المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المعتل العين] : - الممتع الكبير في التصريف

[ابن عصفور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌ابن عصفور:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌النسخ المخطوطة:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌المقدمة

- ‌ذكر شرف علم التصريف وبيان مرتبته في علم العربية

- ‌[تقسيم التصريف] :

- ‌باب تمييز ما يدخله التصريف مما لا يدخله:

- ‌ذكر القسم الأول من التصريف:

- ‌باب: تبيين الحروف الزوائد

- ‌باب: أبنية الأسماء

- ‌[الثلاثي المجرد] :

- ‌[الرباعي المجرد] :

- ‌[الخماسي المجرد] :

- ‌[الثلاثي المزيد] :

- ‌[المزيد فيه حرف واحد] :

- ‌[المزيد فيه حرفان] :

- ‌[المزيد فيه ثلاثة أحرف] :

- ‌[المزيد فيه أربعة أحرف] :

- ‌[الرباعي المزيد] :

- ‌[المزيد فيه حرف واحد] :

- ‌[المزيد فيه حرفان] :

- ‌[المزيد فيه ثلاثة أحرف] :

- ‌[الخماسيّ المزيد] :

- ‌[الماضي الثلاثيّ] :

- ‌[المضارع الثلاثي] :

- ‌[الرباعيّ] :

- ‌ذكر معاني أبنية الأفعال

- ‌حروف الزيادة

- ‌مدخل

- ‌ذكر الأماكن التي تزاد فيها هذه الحروف:

- ‌باب اللّام:

- ‌باب الهاء:

- ‌باب السين:

- ‌باب الهمزة:

- ‌باب الميم:

- ‌باب النون:

- ‌باب التاء:

- ‌باب الألف:

- ‌باب الياء:

- ‌باب الواو:

- ‌باب: ما يزاد من الحروف في التضعيف

- ‌باب التمثيل:

- ‌ذكر القسم الثاني من التصريف:

- ‌الإبدال:

- ‌حُرُوفُ الإبْدَال:

- ‌إبدال الهمزة:

- ‌[باب إبدال الهمزة من الألف] :

- ‌باب إبدال الهمزة من الواو:

- ‌باب إبدال الهمزة من الياء:

- ‌باب إبدال الهمزة من الهاء:

- ‌باب إبدال الهمزة من العين:

- ‌باب الجيم:

- ‌باب الدال:

- ‌باب الطاء:

- ‌باب الواو:

- ‌باب الياء:

- ‌باب التاء:

- ‌باب الميم:

- ‌باب النون:

- ‌باب الهاء:

- ‌[ما لم يذكره سيبويه من حروف الإبدال] :

- ‌القلب والحذف والنقل

- ‌مدخل

- ‌[المعتلّ الفاء] :

- ‌[المعتل العين] :

- ‌[المعتلُّ اللام] :

- ‌ما أعتل منه أكثر من أصل واحد:

- ‌[ما اعتلَّت جميع أُصوله] :

- ‌[المعتلُّ الفاء واللام] :

- ‌[المعتلُّ الفاء والعين] :

- ‌[المعتلُّ العين واللام] :

- ‌[الرباعيُّ المعتلُّ] :

- ‌أحكام حروف العلة والزوائد

- ‌باب الياء

- ‌باب الواو

- ‌باب الألف

- ‌القلب والحذف على غير قياس:

- ‌[القلب على غير قياس] :

- ‌[الحذف على غير قياس] :

- ‌الإدغام

- ‌مدخل

- ‌ذكر إدغام المثلين

- ‌ذكر إدغام المتقاربين:

- ‌تبيين مخارج حروف العربية الأصول

- ‌مدخل

- ‌ذكر تقسيمها بالنظر إلى صفاتها

- ‌ذكر أحكام حروف الحلق في الإدغام

- ‌ما أدغمته القراء على غير قياس:

- ‌مسائل التمرين

- ‌ما قيس من الصحيح على صحيح مثله وما قيس من المعتل على نظيره من الصحيح

- ‌مسائل من الصحيح:

- ‌مسائل من المعتلِّ اللام

- ‌مسائل من المعتلِّ العين:

- ‌مسائل من المعتلِّ الفاء

- ‌مسائل من المعتلِّ العين مع اللام

- ‌مسائل من المعتلِّ الفاء بالواو واللام بالياء:

- ‌مسائل من المعتلِّ الفاء بالياء والعين بالواو

- ‌مسائل من المهموز:

- ‌مسائل من المضعَّف

- ‌ذكر المسائل المبنية مما لا يجوز التصرُّف فيه:

- ‌الفهارس الفنية

- ‌فهرس الأعلام الأفراد والقبائل والأمكنة

- ‌ فهْرسُ الآيَات:

- ‌ فهْرسُ الشَّواهِد

- ‌ فهْرسُ القَوَافي:

- ‌ فهْرسُ الأمثلة:

- ‌ فهرس الكتب التي ذكرها المؤلف في الممتع:

- ‌ فهرس المصادر والمراجع:

- ‌ فهرس المواد:

الفصل: ‌[المعتل العين] :

[المعتل العين] :

فإن وقعتِ الواو والياء عينين فلا يخلو من أن يكونا عينين، في كلمة على ثلاثة أحرف، أو على أزيدَ. فإن كانت الكلمة على ثلاثة أحرف فلا يخلو أن تكون اسمًا أو فعلًا. فإن كانت الكلمة فِعلًا فإنَّ الفعل لا يخلو من أن يكون مبنيًّا للفاعل، أو مبنيًّا للمفعول.

فإن كان مبنيًّا للفاعل1 فإنَّ الفعل من ذوات الواو يكون على "فَعَلَ" و"فَعِلَ" و"فَعُلَ"، بضمِّ العين وفتحها وكسرها. فـ"فَعَلَ": قامَ، و"فَعُل": طالَ، و"فَعِلَ": خافَ. ومن ذوات الياء على "فَعَلَ" و"فَعِل"، بفتح العين وكسرها. ولا يجوز الضمُّ استثقالًَا له في الياء. فـ"فَعَلَ": باع. َ و"فَعِلَ": كادَ.

فإن قيل: فلأيِّ شيء اعتلَّت هذه الأفعال؟ وهلَّا بقيت على أُصولها، فكنتَ تقول "قَوَمَ" و"طَوُلَ" و"خَوِفَ" و"بَيَع" و"كَيِد". فالجواب أنَّ "فَعُل" و"فعِل" قُلِبت فيهما الواو والياء استثقالًا للضَّمَّةِ في الواو، والكسرةِ في الواو والياء، فقُلِبت الواو والياء إلى أخفَّ حروف العلَّة وهو الألف، ولتكون العَينات من جنس حركة الفاء وتابعةً لها. وأمَّا "فَعَلَ" فقُلِبت الواو والياء فيها2 ألفًا لاستثقال حرف العلَّة، مع استثقال اجتماع المِثلَينِ -أعني: فتحةَ الفاء وفتحةَ العين- فقالوا في "قوَمَ" و"بَيَع": قامَ وباعَ، فقلبوا الواو والياء ألفًا لخفَّة الألف، ولتكون العين حرفًا3 من جنس حركة الفاء.

هذا حكم هذه الأفعال، إذا أُسندت إلى ضمير غَيبة، نحو: زيد4 قامَ وعمرٌو باعَ، أو إلى ظاهر نحو: قامَ زيدٌ وباعَ عمرٌو الطعامَ. إِلَّا فعلَينِ شذَّت العرب5 فيهما -وهما كادَ وزالَ-

1 المنصف 1: 233-244.

2 م: فيهما.

3 سقط من م.

4 سقط من م.

5 المنصف 1: 252-253.

ص: 287

فأعلُّوها بنقل حركة الكسرة من العين إلى الفاءِ، فقالوا: كِيْدَ ومازِيْلَ. قال1:

وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكُلْنَ جُثَّتِي

وكِيدَ خِراشٌ، يومَ ذلِكَ، يَيتَمُ

فأجرَوهما على ما يُجرَيان عليه، إذا أُسند الفعل إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطب. وسنبيِّن حكم هذه الأفعال، إذا أُسنِدت إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطب.

فإن أُسند الفعل [41أ] إلى ضمير متكلِّم أو مخاطَب2 فإنه لا يخلو أن يكون على "فَعِلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعَلَ". فإن كان على "فَعِل" أو "فَعُلَ"، بضمِّ العين وكسرها، فإنك تنقل حركة العين إلى الفاء قبلها، وتحذف العين لالتقاء الساكنين، أعني: حرف العلَّة مع ما بعده. فتقول: خِفتُ وكِدْتُ وطُلتُ، فتكسر الفاء من "فَعِل"، وتضمُّ الفاء من "فَعُل".

