الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التاء:
وأمَّا التاء1 فأُبدلت من ستَّة أحرف. وهي: الواو، والياء، والسين، والصاد، والطاء، والدال.
فأُبدلت من الواو2 على غير اطِّراد3، في تُجاهٍ وهو "فُعال" من الوجه، وتُراثٍ:"فُعال" من وَرِثَ، وتَقِيَّةٍ:"فَعِيلَة" من وَقَيتُ، والتَّقوَى:"فَعلَى" منه، وتُقاةٍ:"فُعَلَة" منه.
وتَوراةٌ4 عندنا "فَوعَلَةٌ" من وَرِيَ الزندُ يَرِى. وأصله "وَوْراةٌ" فأبدلوا الواو الأُولى تاء؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لأبدلوا منها همزة هروبًا من اجتماع الواوين في أوَّل الكلمة. وكذلك تَولَجٌ5: "فَوعَلٌ" من الوُلوج أصله "وَوْلَجٌ". وهو عند البغداذيِّين "تَفْعَل"، والتاء زائدة وحملها6 على "فَوعَلٍ" أَولى، لقِلَّة "تَفْعَل" في الكلام [وكثرة "فَوعَل"]7. وكذلك تَوراة8.
وكذلك تُخَمةٌ لأنها من الوَخامة، وتُكَأةٌ لأنها من: تَوكَّأتُ، وتُكْلانٌ لأنه من: تَوكَّلتُ، وتَيقُورٌ9 "فَيعُولٌ" من الوَقار، أصله "وَيقُورٌ". ومن أبيات الكتاب10.
فإِن يَكُنْ أَمسَى البِلَى تَيقُورِي
يريد: وقاري. ورجلٌ تُكَلةٌ من: وَكَلَ يَكِلُ.
1 سر الصناعة 1: 161-174 والكتاب 2: 314.
2 المنصف 1: 225-228 وشرح الشافية 3: 219-220.
3 ف: "قياس". وصوبت في الحاشية كما أثبتنا.
4 م: نوراة.
5 التولج: كناس الوحش.
6 كذا، بتأنيث الضمير.
7 من م.
8 سقط "وكذلك توراة" من م.
9 التيقور: الوقار. م: وتكلان أيضًا وتيقور.
10 للعجاج. ديوانه ص27 والكتاب 2: 356 وسر الصناعة 1: 162 والمنصف 1: 227 وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "أصله ويقور من الوقار. ابن جنِّي في شرح البيت. أي: فإن يكن أمسى وقاري للبلى".
وقالوا: أَتلَجَهُ أي1 أَولَجَهُ. وكذلك ما تصرَّف، نحو: مُتْلِج، و"أَتكأَهُ" وما تصرَّف منه لأنه من: تَوكَّأتُ، أيضًا.
وأُبدلت2 من واو القسم في نحو: تاللهِ؛ لأنَّ3 الأصل الباء، بدليل أنك إذا جررتَ المضمر أتيتَ بالباء فقلت: به وبك؛ لأنَّ المضمرات تردُّ الأشياء إلى أصولها، ثمَّ أُبدلت الواو من الباء4، ثمَّ أُبدلت التاء من الواو.
فإن قال قائل: ولعلَّها أُبدلت من الباء. فالجواب أنَّ إبدال التاء من الواو قد ثَبَتَ. ولم يثبت إبدالها من الباء، فكان الحمل على ما له نظير أولى. وأيضًا فإن العرب لمَّا لم تَجُرَّ بها إلَّا اسم الله –تعالى- دلَّ ذلك على أنها بدلٌ من بدل؛ لأنَّ العرب تخصُّ البدلَ من البدل بشيء بعينه. وقد تَقَدَّمَ تبيين ذلك5.
وكذلك التَّلِيدُ والتَّلادُ من: وَلَدَ وتَتْرَى: "فَعْلَى" من المُواتَرة وأصلها "وَتْرَى"، وأُختٌ لأنه من الأُخُوَّة، وبِنْتٌ لأنه من البُنُوَّة، وهَنْتٌ لقولهم في الجمع: هَنَوات، و"كِلتا" لأنه لا يُتصوَّر أن تكون أصلًا لحذفها في "كِلا"6، ولا زائدةً للتأنيث لسكون ما قبلها وهو حرف صحيح، ولكونها حشوًا، ولا زائدةً لغير تأنيث لأنَّ التاء لا تُزاد حشوًا7.
فلم يبق إِلَّا أن تكون ممّا انقلبت عنه ألف "كِلا" –وهو الواو- لأنَّ الألف إِذا جُهِل أصلها حُملت على الواو؛ لأنه الأكثر. وأيضًا فإنَّ إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.
