الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إدغام المثلين
1:
اعلم أنَّ كلَّ مِثلين قد يُدغمان إِلَّا الألفينِ والهمزتينِ. أمَّا الألف فلم يمكن الإدغام فيها2؛ لأنه لا يُدغَم إِلَّا في متحرِّك، والألف لا تتحرَّك. وأمَّا الهمزة فثقيلة جدًّا، ولذلك يُخفِّفها أهل التخفيف منفردةً. فإذا انضمَّ إليها غيرها ازداد الثقل، فأُلزمت3 إحداهما البدل، على حسب ما ذُكر في باب4 تسهيل الهمز5، فيزول اجتماع المِثلين.
فلا يُدغَم إِلَّا أن تكونا6 عينَينِ نحو: سأّال ورأّاس. فإنك تُدغِم ولا تُبدِل، لما ذكرناه من أنك لو أَبدلت إحداهما لاختلفت7 العينان. والعينان أبدًا في كلام العرب لا يكونان إِلَّا مِثلينِ. وقد يجوز الإدغام في الهمزتين [غيرَ عَينينِ] 8، على ما حُكي عن ابن أبي إِسحاقَ9 وناس معه، من أنهم كانوا يُحقِّقون الهمزتين، إذا كانتَا في كلمتين نحو: قَرأَ أّبوك10؛ لأنه يجتمع لهم مِثلان. وقد11 تكلَّمت العرب بذلك وهو رديء.
فعلى هذا إذا اجتمع لك مِثلان، وكان المِثلان ممَّا يمكن الإدغام فيهما، فلا يخلو من أن يكون الثاني منهما متحرِّكًا أو ساكنًا. فإن كان الثاني متحرِّكًا فلا يخلو من أن يجتمعا في كلمة واحدة أو في كلمتين. فإن اجتمعا في كلمة واحدة فلا يخلو12 من أن يكونا حرفَي علَّة أو
1 انظر الكتاب 2: 408-411 وشرح الشافية 3: 239-250 وشرح المفصل 10: 121-123 والهمع 2: 225-228.
2 م: فيهما.
3 م: فالتزمت.
4 سقط من م.
5 كذا. ولم يتَقَدَّم لتسهيل الهمز باب. وانظر ص217 و 251.
6 م: يكونا.
7 م: لاختلف.
8 سقط من م حتى قوله "يحققون الهمزتين". وما بين معقوفين تتمة من المبدع.
9 وهو عبد الله بن أبي إسحاق الزياديّ الحضرميّ الذي هجاه الفرزدق. توفي سنة 117. الخزانة 1: 115.
10 تحقق فيه الهمزتان متحركتين، أو يكون اللفظ بالإدغام بعد تسكين الأُولى.
11 سقط من م حتى قوله "لك مثلان".
12 سقط من م حتى قوله "حرفين صحيحين".
حرفين صحيحين، فإن كانا حرفَي علَّة فقد تَقَدَّمَ حكمهما في باب القلب. وإن كانا حرفين صحيحين فلا يخلو من أن يجتمعا في اسم أو في فعل.
فإن اجتمعا في فعل1 فالإدغام ليس إلَّا. فإن كان الأوَّل من المِثلين ساكنًا أَدغمتَه في الثاني من غير تغيير، نحو: ضَرَّبَ وقَطَّعَ. وإن كان الأوَّل منهما متحرِّكًا فإمَّا2 أن يكون أوَّلًا في الكلمة أو غير أوَّل.
فإن كان غير أوَّل سكَّنته بحذف الحركة منه -إن كان ما قبله متحرِّكًا أو ساكنًا3 هو حرف مدٍّ ولين- أو بنقلها إلى ما قبله، إن كان ساكنًا غير حرف مدٍّ ولين4. وحينئذ تدغم، نحو: رَدَّ واحمَرَّ واستَقَرَّ واحمارَّ. الأوَّل من المثلين في الأصل متحرِّك؛ ألا ترى أنك إذا رددت الفعل إلى نفسك تقول: رَدَدْتُ وشَمِمْتُ ولَبُبْتُ5 واستَقرَرْتُ واحمرَرْتُ واحمارَرْتُ6، فتُحرِّك لمّا زال الإدغام؟ وإنَّما سكَّنته؛ لأنَّ النيَّة بالحركة أن تكونَ بعد الحرف، فتجيءَ فاصلة بين المِثلين، ولا يمكن الإدغام في المِثلين مع الفصل.
هذا ما لم تكن الكلمة مُلحَقة، ويكونَ الإدغام مُغيّرًا لها، ومانعًا من أن تكون على مثل ما أُلحقت به. فإنك حينئذ لا تُدغم، نحو: جَلبَبَ واسحَنكَكَ7؛ لأنهما ملحقان بـ"قَرْطَسَ" و"احرَنْجَمَ"8.
فلو أدغمتَ، فقلت:"جَلَبَّ" و"اسحَنَكَّ"، لكنت قد حرَّكت ما في مقابلته من بناء الملحق به ساكنٌ، وسكَّنتَ ما في مقابلته متحرِّكٌ؛ ألا ترى أنك كنت تُحرِّك العين من "جَلْبَبَ" وهي في مقابلة الراء من "قَرْطَسَ"، وتسكّن الباء9 الأُولى وهي في مقابلة طاء "قَرْطَسَ"، وتُحرّك النون من "اسحَنْكَكَ" وهي في مقابلة نون "احرَنْجَمَ"، وتُسكّن الكاف الأُولى منها وهي في مقابلة الجيم من "احرَنْجَمَ"؟
1 سقط من م. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك شذوذ الفك في: لَحِحَ وصَكِكَ وقَطِطَ وألِلَ وضَبِبَ. وزاد في الارتشاف 1: 163: مَشِشَ. قلت: وسمع الفك في دَبَبَ وذَبِبَ وعَزُزَ ولَخِخَ وألبَبَ. وما لم يرد فيه الإدغام من هذه الأفعال وجب الفك في مصدره وسائر مشتقاته من الأسماء والأفعال؛ لأنَّ المضعَّف في حكم المعتلِّ في الشذوذ. الكتاب 1: 10 والخصائص 1: 380. وقد وردت بعض مشتقات من ذلك. اللسان "لحح" ومتن اللغة "مشش"....
2 سقط من م حتى قوله "غير أول".
3 م: متحرك أو ساكن.
4 سقط من م.
5 سقط "وشممت ولببت" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، ولم يلحق ما يلزم قبل.
6 سقط من م.
7 اسحنكك الليل: اشتدت ظلمته.
8 احرنجم القوم: اجتمعوا.
9 م: الياء.
أو يكن1 أحد المِثلين في أوَّل الكلمة2 أو تاءَ "افتَعَلَ". فإن كان أحد المثلين في أوَّل الكلمة فإنه لا يخلو [59ب] من أن يكون الثاني إذ ذاك زائدًا، أو غير زائد. فإن كان زائدًا لم تُدغِم، نحو: تَتَذكَّرُ؛ لأنك إذا استثقلت اجتماع المثلين حذفت الثاني فقلت تَذكَّرُ؛ لأنه زائد وليس في حذفه لَبس. وإن كان الثاني أصليًّا فإن شئت أدغمت -وذلك بتسكين الأوَّل، وتحتاج إذ ذاك إلى الإتيان بهمزة الوصل؛ إذ لا يُبتدأ بساكن- وإن شئت أَظهرت. وذلك نحو: تَتابَعَ واتَّابَعَ.
