الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التمثيل:
اعلم أنَّك إذا أردتَ أن تُبيِّنَ وزن الكلمة من الفِعل1 عمدت إلى الكلمة، فجعلت في مقابلة الأُصول منها الفاء والعين واللام؛ فتجعل الفاء في مقابلة الأصل الأوَّل، والعينَ في مقابلة الثاني، واللامَ في مقابلة الثالث. فإن فَنِيَتِ الفاء والعين واللام ولم تفنَ الأصول كرَّرتَ اللام في الوزن، على حَسَبِ ما بقي لك من الأُصول2، حتَّى تَفنَى.
وأمَّا الزوائد3 فلا يخلو أن تكون مكرَّرة من لفظ الأصل، أو لا تكون. فإن لم تكن مكرَّرة من لفظ الأصل أبقيتَها في المثال على لفظها، ولم تجعل في مقابلتها شيئًا. وإن كانت مكرَّرة من لفظ الأصل وزنتَها بالحرف الذي تَزِن به الأصلَ الذي تكرَّرتْ منه.
فعلى هذا إذا قيل لك: ما وزنُ زَيد من الفِعل؟ قلتَ: "فَعْلٌ"؛ لأنَّ حروفه كلَّها أُصول، وهي ثلاثة. فتجعل في مقابلتها الفاء والعين واللام.
فإن قيل لك: ما وزن جَعفَر من الفِعل؟ قلتَ: "فَعْلَلٌ"؛ لأنَّ حروفه كلَّها أُصولٌ أيضاً4. فجعلتَ في مقابلتها الفاء والعين واللام، فبقي حرفٌ من الأُصول، فكرَّرت اللام كما تَقَدَّم.
1 شرح الشافية 1: 10-32.
2 ف: الأصل.
3 في حاشية ف استدراكان لأبي حيان. أمَّا الأول فهو ما يلي: "الزائد يعبر عنه بلفظه" إِلَّا المبدل من تاء الافتعال فبالتاء. فلا تقول في مثل ازدجر واضطرب: افدَعَلَ ولا افطَعَلَ، ولكن: افتَعَلَ، كراهية الاستثقال أو قصدًا لبيان أصل الزنة. وإلا المكرر للإلحاق أو لغيره فبالحرف الأصلي الذي قبله، فصل بينهما زيادة أو لم، كان التكرير من حروف الزيادة أو لم. فيقولون في جلببَ واحمرَّ وعلَّمَ: فعلَلَ وافعَلَّ وفعَّلَ". انظر شرح الشافية 1: 10.
وأمَّا الاستدراك الثاني فهو قوله: "إن كان في الموزون قلب قلبتَ الزنة مثله، كقولك آدُرٌ: أعفُلٌ. ويعرف القلب بالأصل نحو: ناءَ يَناءُ، هو مأخوذ من النأي، وهو المصدر وهو أصل له، فجعلوا اللام موضع العين، والعين موضعها. وأمثلةِ اشتقاقه كالجاه فإنه من الوجه، والحادي لأنك تقول: واحِدٌ وتَوَحَّدَ، وهو منه، والقِسِيّ لأنك تقول: قوسٌ وتَقَوَّسَ. وبصحته كأيِسَ لأنه يقال: يَئسَ. فأيسَ مقلوب منه، إذ لو كان أصلًَا لقيل: آسَ؛ لأنَّ العين المتحركة وهي ياء
…
".
4 م: لأنَّ حروفه أيضًا كلها أصول.
فإن قيل لك: ما وزن أحمَد؟ قلتَ: "أَفْعَلُ"؛ لأنَّ أحمد همزته زائدة، فأبقيتَها في الوزن بلفظها، وسائر حروفه كلّها أصول، فجعلتَ في مقابلتها الفاء والعين واللام.
فإن قيل لك: ما وزن عَقَنقَل؟ 1 قلتَ: "فَعَنْعَلٌ"؛ لأنَّ حرفين من حروفه زائدان –وهما النون وإِحدى القافين- وسائر حروفه أصليَّة2، فجعلتَ3 في مقابلة الأصول الفاء والعين واللام. وبقَّيتَ النون في المثال بلفظها لأنها زائدة4، وجَعلتَ في مقابلة القاف الزائدة العينَ، ولم تزنها بلفظها؛ لأنها تكرَّرت من لفظ العين [30 ب] ، فكرَّرتَها5 في المثال من لفظ العين، حتَّى يوافق المثالُ الممثَّلَ.