فإن قيل: فلأيِّ شيء، لمَّا حذفوا العين، نَقلوا حركتها إلى الفاء؟ فالجواب أنهم لمَّا اضطُرُّوا إلى الحذف كان الأسهل عندهم ألَّا يحذفوا الحرف بحركته، وأن يُبقوا الحركة التي كانت في العين، فنقلوها إلى الفاء لذلك. وأيضًا فإنهم أرادوا أن يفرِّقوا بين حذف عين الفعل المتصرِّف3، وغير المتصرِّف. فلمَّا كانوا لا ينقلون في غير المتصرِّف4، فيقولون "لَستُ" في "لَيسَ"، نقلوا في المتصرِّف.

فإن قيل: ليست5 عين "ليس" متحرِّكة، فلم يكن فيها ما يُنقل. فالجواب أنَّ أصلها6 "لَيِسَ" نحو "صَيِدَ" ثمَّ خُفِّفتْ، والتُزم فيها التخفيفُ لثقل الكسرة في الياء.

فإن قيل: وما الدليل على ذلك؟ فالجواب أنه قد ثبَتَ أنها7 فِعل، والأفعال الثلاثيَّة لا تخلو من أن تكون على وزن "فَعَلَ" أو "فَعِلَ" أو "فَعُلَ". فلا بدَّ لها من أن تكون على وزن من هذه الأوزان. وباطلٌ أن تكون مفتوحة العين في الأصل؛ لأنَّ الفتحة لا تُخفَّف8. وباطل أن تكون

1 أبو خراش الهزلي. المنصف 1: 252 وشرح المفصل 10: 72 عن الأصمعي. م "خُراش". والقف: ما ارتفع من الأرض وغلظ. وضبطت التاء من "ييتم" بالفتح والضمِّ والكسر في ف. ورُوي في ديوان الهذليين 2: 148. كما يلي:

فتَقعُدُ أو تَرضَى مكاني خَلِيفةً

وكادَ خِراشٌ، يَومَ ذلِكَ، يَيتَمُ

وكذلك رواية شرح أشعار الهذليين، وفيه الرواية التي أثبتها ابن عصفور، مقدمًا لها بالعبارة التالية: قال أبو سعيد: وسمعت من ينشد.

2 كذا، بإغفال نون النسوة الغائبات. وانظر ص293، 295، 296، 307.

3 المنصف 1: 234.

4 يعني الجامد. م: غير المنصرف.

5 م: أليست.

6 المنصف 1: 258-259.

7 ف: أنه.

8 م: لا تحذف.

ص: 288

مضمومة العين؛ لأنَّ "فَعُلَ" ممّا عينه ياء لم يُوجد1، فلم يبق إِلَّا أن تكون في الأصل مكسورة العين.

فإن كان الفعل على "فَعَلَ" فإنه لا يخلو أن يكون من ذوات الياء أو من ذوات الواو. فإن كان من ذوات الواو حوَّلتَه إلى "فَعُل"2، بضمِّ العينِ، ثمَّ نقلتَ حركة العين إلى الفاء. فتقول: قُلتُ وقُلتَ. وإن كان من ذوات الياء حوَّلتَه إلى "فَعِلَ"3، بكسر العين، ثمَّ نقلتَ حركة العين إلى الفاء. فتقول: بِعتُ وبِعتَ.

فإن قيل: ولأيِّ شيءٍ حوَّلتَ "فَعَل" إلى "فَعُلَ" في ذوات الواو، وإلى "فَعِلَ" في ذوات الياء؟ فالجواب أنه لو نَقلنا الفتحة من العين إلى الفاء، ولم نُحوِّلها كسرة ولا ضمَّة، لم يُدْرَ: هل الفتحة التي في الفاء هي الفتحة الأصليَّة التي كانت قبل النقل أو فتحة العين؟ بخلاف "فَعِلَ" و"فَعُلَ"؛ لأنَّه إذا انضمَّت الفاء أو انكسرت، بعد أن كانت مفتوحة، عُلم أنَّ الحركة التي في الفاء حركة العين نُقلت. فلذلك حُوِّلت الفتحة إلى غيرها، ليُعلم أنَّ الحركة التي في الفاء هي حركة العين، وحُوِّلت حركة العين4 في ذوات الواو إلى الضَّمَّة وفي ذوات الياء إلى الكسرة، ليحصل بذلك الفرقُ بين ذوات الواو وذوات الياء؛ لأنَّ الضَّمَّة تدلُّ على الواو لأنها منها، والكسرةَ تدلُّ على الياء لأنها أيضًا منها.

فإن قيل: فما الدليل على أنَّ قال:5 "فَعَلَ" في الأصل، ثمَّ نُقل6 إلى "فَعُلَ"؟ وهلَّا ادُّعي أنه "فَعُل" في الأصل. فالجواب7 أنَّ الذي يدلُّ على أنه ليس بـ"فَعُل" في الأصل تَعَدِّيه نحو قُلتُه -و"فَعُلَ" لا يتعدَّى- ومجيءُ اسم الفاعل منه على "فاعِل" إِلَّا شاذًّا8 نحو: حَمُضَ فهو حامِضٌ9. فأمَّا "قام" وأمثالُه، ممّا هو غير متعدٍّ، فالذي يدلُّ على أنه "فَعَلَ" بفتح العين مجيءُ اسم الفاعل منه على "فاعِل" نحو: قائم.

فإن قيل: وما الدَّليل على أنَّ باعَ: "فَعَلَ" في الأصل؟ وهلَّا ادَّعيتُم أنه "فَعِلَ" بكسر العين في

1 كذا. وقالوا: هَيُؤَ. انظر ص302.

2 المنصف: 1: 235-236.

3 المنصف: 1: 242-244.

4 سقط "وحولت حركة العين" من م.

5 م: ذلك.

6 م: ونقل.

7 المنصف 1: 236-238.

8 ف: شاذ.

9 في الخصائص 1: 382 أن هذا من تداخل اللغات.

ص: 289

الأصل، ولم تدَّعوا أنَّ هذا الكسرة في "بِعتُ"1 أُبدلت من الفتحة. فالجواب2 أنَّ الذي يدلُّ عل ذلك أنَّ المضارع "يَفعِلُ" نحو: يَبِيعُ، و"يَفعِلُ" لا يكون مضارعَ "فَعِلَ" إِلَّا شاذًّا.

وأمَّا "خافَ" و"كادَ" فالذي يدلُّ على أنهما "فَعِلَ" مجيءُ مضارعهما على "يَفعَلُ" بفتح العين، نحو: يَكادُ ويَخافُ.

وأمَّا "طالَ"3 فالذي يدلُّ على أنه "فَعُلَ" في الأصل مجيءُ اسم الفاعل منه على "فَعِيل". فتقول: طَويل.

فأمَّا مضارعُ "فَعُلَ" المضمومة العين فعلى "يَفعُلُ" بضمِّ العين، على قياس نظيرها من الصحيح. لم يشذَّ من ذلك شيء.

وأمَّا "فَعِلَ" المكسورةُ العين فيجيء مضارعها أبدًا على "يَفعَلُ" بفتح العين، نحو: كِدتَ تَكادُ وزِلتَ تَزالُ. ولم يشذَّ من ذلك شيء إِلَّا لفظتان، وهما: مِتَّ تَمُوتُ ودِمتَ تَدُومُ، فجاء مضارعهما على "يَفعُلُ" بضمِّ العين. على أنه يمكن4 أن يكون هذا من تداخل اللُّغات5 وذلك أنهم قد قالوا: مُتَّ [41ب] ودُمتَ كـ"عُدتَ"6، فيكون "تدوم" و"تموت"7 مضارعين لـ"دُمتَ" و"مُتَّ". ومن قال8 "مِتَّ" بالكسر و"دِمتَ" لم يستعمل لهما مضارعًا9، بل اجترأ بمضارع "مُتَّ" و"دُمتَ" عنه.

وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الياء فمضارعها أبدًا على "يَفعِلُ" بكسر العين، نحو: باعَ يَبِيعُ. ولم يشذَّ من ذلك شيء.

وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الواو فمضارعها أبدًا على "يَفعُل" بضمِّ العين، نحو: قالَ يَقُولُ. ولم

1 سقط "في بعت" من م.

2 المنصف 1: 242-244.

3 المنصف 1: 238-241. المراد ما كان معناه: امتدَّ. أمَّا طاله بمعنى ناله فهو على "فَعَلَ". انظر البحر المحيط 3: 220-221. وكذلك ما كان معناه: غلبه في الطول. واسم الفاعل من هذين: طائل. ولعل منهما قولهم: طائل وطائلة.

4 ف: ممكن.

5 الخصائص 1: 374-381 والمنصف 1: 256-257.

6 م: قلت.

