الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الياء:
وأمَّا الياء فتُبدل من ثمانيةَ عشرَ حرفًا. وهي: الألف، والواو، والسين، والباء، والراء والنون، واللام، والصاد، والضاد، والميم، والدال، والعين، والكاف، والتاء، والثاء، والجيم، والهاء، والهمزة. إِلَّا أنه لا يذكر هنا إبدالها من الألف1 والواو؛ لأنَّ ذلك من باب القلب.
فأُبدلت من السين من غير لزوم2، في سادِس وخامِس. فقالوا:"سادِي" و"خامِي". قال الشاعر3:
إِذا ما عُدَّ أربَعةٌ، فِسالٌ
…
فزَوجُكِ خامِسٌ، وحَمُوكِ سادِي
أي: سادسٌ. وقال الآخر4:
مَضَى ثَلاثُ سِنينَ، مُنذُ حُلَّ بِها
…
وعامُ حُلَّتْ، وهذا التَّابِعُ الخامِي
أي: الخامسُ.
1 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع أن الألف تبدلها طيئ ياء في الوقف إذا كانت طرفًا. قلت: هذه لغة فزارة وبعض قيس. أمَّا طيئ فتبدلها في الوصل والوقف.
2 صرح ابن عصفور في الضرائر أن هذا الضرب من الإبدال ضرورة. شرح شواهد الشافية 448 وضرائر الشعر ص225-227.
3 ينسب إلى النابغة الجعدي يهجو ليلى الأخيلية وإلى الحادرة وامرئ القيس. شرح الشافية 3: 213 وشرح شواهده 446-448 والمفصل 2: 258 والإبدال 2: 217 وتهذيب الألفاظ ص591 والضرائر ص151 والهمع 2: 153 والدرر 2: 213 والألفباء2: 574 والصحاح واللسان والتاج "فسل". والفسال: جمع فسل. وهو الرذل من الرجال.
4 الحادرة. ديوانه ص359 وتهذيب الألفاظ 591 والإبدال 2: 218 وشرح شواهد الشافية ص447 والقلب والإبدال ص60 والضرائر ص151 والدرر اللوامع 2: 212 والمخصص 17: 112 واللسان والتاج "خمس" و"خما". يصف الديار. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن من هذا الإبدال "دسَّاها" في الآية 10 من سورة الشمس، أصله دسَّسَها، أبدلت السين الثالثة ياء كراهية التضعيف، ثمَّ قلبت الياء ألفًا. ومنه:
وأنتَ الَّذي دَسَّيتَ عَمرًا فأصبَحَتْ
…
حَلائلُهُ مِنهُ أرامِلَ جُوَّعا
قلت: هذا يحسن ذكره مع تسريت. ودسيت: أغريت.
وأُبدِلت من الباء1 على غير لزوم، في جمع ثَعْلَبٍ وأَرنَبٍ، في الضرورة. أنشد سيبويه2:
لَها أَشارِيرُ، مِن لَحمٍ، تُتمِّرُهُ
…
مِنَ الثَّعالِي، ووَخْزٌ مِن أَرانِيها
أراد الثعالب3 وأرانب،4 فلم يمكنه5 أن يُسكِّن الباء فأبدل منها ياء.
وأُبدلت أيضًا من الباء على اللزوم، في دِيباج. وأصله "دِبّاجٌ"، فأبدلوا الباء الساكنة ياءً هروبًا من اجتماع المِثلين. والدليل على ذلك قولهم في الجمع: دَبابيج،6 فرَدُّوا الباء لمَّا فَرَّقتِ الألف بين المِثلين.
وأُبدِلت أيضًا من الباء الثانية هروبًا من التضعيف، وفي "لا وَرَبِّكَ"، فقالوا: لا وَرَبْيِكَ. حكى ذلك أحمد بن يحيى7.
وأُبدِلت من الراء على اللزوم، في قِيراطِ وشِيراز8 والأصل "قِرّاط" و"شِرّاز"[فأبدلوا الياء من الراء الأولى هروبًا من التضعيف]9. والدليل على أنَّ الأصل "قِرّاط" و"شِرّاز"10 قولُهم قَرارِيط وشَرارِيز، [35 ب] فردُّوا الراء لمَّا فَصلت الألف بين المِثلين11.