فإن قيل: ولأيِّ شيء لم تَحذِف إحدى التاءين3 كما فعلت ذلك في: تَذكَّرُ؟ فالجواب أنَّ التاء4 هنا أصلٌ، فلا يسهل حذفها. وأيضًا فإنَّ حذفها يؤدِّي إلى الالتباس5؛ ألا ترى أنك لو قلت:"تابَعَ"6، لم يُدْرَ: أهو "فاعَلَ" في الأصل أو "تَفاعَلَ"؟.
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لم يُدغَم في "تَتَذكَّرُ" وأمثاله؟ فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك شيئان:
أحدهما: أنَّ الفعل ثقيل. فإذا7 أَمكن تخفيفه كان أَولى. وقد8 أمكن تخفيفه بحذف أحد9 المثلين، فكان ذلك أَولى من الإدغام الذي يؤدِّي إلى جلب زيادة.
والآخر: أنك لو أَدغمت لاحتجت إلى الإِتيان بهمزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على الفعل المضارع لاسم الفاعل أصلًا، كما لا تدخل على اسم الفاعل10. وليس كذلك "تَتابَعَ" لأنه ماض، والماضي قد تكون في أوَّله همزة الوصل، نحو: انطلَقَ واستَخرَجَ واحمَرَّ.
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لم يُلزَم11 "تَتابَعَ" الإدغامَ و"تَتَذكَّرُ" الحذفَ، ويُرفَضِ12 اجتماع المثلين كما رُفض ذلك في: رَدَّ؟ 13 فالجواب أنَّ التاء في مثل "تَفاعَلَ" و"تَفَعَّلَ" لا
1 العطف على "لم يكن". وفي النسختين والمبدع: أو يكون.
2 كذا. وفيه اضطراب؛ لأنه فرع مما مضى في الفقرتين قبل، وهما فيما لم يقع أحد المثلين أول الكلمة كما جاء في مطلع التي قبلهما.
3 م: الياءين.
4 م: الياء.
5 م: الإلباس.
6 م: بايع.
7 م: فمهما.
8 م: فإن.
9 م: إحدى.
10 في النسختين: "على الفعل المضارع أصلًا". وقد ضرب أبو حيان عليها في نسخة ف، وصوبها كما أثبتنا.
11 سقط "لم يلزم" من م.
12 م: ورفض.
13 م: رُدّ.
تَلزَم؛ لأنها دخلت على "فاعَلَ" و"فَعَّلَ"؛ ألا ترى أنَّ الأصل في "تَتابَعَ": "تابَعَ"، وفي "تَذَكَّرَ":"ذَكَّرَ"؟ 1 فلمَّا لم يلزم صار اجتماع المثلين غير لازم. وما لا يلزم، وإن كان ثقيلًا، قد يُحتمل لعدم لزومه؛ ألا ترى أنَّ جَيَلًا لم يُعلَّ؛ لأنَّ الأصل "جَيْئَلٌ"2، والتخفيف المؤدِّي إلى النقل عارض فلذلك لم يُلحظ؟
ومن أَدغم في "اتَّابَعَ" وحذفَ في "تَذَكَّرُ" اعتدَّ باجتماع المِثلين، وإن كان ذلك غير لازم؛ لأنَّ العرب قد تَعتدُّ بغير اللَّازم؛ ألا ترى أنَّ الذي قال "لَحْمَرُ جاءني"، فحذف همزة الوصل اعتدَّ بالحركة التي في اللام، وإن كان التخفيف عارضًا والأصل "الأحمرُ"؟
وإن3 كان أحد المِثلين تاء "افتَعَلَ"، نحو: اقتَتَلَ، فإنه يجوز4 فيه الإظهار5 والإدغام. أمَّا الإظهار؛ فلأنه يُشبه اجتماع المِثلين من كلمتين، في أنه لا يلزم تاءَ "افتَعَلَ" أن يكون ما بعدها مثلها كما لا يلزم ذلك في الكلمتين؛ لأنك تقول: اكتَسَبَ، فلا يجتمع لك مِثلان. وإنَّما يجتمع المِثلان في "افتَعَلَ" إذا بُنيت من كلمة عينها تاء، نحو: اقتَتَلَ وافتَتَحَ. فكما لا تُدغِم إذا كان ما قبل الأوَّل من المِثلين المنفصلين ساكنًا صحيحًا، فكذلك لا تُدغِم في "افتَعَلَ". وأمَّا الإدغام فلأنَّ المِثلين، على كلِّ حال، في كلمة واحدة. فتُدغِم كما تُدغِم في الكلمة الواحدة.
فإن أظهرتَ جاز لك في الأوَّل من المِثلين البيانُ، والإخفاءُ؛ لأنه وسيطة بين الإظهار والإدغام. وإذا أدغمتَ جاز لك ثلاثة أوجه:
أحدها أن تنقل الفتحة إلى فاء "افتَعَلَ"، فتُحرّك الفاء وتُسقط ألف الوصل ثمَّ تُدغِم، فتقول "قَتَّلَ" بفتح القاف.
والثاني أن تحذف الفتحة من تاء "افتَعَلَ" فتلتقي ساكنة مع فاء الكلمة، فتُحرّك الفاء بالكسر على أصل التقاء الساكنين، فتَذهب همزة الوصل لتحرّك الساكن، ثمَّ تُدغِم فتقول:"قِتَّلُوا". بكسر القاف وفتح التاء.
والثالث -وهو أقلُّها- أن تكسر التاء في هذه اللغة الثانية إتباعًا للكسرة التي قبلها، فتقول:"قِتِّلُوا" بكسر القاف والتاء، وقد حُكي عنهم: فِتِّحُوا، في "افتَتَحُوا".
1 ف: وفي تتبّع تَبَّع.
2 الجيئل: الضخم من كل شيءٌ.
3 في م خرم يبدأ هنا وينتهي بقوله "على ثلاثة أحرف أو على أزيد" في ص409.
4 الكتاب 2: 410 وشرح الشافية 3: 283-285 والمنصف 2: 222-226 وشرح المفصل 10: 122.
5 كذا. وينقضه نحو: اتَّخَذَ واتَّعَدَ واتَّبَعَ، إذ لا يجوز فيه إِلَّا الإدغام. وكان عليه أن يجعل أوَّل الفقرة كما يلي: وإن كان أوَّل المِثلين تاء افتعل
…
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لمَّا تحرَّكت فاء الكلمة ذهبت همزة الوصل؟ وهلَّا جاز فيها الأمران من: الحذف لأجل تحريك الساكن، والإثبات رعيًا للأصل؛ لأنَّ الحركة عارضة كما قالوا "الَحْمَرُ" تارة، و"لَحْمَرُ" بإذهاب الهمزة أُخرى. فالجواب أنَّ الذي سهَّل إثبات الهمزة في مثل "الَحمر" أنها مفتوحة فأشبهت همزة القطع؛ لأنَّ همزة الوصل بابها أن تكون مكسورة أو مضمومة إن تَعذَّر كسرها.
فمن فتح التاء والقاف قال في المضارع: يَقَتِّلُ، بفتح القاف وكسر التاء؛ لأنَّ الأصل "يَقْتَتِلُ" فنقل الفتحة في المضارع كما نقلها في الماضي. ويقول في اسم الفاعل: مُقَتِّل؛ بفتح القاف وكسر التاء، [60أ] وفي اسم المفعول: مُقَتَّل، بفتحهما؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتِل ومُقْتَتَل، فنُقلت الفتحة إلى الساكن قبلها كما نُقلت في الفعل.