7 م: يدوم ويموت.

8 م: ومن ذلك.

9 كذا. وفي الخصائص 1: 380 أن مضارعهما هو "تَماتُ وتَدامُ". وانظر اللسان والتاج "دوم" والمنصف1: 256 وأضداد ابن الأنباري ص12.

ص: 290

يشذَّ من ذلك شيء إِلَّا لفظتان، وهما1: طاحَ يَطِيحُ وتاهَ يَتِيهُ، في لغة من قال: ما أَطوَحَهُ وما أَتوَهَهُ! 2 ولا يمكن أن يكونا3 على هذا "فَعِلَ"4 بكسر العين؛ لأنَّ "فَعِل يَفعِلُ" شاذٌّ من الصحيح والمعتلِّ، و"فَعَلَ يَفعِلُ" وإن كان شاذًّا فيما عينُه واو فليس بشاذٍّ في الصحيح. فحملُهما على ما يكون مَقيسًا في حالٍ أَولَى.

فأمَّا من قال "ما أَتيَهَهُ"! فقوله "يَتِيهُ" على القياس. والدليل أيضًا على أنَّ "تاهَ" قد يكون من ذوات الياءِ قولهم5: وَقَعَ في التُّوهِ والتِّيه. فقولهم "في التِّيه" دليلٌ على أنه من ذوات الياء، بقاءً مع الظاهر. وكذلك أيضًا "تَيَّهَ" يدلُّ على أنَّ "تاهَ" من ذوات الياء.

فإن قيل: فلعلَّ تَيَّهَ: "فَيعَلَ"6، وهي7 من ذوات الواو، والأصل "تَيْوَهَ" فقُلبت الواو ياءًَ وأُدغمت الياء في الياء. فالجواب8 أنَّ "فَعَّل" أكثرُ من "فَيعَلَ"، فيجبُ أن يُحمل "تَيَّهَ" على "فَعَّل" لذلك. وأيضًا فإنَّ "تَيَّه" للتكثير، فينبغي أن يكون على "فَعَّل"؛ لأنَّ "فَعَّلَ" من الأبنية التي وضعتها العربُ للتكثير، نحو: قَطَّعَ وكَسَّرَ.

وأيضًا فإنهم يقولون فيه إذا ردُّوه لِما لم يُسمَّ فاعلُه: تُيِّهَ9. ولو كان "فَيعَلَ" لقالوا10 "تُوْيِهَ" إن كان من ذوات الياء، و"تُوْوِهَ" إن كان من ذوات الواو11 كـ"بُوْطِرَ". ولم يجز الإدغام كما لم يُدغم مثل "سُوْيِرَ"؛ لأنَّ الواو مَدَّة. وسيُبيَّن ذلك في بابه، إن شاء الله تعالى12.

فإن قيل: فلأيِّ شيء قالوا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الواو: "يَفعُلُ"، ومن ذوات الياء:"يَفعِلُ"، وقد

كان "فَعَلَ" من الصحيح يجوز في مضارعه "يَفعُلُ" و"يَفعِل"، نحو: يَضرِبُ ويَقتُلُ؟ فالجواب عن ذلك شيئان:

1 المنصف 1: 261-262.

2 في م تقديم وتأخير وتصرف.

3 ف: يكون.

4 مذهب الخليل أن تاه وطاح هما على "فعِل يفعِل". المنصف 1: 261-262.

5 رواه المازني عن أبي زيد في المنصف 1: 265.

6 المنصف 1: 262-263.

7 م: وهو.

8 المنصف 1: 263-264.

9 وأنشد فيه المازني وابن جني لرؤبة.

تُيِّهَ في تِيهِ المُتيَّهِينْ

10 ف: لقال.

11 سقط "إن كان من ذوات الياء

الواو" من م.

12 سقط من م. وانظر الورقة 45.

ص: 291

أحدهما: أنه لمَّا حُوِّلَ "فَعَلَ" من ذوات الواو إلى "فَعُلَ"1 جاء مضارعه كمضارع "فَعُل"، فالتزموا فيه "يَفعُلُ" بضمِّ العين. وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الياء فلمَّا حُوِّلَ إلى "فَعِل" أشبَهَ "فَعُلَ" من ذوات الواو، في أنَّ بناءهما في الأصل "فَعَلَ" مفتوح العين، وأنَّ كلَّ2 واحدٍ منهما حُوِّلت3 حركة عينه الأصليَّة إلى حركة من جنس العين. فكما التزموا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الواو أن تكون حركة العين من جنسها، كذلك التزموا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الياء أن تكون حركة العين من جنسها.

فإن قيل: فهلَّا لمَّا حوَّلوا "فَعَلَ" من ذوات الياء إلى "فَعِلَ" جعلوا مضارعه "يَفعَلَ" بفتح العين، كمضارع "فَعِلَ"، ثمَّ حملوا "فَعَل"4 من ذوات الواو على "فَعَل" من ذوات الياء. فالجواب أنَّ "فَعِل" المكسورَ العين قد شذُّوا في مضارعه. فجاء على "يَفعِلُ" نحو: حَسِب يَحسِبُ ونَعِمَ يَنعِمُ، وعلى "يَفعُلُ" بضمِّ العين نحو: فَضِلَ يَفضُلُ. فإذا فعلوا ذلك فيما عينه مكسورة في الأصل فالأحرى أن يجيء ذلك فيما عينه في الأصل مفتوحة. وأمَّا "فَعُل" فلم يشِذُّوا في شيء من مضارعه. فلذلك لمَّا حُوِّلتْ "فَعَلَ" إليها التزموا في المضارع "يَفعُل" بضمِّ العين.

وأيضًا فإنهم إذا جعلوا مضارع "فَعَلَ"5 من ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين لم يُخرجوه عمَّا كان يجوز فيه قبل نقله6 إلى "فَعُلَ"؛ لأنَّ "يَفعُلُ" مضارعُ "فَعَلَ" في فصيحِ الكلامِ. بل يكون قد التُزم فيه أحد البناءين اللذين كانا له في نظيره من الصحيح. ولو جعلتَ مضارع "فَعَلَ" ممّا عينه ياء على "يَفعَلُ" بفتح العين7 لكنتَ قد جعلت مضارعه بعد النقل خارجًا عن قياس ما كان عليه قبل النقل.

والآخر8: أنهم أَرادوا التفرقة بين ذوات الواو وذوات الياء، فالتزموا في ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين؛ لأنَّ الضَّمَّة9 من جنس الواو، وفي "فَعَلَ" من ذوات الياء "يَفعِلُ" بكسر العين؛ لأنَّ الكسرة من جنس الياء.

1 يريد: عندما اتصل بضمير رفع متحرك.

2 م: كان.

3 سقط من م.

4 م: فعِل.

5 سقط من م.

6 م: قلبه.

7 وهو خاص بحلقي العين أو اللام.

8 ذكر السبب الأول في الفقر الثلاث المتقدمة.

9 ف: الضم.

ص: 292

وهذا الوجه الآخر أَولى؛ لأنهم قد فعلوا مثل ذلك في المعتلِّ اللام1: التزموا في "فَعَلَ" من ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين نحو: يَغزُو، وفي مضارع "فَعَلَ" من ذوات الياء "يفعِلُ" بكسر العين نحو: يَرمِي، تفرقةً بين الياء والواو. وسنبيِّنُ ذلك بعدُ2، إن شاء الله.

فإن قيل: فهلَّا فرَّقوا في مضارع [42أ]"فَعِلَ" المكسورةِ العين، بين ذوات الياء والواو، فالتزموا في مضارع ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين، وفي مضارع "فَعِلَ" من ذوات الياء "يَفعِلُ" بكسر العين، كما فعلوا3 في "فَعَلَ". فالجواب أنهم لو فعلوا ذلك لأخرجوا مضارع "فَعِلَ" المكسورِ العين عن قياسِهِ؛ لأنَّ المضارع منه إنَّما يأتي على "يَفعَلُ" بفتح العين. وليس كذلك "فَعَلَ"، بل مضارعه يأتي على "يَفعُلُ" و"يَفعِلُ". فالتزمنا في ذات الواو أحد الجائزين، وهو "يَفعُلُ" المضموم4 العين، وفي ذوات الياء أيضًا أحد الجائزين، وهو "يَفعِلُ" المكسور العين.