وأُبدلت أيضًا في: تَسرَّيتُ وأصله "تَسَرَّرتُ"12 لأنه "تَفعَّلْتُ" من السُّرِّيَّة. والسُّرِّيَّة "فُعْلِيَّة".
1 م: الياء.
2 لأبي كاهل اليشكريّ. وينسب إلى النمر بن تولب. الكتاب 1: 344 وشرح الشافية 3: 212 وشرح شواهده ص443-446 ومجالس ثعلب ص229 والمفصل 2: 258 والإبدال 1: 90 والهمع 1: 181 والصحاح واللسان والتاج "تمر" و"شرر" و"وخز". والأشارير: القطع من اللحم يجفف للادخار. وتتمره: تجففه. والوخز: قطع من اللحم. يصف عقابًا. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن شيخه الرضي عن كتاب "العروض" لابن القطاع: صوابه: وذُخرٌ من أرانِيها.
3 وقال ابن عصفور في الضرائر ص226: "وقد يمكن أن يكون جمع ثعالة، فيكون الأصل فيه إذ ذاك الثعائل، إِلَّا أنه قلب". شرح شواهد الشافية ص443.
4 م: الأرانب.
5 ف: فلم يمكن.
6 م: "دبابج". وانظر شرح الشافية 3: 210-211.
7 انظر شرح الشافية 3: 210 واللسان "ربب".
8 الشيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. وانظر الكتاب 2: 313-314.
9 من م.
10 ف: والدليل على ذلك.
11 شرح الشافية 3: 211.
12 وهذا قول ابن السكيت. انظر القلب والإبدال ص59. واللسان "سري".
من السرور لأنَّ صاحبها يُسَرُّ بها، أو من السِّرِّ لأنَّ صاحبها يُسِرُّ أمرها عن حُرَّتِه1 وربَّة منزله. ومن جعل سُرِّيَّة "فُعيِّلة"2 من سَراة الشيء –وهو أعلاه- كانت اللام من "تَسَرَّيتُ" واوًا أُبدلت ياء، لوقوعها خامسة؛ لأنَّ السَّراة3 من الواو بدليل قولهم في جمعه: سَرَوات. قال4:
وأَصبَحَ مُبيَضُّ الصَّقِيعِ كأنَّهُ
…
علَى سَرَواتِ البَيتِ،5 قُطنٌ مُنَدَّفُ
والذي ينبغي أن يُحمل عليه سُرِّيَّة أنه "فُعلِيَّةٌ" من السِّرِّ، أو من السُّرور. فقد دفع أبو الحسن اشتقاقَها من سَراة الشيء -وهو أعلاه- بأن قال: إنَّ الموضع الذي تُؤتَى6 منه المرأة ليس أَعلاها وسَراتها. وهذا الدفع صحيح، واشتقاقه من السِّرِّ أو السرور واضح، فلذلك كان أَولى.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الياء من الراء.
وأُبدلت من النون على اللزوم7، في دِينار. أصلُهُ "دِنّارٌ" فأُبدلت الياء من النون الأُولى هروبًا من ثِقل التضعيف، بدليل قولهم: دنَانيرُ في الجميع8 ودُنَِنيرٌ في التحقير.
وأُبدلت أيضًا من نُون إنسان الأُولى9، على غير اللزوم10، فقالوا: إِيسانٌ11. قال عامر بن جُؤين12:
فيا لَيتَني، مِن بَعدِ ما طافَ أَهلُها
…
هَلَكتُ، ولَم أَسمَعْ بِها صَوتَ إِيسانِ
1 م: حرمته.
2 ف: فعليّة.
3 م: السرواة.
4 الفرزدق. ديوانه ص559.
5 كذا، والمشهور:"النّيبِ". والنيب: جمع ناب، وهي الناقة المسنة.
6 ف: يؤتى.
7 شرح الشافية 3: 211 والكتاب 2: 313.
8 م: في الجمع دنانير.
9 ف: الأول.
10 م: على غير لزوم.
11 وهذه لغة طيئ. انظر الإبدال 2: 461 واللسان "أنس".
12 م: "عامر بن جوي". والبيت في سر الصناعة ص757 والمحتسب 2: 203 والمقرب 2: 171 واللسان "أنس" والتاج "أيس".