وأُبدلت باطِّراد من الواو في "افتَعَلَ" وما تَصرَّف منه، إذا كانت فاؤه واوًا، نحو: اتَّعَدَ واتَّزَنَ واتَّلَجَ، فهو مُتَّعِدٌ ومُتَّزِنٌ ومُتَّلِجٌ، ويَتَّعِدُ ويَتَّزِنُ ويَتَّلِجُ، واتِّعادٌ واتِّزانٌ واتِّلاجٌ.
قال8:
فإِن تَتَّعِدْنِي أَتَّعِدْكَ مَواعِدًا9
…
وسَوفَ أَزِيدُ الباقياتِ القَوارِصا
وقال طرفة10:
1 سقط من م.
2 م: وأبدل.
3 سقط من م حتى قوله "وقد تقدم تبيين ذلك". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب "الجماهير" لقطرب: وزعم قوم أن التاء في تالله بدل من الواو، وهو مذهب. إِلَّا أنه يضعف لأنه يقال: وأبيك لا أفعل. ولا يقال: تأبيك لا أفعل. فلو كانت بدلًا منها جرت مجراها.
4 كذا. ولم يذكره في باب الواو. انظر ص240-243.
5 انظر ص231.
6 م: وكلتا لا يتصور أن تكون أصلًا في كلا.
7 كذا. وانظر ص183.
8 الأعشى يهجو علقمة بن علاثة. ديوانه ص101.
9 في م وحاشية ف عن نسخة أخرى: "بمثلها". وهي رواية سر الصناعة1: 163.
10 ديوانه ص182 وسر الصناعة 1: 163. وسكن ياء القوافي للتخفيف.
فإِنَّ القَوافِيْ يَتَّلِجْنَ مَوالجًِا
…
تَضايَقُ، عَنها، أن تَوَلَّجَها الإِبَرْ
وقال سُحيمٌ1:
وما دُمْيةٌ، مِن دُمَى مَيْسَنا
…
نَ، مُعْجِبةٌ نَظَرًا واتِّصافا [37 أ] .
والسبب في قلب الواو في ذلك تاءً أنهم لو لم يفعلوا ذلك لوجب أن يقلبوها ياءً، إذا انكسر ما قبلها، فيقولوا:2 ايْتَعدَ3 وايْتَزنَ وايْتَلَجَ، وإذا انضمَّ ما قبلها رُدَّت للواو فيقولون: مُوتَعِدٌ ومُوتَزِنٌ ومُوتَلِجٌ، وإذا انفتح ما قبلها قُلبت ألفًا فيقولون: ياتَعِدُ وياتَزِنُ وياتَلِجُ. فأبدلوا منها التاء؛ لأنها حرف جلدٌ لا يَتغيَّرُ لِما قبله، وهي مع ذلك4 قريبةُ المخرجِ من الواو؛ لأنَّها من أصول الثنايا والواو من الشفة.
فإن5 قلت: إنَّ التاء بدل من
…
6 وهي قريبة منها. فالجواب أنها ليست من حروف البدل. فلذلك لم تدل منها. ومن العرب من يجريها على القلب ولا يُبدِلها تاء7.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الواو تاء.
وأُبدلت من الياء على قياس، في "افتَعَلَ"، إذا كانت فاؤه ياءً، وفيما تَصَرَّف منه. فقالوا في "افتَعَلَ" من اليُسرِ: اتَّسَرَ، ومن اليُبس: اتَّبَسَ8. والعِلَّة في ذلك ما ذكرناه في الواو، من عدم استقرار الفاء على صورة واحدة؛ لأنك تقلبها واوًا إذا انضمَّ ما قبلها نحو: مُوتَسِر ومُوتَبِس، وألفًا9 متى انفتحَ ما قبلها في نحو: ياتَسِرُ وياتبِسُ. فأبدلوها تاء لذلك، وأَجروها مُجرى الواو. ومن العرب من لا يُبدِلها تاء، بل يُجريها على القلب.
فإن10 قال قائل: فلأيِّ شيء قُلبت الياء في مثل "ياتَسِرُ" إذا انفتح ما قبلها؟ فالجواب أنه
1 ديوانه ص42 والخصائص 1: 282 و2: 437 وسر الصناعة 1: 163. وميسنان: اسم موضع فيه قبر عزير النبي، تخدمه اليهود وتأتيه النذور.
2 في النسختين: "فيقولون". والتصويب من سر الصناعة 1: 164.
3 م: ايتَّعد.
4 ألحق في حاشية ف: أقرب الزوائد من الفم إلى الواو.
5 سقط من النسختين حتى "لم تبدل منها"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
6 هنا كلمات مخرومة لم أتبينها.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان عن المسائل الإسكندرانية لابن الخشاب: "أن ذلك لغة الحجازيين
…
من الوطء". انظر ص265 من ابن عصفور والتصريف.