فإن قيل: فإنَّ5 الأصل "يَقْوُمُ و"يَصْوُلُ" و"يَبْيِعُ" و"يَكْيَدُ" و"يَخْوَفُ". فحرفا العلَّة -وهما الواو والياء- قد أُسكن6 ما قبلهما، وإذا أُسكن 7 ما قبلَ حرف العلَّة صَحَّ نحو: ظبْي وغزْو. وهذا في المعتلِّ اللام، فالأحرى أن يكون ذلك في المعتلِّ8 العين؛ لأنَّ العين أقوى من اللام وأقربُ إلى أن تَصِحَّ. فالجواب9 أنهم أَعلُّوا المضارع حملًا على الماضي، فلم يمكنهم أن يُعِلُّوا بقلب حرف العلَّة ألفًا، مع إبقاء سكون ما قبل حرف العلَّة، فأعلّوا بالنقل، فنقلوا حركة العين10 إلى الفاء، كما نقلوها في إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم والمخاطب11.

فلمَّا نقلوا في "يَقْوُلُ" و"يَطْوُلُ" صارا: يَقُولُ ويطُولُ. ولمَّا نقلوا في "يَبْيِعُ"12 صار: يَبِيعُ. ولمَّا نقلوا في "يَكْيَدُ" و"يَخْوَفُ" صارا "يَكَيْدُ" و"يَخَوْفُ". ثمَّ قلبوا الواو والياء ألفًا، لتحرّكهما13 في الأصل قبل النقل، وانفتاحِ ما قبلَهما في اللفظ، ولم يعتدُّوا بالسكون؛ لأنَّه

1 المنصف 1: 245-246.

2 في الورقة 50.

3 ف: كما جعلوا.

4 م: المضمومة.

5 ف: إن.

6 م: سكن.

7 م: سكن.

8 م: في المعتل اللام فكيف في المعتل.

9 المنصف 1: 247.

10 ف: فأعلوا بنقل حركة العين.

11 كذا، بإغفال ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288، 295، 296، 307.

12 م: يَبِيع.

13 م: لتحركها.

ص: 293

عارض بسبب النقل، والعارضُ الغالبُ فيه ألَّا يُعتدَّ به.

وكذلك: قُمْ وبِعْ، وأصلُهما "اقْوُمْ" و"ابْيعْ"، ثمَّ نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فتحرَّك1 فذهبت همزة الوصل؛ لأنها إنَّما أُتي بها لأجل الساكن، فزالت بزواله، ثمَّ سكَّنوا الآخِر، وحذفوا حرفَ العلَّة لالتقاء الساكنين.

ويُحكى2 أنَّ أبا عُمرَ3 الجَرميَّ رحمه الله دخل بغداذ، وكان بعض كبار الكوفيِّين يغشاه ويكثر عليه المسائل - ويقال هو الفرَّاء4- وهو يجيبه. فقال له بعض أصحابه: إنَّ هذا الرجل قد ألحَّ عليك بكثرة المسائل فلمَ لا تسأله؟ فلمَّا جاءه قال له: يا أبا فلان، ما الأصل في "قُمْ"؟ فقال له:"اقْوُمْ". فقال له: فما الذي عملوا به؟ فقال: استثقلوا الضَّمَّة على الواو، فأسكنوها. فقال له: أخطأت لأنَّ القاف قبلها ساكنة. فلم يَعُدْ إليه الرجل بعدها.

فأمَّا اسم الفاعل من "فَعَلَ" فـ"فاعِلٌ" نحو: قائم وبائع. وقد ذكرنا من أيِّ شيء أُبدلت الهمزة5، في باب البدل.

وأمَّا من "فَعُلَ" المضمومة العين فعلى قياس الصحيح. فتقول: طَويل، كما تقول: ظَريف.

وأمَّا مِن "فَعِل"، إن جاء على "فاعِل"، فإنك تُبدل الهمزة من العين نحو "خائف"، وقد ذكر في البدل6، وإن جاء على "فَعِل" فإن حرف العلَّة ينقلب ألفًَا لتحرُّكه وانفتاح ما قبله، كما فُعِل بالفعل7، نحو: خافٍ8 ومالٍ، اسما فاعل من "خافَ9 الرجلُ"، و"مالَ" إذا كثر ماله. جاء على "فَعِل" على حدِّ قولهم: حَذِرَ يَحذَرُ فهو حذِرٌ، في الصحيح10.

فإن كان الفعل مبنيًّا للمفعول11 صيَّرتَه على "فُعِلَ"، فتضمُّ فاءه وتكسر عينه، فتقول "قُوِلَ"

1 م: إلى فاء قبلها فتحركت.

2 المنصف 1: 248.

3 م: أبا عمرو.

4 كان بين الفراء والجرمي مناظرات. انظر إنباء الرواة 2: 81 وتاريخ بغداد 9: 313-315. والقصة هذه في الخصائص 3: 299 والمزهر 2: 377-378.

5 في الورقة 31.

6 في الورقة 31.

7 المنصف 1: 333.

8 م: جاف.

9 م: جاف.

10 سقط "جاء على فعل

في الصحيح" من م.

11 المنصف 1: 248-250.

ص: 294

و"بُيِع". فتُستثقل الكسرة في الياء والواو:

فمنهم من يحذفها فيُسْكن الواو فتصيرُ: قُوْلَ، ويُسْكن الياء، فتصير ساكنة بعد ضمَّة فتُقلب واوًا، فيقول1: بُوْعَ. وجُعلت العين في هذا الوجه تابعة لحركة الفاء، كما كانت في فعل الفاعل.

ومنهم من ينقل الكسرة من العين إلى الفاء، فيقول: بِيْعَ. وأمَّا "قُوْلَ" فينقل2 الكسرة من العين إلى الفاء فتصير الواو ساكنة بعد كسرة فتَنقلب ياءً، فيقول3: قِيْلَ.

وإنَّما جاز نقل حركة العين إلى الفاء، في فعل المفعول، من غير أن يُسند إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطَب4، ولم يجز ذلك في فعل الفاعل إِلَّا في "كاد" و"زال" كما تقدَّم -تشبيهًا5 للكسرة التي في عين "فُعِل" بالكسرة التي في عين "فَعِل" من ذوات الياء إذا حُوِّلت، من جهةِ أنَّ كلَّ واحدة من الكسرتين أصلها الفتح؛ ولأنَّ في نقل حركة العين إلى الفاء تخفيفًا بقلب الواو ياءً، والياءُ أخفُّ من الواو، فتصير ذوات الواو والياء بلفظ واحد. وفي نقل حركة العين إلى الفاء في فِعل الفاعل تثقيلٌ؛ لأنك تقول: كِيْدَ وزِيلَ، و"كادَ" و"زالَ" أخفُّ؛ لأنَّ الألف أخفُّ من الياء. ولذلك كان النقل في "فُعِلَ"6 أحسنَ من حذف الكسرة [42ب] من العين؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى قلب الياء واوًا، فتقول "بُوْعَ"، فتُخرِجُ الأخفَّ إلى الأثقل.

ومن العرب7 من إذا نقل الكسرة من العين إلى الفاء أشمَّ الفاءَ الضَّمَّةَ، دليلًا على أنَّ8 الفاء مضمومة في الأصل. وذلك بأن تضُمَّ شفتيك ثمَّ تَنطق بالفعل، ولا تلفظَ بشيء من الضَّمَّة. ولو لفظتَ بشيء من الضَّمَّة لكان رَومًا لا إشمامًا. قال الزَّجاجيُّ:"وذلك لا يُضبَطُ إِلَّا بالمُشافهة"9. إشارةً إلى أنه لا يُسمَعُ بل يُرى. وأمَّا بعضُ النَّحويِّين. وكافَّةُ القُرَّاء فإنهم يجعلون الكسرةَ بينَ الضَّمَّة والكسرة. والذي عليه المُحقِّقون من النحويِّينَ ما ذكرتُ لك. ولذلك سَمَّوه إشمامًا.

1 م: فتقول.

2 سقط "الكسرة من العين

فينقل" من م.

3 م: فتقول.

4 م: "ضمير متكلم أو مخاطب". وأغفل ابن عصفور ذكر ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288، 293، 296، 307.

5 سقط من النسختين حتى قوله "أصلها الفتح"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. وانظر الورقة40.

6 م: فَعِل.

7 المنصف 1: 248-251.

8 سقط من م.

9 الجمل في النحو ص76. والزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق النحوي، توفي سنة340. البلغة ص121.

ص: 295

هذا ما لم تُسنِدِ الفعلَ إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطَب 1. فإن أَسندته إليهما2 فإنَّ الذي يُخلِصُ الضمَّ، فيقول: بُوعُ وكُولَ3 زيدٌ الطعامَ. يقول: بُعتُ وكُلتُ الطعامَ، فيُخلِص الضمَّ4 أيضًا. والذي يقول: بِيعَ وكِيلَ، فيُشِمُّ يَقُول: بِعتُ وكِلتُ فيُشِمُّ. والذي يقول: بِيعَ وكِيلَ، فيُخلص الكسر يقول: بِعتُ وكِلتُ، فيُشمُّ، تَفرقةً بين فعل الفاعل وفعل المفعول. ومنهم من يُخلص الكسر -وذلك قليل- ويَتَّكلُ في التَّفرقة على القرائن وما يَتَّصل بالفعل، من قبلُ أو بعدُ.