ومن قال "قِتَّلَ" بكسر القاف وفتح التاء قال في المضارع: يَقِتِّلُ، بكسر القاف والتاء؛ لأنَّ الأصل "يَقْتَتِلُ" فسكَّن التاء الأُولى وكسر القاف لالتقاء الساكنين، كما فعل ذلك في الماضي، ومنهم من يكسر حرف المضارعة إتباعًا للقاف، أو على لغة من يقول في مضارع "افتعَلَ":"يِفْتَعِلُ" فيكسر حرف المضارعة. ومنه قول أبي النجم1:
تَدافُعَ الشِّيبِ، ولم تِقِتِّلِ
ويقول في اسم الفاعل: مُقِتِّل، بكسر القاف والتاء. والأصل مُقْتَتِل فكسر القاف، بعد تسكين التاء الأُولى، لالتقاء الساكنين. ومنهم من يستثقل الخروج من ضمٍّ إلى كسر، فيضمُّ القاف إتباعًا للميم فيقول: مُقُتِّل ولا يستثقل الخروج من ضمَّة القاف إلى كسرة التاء؛ لأنَّ بينهما حاجزًا. وهو التاء الساكنة.
و [يقول] في اسم المفعول: مُقِتَّلٌ، بكسر القاف وفتح التاء؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتَلٌ، فسكَّن التاء الأُولى، وحرَّك القاف بالكسر على أصل التقاء الساكنين. ومنهم أيضًا من يستثقل الخروج من ضمٍّ إلى كسر فيضمُّ القاف إتباعًا للميم، فيقول:2 مُقُتَّلٌ، بضمِّ القاف وفتح التاء.
ومن قال: "قِتِّلَ" بكسر القاف والتاء فإنَّ قياس المضارع منه واسم الفاعل واحد، وإنَّما يخالفه في اسم المفعول. فتقول في المضارع: يَقِتِّلُ، بكسر القاف والتاء؛ لأنَّ الأصل: يَقْتَتِلُ، فتُسكَّّن التاء الأُولى، وتُحرَّك القاف بالكسر على أصل التقاء الساكنين. ولا تحتاج إلى إتباع حركة ما بعد3 القافِ؛ لأنها مكسورة مثلها. وإن شئتَ أيضًا كسرتَ حرف المضارعة إِتباعًا، أو على لغة
1 المنصف 1: 225 والطرائف الأدبية ص66 والمحتسب 1: 49 والخزانة 1: 49.
2 ف: فتقول.
3 ف: "قبل". وقد صوب في الحاشية كما أثبتنا.
من يكسر حرف المضارعة من "افتَعَلَ"، فتقول1: يِقِتِّلُ، بكسر القافِ والتاءِ التي بعدها2 وحرفِ المضارعة.
وتقول في اسم الفاعل: مُقِتِّلٌ، بكسر القافِ والتاءِ. والأصل مُقْتَتِلٌ، فسكَّنت التاء الأُولى وكسرت القاف لالتقاء الساكنين ثمَّ أدغمت. ولم تحتج إلى إتباع التاء؛ لأنَّ حركتها من جنس حركة القاف. وإن شئتَ ضممت القاف إتباعًا لحركة الميم، كراهية الخروج من ضمٍّ إلى كسرة، فتقول: مُقُتِّلٌ.
و [تقول] في اسم المفعول: مُقِتِّلٌ، كما تقول في اسم الفاعل؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتَلٌ، فسكَّنتَ التاء الأُولى وكسرتَ القاف لالتقاء الساكنين وأدغمت، ثمَّ كسرت التاء الثانية إتباعًا لحركة القاف. فلا يقع فرق بين اسم الفاعل على هذه اللغة واسم المفعول إِلَّا بالقرائن. فيكون نظير "مُختار"، في أنه يحتمل أن يكون اسم فاعل واسم مفعول، حتَّى يتبيَّن بقرينة تقترن به. ومن استثقل الخروج من ضمٍّ إلى كسر، من غير حاجز، ضمَّ القاف فقال: مُقُتِّلٌ.
وقياس3 المصدر في اللغات الثلاث "قِتَّالًا" بفتح التاء وكسر القاف، والأصل اقْتِتال. فمن فتح القاف4 نقل كسرة التاء إليها. ومن كسرها سكَّن التاء الأُولى وكسر القاف لالتقاء الساكنين. ومن كسر التاء إتباعًا للقاف فقال: قِتِّلَ، ينبغي له أن يقول في المصدر: قِتِّيلًا، فيكسر التاء5 إتباعًا للقاف، فتنقلب الألف لانكسار ما قبلها.
وإن اجتمعا في اسم فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أزيدَ6. فإن كان على ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون الأوَّل ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فالإدغام ليس إلَّا، نحو7: رَدٍّ
1 ف: فيقول.
2 كذا. والصواب: التاء الثانية؛ لأنَّ التاء بعد القاف ساكنة.
3 في حاشية ف طرَّة بخط أبي حيان: "وقياس المصدر أن يقال فيه قَتَّالًا بفتح التاء والقاف في لغة من قال قَتَّلَ بفتحهما، وقِتَّالًا بفتح التاء وكسر القاف في لغة من [قال قِتَّلَ بكسر] القاف وفتح التاء، [وقِتِّيلًا] بكسر القاف والتاء فتنقلب الألف ياء [لإظهار] الكسرة التي قبلها، في لغة من قال قِتِّلَ بكسر القاف والتاء. فأمَّا قولهم تقَى يَتقي.. في اتَّقى يتَّقي
…
بحذف الفاء وإبقاء تاء افتعل ويفتعل [فشاذٌّ] لا يقاس عليه. وإن اجتمعا في اسم. ثبت هذا في نسخة الخفَّاف، رحمه الله". وفوف هذه الطرّة ما يلي:"ثبت المكتوب طرّة عوض ما عُلّم عليه في المتن في نسخة، وثبت في نسخة الكرمانيّ مثل ما في الأصل". يريد أو حيان أن هذا النص الذي في الطرّة ثبت في نسخة بدل ما أثبتناه نحن عن نسخة ف، وقد اختلفت النسخ في ذلك. وقوله "قَتَّالًا" فيه نظر.
4 يريد: القاف من قتّل.
5 علق عليه في حاشية ف بما يلي: "لا ينبغي أن يكسر التاء في المصدر فيقول قِتِّيلًا؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى قلب الألف ياء فيكثر التغيير. وإن اجتمعا".
6 ينتهي ههنا الخرم في م. انظر ص407.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان: "فأمَّا قَصُّ الشاة وقَصَصُها فليس من فكِّ الإدغام، بل هما لغتان بسكون العين وفتحها". قلت: وقصص الشاة هو ما قُصّ من صوفها، وهو مصدر أيضًا.
ووُدٍّ وأمثالهما. إِلَّا أن يُضطرَّ شاعر فيفكّ ويحرِّك الأوَّل، نحو قوله1:
[ثمَّ استَمَرُّوا، وقالُوا إِنَّ مَوعِدَكُم
…
ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمَى] ، فَيدُ أو رَكَكُ
يريد: ركًّا.