وقالوا في الجميع1: أَياسِينُ2، بالياء. والأصل النون لأنَّ إنسانًا وأَناسيَّ بالنون أكثر منه بالياء.
وأُبدلت أيضًا على اللزوم من نون ظَرِبان3 ونون إنسان التي بعد الألف، في الجمع فقالوا: أَناسِيُّ وظَرابِيُّ، فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث لشبهها بها. فكما يُبدِلون من همزة التأنيث ياءً، فيقولون في صَحراء:"صَحارِيُّ"، كذلك فعلوا بنون إنسان وظَرِبان، في الجمع.
وأُبدلت أيضًا من النون في: تَظَنَّيتُ4؛ لأنه "تَفَعَّلْتُ" من الظَّنِّ. فأصله "تَظَنَّنتُ"، فأُبدلت النون ياءً هروبًا من اجتماع الأمثال.
وأُبدلت أيضًا على اللزوم من النون في: تَسنَّى، بمعنى: تَغيَّرَ. ومن ذلك قوله تعالى: {لَم يَتَسَنَّ} 5، فحُذفت6 الألف المبدلة من الياء للجزم. والأصل "يَتَسَنَّنْ"، فأُبدلت النون [ياء] 7 هروبًا أيضًا من اجتماع الأمثال. والدليل على ذلك قوله تعالى:{مِن حَمَأٍ مَسْنُونٍ} 8 أي: مُتغيِّر. فقوله تعالى: {مَسْنُون} يدلُّ على أنَّ "يَتَسَنَّ"9 في الأصل من المُضَعَّف كمَسنُون، وليس من قَبيل المُعتلِّ.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الياء من النون.
وأُبدلت من اللام في: أَملَيتُ الكِتابَ10 إنَّما أصله "أَملَلتُ"، فأُبدلت اللام الأخيرة ياءً هروبًا11 من التضعيف. وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا. قال تعالى:{فهِيَ 12 تُملَى عَليهِ بُكْرةً وأَصيلًا} . وقال عز وجل: {ولْيُمْلِل ِ13 الَّذِي عَليهِ الحَقُّ} 14. وإنَّما جعلنا اللام هي الأصل لأنَّ "أَملَلتُ" أكثرُ من "أَملَيتُ".
1 م: الجمع.
2 ويقال: أياسيّ أيضًا.
3 الظربان: دابة. وانظر شرح الشافية 3: 211-212.
4 الإبدال 2: 459-460 وشرح الشافية 3: 210.
5 الآية 259 من سورة البقرة. وهذه قراءة عامة أهل الكوفة. تفسير الطبري 5: 460.
6 م: فحذف.
7 من م.
8 الآيات 26 و33 و38 من سورة الحجر.
9 م: يتسنن.
10 شرح الشافية 3: 210. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن بعض العلماء جعل "تَنسَلِي" من معلقة امرئ القيس أصله تَنسَلّ، أبدلت اللام الثانية ياء وكسر الأولى من أجل الياء. فهو مطاوع سَلَّ يَسُلُّ. قلت: كسر اللام الأولى هو الأصل، ظهر لما فك الإدغام لإبدال الثانية. وليس مجتلبًا لأجل الياء.
11 م: هربًا.
12 الآية 5 من سورة الفرقان. م: هي.
13 في النسختين: فليملل.
14 الآية 282 من سورة البقرة.
وأُبدلت من الصاد على غير اللزوم، في: قَصَّيتُ أَظفاري1: بمعنى: قَصَّصت. فأبدلوا من الصاد الأخيرة ياء هروبًا من اجتماع الأمثال. حكى ذلك اللِّحيانيُّ.
وأُبدلت من الضاد، في قول العجَّاج2:
تَقَضِّيَ البازِي، إِذا البازِي كَسَرْ
إنَّما هو "تَفَعُّل" من الانقضاض. وأصله "تقَضُّض"، فأُبدلت الضاد الأخيرة ياء. وقالوا أيضًا: تَفضَّيتُ، من الفِضَّة. وهو مثل: تَقضَّيت.
وأُبدلت من الميم في: يأتَمي3، على غير اللزوم4 في الشعر. قال5:
تَزُورُ امرَأً أمَّا الإله فيَتَّقِي
…
وأمَّا، بِفِعلِ الصَّالِحِينَ، فيأتَمِي
أصله "يأتَمُّ" فأُبدل من الميم الثانية ياء هروبًا من التضعيف.