فإذا بَنَيتَ منه المضارع ضممتَ أَوَّلَه وفتحتَ ما قبلَ آخِره، فقلت "يُقْوَلُ" و"يُبْيَعُ". ثمَّ تُعِلُّه حملًا على الماضي، كما كان ذلك في مضارع فعل الفاعل، فتنقل فتحة العين إلى الفاء، فيصير "يُقَوْلُ" و"يُبَيْعُ". فتُقلَب الواو والياء ألفًا، لانفتاح ما قبلهما ولتحرُّكهما5 في الأصل؛ لأنَّ السكون عارض بسبب النقل، والأحسن في العارض ألَّا يُعتدّ به، فيقال: يُقالُ ويُباع.

وأمَّا اسم المفعول 6 فإنَّه يأتي على وزن "مَفعُول" على قياس الصحيح، نحو "مَبْيُوع" و"مَقْوُول". فيُعلُّ حملًا على فعله، فتُنقَل حركة العين إلى الساكن قبل، فيصير "مقُوْوْل" و"مَبُيْوْع" فيجتمع ساكنان: واو "مَفعول" والعينُ، فتُحذَف واو "مَفعول"، فيُقال: مَقُولٌ، في ذوات الواو. وأمَّا "مَبُيْوْعٌ" فإنه إذا حُذِفت واو "مَفعول" قُلبت الضَّمَّة التي قبل العين كسرةً، لتصِحَّ الياء، فتقول: مَبِيعٌ. هذا مذهب الخليل وسيبويه7.

وأمَّا أبو الحسن 8 فإنه ينقل9 الحركة من العين إلى الفاء، في ذوات الواو، فيلتقي له ساكنان، فيحذف العين فيقول: مَقُول. وفي ذوات الياء نحو "مَبْيُوع" ينقل10 الضَّمَّة من الياء

1 كذا، بإغفال ضمير الغائبات. وانظر ص288، 293، 296، 307.

2 المنصف 1: 253-255.

3 كول: أُعطي بالكيل.

4 م: الضَّمَّة.

5 م: ما قبلها لتحركها.

6 انظر المنصف 1: 269-272 والمقتضب لابن جني ص1-27. وقد سماه الناشر "المغتصب" خطأ.

7 الكتاب 2: 263 والمنصف 1: 287 والمقتضب ص 1.

8 المنصف 1: 287-288 والمقتضب ص 2.

9 م: فانه يقول ينقل.

10 م: تنقل.

ص: 296

إلى ما قبلها، ثمَّ يقلب1 الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء فيلتقي الساكنان2: الياء وواو "مفعول"، فتُحذف الياء، فتجيء الواو ساكنة بعد كسرة، فتقلب الواو ياء، فيقول3 مَبِيعٌ.

فممَّا يُحتَجُّ4 به للخليل أنَّ الساكنين، إذا اجتمعا في كلمة، حُرِّك الثاني منهما دون الأول5، فكما يُوصل إلى إزالة التقائهما بتحريك الثاني منهما، كذلك يوصل إلى إزالة التقائهما بحذف الثاني منهما. وأيضًا فإنَّ حذف الزائد أسهل من حذف الأصل. فلذلك كان حذف واو "مفعُول" أسهلَ من حذف العين.

وأيضًا فإنهم [قد] 6 قالوا7: "مَشِيبٌ" في مَشُوب، و"غارٌ مَنِيلٌ"8 في مَنُول، و"أرضٌ مَمِيتٌ عليها" في مَمُوت، و"مَرِيحٌ"9 في مَرُوح. فقلبوا الواو ياء شذوذًا. فدلَّ ذلك على أنَّ الواو المُبقاةَ هي العين، وأن المحذوفة واوُ "مفعول"؛ لأنهم قد قلبوا الواو التي هي عين ياءً، فقالوا "حِيرٌٌ" في حُور. أنشدَ أبو زيدٍ10.

عَيناءُ حَوراءُ، مِن العِينِ الحِيْرْ

ولا يُحفَظ قلب واو "مَفعول" ياءً، إِلَّا أن يُدغَم11 نحو: مَرمِيّ. وأيضًا فإن واو "مَفعُول" أقرب إلى الطَّرَف فحَذفُها أَسهلُ.

وأمَّا أبو الحسن فيستدلُّ12، على أنَّ المحذوف هو العين، بأنها لغَيرِ معنًى، وواوُ "مَفعولٍ" حرفُ معنًى13 يدلُّ على المفعوليَّة. فحَذفُ ما لا معنى له أسهلُ، كما أنَّه لمَّا اجتمعت التاءان

1 م: ثم تقلب.

2 م: ساكنان.

3 بالياء والتاء في ف.

4 انظر المنصف1: 209-291 وأمالي ابن الشجري 1: 200-210.

5 ومثله في المنصف 1: 290. وذلك نحو لم يردَّ ولم يلْدَهُ، ورُدَّ وانطلقَ في صيغة الأمر، حرك فيه الثاني لالتقاء الساكنين. وزاد ابن جني في المنصف "ولأبي الحسن أن يردَّ هذا ويقول: إنهما إذا التقيا في كلمة واحدة حذف الأول نحو: خفْ وقُلْ وبعْ. لا سيما إذا كان الثاني منهما جاء لمعنى نحو التنوين في غازٍ". وانظر أمالي ابن الشجري 1: 277-208 وشرح الشافية 2: 238-240.

6 من م.

7 الكتاب2: 363 والمنصف1: 289 و300 والمقتضب ص2-3.

8 المنيل: الذي ينال ما فيه.

9 الغصن المريح: الذي حركته الريح.

10 لمنظور بن مرثد. شرح المفصل 4: 114 و10: 79 والمخصص 1: 119 و4: 124. وكتاب مسائية بذيل النوادر ص236 والمنصف 1: 288 وأمالي ابن الشجري 1: 209 واللسان "حور". والحير: جمع حوراء.

11 زاد في م: "معًا". الصواب: في ياء.

12 أمالي ابن الشجري 1: 205.

13 سقط من م.

ص: 297

في "تَذَكَّرُونَ" ونحوه حُذفتِ الثانية، ولم تُحذف الأولى حيث كانت لمعنًى.

وللخليل أن يَفرق بينهما فيقول:1 إنَّ التَّاء الأولى في "تَذَكَّرُونَ" وأمثاله حرف منفرد، فلو حُذفتْ لم يبق ما يدلُّ على المعنى الذي كانت التاء تعطيه. وأنت إذا حذفت واو "مَفعُول" أبقَيتَ الميم تدلُّ على معنى المفعوليَّة.

فإن قال2: إنَّ الزِّيادة التي لمعنى إذا كانت معها زيادة أُخرى فإنهما يجريان مجرى الزِّيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ المعنى يقع بمجموعهما؟ فإذا وقع3 بمجموعهما لم يَجُز أن تُحذف واحدة منهما، كما لم يجز أن تُحذف [43أ] الزيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ الزيادتين إذا لحَقتا لمعنًى فحُذفت إحداهما حُذفت الأُخرى، نحو زيادتي "سَكران" إذا رخَّمته اسم رجل؟ وكذلك الزيادتان في "مَفعُول"، لو حذفتَ واحدة منهما للزمكَ حذفُ الأخرى. فللخليل أن يقول4:

لا تجري الزِّيادتان مجرى الزيادة الواحدة. بل يجوز حذف إحداهما وإبقاءُ الأُخرى، لتدلَّ على الأُخرى المحذوفة؛ ألا ترى أنهم قالوا: اسطاعَ يَسطِيعُ5، فحذفوا إحدى الزيادتين -وهي التاء6- وأبقوا السين، وهما جميعًا زِيدا لمعنًى، كما أنَّ الميم والواو في "مَفعول" كذلك؟ فأمَّا "سكران" وبابُه فإنَّما حُذفتا فيه معًا، لوقوعهما طرفًا غير مُفترقتينِ. فكان الحذف أغلب عليهما، إذ كان الطرف موضعًا تُحذف7 فيه الأصول في الترخيم والتكسير8. فالزِّيادتان في "مَفعول" أشبه بالزِّيادتين في "اسطاعَ" من زيادتي سَكران، لكونهما حشوًا في "مَفعول" كما أنهما في "اسطاع" كذلك.

فإن قيل: فقد9 وجدناهم حذفوا الأصل وأَبقَوُا الزيادة، لمَّا كانت لمعنًى، فقالوا "تَقَى" في اتَّقَى، فحذفوا التاء الأصليَّة وأبقوا تاء "افتعل". فالجواب أنَّ الذي حَمل على ذلك كونُ الزيادة مُنفَردةً.

