَ معها اجتماع الأمثال في نحو: شَدِيد. وممّا14 يدلّ على أنهم قد يزيدون الحرف، للفصل بين المثلين، قولُهم في جمع قَردَدٍ:"قَرادِيد" في فصيح
1 م: "فالجواب أنها قد تزاد على أنها من نفس الكلمة في غير الوقف. وسنبين ذلك في فصل الهاء". وانظر المقتضب 1: 56 تر خلاف ما ذكر المؤلف.
2 من م.
3 م: الزوائد.
4 م: لا تزاد.
5 ف: أصالته.
6 سقط "وذلك بأن
…
ولام" من م.
7 في الورقة 28. م: وسيبين ذلك.
8 م: ونبين.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان: هو أقوى الزوائد. وانظر الارتشاف 1: 94.
10 في ف والمبدع: لإمكان.
11 الآية 29 من سورة الحاقة.
12 في حاشية ف بخط أبي حيان: هذا أضعف الزوائد.
13 له معان كثيرة تبلغ الثمانين. انظر اللسان والتاج: عجز.
14 سقط حتى بيت الفرزدق من م.
الكلام. ولا تفعل [العربُ] ذلك فيما ليس في آخره مِثلانِ، إِلَّا في الضرورة، نحو قوله1:
[تَنفِي يداها الحَصَى، في كُلِّ هاجِرةٍ]
…
نَفْيَ الدّراهِمِ تَنقادُ الصَّيارِيفِ
أو للعِوَض: نحو تاء التأنيث في: زنادقة. فإِنها عِوَضٌ من ياء زَناديق2.
أو لتكثير الكلمة: نحو أَلف: قبَعْثرًى3، ونون "كَنَهْبُل"4؛ لأنه لا يمكن فيهما الإِلحاق، إذ ليس لهما من الأصول نظير يلحقان به. وإِذا5 أمكن أن تجعل الزيادة لفائدة كان أولى من حملها على التكثير، إِذ لا فائدة في ذلك. فلذلك جعلنا الحرف الزائد في كلمة لها نظير، قد قابل الحرفَ الزائدَ منها حرفٌ أصليٌّ من ذلك النظير للإِلحاق [19أ] ، إِلَّا أن يمنع من ذلك مانع.
وقد6 تقدَّم ما يُعلم به أنَّ الحرف مُلحَق في الأفعال، عند ذكر الأفعال. وأمَّا في الأسماء فإِذا كان المزيد منها في مقابله حرف أصليّ، من بناء آخر على وَفق7 البناء الذي فيه الحرف الزائد، قضيت عليه بأنه للإِلحاق، إِلَّا أن يكون ذلك الحرف ألفًا غيرَ آخِر، أو ياء أو واوًا حركةُ ما قبلَهما من جنسهما، نحو: قَضِيب وعَجُوز، أو ميمًا أو همزة في أوّل كلمة.
أمَّا الألف فإِنها لم يُلحَق بها حشوَ الكلمة؛ لأنها لو جعلت للإِلحاق لم تكن إِلَّا منقلبة، كما أنَّ ألف الأصل لا تكون إِلَّا منقلبة. فإِذا قدَّرتها منقلبة لم يخلُ من أن يكون الحرف الذي انقلبتْ عنه ساكنًا أو متحرّكًا. فلا يُتصوَّر أن يكون ساكنًا، إِذا لا موجب لإِعلاله. ولا يُتصوَّر أن يكون متحركًا؛ لأنه يؤدّي إِلى تغيّر الملحق عن بناء ما أُلحق به، وذلك لا يجوز. ولذلك احتملوا ثقل اجتماع المثلين في قَردْدَ ولم يدغموا، لئلّا يتغيَّر عن بناء ما أُلحق به، وهو جَعْفَر، فلا يحصل الغرض الذي قُصد به، من تصيير الملحق على وفق الملحق به في الحركات والسَّكنات وعدد الحروف. وأمَّا إِذا كانت طرفًا فيُتصور الإِلحاق بها؛ لأنها إِذ ذاك تُقدَّر منقلبة عن حرف متحرّك. ولا يكون ذلك تغييرًا لبناء الملحق عن أن يكون على مثال ما أُلحق به؛ لأنَّ حركة الآخر ليست من البناء.
وأمَّا الياء المكسورُ ما قبلها والواو المضمومُ ما قبلها فأُجرِيا في منع الإِلحاق بهما مُجرَى
1 الفرزدق. ديوانه ص570 والكتاب 1: 10.
2 م: زنديق.
3 القبعثرى: الجمل الضخم العظيم.
4 الكنهبل: شجر عظام.