وأُبدلت أيضًا ف6: تُكُمُّوا؛ لأنه "تُفُعِّلُوا" من: كممْتُ الشيءَ إذا سترتَه. فأصله "تُكُمِّمُوا"، فأبدلوا من الميم الأخيرة ياءً فقالوا "تُكُمِّيُوا"، فاستُثقلت الضَّمَّة في الياء فحُذِفَت، فبقيت الياء ساكنةًَ، فحُذِفَت لالتقائها مع واو الضمير الساكنة، فصار: تُكُمُّوا7. قال الراجز8:
بَل لَو شَهِدْتَ النَّاسَ، إِذ تُكُمُّوا
…
بقَدَرٍ، حُمَّ لَهُم، وحُمُّوا
وأُبدلت أيضًا من الميم الأولى في: أمَّا،9 فقالوا "أَيْما" هروبًا من التضعيف. وقد رُوِي بيتُ ابن أبي ربيعة10 [36 أ] :
رأتْ رَجُلًَا، أيما إِذا الشَّمسُ عارَضَتْ
…
فيَضحَى، وأيما بالعَشِيِّ فيَخصَرُ11
1 شرح الشافية 3: 210. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد: يمكن أن يكون معناه: أخذتُ أقاصيها. فلا يكون بدلًا. انظر الارتشاف 1: 153.
2 ديوانه ص17. وكسر: ضم جناحيه للانقضاض.
3 الإبدال 2: 453. م: يأتمّ.
4 م: على غير لزوم.
5 البيت لكثير عزة من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. ديوانه 2: 122 والإبدال 2: 453 واللسان والتاج "أمم" والاقتضاب ص138.
6 اللسان والتاج "كمم".
7 أغفل ضمَّ الميم لتسلم واو الجماعة.
8 العجاج. ديوانه ص63. وحم: قضي. وحموا أي: قدروا له وقضوا.
9 الإبدال 2: 453 والمغني ص55-56.
10 ديوانه ص86. ويضحى: يظهر للشمس. ويخصر: يبرد.
11 م: فيحصر.
وأُبدلت أيضًا من الميم الأولى في ديماس، هروبًا1 من التضعيف. وأصله دِمَّاس، بدليل قولهم في الجمع: دَمامِيس.
وأُبدلت من الدَّال2 في قوله تعالى3: {إِلّا مُكاءً وتَصْدِيَةً} ، والتصدية: التصفيق والصوت. و"فَعَلتُ" منه: صَدَدْتُ أصِدُّ4. ومنه قوله تعالى5: {إِذا قَومُكَ منهُ يَصِدُّونَ} أي: يَعِجُّون ويَضِجُّون. فأصله "تَصْدِدَة"، فحُوِّلت إحدى الدالين ياء هروبًا من اجتماع المثلين. وليس قول من قال إنَّ الياء غير مبدلة من دال، وجعله من الصَّدَى الذي هو الصوت، بشيء، وإن كان أبو جعفر الرّستَمِيُّ6 قد ذهب إليه؛ لأنَّ الصَّدَى لم يُستعمل منه فِعْل. فحمله على أنه من هذا الفعل المستعمل أولى.
وأُبدلت من العين فيما أنشده سيبويه، من قوله7:
ومَنهلٍ لَيسَ لَهُ حَوازِقُ
…
ولِضَفادِي جَمَّهِ نَقانِقُ
يريد: ولِضفادِع، فَكرِهَ أن يُسكِّن العينَ في موضع الحركة، فأبدل منها ما يكون ساكنًا في حال الجرِّ. وهو الياء.
وأُبدلت أيضًا من العين في8 "تَلَعَّيتُ"9 من اللُّعاعة10 تَلعِيةً. والأصل11 "تَلعَّعتُ تَلِععَةً"، فأُبدلت العين الأخيرة ياءً هروبًا 12 من اجتماع الأمثال.
1 شرح الشافية 3: 210-211. والديماس: الكن والحمَّام. م: هربًا.
2 الإبدال 1: 397.
3 الآية 45 من سورة الأنفال. والمكاء: الصفير.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن هذا التفسير لأبي عبيدة. انظر مجاز القرآن 1: 246 والارتشاف 1: 154.