وممَّا يدلُّ على صحَّةِ مذهب سيبويه والخليل، وفسادِ مذهب الأخفش، أنَّك إذا نقلتَ الضَّمَّة من العين إلى الفاء، في "مَفُعول" من ذوات الياء، اجتمع لك ساكنان: واو "مفعول"

1 أمالي ابن الشجري 1: 205.

2 المنصف 1: 289 وأمالي ابن الشجري 1: 205-206.

3 في النسختين: وقعت.

4 أمالي ابن الشجري 1: 205-207.

5 م: يُستطيع.

6 م: الياء.

7 م: "حذف". ونقل ابن عصفور نص أمالي ابن الشجري.

8 زاد في الأمالي: والتحقير.

9 أمالي ابن الشجري 1: 205 والمنصف 1: 290. م: قد.

ص: 298

والياءُ، فتحذف واو "مفعول" فتجيء1 الياء ساكنة بعد ضمَّة، قريبةً من الطرف، فتقلبُ الضَّمَّة كسرة، على مذهب سيبويه في الياء الساكنة بعد الضَّمَّة إذا كانت تَلي الطرف، فإنه تُقلب الضَّمَّة كسرة، مفردًا كان الاسم أو جميعًا، نحو "بِيض" جمع أبيضَ. أصلُه "بُيْضٌ" نحو حُمْر، ثمَّ قُلبتِ الضَّمَّة كسرة. وكذلك لو بَنيتَ من البياض2 اسمًا على "فُعْلٍ" لقلت: بِيضٌ. فالأصل في مَبِيع على أصله:3 "مَبْيُوْعٌ" ثمَّ "مَبُيْوعٌ" ثمَّ "مَبُيْعٌ" ثمَّ مَبِيْعٌ.

وأمَّا أبو الحسن الأخفش فيلزمه4، على مذهبه، أن يقول: مَبُوعٌ. وذلك أنَّ الأصل "مَبْيُوعٌ". فإذا نُقلت الضَّمَّة اجتمع له5 ساكنان، فيحذف الياء، فيلزمه أن يقول6: مَبُوعٌ. فإن قال: لا أحذف إِلَّا بعد قلب الضَّمَّة كسرة. فالجواب أن يقال له: لِمَ تَقلبُ الضَّمَّة كسرة، وأنت تزعم أنَّ الياء إذا جاءت ساكنة بعد ضمَّة في مُفرد فإنَّ الياء هي التي تُقلب واوًا، بشرط القرب من الطرف؟ فأمَّا مع البُعد فلا يجوز قلب الضَّمَّة كسرة، في مذهب أحد من النحويِّين.

فإن قلتَ7: فإنَّما قَلبتُ الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء؛ لأنِّي لو لم أفعل ذلك، فقلت "مَبُوعٌ"، لالتبستْ ذوات الياء بذوات الواو. فالجواب أنَّ هذا القَدْر لو كان لازمًا لوجب أن تقول8 "مِيقنٌ" في مُوقِن، لئلَّا يلتبس بذوات الواو. فكما أنَّ العرب لم تفعل ذلك في مُوقِن، فكذلك لا تفعله في مَبِيع وأمثاله.

وثمرة9 الخلاف بين سيبويه وأبي الحسن تظهر في تخفيف مَسُوء وأمثاله. قال أبو الفتح في "القدّ"10 له: سألني أبو عليٍّ عن تخفيف مَسُوء. فقلت: أمَّا على قول أبي الحسن فأقول: رأيتُ مَسُوًّا11؛ لأنها عنده واو "مَفعول". وأمَّا على مذهب سيبويه فأقول: رأيت مَسُوًا، بتحريك الواو لأنها عنده العين. فقال لي أبو عليٍّ: كذلك هو، اللهمَّ إِلَّا أن تقول: إنهم حملوا الماضي على المضارع. وإذا كانت العرب قد حملت المضارع في الإعلال على

1 م: لمجيء.

2 أمالي ابن الشجري 1: 209 والمنصف 1: 300.

3 أي: على مذهبه والأصل الذي يعتمده في الإعلال.

4 م: فيلزم.

5 ف: لك.

6 أمالي ابن الشجري: 209.

7 أمالي ابن الشجري: 1: 209.

8 ف: يقول.

9 سقط من النسختين حتى قوله "في ثبات الواو"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

10 القدّ: كتاب لابن جنِّي، يُسمى أيضًا "ذا القدِّ". الخزانة 2:129.

11 علق عليه في الحاشية بما يلي: كما تقول في مقروء: مقروّ.

ص: 299

الماضي، مع أنَّ الأكثر على أنَّ المضارع

1 فالأحرى أن يُحمل الماضي على المضارع في ثبات الواو.

ويجوز الإتمام2 في "مَفعُول" من ذوات الياء، وهي لغة بني تميم. قال3:

وكأنَّها تُفَّاحةٌ، مَطْيُوبةٌ

وقال علقمة4:

[حَتَّى تَذكَّرَ بَيضاتٍ، وهَيَّجَهُ]

يَومُ رَذاذٍ، علَيهِ الرِّيحُ، مَغْيُومُ.

والإِعلالُ أَفصحُ.

ولا يجوز الإتمام5 في ذوات الواو إِلَّا فيما سُمع. والذي سُمع من ذلك6: مِسكٌ مَدْوُوفٌ، قال الراجز7.

والمِسكُ في عَنبَرِه المَدْوُوفُ

والأشهر: مَدُوف. وقالوا: رَجلٌ مَعْوُودٌ وفَرَسُ مَقْوُودٌ وثَوبٌ مَصْوُونٌ وقولٌ مَقْوُولٌ. وإنَّما لم يَجزِ الإتمامُ8 في "مُفْعُول" من ذوات الواو، إِلَّا فيما شذَّ؛ لأنَّ الواو أثقل من الياء.

وخالفَ المبرّد9 كافَّة النَّحويِّين10، فأجاز الإتمام11 في ذوات الواو قياسًا على ما ورد.

1 كلمة مخرومة لم أتبينها.

2 م: الإشمام.

3 أنشده الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء. المقتضب ص3 وشرح المفصل 10: 8 وشرح الملوكي ص353 والخصائص 1: 261 ومقتضب المبرد 1: 101 والمنصف 1: 286 وأمالي ابن الشجري 1: 210 والعيني 4: 574 والصحاح واللسان والتاج "طيب".

4 من مفضلية له. ديوانه ص56 والمفضلية 120 والمنصف 1: 286 وأمالي ابن الشجري 1: 210.

5 م: الإشمام.

6 المقتضب ص3 والمنصف 1: 285- 287 وأمالي ابن الشجري 1: 209.

7 المقتضب ص3 والمنصف 1: 285 والخصائص 1: 261 وشرح المفصل 10: 80 وشرح الملوكي ص355. واللسان والتاج "دوف". المدووف: المسحوق أو الممزوج أو المبلول. م: "المذروف" بالذال وكذلك فيما يلي.

8 جعله سيبويه مكروهًا. انظر الكتاب 2: 363 والخصائص 1: 98. م: الإشمام.

9 كذا. والصواب أنه الكسائي. انظر شرح الشافية 4: 149-150 والمقتضب 1: 99-103. وقد نقل أبو حيان إلى حاشية ف من خط ابن عصفور ما يلي: هذا الذي ذكرته عن المبرد هو الذي حكاه أبو الفتح عنه. وأمَّا الذي ذهب إليه أبو العباس في تصريفه فخلاف هذا. وذلك أنه إنَّما أجاز رد مبيع إلى أصله في الضرورة، ولم يجعله قياسيًّا، وحكى عن النحويين أجمعين أنهم يجيزون إتمام مفعول من ذوات الواو في الضرورة. وأجاز ذلك هو عند الضرورة، واحتج أنه قد جاء في الكلام مثله، لكنه معتل لاعتلال الفعل، والذي جاء في الكلام ليس على فعل. فإذا اضطر الشاعر أجرى هذا على ذلك. فمما جاء منه: النَّوُور وقولهم: سُرتُ سُوُورًا. ثمَّ قال: وهذا أثقل من مفعول من الواو؛ لأنَّ فيه واوين وضمَّة، وإنَّما ثَمَّ واوان بينهما ضمَّة.

10 انظر المقتضب ص3-4 والمنصف 1: 285.

11 م: إلاشمام.

ص: 300

منه، وقال: ليس بأثقلَ من: سُرتُ سُوُورًا1 وغارتْ عَينُه غُوُورُا؛ لأنَّ في "سُوُور" و"غُوُور" واوين وضمَّتين، وليس في "مَعْوُود"2 مع الواوين إِلَّا ضمَّة واحدة. وهذا الذي ذهب إليه باطل3؛ لأنَّ ما ورد من الإتمام4 في ذوات الواو من القلَّة بحيث لا يُقاس عليه.