وإن كان متحرِّكًا فلا يخلو من أن يكون على وزن من أوزان الفعل، أو لا يكون. فإن لم يكن على وزن من أوزانها فلا يُدغَم نحو: سُرُرٍ2 ودُرَرٍ3؛ لأنَّ الأسماء بابها ألَّا تعتلَّ، لخفَّتها بكثرة دورها في الكلام، وأخفُّها ما كان على ثلاثة أحرف لأنَّه أقلُّ أصول الكلمة عددًا. ولهذه4 [الخفّة لم يُعَلَّ مِثل] : ثِوَرة وبِيَع وصِيَر، وأشباهُ ذلك. فلو بنيتَ من "ردّ" مثلَ "إِبِل" صحَّحته؛ تقول فيه: رِدِدٌ.
فإن كان على وزن من أوزان الأفعال5 فلا يخلو من أن يكون على "فَعَلٍ" أو "فَعُلٍ" أو "فَعِلٍ". فإن كان على وزن "فَعَلٍ" لم تُدغِم لخفّة6 البناءِ [60ب] نحو: طَلَلٍ وشَرَرٍ. فإن كان على وزن "فَعِلٍ" أو "فَعُلٍ"أدغمتَ لشَبَه الفعل في البناء مع ثقل البناء. فتقول في "فَعُلٍ" و"فَعِلٍ" من "رَدَدْت": رَدٌّ.
والدليل، على أنَّ "فَعِلًا" يُدغَم، قولُهم: طَبٌّ7 وصَبٌّ. والأصل "طَبِبٌ"8 و"صَبِبٌ"9،
1 زهير بن أبي سلمى. ديوانه ص167 ومعجم البلدان 4: 279 ومعجم ما استعجم ص15 والمنصف 2: 309-310 واللسان والتاج "ركك". وفيد وركّ: موضعان. وسلمى: اسم جبل في بلاد طيئ. وعُلِّق عليه في حاشية ف بما يلي: "قال أبو عثمان عن الأصمعيِّ: سألت أعرابيًّا ونحن بالموضع الذي ذكره زُهير في قوله:
ثُمَّ استَمَرُّوا، وقالُوا: إنَّ مَوعِدَكُم
…
ماءٌ بِشَرقيِّ سَلمَى، فَيدُ أو رَكَكُ
أتعرف رككًا هذا؟ فقال: قد كان ههنا ماء يسمى ركًّا. فعلمتُ أنَّ زهيرًا احتاج إليه فحركه.
وقد يجوز أن يكونا لغتين: ركّ وركك، كالقصِّ والقصص. وقد كان يجب على الأصمعيِّ ألَّا يسرع إلى أنه ضرورة". انظر المنصف 2: 309-310 ومعجم البلدان ومعجم ما استعجم واللسان والتاج "ركك".
2 السرر: جمع سرير.
3 الدرر: جمع درة.
4 سقط من النسختين حتى قوله "ردد"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، نقلًا عن خط المصنف.
5 م: من أوزانها.
6 ألحق بعده بحاشية ف ما يلي: "البناءِ وخفّةِ الاسم نحو: طلل وشرر. وأمَّا قولهم في المصدر: قَصّ وقَصَص، فليس قصّ مدغمًا من قصص، ولكنهما لغتان كشَعْر وشَعَر. وإنَّما لم يدغموا في الاسم وأدغموا في الفعل لخفَّة الاسم؛ ألا ترى أنَّ الاسم الذي [يُبنى] على هذا البناء قد [يصحّ] فيما لا يصح فعله نحو القَوَد والخونة والحوكة؟ فإن كان على وزن فَعِل أو فَعُل". وكأن هذه الطرّة ثبتت في بعض النسخ بدل "البناءِ نحو: طلل وشرر، فإن كان على وزن فعِل أو فعُل" ممّا أثبتناه نحن من النسختين.
7 في حاشية ف: "الطبّ: العالم. وقال كراع: الحاذق الرفيق".
8 م: "طببَ". وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "جاء شاذًّا: رجلٌ ضَفِفُ الحال. والقياس إدغامه. وسُمع مدغمًا". قلت: والرجل الضفف الحال هو الرقيق الحال. وانظر المنصف 2: 301-302 وشرح الشافية 3: 241.
9 م: صببَ.
لأنَّ الفعل منهما على وزن "فَعِلَ". تقول: صَبِبتُ وطَبِبتُ، واسم الفاعل من "فَعِلَ"، إذا كان على ثلاثة أحرف، إنَّما يكون على وزن "فَعِلٍ" نحو: حَذِرٍ1 وأَشِرٍ2.
والدليل، على أنَّ "فَعُلًا"[أيضًا] 3 يُدغَم، أنه لم يجئ مُظهَرًا في موضع من كلامهم؛ لا يُحفظ من4 كلامهم مثل: رَدُدٍ. فإمَّا أن تقول: إنَّ "فَعُلًا" لم يأت في المضعَّف، وإمَّا أن تقول: إنه موجود في المضعَّف، إِلَّا أنه لزمه الإدغام. فالأَولى أن يُدَّعى أنه يلزمه الإدغام؛ لأنَّ المعتلَّ والمضعَّف الغالبُ فيهما أن يجيء فيهما من الأوزان ما يجيء في الصحيح. وأيضًا فإنَّ "فَعُلًا" مثلُ "فَعِلٍ"، في أنه5 على بناء الفعل الثقيل، وقد قام الدليل على أنهم يُدغمون "فَعِلًا" لقولهم: صَبٌّ وطَبٌّ، فكذلك "فَعُلٌ".
وزعم6 أبو الحسن بن كَيسانَ أنَّ ما كان على وزن "فَعِلٍ" أو "فَعُلٍ" لا يُدغَم. واستدلَّ على ذلك بأنك لو أدغمت لأدَّى ذلك إلى الإلباس؛ لأنه لا يُعلم هل هو في الأصل متحرِّك العين أو ساكنه. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنه إذا أدَّى القياس إلى ضرب ما من الإعلال استُعمل، ولم يُلتفت إلى التباس إحدى البِنيتين بالأُخرى؛ ألا ترى أنَّ العرب قد قالت: مُختار، في اسم الفاعل واسم المفعول، ولم يُلتفت إلى اللَّبس. وأيضًا فإنه قد قام الدليل على أنَّ صَبًّا وطَبًّا:"فَعِلٌ" في الأصل، وقد أُدغم. فدلَّ ذلك على فساد مذهبه.
فإن7 كان الاسم على أزيدَ من ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون الذي زاد به على ثلاثة أحرف: تاءَ التأنيث، أو علامتي التثنية أو جمع السلامة، أو ياءيِ النسب، أو الألفَ والنون الزائدتين، أو ألفيِ التأنيث، أو غيرَ ذلك. فإن كان شيئًا ممّا ذُكر أُجري مُجراه قبل لحاقه إِيَّاه. فتقول: شَرَرةٌ وشَرَرانِ وطَلَلانِ ومَلَليّ، فلا تدغم كما لا تدغم في شَرَر وطَلَل ومَلَل.
وقالوا: الدَّجَجانُ، من الدَّجيج فلم يدغموا. أنشد القاليُّ8:
تَدعُو بذاكَ الدَّجَجانَ الدَّارِجا
1 م: حذرَ.
2 م: أشرَ.
3 من م.
4 ف: في.
5 م: فإنه.
6 سقط من م حتى قوله "على فساد مذهبه".
7 سقط من النسختين حتى قوله "زاد به على ثلاثة غير ذلك" وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
8 لهميان بن قحافة. الأمالي 3: 313 والسمط ص960 واللسان والتاج "دجج" و"رجج" و"سمهج". والدججان: الدبيب في السير. والقالي هو أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي، أعلم الناس، بنحو البصريين، وأحفظ أهل زمانه للغة والشعر، توفي سنة 356. بغية الوعاة 1:453.
