الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أدغمته القراء على غير قياس:
يُذكر فيه ما أدغمتْه القُرَّاءُ، ممّا ذُكر أنه لا يجوز1 إدغامه. فمن ذلك قراءة أبي عمرو:"الرُّعْب بِّما"2 بإدغام باء "الرُّعب" في الباء التي بعدها، مع أنَّ قبل الباء حرفًا ساكنًا صحيحًا، وقد تقَدَّمَ أنه لا يجوز عند البصريِّين3، وحملوا قراءة أبي عمرو على الإخفاء. وقد تقَدَّمَ أنَّ الإخفاء4 يُسمَّى إدغامًا.
ومن ذلك قراءته: "مَريَم بُّهتانًا"5 و"بأعلَم بِّالشَّاكِرِينَ"6 و"لِكَيلا يَعلَم بَّعدَ عِلمٍ شَيئًا"7 وأمثالَ ذلك، بإدغام الميم في الباء. وقد تَقَدَّمَ أنَّ الميم من الحروف التي لا تدغم في مقاربها. وينبغي8 أن يُحمل ذلك على الإخفاء. وعلى ذلك كان يتأوَّله أبو بكر بن مجاهد، رحمه الله9. وينبغي أن يكون الإدغام في ذلك محفوظًا عن أبي عمرو. ويُحكى عن البصريِّين أنَّ أبا عمرو كان يختلس الحركة في ذلك، فيرى من يسمعه ممَّن لا يضبط سمعُه أنه أسكن الحرف الأوَّل، وإن كان لم يُسكِن.
ومن ذلك إدغام الكسائيِّ وحده الفاء من: "نَخْسِف بِّهِم"10 في الباء. وقد تَقَدَّمَ أنها من الحروف التي لا تُدغَم في مقاربها، ولا يُحفظ ذلك من كلامهم. وهو مع ذلك ضعيف في
1 ينتهي ههنا الخرم في م ويعود الخط المغاير.
2 الآية 151 من سورة آل عمران. م: والرعب بما.
3 كذا. ولم يتقدم شيء من هذا. انظر ص414.
4 انظر ص454 وسر الصناعة 1: 64-68.
5 الآية 156 من سورة النساء.
6 الآية 53 من سورة الأنعام. وفي النسختين. أعلم بالشاكرين.
7 الآية 70 من سورة النحل.
8 زاد في م: أيضًا.
9 م: "رحمة الله عليه". وأبو بكر هو: أحمد بن موسى التميمي الحافظ البغدادي، شيخ القرَّاءِ وأوَّل من صنف في القراءات السبع. توفي سنة 234. غاية النهاية 1:139.
10 الآية 9 من سورة سبأ. م: ردف بهم.
القياس، لِما فيه من إذهاب التفشِّي الذي في الفاء.
ومن ذلك ما1 رُوي عن ابن كَثير من إدغام التاء التي في أوَّل [الفعل] 2 المستقبل في تاء بعدها في أحرف كثيرة، منها ما فيه3 قبلها متحرِّك، ومنها ما فيه4 قبلها ساكن من حروف المدِّ واللِّين ومن5 غيرها. فأمَّا ما قبله متحرِّك فنحو قوله:"فتَّفَرَّقَ بِكُم"6 و"هِيَ تَّلَقَّفُ"7. وأمَّا ما كان قبله ساكن من حروف المدِّ واللِّين فقوله تعالى8: "ولا تَّيَمَّمُوا9 الخَبِيثَ"10 و"لا تَّفَرَّقُوا"11 و"لا تَّنازَعُوا"12. وأمَّا ما كان قبله ساكن من غير حروف المدِّ واللِّين فقوله تعالى: "فإِن تَّوَلَّوا"13 و"إذ تَّلَقَّونَهُ"14.