8 م: من اليسر واليبس اتسر واتبس.
9 م: والفاء.
10 سقط من م حتى قوله "مثل ايتعد وموتعد".
لمَّا وجب في حرف العِلَّة أن يكون على حسب ما قبله إذا انكسر أو انضمَّ، فتقول: ايتَبَسَ ومُوتَبِسٌ، حملوا الفتح على الكسر والضمِّ، فجعلوا حرف العِلَّة إذا كان ما قبله مفتوحًا ألفًا. فيكون موافقًا للحركة التي تقدَّمته، كما كان ذلك في حين انكسار ما قبله وانضمامه. ولهذه العِلَّة بنفسها قُلبت الواو ألفًا في مثل "ياتَعِدُ" من الوعد. أعني أنه حُملَ الفتح على الكسر والضمِّ في مثل: ايتَعَدَ ومُوتَعِد.
وأُبدلت من الياء1 على غير اطِّراد، في قولهم: ثِنتانِ. ويَدلُّ على أنها من الياء أنها من "ثَنَيتُ"؛ لأنَّ الاثنين قد ثُنِيَ أحدهما إلى صاحبه. وأصله "ثَنَيٌ". يدلُّ على ذلك جمعُهم إيَّاه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء. فنقلوه من "فَعَلٍ" إلى "فِعْلٍ"، كما فعلوا ذلك2 في بِنْتٍ.
وأَبدلوا من الياء في: كَيْتَ وكَيْتَ وذَيْتَ وذَيْتَ، وأصلهما: كَيَّة وكَيَّة وذَيَّة وذَيَّة. ثمَّ إنَّهم حذفوا التاء3 وأبدلوا من الياء التي هي لامٌ تاءً.
وأُبدلت من السين على غير اطِّراد في سِتٍّ [في العدد]4. وأصله "سِدْسٌ"، بدليل قولهم في الجمع: أَسداس، وفي التصغير: سُدَيسَةٌ5. وسيُذكر السبب في ذلك في الإدغام6.
وقد أَبدلوها أيضًا من السين في الناس وأكياس. أنشد أحمد بن يحيى7:
يا قاتَلَ اللهُ بَنِي السِّعلاةِ
…
عَمرِو بنِ يَربُوعٍ شِرارِ النَّاتِ
غَيرِ أَعفَّاءَ ولا أَكياتِ
وإنَّما أُبدِلت من السين لموافقتها إيَّاها في الهمس8، والزيادة وتجاور المخرج.
وأُبدِلت أيضًا منها في طَسٍّ فقالوا: طَسْتٌ. وإنَّما جُعلت التاء في طَسْت بدلًا [من السين]9.
1 م: الفاء.
2 سقط من م.
3 في م وسر الصناعة. الهاء.
4 من م.
5 إنما زيدت التاء في التصغير لأنَّ "ستّ" عدد لما هو مؤنث. ف: سديس.
6 في الورقة 67.
7 لعلباء بن أرقم اليشكري. النوادر ص104 و147 والقلب والإبدال ص42 وسر الصناعة 1: 172 والإنصاف ص119 والإبدال 1: 117 وشرح الشافية 3: 221 وشرح شواهده ص469-472 والخصائص 2: 53 والأمالي 2: 71 والسمط ص703 والمفصل 2: 261 وشرحه 10: 36 والجمهرة 3: 33 والمخصص 3: 26 و13: 283 واللسان "أنس" و"مرس" و"نوت" و"سعل". والسعلاة: أنثى الغيلان. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة.
8 م: الهمز.
9 من م.
ولم تُجعل أصلًا؛ لأنَّ طَسًّا أكثرُ استعمالًا من طَسْت.
وأُبدلت من الصَّاد في لِصْتٍ1 ولُصُوتٍ –والأصل لِصٌّ ولُصُوصٌ- لأنهما أكثر استعمالًَا بالصاد من التاء.
وأُبدلت من الطاء في فُستاط –والأصل فُسطاط- بدليل قولهم: فَساطِيطُ، ولا يقولون "فَساتيطُ"2، وفي "أَسْتاعَ يُستِيعُ" والأصل: أَسْطاعَ يُسْطِيعُ.
وأُبدلت من الدَّال في قولهم: ناقةٌ تَرَبُوتٌ، والأصل دَرَبُوتٌ أي: مُذلّلةٌ3؛ لأنه من الدُّرْبة.
1 ضبط أولها في ف بالتثليث وفوقه: معًا.
2 هذا قول ابن جني في سر الصناعة 1: 174. وعلَّق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "في كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي الحلبي، رحمه الله: التاء والطاء: يقال فسطاط وثلاثة فساطيط. وفستاط وثلاثة فساتيط". انظر الإبدال 1: 132.
3 م: مدربة.