ولو بنيتَ "فَعُلان" من "رَدَدت" لقلت: رَدَّانٌ، فأدغمتَ ولو بنيتَ "فَعَلًا" من "ردَّ" لقلت "رَدَدًا"، فلم تدغم كما تُدغِم في "فَعِل". وقالوا: خُشَشاءُ1، فلم يُدغموا؛ لأنه لا يدغم "فُعَلٌ" نحو: غُرَر.
فإن كان الذي زاد به على ثلاثة غيرَ ذلك أدغمت، كان الاسم على وزن من أوزان الفعل أو لم يكن، وسواء كان الأوَّل ساكنًا أو متحرِّكًا. إِلَّا أنك تسكِّن المتحرِّك، لما ذكرنا في الفعل، بنقل حركته لما2 قبله إن كان ساكنًا غيرَ حرف مدٍّ ولين، أو بحذفها إن كان ما قبله متحرِّكًا أو حرفَ مدٍّ ولين. نحو: خِدََبَّ ومَكَرّ ومُستقَرّ وفارّ وضارّ3.
فأمَّا خِدَبٌّ فالأوَّل من المثلين ساكن في الأصل. والأصل في مَكَرّ ومُستَقَرّ: "مَكْرَرٌ" و"مُستَقْرَرٌ"، فنقلتَ الحركة إلى ما قبله؛ لأنه ساكن غيرُ حرف مدٍّ ولين. والأصل في فارّ وضارّ:"فارِرٌ" و"ضارِرٌ"، فسَكَّنتَ ولم تَنقل الحركة؛ لأنَّ الساكنَ حرف مدٍّ ولين. ولو4 بنيتَ مثل "فَعِلانٍ"5 من "رَدَدتُ" لقلتَ "رَدَّانٌ" فأدغمت، ولم تنقل الحركة إلى ما قبلها؛ لأنه متحرِّك.
هذا ما لم يمنع من الإدغام أن يكون الأوَّل6 مدغمًا فيه [ما قبله نحو مُرَدِّد] ؛ لأنهم لو أدغموا وجعلوا الحركة على الساكن الذي هو العين لم يخرجه ذلك في إدغامه وتضعيف آخره. فلمَّا كان الأمر [كذلك] امتنعوا من تحريك العين التي لم تكن في الكلام قطّ إِلَّا ساكنة، أو يمنع منه أن يكونَ الإدغام7 مؤدِّيًا إلى تغيير بناء8 الملحَق عمَّا أُلحِقَ به، نحو: قَرْدَدٍ9. فإنه ملحق بجَعْفَر، ولو أدغمت فقلت "قَرَدٌّ" لحرَّكت الراء وهي في مقابلة العين من جَعْفَر، وسَكَّنتَ
1 الخششاء: عظم دقيق ناتئ خلق الأذن.
2 كذا.
3 ف: ومارّ.
4 سقطت بقية الفقرة من إحدى النسخ كما جاء في ف. ووضعها ههنا من وهم المؤلف، وإسقاطها أَوْلى. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك أنَّ بناء مثل: ظَرِبان وضَبُعان يجوز فيه الفك والإدغام. فالفك لمخالفة وزن الفعل كما صح نحو: فوران وصورى، والإدغام؛ لأنَّ العناية به أشد من العناية بالقلب. ولذا أدغموا نحو: أشَدُّ وما أشَدَّه! وأعدَّ واستعدَّ، وصححوا نحو: أطْوَلُ وما أطوله! وأغيلتْ واستحوذَ. حتى رأى ذلك بعض النحاة مقيسًا في مزيد الأفعال على: أفعل واستفعل.
5 وبضمِّ العين أيضًا. انظر المنصف 2: 30-313 وشرح الشافية 3: 243. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن اللباب أنَّ المصدر على "فَعَلان": ردَدان، والمكسور العين والمضمومها يدغمان، وأنَّ الأخفش يوجب الفك في الجميع. وانظر الارتشاف1: 164.
6 سقط حتى "أو يكون" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، فانخرمت بعض كلماته. وانظر الارتشاف 1:164.
7 سقط من النسختين، وألحق بنسخة ف بين السطرين.
8 م: تغير بنا.
9 القردد: ما ارتفع وغلظ من الأرض.
الدال الأُولى وهي في مقابلة الفاء من جَعْفَر. فكنتَ تضع متحرِّكًا في مقابلة ساكن، وساكنًا في مقابلة متحرِّك.
أو يكونَ أحد1 المثلين التاء من اسم جار على "افتَعَلَ" فإنه لا يلزم [فيه] الإدغام، بل يجوز في الاسم من الأوجه ما تقدَّمَ ذكره.
أو يكونَ أيضًا أحد المثلين من اسم جار على "تفاعَلَ" نحو: "تَتَابَعَ"، فإنه لا يلزم أيضًا فيه الإدغام، بل يجوز فيه الفكُّ والإدغام كما جاز في فعله. فتقول. مُتَتابِعٌ ومُتَّابِعٌ، وتَتابُعًا واتَّابُعًا، كما يجوز: تَتابَعَ واتّابَعَ.
أو يَشِذَّ شيء، فيُحفظَ ولا يقاسَ عليه، نحو: مَحْبَبٍ وتَهْلَلٍ2، أو تدعوَ إلى ذلك ضرورةٌ، نحو قوله3:
الحَمدُ للهِ، العَلِيِّ، الأجلَلِ
وقوله4:
تَشكُو الوَجَى، مِن أَظلَلٍ، وأَظلَلِ
فإن التقيا في كلمتين فلا يخلو من أن يكونا مُعتلَّين أو صحيحين. فإن كانا صحيحين فلا يخلو من أن يكون الأوَّل منهما ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فالإدغام ليس إلَّا نحو: اضرِب بَّكرًا؛ لأنَّه لا فاصل بين المثلين، فهو5 أثقل من أن لو فَصَلتْ بينهما حركة. وأيضًا فإنَّ الإدغام لايؤدِّي إلى تغيير شيء.
وإن كان الأوَّل متحرِّكًا فإنه لا يخلو من أن يكون ما قبله ساكنًا أو متحرِّكًا6 فإن كان ما قبله متحرِّكًا جاز الإدغام والإظهار. وإذا أدغمتَ فلا بدَّ من حذف الحركة، لِما ذكرناه قبل.
1 كذا. والصواب "أول". انظر ص407. وسقط من م حتى قوله "كما يجوز تتابع واتّابع".
2 سقط من م. ف: شملل.
3 مطلع أرجوزة لأبي النجم. الطرائف الأدبية ص67 والخزانة 1: 401 والمنصف 1: 339 و2: 302 واللسان والتاج "جلل" وشرح شواهد الشافية ص491. والأجلل: الأجَلّ.
4 من أرجوزة للعجاج، ونسبه البغدادي خطأ إلى أبي النجم. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن بري أنَّ البيت للعجاج، مع إيراد البيت الذي بعده. انظر شرح شواهد الشافية ص490-491 وديوان العجاج ص47 والمنصف 1: 399 وشرح الشافية 3: 244 والكتاب 3: 161. والوجى: الحفى. والأظلل: الأظلّ. وهو باطن خف البعير. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن المحكم لابن سيده: "الأظل من الإنسان
…
جمعه ظُلّ"، وعن خط الرضي أنَّ هذا الجمع شاذٌّ؛ لأنَّ "فُعْل" هو جمع "أفعل" مما مؤنثه فعلاء. فقياسه: أظالُّ، مثل: أراقم وأجادل، وأنَّ التبريزي قال: الأظل: باطن الخف. وإنَّما سمي بذلك لأنه في ظل دائم. قلت: فهو منقول من الصفة المشبهة إلى اسم الذات، فجمعه على "فُعْل" قياسي، وإن لم يسمع له مؤنث.