وقد تقَدَّمَ أنَّ سيبويه15 لا يجيز إسكان هذه التاء في "تَتَكلَّمون" ونحوه؛ لأنها إذا سُكِّنت احتيج لها ألف [68أ] وصل، وألفُ الوصل لا تَلحق الفعل المضارع. فإذا اتَّصلت بما قبلها جاز؛ لأنه لا يُحتاج إلى همزة وصل. إِلَّا أنَّ مثل "فإِن16 تَّوَلَّوا" و"إذ تَّلَقَّونَهُ" لا يجوز عند البصريِّين، على حال، لِما في ذلك من الجمع بين الساكنين، وليس الساكن الأوَّل حرفَ مدٍّ ولِين.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "والحَرْث ذّلِكَ"17 بإدغام الثاء18 في الذال وما قبلها ساكنٌ صحيح. ولكن يَتخرَّج على مثل ما تَقَدَّمَ من الإخفاء.
1 م: ومن ذلك قوله.
2 من م.
3 سقط من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
4 سقط من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
5 ينتهي ههنا الخط المغاير في م.
6 الآية 153 من سورة الأنعام.
7 الآية 117 من سورة الأعراف والآية 45 من سورة الشعراء.
8 سقط "فقوله تعالى" من م.
9 م: ولا تمموا.
10 الآية من 267 من سورة البقرة.
11 الآية 103 من سورة آل عمران والآية 13 من سورة الشورى.
12 الآية 46 من سورة الأنفال.
13 الآيات: 32 من سورة آل عمران و57 من سورة هود و54 من سورة النور.
14 الآية 5 من سورة النور.
15 الكتاب 2: 426. ولم يتقدم ما ذكر. انظر ص406.
16 في النسختين: إن.
17 الآية 14 من سورة الأنعام.
18 م: الثاني.
ومن ذلك ما رَوى اليزيديُّ عن أبي عمرو، من إدغام الجيم في التاء في مثل1:"ذِي المَعارِج تَّعرُجُ"، وسيبويه2 لم يذكر إدغامها إِلَّا في الشين خاصَّة. فينبغي أن يُحمل ذلك على إِخفاء الحركة أيضًا.
ومن ذلك إدغام أبي عمرو الحاء في العين من قوله تعالى3: "فمَن زُحْزِح عَّنِ النَّارِ" في إحدى الروايتين. وذلك أنَّ اليزيديُّ روى عنه أنه لم يكن يدغم الحاء في العين إِلَّا في قوله تعالى: "فَمن زُحْزِح عَّنِ النّارِ". وروَى عنه أنه قال: مِن العرب مَن يُدغِم الحاء في العين، كقوله تعالى:"فمَن زُحزِح عَّنِ النَّارِ". قال: وكان أبو عمرو لا يرى ذلك. والصحيح أنَّ إِدغام الحاء في العين لم يثبت. وإن جاء من ذلك ما يوهم أنه إدغام فإنَّما يُحمل على الإخفاء.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "ولا تَنقُضُوا الأيمانَ بَعْد تَّوكِيدِها"4 بإدغام الدال في التاء، فينبغي أن يُحمل ذلك أيضًا على الإخفاء.
وعلى ذلك أيضًا ينبغي أن تُحمل قراءته: "مِن بَعْد ضَّرَّاءَ مَسَّتْهُ"5 و"مِن بَعْد ضَّعفٍ"6 و"المَهْد صَّبيًّا"7، على أنه أخفى8 حركة الدال في جميع ذلك ولم يُدغِم.
ومثل ذلك أيضًا قراءته: "شَهْر رَّمَضانَ"9 و"عَتَوا عَن أَمْر رَّبِّهِم"10 و"ذِكْر رَّحْمَةِ"11 و"البَحْر رَّهْوًا"12، أَخفى13 حركة الراء الأولى في جميع ذلك ولم يُدغِم.
ومن ذلك ما رُوي عن يعقوب الحضرميِّ من إدغام الراء14 في اللام15. وكذلك أيضًا
1 الآيتان 3، 4 من سورة المعارج.