5 م: ومهما.
6 سقط من م حتى "لم يدغم مثل قردد". وانظر الورقة 15.
7 في حاشية ف: وفق بالفتح لا غير.
الألف، لشبههما بها في الاعتلال والمدّ.
وأمَّا الهمزة والميم أوّلًا فلم يُلحق بهما؛ لأنَّ العرب قد عزمت على زيادتهما أوّلًا، إذا كان بعدهما ثلاثة أحرف أصول، إِلَّا فيما شذّ، على ما يُبيَّنُ في موضعه1. فلمّا عزموا على ألَّا يكونا أصلين لم يستعملوهما في ذينك الموضعين للإِلحاق؛ لأنَّ في ذلك تقريبًا لهما من الأصول، وتنزيلًا لهما منزلتها، فيكون ذلك نقضًا لِما اعتزموه من زيادتهما. وممّا يُبيِّنُ لك أنهما ليسا للإَلحاق وجودُ "أشدّ" و"مَفَرّ" في كلامهم، والأصل "أَشْدَد" و"مَفْرَر". فلو كانا للإِلحاق لم يُدغما كما لم يُدغم مثل قَرْدَد2.
فإِن قال قائل3: ولأيّ شيء خَصُّوا هذه الأحرف العشرة بالزيادة، من بين حروف المعجم؟ فالجواب أنَّ أُمَّهاتِ هذه الزوائد، والذي4 هو زائد منها بحقّ الأصالة، الواو والياء5 والألف، لكثرة دورها في الكلام واستعمالها؛ ألا ترى أنه لا تخلو كلمة منها أو من بعضها. أعني الحركاتِ: الضَّمَّة والكسرةَ والفتحةَ؛ لأنَّ الضَّمَّة بعضُ الواو، والكسرةَ بعضُ الياء، والفتحةَ بعضُ الألف؟ ولمّا كانت أُمَّهاتِ الزوائد لذلك كانت أكثر الحروف زيادةً، على ما يُبيَّن بعدُ6، إِن شاء الله.
وأمَّا الهمزة والتاء والميم7 والنون فزِيدَت لشبَهِها بحروف العِلَّة:
أمَّا الهمزة فشبَهُها بحروف العِلَّة من جهة كثرة تغييرها، بالتسهيل والحَذف والبَدل.
وأمَّا التَّاء فأشبهت الواو من جهة تقارب مخرجيهما. ولذلك أُبدِلَت منها في مثل: تُراث وتُكأة؛ لأنهما من: وَرِثتُ وتَوكّأتُ.
وأمَّا الميم فمضارِعةٌ للواو أيضًا. من جهة تقاربهما في المخرج، ومضارعةٌ لحروف العِلَّة كلِّها، من جهة الغُنَّةِ التي فيها، الشبيهةِ باللِّين الذي في حروف العِلَّة؛ لأنَّ الغُنَّة فضلُ صوت في الحرف كما أنَّ اللِّين كذلك.
وأمَّا النُّون فأشبَهتْ أيضًا حروفَ العِلَّة، من جهة الغُنَّة التي فيها.
1 في الورقتين 21 و22.
2 ينتهي ههنا الخرم في م.
3 م: فان قيل.
4 سقطت الواو من ف.
5 ف: الياء والواو.
6 في الورقة 27.
7 م: والميم والتاء.
ولمّا كانت هذه الحروف قريبة الشبه من حروف العِلَّة كانت تليها في كثرة الزيادة، على ما يُبيَّنُ بعدُ، إِن شاء الله تعالى.
وأمَّا السين واللّام والهاء فإِنها زِيدت لشَبَهها بالحروف المشبَّهة بحروف العِلَّة1:
أمَّا اللّام فمُشْبِهةٌ للنُّونِ، من حيثُ تَستطيلُ في مخرجها حتّى تلحقَ بمخرج النون، على ما يُبيَّنُ في الإِدغام.
وأمَّا السين2 فإِنها تُشبه التاء، لهمسها [19ب] وتقارب مخرجيهما.
وأمَّا الهاء فمُشْبِهةٌ للهمزة، من جهة تقارب مخرجيهما؛ لأنهما من حروف الحلق.
ولمّا كانت هذه الحروف لم تُشْبِه حروف العِلَّة، بل أَشبهت المُشبَّه بها، لم تجئ مزيدةً إِلَّا في ألفاظ محفوظة، وأماكنَ مخصوصة لا تتعدّاها. فهي أقلُّ الحروف زيادة لذلك.
1 م: "لحروف". ف: زيدت لشبهها بالحروف المشبهة بحروف العلة.
2 م: التاء.