5 أي: الإظهار.
6 م: أن يكون قبله ساكن أو متحرك.
وكلاهما حسن، والبيان لغة أهل الحجاز.
وإنَّما لم يُلتزم الإدغام [61أ] هنا؛ لأنَّ الأوَّل من المِثلين لا يلزم أن يكون ما بعده من جنسه، ويلزم ذلك في الكلمة الواحدة. فكأنَّ1 اجتماع المِثلين [فيهما] 2 عارض، فلذلك اعتُدَّ به مرَّة3، ولم يُعتدَّ به أُخرى. وذلك نحو:"يُكَذِّب بّالدِّينِ"4 و"جَعَل لَّكَ"5 ويَد دَّاودَ، وخاتَم مُّوسَى. وأقوى ما يكون الإدغام وأحسنه إذا أدَّى الإظهار إلى اجتماع خمسة أحرف بالتحريك فأكثرَ، نحو: جَعَل لَّكَ، وفَعَل لَّبيدٌ، لثقل6 توالي الحركات. وكلَّما كان توالي الحركات أكثر كان الإدغام أحسن.
وإن كان ما قبله ساكنًا -أعني ما قبل الأوَّل من المِثلين- فلا يخلو من أن يكون الساكن حرف علَّة، أو لا يكون. فإن كان الساكن حرف عِلَّة حذفتَ الحركة من المِثلين وأدغمته في الثاني، وإن شئتَ أظهرت. وذلك نحو: دار رَّاشدٍ، وثَوب بَّكرٍ، وجَيب بَّشيرٍ، ويَظلِمونِّي7.
وإنَّما جاز الجمع بين ساكنين8 لِما في الساكن الأوَّل من اللِّين9 ولِما في الحرف المشدَّد من التشبُّث بالحركة؛ ولأنَّ التقاء الساكنين فيها غير لازم إذ قد يزول بالإظهار. والبيان هنا أحسن من البيان في مثل "جَعَل لَّك"، لسكون ما قبله، فلم يتوالَ10 فيه من الحركات ما توالى في "جَعَل لَّك". وأيضًا فإنَّ الإدغام يؤدِّي إلى اجتماع ساكنين.
فإن كان الساكن حرفًَا صحيحًا لم يجز الإدغام، نحو: اسمُ مُوسَى، وابنُ نُوح. وإنَّما لم يجز الإدغام فيه؛ لأنَّ الإدغام في الكلمتين أضعف منه في الكلمة الواحدة؛ ألا ترى أنه يلزم في الكلمة الواحدة ولا يلزم في الكلمتين. فلمَّا كان أضعفَ لم يقوَ لعى أن يُغيَّر له الحرف الساكن بالتحريك. إذ لو أَدغمتَ لم يكن بدٌّ من تحريك سين11 "اسم" وباء "ابن"12. ولكنَّك تُخفي إن شئت، وتُحقِّق إن شئت. والمُخفَى بزِنة المحقَّق، إِلَّا أنك تختلس الحركة اختلاسًا.
1 م: فكان.
2 من م.
3 م: تارة.
4 الآية 1 من سورة الماعون.
5 الآية 10 من سورة الفرقان.
6 في حاشية ف: "ليقلَّ". وفوقها: كذا.
7 ف: ويظلمونني.
8 م: الساكنين.
9 م: اللبس.
10 م: فلم يتوالى.
11 م: بين.
12 سقطت بقية الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف.
فأمَّا قول بعضهم [في القراءة]{نِعِمَّا} 1: [فحَرَّكَ] ، فلم يُحرِّكِ2 العينَ للإدغام. بل جاء على لغة من يقول "نِعِمَ"، فيُحرِّك العين، وهي لغة هذيل.
فإن كانا معتلَّين فإنه لا يخلو من أن يكون الأوَّل منهما ساكنًا، أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فلا يخلو من أن يكون حرف لين، أو حرف مدٍّ ولين: فإن كان حرف لين أَدغمتَ، إذ لا مانع من الإدغام، نحو: اخشَي يَّاسرًا، واخشَوا وَّاقدًا.
وإن كان حرف مدٍّ ولين لم تدغِم، نحو: يَغزو واقدٌ3، واضرِبِي ياسِرًا، لئلَّا يذهب المدّ بالإدغام، مع ضعف الإدغام في الكلمتين -فأمَّا مثل "مَغْزُوّ" فاحتملوا فيه ذهاب المدِّ لقوَّة الإدغام- وأيضًا فإنه يُشبه "قُوْوِلَ"4، في أنَّ الأوَّل حرف مدٍّ ولين، ولا يلزم المِثلانَ [فيهما] كما لا يلزمان في "قُوْوِلَ"، إذ قد يزول المِثلان في "قُوْوِلَ" إذا أسندتَه5 إلى الفاعل6، كما يزول المِثلان في "يغزو واقدٌ" إذا لم تأت بعد "يغزو" بكلمة أوَّلها واو، نحو: يغزو راشدٌ.
وإن 7 كان الأوَّل متحرِّكًا فلا يخلو من أن يكون ما قبله ساكنًا أو متحرِّكًا: فإن كان ما قبله متحرِّكًا جاز الإدغام والإظهار، على حسب ما ذُكر في مثله من الصحيح، نحو: وَلِي يَّزيدُ، ولَقَضُو وَّاقدٌ!
وإن كان ما قبله ساكنًا فلا يخلو من أن يكون حرف عِلَّة، أو حرفًا صحيحًا: فإن كان حرفًا صحيحًا8 لم تُدغِم، كما فعلتَ في مثله من الصحيح، نحو: ظَبْيُ ياسرٍ، وغَزْوُ واقدٍ.
وإن كان حرفَ عِلَّة فلا يخلو [من] 9 أن يكون مدغمًا، أو غير مدغم: فإن كان غير مدغم جاز الإظهار والإدغام، كما جاز في نظيره من الصحيح، نحو: واوُ وَّاقدٍ، وآيُ يّاسِين10.
وإن كان مدغمًا لم يجز الإدغام،؛ لأنَّ المدَّ الذي كان فيه قد زال بالإدغام، فصار بمنزلة
1 الآية 58 من سورة النساء.
2 انظر الكتاب 2: 408. والزيادتان منه.
3 م: واحد.
4 م: "قؤول".وانظر الكتاب 2: 209 وشرح الشافية 3: 237 -238.
5 م: أسند.
6 أي إذا بني على الفاعل: قاول.
7 م: أو إن.
8 سقط "فإن كان حرفًا صحيحًا" من م.
9 من م.
10 ف: "ياياسين" م: "أي ياسر". والمراد بياسين: سورة يس. والآي: الآيات.
الساكن الصحيح. فكما لا تُدغِم1 إذا كان الساكن صحيحًا فكذلك لا تدغم2 إذا كان معتلًّا. وذلك نحو: وَلِيُّ يَزيدَ، وعدُوُّ واقدٍ.