2 الكتاب 2: 414.
3 الآية 185 من سورة آل عمران.
4 الآية 91 من سورة النحل.
5 الآية 50 من سورة فصلت.
6 الآية 54 من سورة الروم.
7 الآية 29 من سورة مريم.
8 في النسختين: إخفاء.
9 الآية 158 من سورة البقرة.
10 الآية 77 من سورة الأعراف.
11 الآية 2 من سورة مريم.
12 الآية 24 من سورة الدخان.
13 م: خفى.
14 علق عليه في حاشية ف بنص اخترم بعضه.
15 بعده في ف: "في جميع ذلك". وصوابه: "وكذلك" كما في م. ويعقوب الحضرمي هو أحد القراء العشرة وإمام أهل البصرة ومقرئها، توفي سنة 205. غاية النهاية 2:386.
روى أبو بكر1 بنُ مجاهدٍ عن أبي عمرو أنه كان يُدغِم الراء2 في اللام، متحرِّكةً كانت الراء أو ساكنة، نحو:"فاغفِر لَّنا"3 و"استَغفِر لَّهُم"4 و"يَغْفِر لَّكُم". فإن سَكَنَ ما قبل الراء أدغمها في اللام في موضع الرفع والخفض نحو: "حِينٌ مِنَ الدَّهْر لَّم يَكُنْ"5. ولا يُدغِم إذا كانت الراء مفتوحة كقوله: {مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} 6 و {الذِّكْرَ لِتُبَيِّن} 7 وأمثال ذلك.
وفصلُه بين الراء المفتوحة وغيرها إذا سكن ما قبلها دليل على أنَّ ذلك ليس بإدغام، وإنَّما هو رَومٌ لا إِدغام، والرَّوم لا يُتصوَّرُ في المفتوح8 وهذا مخالف لما ذكره سيبويه9 من أنَّ الراء لا تُدغَم في مقاربها لما فيها من التكرار. وهو القياس. ولم يحفظ سيبويه الإدغام في ذلك.
وروى أبو بكر بن مجاهد عن أحمد بن يحيى عن أصحابه عن الفرَّاء أنه قال: كان أبو عمرو يروي عن العرب إدغام الراء في اللام. وقد أجازه الكسائيُّ أيضًا، وله وُجَيه من القياس. وهو أنَّ الراء إذا أُدغمَت في اللام صارت لامًا، ولفظُ اللام أسهل من الراء لعدم التكرار10 فيها، وإذا لم تُدغَم الراءُ كان في ذلك ثقل؛ لأنَّ الراء فيها تكرار فكأنها راءانِ، واللامُ قريبة من الراء، فتصير كأنك قد أتيت بثلاثة أحرف من جنس واحد.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "الشَّمْس11 سَّراجًا"12 بإدغام السين في السين، و"لِبَعْض شَّأنِهِم"13 بإدغام الضاد في الشين، و"نَحْن لَّهُ مُسلِمُونَ"14 بإدغام النون في اللام، و"مِن
1 ف: "روي عن أبي بكر". وفي حاشيتها: روى أبو بكر.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ إدغام الراء في اللام إظهارها مثل ما ذكره ابن عصفور، إِلَّا ما روي عنه من إظهار الراء الساكنة، وأنَّ الخليل وسيبويه لا يجيزان إدغام الراء ف اللام، وأجازه الكسائي والرؤاسي والفراء حكاية عن العرب، وكذلك أبو عمرو وتابعه يعقوب الحضرمي.
3 الآيتان 147 من سورة آل عمران و10 من سورة الحشر.
4 الآية 80 من سورة التوبة.
5 الآية 1 من سورة الإنسان.
6 الآية 21 من سورة يوسف.
7 الآية 44 من سورة النمل. ف: ليبين.
8 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علق على هذا بما يلي: "غير صحيح. الروم يكون في المفتوح، وإنَّما يمتنع منه الإشمام. وصوابه: لا يكون فيه إخفاء واختلاس؛ لأنَّ الفتحة خفيفة. فإن كان أراد هذا فلم يعبر بالمألوف".