وأمَّا احتجاجه بـ"سُوُور" و"غُوُور" فباطل؛ لأنَّ مثل "سُوُور" شاذٌّ، ولو لم يُسمع لما قيل. وأيضًا فإنَّ الضَّرورة دعت إلى ذلك في مثل "سُوُور"؛ لأنهم لو أَعلُّوا فأسكنوا الواو الأُولى، وبعدها واو ساكنة، لوجب حذف إحداهما، فيصير لفظ "فُعُول" و"فُعْل" واحدًا، فيقع اللَّبس. وكذلك أيضًا لو أَعلُّوا الواو في مثل "قَوُول" فقلبوها [43ب] ألفًا لالتقى ساكنان: الألف والواو، فيجب حذف أحد الساكنين، فيصير "فَعُول" و"فَعْل"5 في اللفظ واحدًا.

فيقع اللَّبس؛ لأنَّ المصدر قد يأتي على "فُعْل" كظُلْم، وكذلك الصفة قد تأتي على "فَعْل" كضَخْم. ولا يلزم شيء من ذلك في إعلال "مفعول"؛ لأنَّ اسم المفعول لا يأتي أبدًا من الفعل الثلاثي إِلَّا على وزن "مفعول". فإذا أعللته عُلم أنه مُغيَّر من ذلك6.

فإن وقعت الواو والياء عينين، في اسم على ثلاثة أحرف، فإنه لا يخلو من أن يكون على وزن من أوزان الأفعال، أو لا يكون.

فإن كان على وزن7 من أوزان الأفعال أُعلَّ الفعل، فقلبت الواو والياء ألفًا نحو: باب ودار وساق. فإنها في الأصل "بَوَبٌ" و"دَوَرٌ" و"سَوَقٌ"8، على وزن "فَعِلٍ"، فاستُثقل حرف العلَّة واجتماعُ المِثلَينِ -أعني الفتحتين- فقُلب حرف العلَّة ألفًا، كما فُعِل بـ"قالَ" و"باعَ". وكذلك: رجلٌ خافٌ ومالٌ، وكبشٌ صافٌ. الأصل فيها "خَوِفٌ" و"مَوِلٌ" و"صَوِِفٌ"، فاستُثقلت الكسرة في حرف العلَّة، فقُلب حرف العلَّة ألفًا، كما فَعلوا في الفعل نحو: خافَ وهابَ.

وكذلك لو أردت بناء اسم على "فَعِل" من البيع أو القول، لقلت: باعٌ وقالٌ، على قياس9: خافٍ وصافٍ. وكذلك لو جاء10 من المعتلِّ العين شيء على وزن "فَعُل"، بضمِّ العين،

1 م: سؤورًا.

2 م: مصوون.

3 المنصف 1: 285 والمقتضب ص3.

4 م: الإشمام.

5 م: وفَعَلَ.

6 م: فيقع اللبس ولا يلزم شيء من ذلك في إعلال مفعول.

7 سقط "من أوزان

على وزن" من م.

8 المنصف 1: 332.

9 م: على وزن.

10 المنصف 1: 334-335.

ص: 301

لوجب قلب حرف العلَّة ألفًا، كما وجب ذلك في "فَعَلٍ" و"فَعِلٍ" بفتح العين وكسرها، وإن لم يُحفظ1 شيء من ذلك في كلامهم.

فإن قيل: وما الدليل على أنَّ بابًا ودارًا وساقًا وأمثالها على "فَعَلٍ" بفتح العين، في الأصل، ولعلَّها مضمومة في الأصل أو مكسورة؟ فالجواب أنه لا بدَّ من ادِّعاء أنَّ العين متحرِّكة في الأصل؛ لأنَّ الألف لا تكون أبدًا أصلًا، إلَّا مُنقلبةً عن ياء أو واو، ولا يُمكن أن يُدَّعى قلبُ الألف في باب ودار وساق إِلَّا عن حرف علَّة متحرِّك، إذ لو كان ساكنًا في الأصل لصحَّ كما صحَّ قَوْلٌ وبَيْنٌ. فإذا ثَبَت أنه متحرِّك2 في الأصل فأولى ما يُدَّعى من الحركات الفتحةُ؛ لأنها أخفُّها؛ ولأنَّ "فَعَلًا"3 المفتوحَ العين أكثرُ من "فَعُلٍ" و"فَعِلٍ"، بضمِّ العين وكسرها.

وأمَّا4 خافٌ ومالٌ وصافٌ فالذي يدلُّ على أنَّها "فَعِلٌ"، في الأصل، أنَّها أَسماءُ فاعلِينَ، من "فَعِلَ" نحو: خافَ يَخافُ وصافَ يَصافُ ومالَ يَمالُ. فمجيء المضارع على "يَفعَلُ" دليلٌ على أنَّ الماضي على "فَعِلَ". واسم الفاعل من "فَعِلَ" يأتي على "فَعِلٍ" بكسر العين، نحو: فَرِقَ فهو فَرِقٌ وحَذِرَ فهو حَذِرٌ. ولا يأتي على "فَعَلٍ" ولا "فَعُلٍ" بضمِّ العين أو فتحها.

ولا تصحُّ العين في شيء، مما جاء على وزن الفعل، إِلَّا فيما5 كان مصدرًا لفعل لا يعتلُّ، نحو: العَوَرِ والصَّيَدِ؛ لأنهما مصدران لـ"عَوِرَ" وصَيِدَ"، فصَحَّا كما صحَّ فعلُهما. أو ما جاء شاذًّا6 -نحو: القَوَدِ والحَوَكةِ ورَوِعٍ وحَوِلٍ- فإنَّ العين صحَّت فيها7، وكان القياس إعلالها كما تَقَدَّمَ. وفي ذلك مَنْبَهة على ما ادَّعينا من أنَّ الأصل في باب: "بَوَبٌ"، وفي مال: "مَوَلٌ"، وأمثالهما.

فإن8 قال قائل: لأيِّ شيء لم تَجرِ هذه الأسماء التي هي على وزن الفعل، على أصلها فتصحَّ، ليكون ذلك فرقًا بينها وبين الفعل، كما فعلوا ذلك فيما لحقته الزوائد، فقالوا "هو أطوَلُ منه" فصحَّحوا، فرقًا بينه وبين "أطالَ" على ما تبيَّن في موضعه؟ 9 فالجواب أنَّ ما لحقته زيادة.

1 في حاشية ف بخط أبي حيان: "حُفظ: هَيُؤَ الرجلُ فهو هَيِّئ: حَسُنَتْ هيئته. نقله ابن مالك". قلت: وهذا وهم، فالحاشية ليس لها علاقة بما يذكره ابن عصفور؛ لأنه يتحدث عن الاسم الذي على وزن "فعُل"، وما في الحاشية هذه خاص بالفعل. انظر ص289.

2 سقط من م.

3 ف: فعل.

4 المنصف 1: 333.

5 م: إِلَّا ما.

6 المنصف: 1: 333-334.

7 ف: فيهما.

8 سقط من النسختين حتى قوله "فأمن اللبس"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

9 انظر ص313.

ص: 302

من الأسماء تبلغ به زِنةَ الأفعال لا ينصرف، فلو أعللته لالتبس بالفعل؛ لأنه لا يدخله خفض ولا تنوين كما أنَّ الفعل كذلك، وما كان على ثلاثة أحرف فالتنوين والخفض يفصلانَ بينه وبين الفعل، فأُمِنَ اللَّبس.

فإن لم يكن على وزن فعل من الأفعال فإنه لا يعتلُّ، ولا يُغيَّر عن بنائه الأصليِّ1 بل يجري مجرى الصحيح نحو: سُوَلةٍ2 وعُيَبةٍ3 وحِوَلٍ4 وصِيَرٍ5، وكذلك إذا بنيت6 من القول أو البيع مثل "إِبِل" قلتَ7: قِوِلٌ وبِيِعٌ. إِلَّا أن يكون الاسم على "فُعُل" بضمِّ العين والفاء من الواو، أو "فُعْلٍ" من الياء بضمِّ الفاء وإسكان العين، أو "فِعَلٍ" من الواو بكسر الفاء وفتح العين، جمعًا لاسم قد اعتلَّت عينه فقُلبت الواو فيه ألفًا وياء، أو "فِعْلٍ" من الواو بإسكان العين وكسر الفاء.