والدليل على أنَّ المدَّ قد زال بالإدغام وقوعُ "لَيّ" و"قَوّ" في القوافي مع ظَبْي وغَزْو. ولو كانت غير مدغمة3 لم يجز ذلك، كما لا يجوز4 وقوع "عَيْن" في قافية مع "جَوْن"5. فدلَّ ذلك على أنَّ الإدغام يُصيِّرها بمنزلة الحرف الصحيح.
فإن6 كان الثاني ساكنًا فلا يخلو من أن يجتمعا في كلمتين، أو في كلمة واحدة. فإن اجتمعا في كلمتين لم يجز الإدغام أصلًا، نحو: اضربِ ابْنَ زيدٍ؛ لأنَّ سكون الحرف الثاني من المِثلين إذ ذاك لا تصل إليه الحركة، فلا يُتصوَّر فيه الإدغام، بل7 يكونان مفكوكين.
وقد شذَّ العرب في "عَلْماءِ بَنُو فُلانٍ"8، فحُذفت الألف لالتقاء الساكنين9، فاجتمعت اللَّامان: لام "على" مع لام التعريف. واستثقل ذلك، مع أنه قد كثر استعمالهم [61ب] له في الكلام -وما كثر استعماله فهو أدعى للتخفيف ممّا ليس كذلك- فحُذفت لام "على" تخفيفًا، لمَّا تعذَّر التخفيف بالإدغام.
وإن اجتمعا في كلمة واحدة فلا يخلو الثاني من أن يكون حرف عِلَّة، أو حرفًا صحيحًا. فإن كان حرف عِلَّة فقد تَقدَّمَ حكمه في باب القلب، فأغنى ذلك عن إعادته. وإن كان حرفًا صحيحًا فلا يخلو من أن يكون تصل إليه الحركة في حال، أو لا تصل:
فإن وصلت إليه الحركة فإنَّ أهل الحجاز لا يُدغمون؛ لأنَّ الإدغام يؤدِّي إلى التقاء الساكنين؛ لأنك لا تدغم الأوَّل في الثاني حتَّى تسكِّنه، لئلَّا تكون الحركة فاصلةً بين المِثلين كما تَقَدَّمَ، والثاني ساكن فيجتمع ساكنان. فلمَّا كان الإدغام يؤدِّي إلى ذلك رفضوه. وذلك نحو: إن تَردُدْ أَردُدْ. ولا تُضارَرْ، واشدُدْ.
1 ف: لا يدغم.
2 ف: لا يدغم.
3 م: غير مدغم.
4 م: ذلك فلا يجوز.
5 م: حزن.
6 سقط من م حتى قوله "عن إعادته".
7 سقط من نسخة الكرمانيّ حتى قوله "التخفيف بالإدغام".
8 سيورده ابن عصفور بعد في خاتمة هذا الباب ص420. وموضعه هنا هو الصواب؛ لأنه هنا في تخفيف المِثلين في كلمتين، وليس كذلك هناك.
9 أغفل سقوط همزة الوصل في اللفظ أيضًا.
فإن قلت: فهلَّا حرَّكوا الثاني من الساكنين إذا التقيا، ثمَّ أدغموا الأوَّل فيه. فالجواب أنَّ حركة التقاء الساكنين عارضة فلم يُعتدَّ بها، كما لم يُعتدَّ بها في نحو1:{قُمِ اللَّيْلَ} ؛ ألا ترى أنهم لا يردُّون الواو المحذوفة من "قُم"2 لالتقاء الساكنين، وإن كانت الميم قد تحرَّكت؛ لأنَّ الحركة عارضة؟
وأمَّا غيرهم من العرب فيُدغم ويَعتدُّ بالعارض؛ لأنَّ العرب قد تعتدّ بالعارض في بعض الأماكن. وأيضًا فإنَّ3 الثاني أصله الحركة وليس السكون، [ويحرك إذا اتصل بالضمائر نحو: رُدّا وردُّوا] وردِّي. ولذلك لم يدغموا في: أشدِدْ بحمرة ثوبه! لأنَّ تلك الضمائر لا تلحقه أصلًا. [وأيضًا] فإنه حَملَ ما سكونُه جزمٌ على المُعرَب بالحركة؛ لأنه مُعرَب مثله. فكما أنَّ المُعرَب بالحركة تدغمه نحو: يَفِرُّ4، فكذلك المُعرَب بالسكون. وحَملَ ما سكونُه بناء على ما سكونُه جزم؛ لأنه يُشبهه؛ ألا ترى أنَّ العرب قد تحذف له5 آخر الفعل في المعتلِّ كما تحذفه للجزم، فتقول:"اغزُ" كما تقول: لم يَغزُ؟
وأيضًا فإنك6 قد تُحرِّك لالتقاء الساكنين فتقول: اردُدِ القومَ. فصار بذلك يُشبه المُعرَبَ بتعاقب الحركة والسكون على آخره، كما أنّ المُعرَب كذلك في نحو: يَضرِبُ ولم يَضرِبْ. فلمَّا أشبه المُعرَبَ في ذلك حُمِل في الإدغام عليه.
والذين من لغتهم الإدغام7 يختلفون في تحريك الثاني:
فمنهم من يُحرِّكه أبدًا بحركة ما قبله إِتباعًا، فيقول: رُدُّ وفِرِّ وعَضَّ، ما لم تتَّصل به الهاءُ والألف التي للمؤنث فإنه يَفتح على كلِّ حالٍ نحو: رُدَّها وعَضَّها وفِرَّها8، أو الهاءُ التي هي للمذكَّر فإنه يَضمُّه نحو9: رُدُّهُ وفِرُّهُ وعَضُّهُ -وذلك؛ لأنَّ10 الهاء خفيَّة فكأنك قلت: رُدَّا أو رُدُّوا. فكما أنك تفتح مع الألف وتضمُّ مع الواو فكذلك تفعل هنا؛ لأنَّ الهاء خفيَّة- أو لم
1 الآية 2 من سورة المزمل.
2 م: من فيه.
3 سقط حتى "أصلًا" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، وانخرم بعض كلماته.
4 م: نفر.
5 أي: للبناء.
6 ف: فإنه.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان: سمع الكسائيُّ من عبد القيس: ارُدَّ وافِرَّ واعَضَّ. بهمزة الوصل وبالإدغام.
8 فَرَّ الدابةَ يفِرُّها: إذا كشف عن أسنانها ليعرف عمرها. فالفاء مكسورة في المضارع والأمر. وقيل إنها مضمومة. القاموس واللسان والتاج "فرر".
9 سقط من م.
10 ف: أنّ.
تجئ1 بعد الفعل بكلمة أوَّلها ساكن2 فإنه يَكسر أبدًا نحو: رُدِّ ابنَكَ، ورُدِّ القَومَ.
وذلك؛ لأنك قد كنت تُحرِّك الآخِر قبل الإدغام بالكسر على أصل التقاء الساكنين نحو: "اردُدِ القومَ". فلمَّا أَدغمتَ في هذا الموضع حرَّكت بالحركة التي كانت له قبل الإدغام، كما أنهم لمَّا حرَّكوا "مُذ" لالتقاء الساكنين فقالوا: مُذُ اليوم، ضمُّوا؛ لأنَّ الأصل فيه "مُنْذُ". فلمَّا حرَّكوا أتَوا بالحركة التي [كانت] 3 له في الأصل.