5 الآية 57 من سورة الزخرف.
6 لعله محمد بن رستم غلام المازني وشيخ الزجاجي، كان نحويًّا وله كتاب في غريب القرآن. وقيل هو أحمد بن محمد بن رستم. إنباه الرواة 1: 128 وتاريخ بغداد 5: 125 ونزهة الألباء ص239 والارتشاف 1: 154 والإيضاح ص78.
7 صنعه خلف الأحمر. الكتاب 1: 344 وشرح أبياته 2: 31 والموشح ص98 والمقتضب 1: 247 وسر الصناعة ص762 وشرح الشافية 3: 212 والإبدال 2: 315 والمفصل 2: 257 وشرحه 10: 24. والحوازق: جمع حازق. وهو الحاجز. والجم: الكثرة والاحتشاد. والنقانق: جمع نقنقة. وهي الصوت.
8 الإبدال2: 325 والصحاح واللسان والتاج "لعي".
9 تلعيت: رعيت. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد: حُكي عن العرب: خرجنا نتلعَّى أي: نرعى اللعاع. وهو أول ما يظهر من النبت.
10 اللعاعة: أصل النبت.
11 ف: فالأصل.
12 م: فرارًا.
فإن1 قال قائل: فلعلَّ "تَلَعَّيتُ": "تَفَعلَيتُ" والياء زائدة مثلها في "تَجَعبَيتُ"، فلا تكون إذ ذاك بدلًا. فالجواب أنَّ التاء إنَّما دخلت على "لعَّيتُ"، ولَعَّيتُ:"فَعَّلتُ"، بدليل قولهم "تَلعِيَة"، إذ لا يجيء المصدر على "تَفْعِلة" إِلَّا إذا كان الفعل على وزن "فَعَّلَ". فإذا تبيَّن أنَّ التاء دخلت على "فَعَّلتُ" ثَبَتَ أنَّ تَلَعَّيتُ:"تَفعَّلتُ"، وأنَّ الياء بدل من العين.
وأُبدلت من الكاف فيما حكاه أبو زيد، من قولهم: مَكُّوكٌ2 ومَكاكِيُّ. وأصله "مَكاكِيكُ"، فأُبدلت الياء من الكاف الأخيرة هروبًا أيضًا من ثقل التضعيف3.
وأُبدلت من التاء. أَنشد بعضهم4:
قامَتْ بِها، تُنشِدُ كُلَّ مُنشَدِ
…
فايتَصلَتْ، بِمثلِ ضَوءِ الفَرقَدِ.
يريد: فاتَّصلَتْ، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهيةَ التَّشديد.
وأُبدلت من الثاء في ثالث5، فقالوا: الثالي. قال الراجز6:
يَفدِيكَ، يا زُرْعَ، أبِي وخالِي
…
قَد مرَّ يَومانِ، وهذا الثّالِي
وأنتَ، بالهِجرانِ، لا تُبالِي
أراد: وهذا الثالث.
وأُبدلت من الجيم في جمع دَيجُوج7 فقالوا: الدَّياجِي. وأصله "دياجِيجُ"، فأُبدلت الجيم الأخيرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفًا.
وأُبدلت من الهاء في8: دَهدَيتُ الحَجَرَ أي: دَحرجتُه. وأصله "دَهدَهتُهُ"؛ ألا تراهم قالوا:
1 سقط من م حتى قوله "وأن الياء بدل من العين".
2 المكوك: طاس يشرب به.
3 يريد: تكرار الكاف.
4 سر الصناعة ص764 والمقرب 2: 173 وشرح الملوكي ص248 وضرائر الشعر ص224 والأشموني 4: 337 واللسان والتاج "وصل" والمفصل 2: 257 وشرحه 10: 26. وتنشد: تغني. والمنشد: الغناء. والفرقد: نجم.
5 شرح الشافية 3: 212-213.
6 سر الصناعة ص764 وضرائر الشعر ص227 وشرح الملوكي ص255 والهمع 2: 157 والدرر 2: 224 والأشموني 4: 337. وشرح الشافية 3: 213 وشرح شواهده ص448 والمفصل 2: 259 وشرحه 10: 28. وزرع: مرخم زرعة. وقال البغدادي: "وخصه ابن عصفور بالضرورة" يريد أنه خصه بذلك في كتابه الضرائر ص227.