9 الكتاب 2: 412.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علق عليه بما يلي: "عدم التكرار هو الذي أوجب ترك الإدغام؛ لأنَّ الأصل أنَّ كل حرف فيه زيادة يؤدِّي الإدغام إلى إذهابها فإدغامه ممتنع". وانظر ص444.
11 في النسختين: والشمس.
12 الآية 16 من سورة نوح.
13 الآية 62 من سورة النور.
14 الآيات: 133 و136 من سورة البقرة و84 من سورة آل عمران و64 من سورة العنكبوت.
خِزْي يَّومَئذٍ"1 و"فهْي يَّومَئذٍ"2 بإدغام الياء في الياء. جميع ذلك ينبغي أن يحمل على الإخفاء، لِما في الإدغام من الجمع بين ساكنين، وليس الأوَّل3 حرف مدٍّ ولِين. وأيضًا فإنَّ الضاد لا تُدغَم في الشين.
وأمَّا "واشتَعَلَ الرَّأْس شَّيبًا"4، بإدغام السين في الشين5، فإنَّ الرواية عن أبي عمرو اختلفت في ذلك: فمنهم من روى أنه أَدغم، ومنهم من روى أنه منع. والذي عليه البصريُّون أنَّ إدغام السين في الشين لا يجوز. وأيضًا فإنَّ الإدغام يؤدِّي إلى الجمع بين ساكنين، وليس [قبل] الأوَّل حرف مدٍّ ولِينٍ.
ومن ذلك ما رُوي عنه من أنه قرأ: "إِلهَه هَّواهُ"6 وأمثالَه بإدغام الهاء في الهاء، وبين الهاءين7 فاصل -وهو8 الواو التي هي صلة الضمير- فحَذفَ الصِّلَة وأَدغم. وإدغام9 هذا مخالف للقياس؛ لأنَّ هذه الواو إنَّما تُحذف في الوقف، وأمَّا في الوصل فتثبت. وأنت10 إذا أَدغمتَ في حال وصل فينبغي ألَّا تَحذفها. وإذا لم تَحذفها لم يمكن الإدغام. لكن وجه ذلك أمران:
أحدهما11: تشبيه الإدغام بالوقف، في أنَّ الإدغام يوجب التسكين للأوَّل كما أنَّ الوقف يوجب له ذلك. فحَذَف الواو12 في الإدغام على حدِّ حذفها في الوقف، فساغ الإدغام.
والآخر: أن يكون حذف الواو في الوصل كما حذفها [68ب] الشاعر في قوله، أنشده الفرَّاء13:
1 الآية 66 من سورة هود.
2 الآية 16 من سورة الحاقة. وسقطت من م؛ لأنَّ الهاء قبل الياء لا يلزمها السكون.
3 ف: في الأول.
4 الآية 4 من سورة مريم.
5 م: في السين.
6 الآية 43 من سورة الفرقان والآية 23 من سورة الجاثية.
7 ف: بين الهاء والهاء.
8 م: وهي.
9 سقط "وإدغام" من م.
10 ف: وأما.
11 سقط "أمران أحدهما" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
12 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علق عليه بما يلي: "هذا خطأ بيِّنٌ؛ لأنَّ الإدغام كيف يسبب الحذف، وهو لا يكون إِلَّا بعد الحذف؟ "
13 الصحاح واللسان والتاج "غطي" والإنصاف ص518. والمغطي: المستور لذلته. والمجتلي، النابه الذكر المحمود الأثر.
أنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أوسٍ، فمَن يَكُنْ
…
قِناعُهُ مَغْطِيًّا فإِنِّي لَمُجتَلِي
فلمَّا حذف الواو أدغم. والأوَّل أحسن؛ لأنَّ حذف الواو وصلًا في مثل هذا ضرورة.