فإن قيل: وما الفائدة في وزن الكلمة بالفِعل؟ فالجواب أنَّ المراد بذلك الإعلام بمعرفة الزائد من الأصليِّ، على طريق الاختصار؛ ألا ترى أنك إذا وزنت أحمد بـ"أَفْعَل" أغنى ذلك عن قولك6: الهمزة من "أحمد" زائدة، وسائر حروفه أُصول. وكان أخصرَ منه.
فإن قيل: فلمَ كَنَوا عن الأُصول بالفاء والعين واللام:؟ فالجواب أنَّ الذي حَملهم على ذلك أنَّ حروف الـ"فعل" أُصول، فجعلوها لذلك في مقابلة الأُصول.
فإن قيل: فهلَّا كنَوا عن الأُصول بغير ذلك من الألفاظ التي حروفها أصول، كـ"ضرب" مثلًا؛ ألا ترى أنَّ الضاد والراء والباء أُصول؟ فالجواب أنهم لمَّا أرادوا أن يَكنوا عن الأُصول كنَوا بما مِن عادة العرب أن تَكنِيَ به، وهو "الفعل"؛ ألا ترى أنَّ القائل يقول لك: هل ضربتَ زيدًا؟ فتقول: فَعَلتُ. وتكني بقولك "فعلتُ" عن الضرب.
وزعم أهل الكوفة أنَّ نهاية الأُصول ثلاثة، فجعلوا الراء من "جعفر" زائدة، والجيم واللام من "سفرجل" زائدتين، وجعلوا وزن جعفر من الفِعل "فَعْلَلًا"، ووزن سفرجل:"فَعَلَّلًا"7 كما فعلناه نحن، وأمَّا الكسائيُّ منهم فجعل الزيادة من جعفر وأشباهه ما قبلَ الآخِر.
وكان الذي حملهم على ذلك أن رأَوُا المثال يلزم ذلك فيه؛ ألا ترى أنَّ إحدى اللَّامين من "فَعْلَل" زائدة؟ وكذلك "فَعَلَّل" اللَّامان من هذه الثلاثة زائدتان. هكذا قياس كل مضعَّف. أعني أن يُحكم على أحد8 المِثلَين أو الأمثال بالأصالة، وعلى ما عداه بالزيادة. فلمَّا رأى ذلك لازمًا
1 العقنقل: الكثيب العظيم من الرمل.
2 م: أصليات.
3 م: فجُعلت.
4 سقط من م حتى "ولم تزنها بلفظها لأنها".
5 سقط من م.
6 ف: قولهم.
7 سقط "ووزن سفرجل فعللًا" من م.
8 م: إحدى.
في المثال قضى على الممثَّل بمثل1 ما يلزم في المثال.
وذلك فاسدٌ2 من وجهين:
أحدهما: أنه لا يُحكم بزيادة حرف إِلَّا بدليل، من الأدلَّة المتقدِّمة الذكر3: أعني الاشتقاق والتصريف وأخواتهما4. ولا شيء من ذلك موجود في جعفر ولا سفرجل. فالقضاء بالزيادة فيهما تَحكُّمٌ محض.
والآخر: أنَّ قياس المثال أن يبقى الزائد فيه بلفظه، إذا لم يكن من لفظ الأصل. فكان ينبغي أن يُجعل وزن جعفر من الفعل على هذا:"فَعْلَر"5 عند من يجعل الآخِرَ زائدًا، و6 "فَعْفَل" عند من يجعل الزائد ما قبل الآخِر، وأن يُجعل وزن سَفَرجَل:"فَعَلْجَل"[أو "فَعَرْجَل"]7.
ومن أهل الكوفة من ذهب إلى ما ذكرناه من أنَّ الأُصول ثلاثة، إِلَّا أنه وَزَن ما عدا الأصول بلفظه، فجعل8 وزن جعفر:"فَعْلَر"9، وسفرجل:"فَعَلْجَل".
ومنهم من قَضى بزيادة ما عدا الثلاثة إِلَّا أنه لا يَزِنُ. فإن قيل له: ما وزن جعفر وفَرَزدَق؟ 10
قال: لا أدري.
وكلُّ11 ذلك باطلٌ، لِما ذكرناه من أنه لا ينبغي أن يُقضى على حرف بزيادة، إِلَّا بدليل.
فالصحيح في النظر، والجاري في تمثيل الكلمة بالفِعل، ما ذهب إليه أهل البصرة.
نجز القسم الأول12.
1 ف: مثل.
2 انظر المسألة 114 من الإنصاف.
3 في الورقات 3-6.
4 م: وأخواتها.
5 م: فعلن.
6 م: أو.
7 تتمة يقتضيها السياق.
8 م: فجُعل.
9 م: فعلن.
10 م: أو فرزدق.
11 م: وكان.
12 سقطت العبارة من م.