7 الديجوج: الليل المظلم.
8 الإبدال 2: 531.
دُهدُوهَةُ الجُعَلِ، لما يُدَحرجُه؟ قال أبو النَّجم1:
كأنَّ صَوتَ جَرْعِها المُستَعجَلِ
…
جَندَلةٌ، دَهدَيتَها بِجَندَلِ
وقالوا في "صَهصَهتُ بالرَّجلِ" إذا قلتَ له "صَهْ صَهْ": صَهصَهيتُ، فأبدلوا من الهاء ياء
وأُبدلت من الهمزة باطِّراد، إذا كانت ساكنة وقبلها كسرة. فتقول في ذِئب وبِئر ومِئرة2 ذِيبٌ وبِيرٌ ومِيرةٌ، ولا يلزم ذلك، إِلَّا أن يكون3 الحرف المكسور الذي قبل الهمزة الساكنة همزةً أُخرى4، نحو: إيمان وإيتاء في مصدر: آمَنَ وآتَى. وأصلُهما "إئمان" و"إئتاء".
وأُبدلت من الهمزة المفتوحة المكسورِ ما قبلها، نحو: مِيَر وأُريدُ أن أُقرِيَكَ5، على غير لزوم. وقد مضى السبب في ذلك في باب تخفيف الهمز6.
وكذلك أيضًا تُبدل7 من الهمزة المضمومة المكسورِ ما قبلها، عند الأخفش، نحو: هو يُقرِيكَ8، [في "يُقرِئُكَ"] 9 على غير لزوم أصلًا. وقد تَقَدَّمَ الدليل على بطلان هذا المذهب، في باب تخفيف الهمز10 أيضًا.
وتُبدل منها أيضًا إذا وقعت بعد ياء "فَعِيلٍ" ونحوه، ممّا زِيدت فيه لمدٍّ، وبعد ياء التحقير، على غير لزوم، فيقولون في خَطِيئة: خَطِيَّةٌ، وفي نَسِيء: نَسِيٌّ، وفي تحقير أَفؤُس: أُفَيِّسٌ11.
وإذا التقت همزتان، وكانت الثانية متحرِّكة بالكسر، قُلبت الثانية ياءً على اللزوم12، نحو قولهم: أيِمّةٌ في جمع "إمام". أصله "أَأْمِمَةٌ"، ثمَّ أَدغمتَ فقلتَ: أَئِمَّةٌ، ثمَّ أَبدلتَ من الهمزة المكسورة ياء.
1 الجندلة: الحجر. م: "خنذية". والخنذية: رأس الجبل. والرجز في الطرائف الأدبية ص65 والمنصف 2: 176 وسر الصناعة ص233 وشرح المفصل10: 26.
2 المئرة: العداوة.
3 زاد في ف: ذلك.
4 سقط من م.
5 م: أقربك.
6 كذا. ولم يتقدم لتخفيف الهمز باب. م: "الهمزة". وانظر ص217.
7 ف: وكذلك تبدل أيضًا.
8 م: يقرئك.
9 من م.
10 كذا. ولم يتقدم لتخفيف الهمز باب. م "الهمزة". وانظر ص217.
11 م: أبؤس أبيّس.
12 هذا اللزوم شرطه أيضًا في الفعل ألا تكون الهمزة الأولى للمضارعة. انظر ص242. فالمضارع: أئزّ وأئطّ وأئلّ وأئن وأئيد وأئيم وأئين، يجوز فيه إبدال الهمزة ياء ولا يجب. وفي حاشية الخضري 2: 196: "لم أر من ذكرها على الخصوص". قلت: نص عليها ابن مالك في التسهيل ص302. أمَّا أئمة فيجوز فيها تحقيق الهمزتين أيضًا، ويجوز إدخال ألف بينهما محققتين، أو جعل الثانية بين بين، أو إشمامها الياء. انظر النشر 1: 378-381.
وتُبدل أيضًا من الهمزة الواقعة طرفًا بعد ألف زائدة، في التثنية، في لغة لبعض بني فَزارة، فيقولون في تثنية كِساء [36 ب] ورِداء: كِسايانِ ورِدايانِ. حكى ذلك أبو زيد عنهم.
