الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القلب والحذف على غير قياس:
[القلب على غير قياس] :
باب: 1
القلب والحذف في غير حروف العِلَّة، أو في حروف العِلَّة في خلاف ما تضمَّنه الباب المتقدِّم، ممّا يُحفظ ولا يُقاس عليه.
فالمقلوب على قسمين:
قسم قُلب للضرورة، نحو قولهم:"شواعي"، في شوائع في الشعر. قال2:
وكأَنَّ أُولاها كِعابُ مُقامِرٍ
…
ضُرِبَت علَى شُزُنٍ، فهُنَّ شَواعِي
يريد: "شوائع" أي: متفرِّقات. ونحو قول الآخر3:
مَروانُ مَروانُ أَخُو اليَومِ اليَمِي
يريد: "اليَوِم" أي الشديد؛ لأنه مشتقٌّ من اليوم، لكنه قَلَب4.
وقسم قُلب توسُّعًا، من غير ضرورة تدعو إليه، لكنه لم يطَّرد عليه فيُقاسَ. وذلك نحو قولهم5: لاثٍ وشاكٍ -والأصل: شائكٌ ولائثٌ؛ لأنَّ لائثًا من: لاثَ يَلُوثُ، وشائك مأخوذ من شَوكة السِّلاح- ونحو قولهم: قِسِيٌّ، في جمع قَوس -وقياس جمعها قُئوس، نحو قولهم:
1 سقط هذا الباب من م.
2 الأجدع بن مالك الهمداني من أصمعية له. الأصمعيات ص65 والاختيارين ص471 والمؤتلف والمختلف ص49 والمقتضب 1: 140 والمعاني الكبير ص54 وسر الصناعة 743 والمقرب 2: 198 والجمهرة ص811 والمنصف 2: 57 والجمهرة 3: 3 واللسان والتاج "شيع" و"شزن". وفي حاشية ف: "الجوهري: الشزن الكعب يلعب به". وفيها أيضًا بخط أبي حيان: "البيت للأجدع بن مالك، أنشده الجوهري: وكأنَّ صَرعَيْها. ووجدت بخط الشاطبي: الشّزن: الناحية. وصوابه: وكأن صرعاها
…
". الصحاح "شعو". يصف خيلًا مغيرة.
3 الرجز لأبي الأخزر الحمَّانيِّ. الكتاب 2: 379 وشرح أبياته 2: 427 وشرح الشافية 1: 169 وشرح شواهده ص69 والخصائص 1: 64 و2: 76 -77 والمنصف 2: 102 و3: 68 والمحتسب 1: 144.
4 ف: قُلب.
5 انظر ص 326-327.
فَوج وفُئوج- ونحو قولهم: رَعَمْلِي لقد كان كذا، يريدون: لَعَمْرِي. ولا يمكننا استيعاب ما جاء من ذلك هنا لسَعته. حتَّى إنَّ يعقوب [58أ] قد أفرد كتابًا في "القلب والإبدال"1.
فإن قيل: إذا كان، من السَّعَة والكثرة، بحيث يتعذَّر ضبطه فينبغي أن يكون مقيسًا. فالجواب أنه، مع كثرته، من أبواب مختلفة لم يجئ منه في باب ما شيء يصلح أن يقاس عليه، بل لفظ أو لفظان أو نحو ذلك.
فإن قال قائل: إذا جاءت الكلمة في موضع على نظمٍ ما، ثمَّ جاءت في موضع آخر على نظمٍ آخر، فبِمَ يُعلم أنَّ أحد النظمين أصل والآخر مقلوب منه؟ بل لقائل أن يقول: لعلَّهما أصلان، وليس أحد النظمين مقلوبًا من صاحبه. فالجواب أنَّ الذي يُعلم به ذلك أربعة أشياء:
أحدها: أن يكونَ أحد النظمين أكثر استعمالًَا من الآخر، فيكونَ الأكثر استعمالًا هو الأصل، والآخر مقلوبًا منه، نحو لَعَمْرِي ورَعَمْلي. فإنَّ "لعمري" أكثر استعمالًا. فلذلك ادَّعينا أنه الأصل.
والثاني: أن يكونَ أكثر التصريف على النظم الواحد. ويكونَ النظم الآخر أقلَّ تصرُّفًا، فيُعلَمَ أنَّ الأصل هو الأكثر تصرُّفًا، والآخر مقلوب منه. وذلك نحو: شوائع، فإنه أكثر تصرُّفًا من "شواعي"؛ لأنه يقال: شاعَ يَشِيعُ فهو شائع، ولا يقال: شَعَى يَشعى فهو شاعٍ. فلذلك كان شوائع الأصل.
والثالث: أن يكونَ أحد النظمين لا يوجد إِلَّا مع حروف زوائد تكون في الكلمة، والآخر يوجد للكلمة مجرَّدًا من الزوائد. فإنَّ سيبويه جعل الأصل النظم الذي يكون للكلمة عند تجرُّدها من الزوائد، وجعل الآخر مغيَّرًا منه؛ لأنَّ دخول الكلمة الزوائدُ تغيير لها، كما أنَّ القلب تغيير، والتغيير يأنس بالتغيير. وذلك نحو: اطمأنَّ وطأمَنَ. فالأصل عند سيبويه2 أن تكون الهمزة قبل الميم، و"اطمأنَّ" مقلوبًا منه لما ذكرنا. وخالف الجرميُّ في ذلك، فزعم أنَّ الأصل "اطمأنَّ" بتقديم الميم على الهمزة. وهو الصحيح عندي لأنَّ أكثر تصريف الكلمة أتى عليه. فقالوا: اطمأنَّ ويَطمئِنُّ ومُطمئنٌّ. كما قالوا: طأمَن يُطأمِنُ فهو مُطأمِنٌ، وقالوا: طُمأنِينة، ولم يقولوا "طُؤَمنِينة".
والرابع: أن يكونَ في أحد النظمين ما يَشهد له أنه مقلوب من الآخر، نحو: أيِسَ ويَئِسَ. الأصل عندنا "يَئسَ"، و"أيِسَ" مقلوبٌ منه، إذ لو لم يكن مقلوبًا لوجب إعلاله، وأن يقال:"آسَ". فقولهم: "أَيِسَ" دليل على أنه مقلوب من "يَئسَ". ولذلك لم يُعلَّ كما لم يعلَّ "يَئسَ". ولا ينبغي أن يُجعل "أيِسَ" أصلًا ويُجعل تصحيحه شاذًّا؛ لأنَّ القلب أوسع من تصحيح المعتلِّ وأكثر.
1 انظر ص327.
2 الكتاب 2: 130 و380.
فهذه جملة الأشياء التي يُتوصَّل بها إلى معرفة القلب. فأمَّا إذا كان للكلمة نظمان، وقد تصرَّف كلُّ واحد منهما على حد تصرُّف الآخر، ولم يكن أحدهما مجرَّدًا من الزوائد والآخر مقترنًا بها، ولم يكن في أحد النظمين ما يشهد له بأنه مقلوب من الآخر، فإنَّ كلَّ واحد منهما أصل بنفسه. وذلك: جَذَبَ وجَبَذَ؛ لأنه يقال: يَجذِبُ ويَجبِذُ، وجاذِبٌ وجابِذٌ، ومَجذُوبٌ ومَجبُوذٌ، وجَذْبٌ وجَبْذٌ.