ومنهم من يفتح على كلِّ حال، إِلَّا إذا كان بعده ساكن -وذلك لأنه آثر التخفيفَ- واعتدَّ بالهاء في مثل: رُدَّهُ، ولم يلتفت إلى خفائها، إِلَّا إذا كان بعده4 ساكن؛ لأنه آثر حركة الأصل على التخفيف. ومنهم من يفتح على كلِّ حال، كان بعده5 ساكن أو لم يكن. وذلك لأنه آثر التخفيف في جميع الأحوال. ومنهم من يكسر ذلك أجمعَ على كلِّ حال. وهؤلاء حرَّكوا بالحركة التي هي لالتقاء الساكنين في الأصل.
هذا ما لم يتَّصل بشيء من ذلك ألفٌ أو واو أو ياء6. فإنَّ الحركة إذ ذاك تكون من جنس الحرف المتَّصل به، لا خلافَ بينهم في شيء من ذلك، نحو: رُدَّا7 ورُدِّي ورُدُّوا.
فأمَّا "هَلُمَّ" فللتركيب8 الذي دخلها التزمت العرب فيها التخفيفَ لذلك، فحرَّكوها بالفتح على كلِّ حال، إِلَّا مع الألف9 والواو والياء، نحو: هلُمَّا وهلُمُّوا وهلُمِّي.
وإن لم تصل الحركة إلى الساكن الثاني فإنَّ العرب الحجازيين وغيرهم لا يدغمون ذلك10، نحو: رَدَدْتُ، وكذلك: اردُدْنَ؛ لأنَّ سكون الدال هنا لا يُشبه سكون الجزم، ولا11 سكون الأمر والنهي، وإن كان "اردُدْنَ" أمرًا؛ لأنها إنَّما سُكِّنت من أجل النون كما سُكِّنت من أجل التاء في "رَدَدْتُ.
والسبب في أنْ لم يُدغَم مثل هذا كما أُدغم "رُدَّ" أنَّ السكون في "اردُدْ"، وإن كان بناءً،
1 معطوف على قوله "لم تتصل به الهاء".
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: "همزة وصل". وفوقها: صح.
3 من م.
4 م: بعد.
5 ف: "بعد". م: بعدها.
6 م: أو لام.
7 م: رَدًّا.
8 م: فللترتيب.
9 كذا. والحركة مع الألف هي الفتح أيضًا.
10 م: وذلك.
11 م: وكذلك.
أَشبهَ المُعرَبَ من الوجهين المتقدِّمَين، فحُمل عليه في الإدغام. وليس بين سكون الدال في "رَدَدْتُ" وأمثاله وبين [62أ] المُعرَب شَبَه، فلم يكن له ما يُحمل عليه.
إِلَّا ناسًا من بكر بن وائل فإنهم يُدغمون في مثل هذا، فيقولون: رَدَّتُ ورُدَّنَ. كأنهم قدَّروا الإدغام قبل دخول النون والتاء. فلمَّا دخلتا أبقوا اللفظ على ما كان عليه قبل دخولهما1.
فإن2 كان الثاني من المِثلين ساكنًا فالإظهار. ولا يجوز الإدغام؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى اجتماع الساكنين. وقد شذَّ العرب في شيء من ذلك، فحذفوا أحد المِثلين تخفيفًا، لمَّا تعذَّرَ التخفيف بالإدغام. والذي يُحفظ من ذلك: أَحَسْتُ وظَلْتُ3 ومَسْتُ4. وسبب ذلك أنه لمَّا كُره اجتماع المِثلين فيها حُذف الأوَّل منها تشبيهًا بالمعتلِّ العين.
وذلك أنك قد كنت تُدغم قبل الإسناد للضمير، فتقول: أَحَسَّ5 ومَسَّ وظَلَّ. والإدغام ضرب من الاعتلال؛ ألا ترى أنك تُغيِّر العين من أجل الإدغام بالإسكان، كما تغيِّرها إذا كانت حرف عِلَّة. فكما تُحذف العين إذا كانت حرف عِلَّة، في نحو: قُمتُ وخِفتُ وبِعتُ، كذلك حُذفت في هذه الألفاظ تشبيهًا بذلك.
وممَّا يُبيِّن ذلك أنَّ العرب قد راعت هذا القَدْر من الشَّبه؛ لأنهم يقولون: مِسْتُ، بكسر الميم، فينقلون حركة السين المحذوفة إلى ما قبلها كما يفعلون ذلك في: خِفتُ؛ ألا ترى أنَّ الأصل "خَوِفْتُ"، فنقلوا حركة الواو إلى الخاء، وحذفوها لالتقاء الساكنين، على حسب ما أُحكم في بابه؟
وأمَّا "ظَلْت6، و"مَسْتُ" في لغة من فتح الميم فحذفوا، ولم ينقلوا فيهما7 الحركة، تشبيهًا لهما بـ"لَسْتُ"، لمَّا كان لا يُستعمل لهما مضارع إذا حُذفا كما لا يستعمل لـ"لَيسَ"
1 م: دخولها.
2 سقط من م حتى قوله "هذه الأسماء التي شذت". وهو ثابت في نسخة ف، وعلى حاشيته: "عُلّم على هذا المكتوب طرَّة في كتاب الكرمانيّ
…
" فهو ثابت أيضًا في نسخة الكرمانيّ. ولو كان ساقطًا في غيرها لنص عليه في الحاشية كما نص على سقوط غيره. وقول المؤلف: "فإن كان الثاني من المِثلين
…
يؤدِّي إلى اجتماع الساكنين" هو تكرار لما جاء في ص416. وهو أيضًا منقوض بنحو: شُذَّ وفِرَّ وعَضَّ ورَدَّتُ ويَرُدَّنَ ورُدَّنَ. وإسقاطه خير من إثباته، إِلَّا إذا أراد بالساكن ما لا يحرك أبدًا.
3 زاد أبو حيان بحاشية ف: وهَمْتُ في هَمَمْتُ. قاله ابن الأنباري.
4 علق عليه أبو حيان بحاشية ف بما يلي: "وعلماءِ بنو فلان. أما أحست وظلت ومست فلمَّا كُره". قلت: وكأن هذه العبارة ثابتة في بعض النسخ موضع "وسبب ذلك أنه لما كره". أمَّا قوله "علماء بنو فلان" فهو من باب التخفيف في المِثلين المجتمعين في كلمتين، لا في كلمة واحدة، وقد تَقَدَّمَ قبل. انظر ص416 و420.
5 ف: حسّ.
6 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "ظلت: كسر الظاء لغة الحجاز، وفتحها لغة تميم. قاله أبو الفتح".
7 ف: فيه.
مضارع؛ ولأنَّ المشبَّهَ بالشيء لا يقوى قوَّة ما يُشبَّه به.
وأمَّا1 "عَلماءِ بَنُو فُلانٍ" فأصله "على الماء" فحُذفت الألف لالتقاء الساكنين2، فاجتمع اللَّامان: لام "على" مع لام التعريف، فاستُثقل ذلك، مع أنَّ ذلك قد كَثُرَ استعمالهم له في الكلام -وما يكثر استعماله فهو أدعى للتخفيف ممّا ليس كذلك- فحُذفت لام "على" تخفيفًا لمَّا تعذَّر التخفيف بالإدغام.
فهذا وجه هذه الأسماء 3 التي شذَّت.
1 ورد هذا من قبل في ص416 في تخفيف المِثلين في كلمتين، وذكره هنا سهو من المصنف وتكرار لِما مضى.
2 وسقطت همزة الوصل لفظًا.
3 كذا. والشواذ المذكورة قبل ليست من الأسماء.