وأُبدلت بغير اطِّراد في: قَرأتُ وبَدأتُ وتَوضَّأتُ، فقالوا: قََرَيتُ وتَوضَّيتُ وبَدَيتُ. وعلى "بَدَيتُ" جاء قول زهير1:
جَرِيءٍ، مَتَى يُظلَمْ يُعاقِبْ بِظُلمِهِ
…
سَرِيعًا، وإِلَّا يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ
فحَذَفَ الألف المنقلبة عن الياءِ المبدلةِ من الهمزة، للجزم في "يُبْدَي".
وقالوا في واجِئ2: واجٍ، فأبدلَ3 الهمزة ياء، وأجراها مُجرى الياء الأصليَّة. الدليل على ذلك أنه جعلها وصلًا لحركة الجيم، في قوله4:
وكُنتَ أَذلَّ مِن وَتِدٍ بِقاعٍ
…
يُشَجِّجُ رأسَهُ، بالفِهرِ، واجِي
وأجراها مُجرى الياء الأصليَّة في قوله قبلُ5
ولَولاهُم لكُنتَ كَحُوتِ بَحرٍ
…
هَوَى، في مُظلِمِ الغَمَراتِ، داجِي
ولو كانت الهمزة منويَّة عنده لم يجز أن تكون الياء6 وصلًا كما لا يجوز ذلك في الهمزة. ونحو من ذلك قول ابن هرمة7:
إِنَّ السِّباعَ لَتَهدَى في مَرابِضِها
…
والنَّاسُ لَيس بِهادٍ شَرُّهُم أَبَدا
فأبدل الهمزة من "هادئ" ياءً ضرورة. وجميعُ هذا لا يقاس عليه إِلَّا في ضرورة شعر.
وأُبدلت أيضًا من الهمزة في أَعْصُر اسم رجل8، فقالوا: يَعْصُر. قال أبو عليٍّ: إنَّما سُمِّيَ
1 من معلقته. ديوانه ص24 وشرح الشافية 1: 26 وشرح شواهده ص10-11. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع: "بَدَيت بالشيء وبَدِيت به
…
وبه بَدِينا". الأفعال 1: 99-100. وعن الجوهري: "أهل المدينة يقولون: بَدِينا
…
دِينا". الصحاح "بدي". وفي الحاشية أيضًا أن الياء ليست مبدلة من الهمزة لأنها أصل.
2 الواجئ: الضارب في أي موضع كان.
3 كذا، بإفراد الضمير هنا وفيما يلي.
4 سقط من م حتى نهاية البيتين التاليين. وهما لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، من قصيدة يهجو بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص. الكتاب 2: 170 وشرح أبياته 2: 306 وشرح شواهد الشافية ص341 والوحشيات ص227 والكامل ص149 و288 و289 "مطبوعة ليبسيغ" والعقد الفريد 6: 148. والقاع: الأرض المستوية الطيبة الطين. والفهر: حجر صلب يدق به. والواجئ: الذي يدق ويكسر.
5 الغمرة: الموجة. والداجي: المظلم.
6 م: الواو.
7 ديوانه ص97 واللسان والتاج "هدأ" حيث روي: "عن فرائسها". م: "عن مرابضها". والمرابض: جمع مربض. وهو مكان الإقامة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "أراد: لتهدأ وبهادئ، فأبدل
…
يجوز الزحاف". اللسان والتاج "هدأ".
8 وهو منبه بن سعد بن قيس عيلان.
أَعصُرًا لقوله1:
أَبُنَيَّ، إِنَّ أباكَ شَيَّبَ رأسَهُ
…
كَرُّ اللَّيالِي، واختِلافُ الأعصُرِ2
1 م: "بقوله". والبيت في طبقات فحول الشعراء ص29 والخصائص 2: 86 و3: 182 والمحتسب 1: 20 وسر الصناعة ص740 والتاج "عصر". وقال ابن سلام: "فبهذا البيت سمِّي أعصر. وقد يقول قوم: يعصر. وليس بشيء". والأعصر: جمع عصر. وهو الزمن.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: "بلغت المقابلة". وفيها عن الجوهري: "يعصر وأعصر
…
باهلة". الصحاح "عصر".