فإن كان على "فُعُلٍ" من الواو فإنه يخالف الصحيح، في التزام إسكان عينه8. فتقول في جمع نَوارٍ:"نُوْرٌ"، وعَوانٍ:"عُوْنٌ"، وسِوارٍ:"سُوْرٌ"، بالإسكان ليس إلَّا. وليس كذلك الصحيح، بل يجوز فيه التحريك والإسكان نحو: رُسْل ورُسُل. وذلك أنه لمَّا انضاف إلى ثقل الضَّمَّة ثقلُ الواو لم يجزْ إِلَّا السكونُ؛ لأنَّه كلَّما كثر الثقل كان أدعى للتخفيف.

ولا يجوز تحريك العين من "فُعُلٍ" المعتلِّ العين، إِلَّا في ضرورة، نحو، قوله9:

عَن مُبْرِقاتٍ بالبُرِينَ، وتَبـ

ـدُو في، الأكُفِّ اللَّامِعاتِ، سُوُرْ10

وقولِ الآخر11:

أَغَرُّ الثَّنايا، أحَمُّ اللِّثا

تِ، تَمنَحُهُ سُوُكَ الإِسحِلِ

1 المنصف 1: 335-336.

2 السولة: الكثير السؤال، من: سِلتَ تَسالُ.

3 العيبة: الكثير العيب للناس.

4 الحول: التحول والحذق.

5 الصير: جمع صيرة، وهي الحظيرة. م:"صيَد" وفي حاشية ف "سيبويه: وبِيَع ودِيَم". انظر الكتاب 2: 368.

6 م والمنصف: إذا أردت.

7 م: فقلت.

8 المنصف 1: 336 والكتاب 2: 368-369.

9 عدي بن زيد. ديوانه ص127 والكتاب 2: 368 وشرح الشافية 2: 127 و3: 146 وشرح شواهده ص121-125 والمنصف 1: 338 ورسال الغفران ص179 وشرح المفصل 10: 84. والمبرقات: النساء المتزينات المتعرضات. والبرون: جمع برة. وهي الخلخال.

10 م: بالبرير وتبدو وفي.

11 عبد الرحمن بن حسان. ديوانه ص48 والمقتضب 1: 113 وشرح شواهد الشافية ص122 والمنصف 1: 338 وشرح المفصل 10: 84 واللسان والتاج "سوك" والعيني 4: 350-351. والأحمّ: من الحمّة، وهي لون بين الدهمة والكمتة. والإسحل: شجر تتخذ منه المساويك.

ص: 303

وليس الأمر كذلك1 في "فُعُلٍ" الذي عينه ياء. بل يجوز [فيه] 2 التحريك والتسكين، نحو: عِيَان3 وعُيُن. وقالوا: بَيُوضٌ4 وبُيُضٌ. فإذا سَكَّنتَ الياء [44أ] كان حكمه حكم "فُعْلٍ" بسكون العين، ممّا عينه ياء، وسيُبيَّنُ حكمه.

فإن قيل: ولأيِّ شيء لم يَفِرُّوا من الواو المضمومة في [مثل] 5 سُوُك إلى الهمزة، كما قالوا: أدْؤُرٌ وأَنْؤُرٌ، في جمع دار ونار؟ فالجواب6 أنه لا يُبدل من الواو المضمومة همزة، إِلَّا حيث لا يمكن تخفيفها بالإسكان نحو أَدْوُر؛ لأنَّك لو سكَّنت7 الواو لالتقى ساكنان. وليس كذلك سُوُر وعُوُن. وقد يجوز أن تُبدل الواو همزة، وإن أمكن التسكين. فقد حُكي: جَوادٌ وجُؤُدٌ وجُوْدٌ، بالهمزة وبإسكان الواو.

فإن كان على "فُعْلٍ" وعينه ياءٌ فلا يخلو من أن يكون مفردًا أو جمعًا.

فإن كان جمعًا قُلبتِ الضَّمَّة كسرة، لتصحَّ الياء، نحو: أَبيَض وبِيض. أصله "بُيْضٌ" كحُمْر، فقُلبت الضَّمَّة كسرة. وذلك أنَّ الياء8 لمَّا كانت تلي الطَّرف عُوملت معاملة الطرف. فكما أنَّ الياء إذا كانت طرفًا وقبلها ضمَّة تُقلب9 الضَّمَّة كسرة نحو "أَظْبٍ" في جمع ظَبْيٍ، أصله "أَظْبُيٌ" نحو "أَفْلُس"، فكذلك إذا كانت تلي الطرف، لا خلاف بين النَّحويِّين في ذلك.

وإن كان مفردًا فحكمه عند سيبويه والخليل كحكم الجمع. فإذا بنيتَ من البياض اسمًا على "فُعْل" قلتَ: بِيضٌ. فـ"ديكٌ"، على مذهب سيبويه، يحتمل أن يكون "فُعْلًا" و"فِعْلًا". وأبو الحسن يَقلب الياء واوًا، ويقرّ الضَّمَّة، فيقول: بُوضٌ. ولا يكون "دِيك" عنده إِلَّا "فِعْل". وحجَّته أنَّ قلب الضَّمَّة كسرة قد استقرَّ في الجمع، نحو "بِيض" في جمع أَبيَض، ولم يستقرَّ في المفرد، والقياس10 يقتضي التفرقة؛ لأنَّ الجمع أثقل من الواحد، فهو أدعى للتخفيف. فلذلك قُلبت الضَّمَّة كسرة في الجمع لتصحَّ الياء، ولم تُقلب الياء واوًا؛ لأنَّ الياء أخفُّ من الواو. وأمَّا المفرد فلِكونه أخفَّ من الجمع يُحتمل فيه الواو.

1 المنصف 1: 339-340 وشرح الشافية 3: 87.

2 سقط من النسختين.

3 العيان: حديدة في متاع الفدان. م: عَيان.

4 البيوض: الدجاجة الكثيرة البيض.

5 من م.

6 المنصف 1: 337-338.

7 ف: أسكنت.

8 م: الواو.

9 م: نقلت.

10 المنصف 1: 299-300.

ص: 304

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، بدليل ما ذكرناه1 في مَبِيع وأمثاله، من أنه لمَّا اجتمع ساكنان وحُذفت الواو -على مذهب سيبويه- جاءت الياء ساكنةً، وقبلها ضمَّة تلي الطَّرف، فقُلبت الضَّمَّة كسرة لتصِحَّ الياء. وقد تَقَدَّمَ الديل على صحَّةِ ذلك. فكذلك في "فُعْل" من الياء، ينبغي أن تُقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء. فأمَّا2 قوله3.

وكُنتُ، إِذا جارِي دَعا لِمَضُوفةٍ،

أُشَمِّرُ، حَتَّى يَنصِفَ السَّاقَ مِئزَرِي

فقَلبَ الياء من مَصُوفة واوًا، وأَقَرَّ الضَّمَّة مع كون الياء تلي الطَّرف؛ لأنَّ الأصل "مَضْيُفةٌ" لأنَّه من "ضافَ يَضِيفُ"، ثمَّ نُقلت الضَّمَّة إلى الساكن قبلها4، فصار "مَضُيْفة" فجاءت الياء ساكنة بعد ضمَّة5، ثمَّ قُلبت الياء واوًا، فشاذٌّ لا يُعرَّج عليه. بل ينبغي أن يُعوَّل على باب: مَبِيع ومَكِيل؛ لأنَّه مطَّرد.

وكذلك ما حكاه6 الأصمعيُّ، من أنهم يقولون للريح الحارَّة: هَيْفٌ وهُوْفٌ. فلا حجَّةَ فيه لأبي الحسن، في قوله في "فُعْل" من البيع:"بُوْعٌ"، فيَقلبَ الياء واوًا [ويُقرَّ الضَّمَّة] 7، لاحتمال أن يكونا لغتين، فيكون هَيْفٌ من ذوات الياء، وهُوْفٌ من ذوات الواو، نحو:8 التِّيهِ والتُّوهِ. ويحتمل أن يكون الهَيفُ والهُوفُ معًا من ذوات الواو، فيكون أصل هَيْف:"هَيْوِف" مثل مَيّت، ثمَّ أُدغمت الياء في الواو فقُلبت الواو ياء فصار "هَيِّف" وحُذفتْ، فقالوا9: هَيْف، كما قالوا: مَيْت.

وإن كان10 على "فِعَل" من الواو، بكسر الفاء وفتح العين، جَمعًا لِما قُلبت فيه الواو ياءً أو ألفًا، فإنَّ الواو تَنقلب فيه ياءً لانكسار ما قبلها، مع أنهم أرادوا أن تعتلَّ في الجمع كما اعتلَّت في المفرد. وذلك [نحو] 11: قامَة وقِيَم ودِيمَة ودِيَم وقِيمَة وقِيَم. والأصل "قِوَمٌ" و"دِوَمٌ"؛ لأنهما من: قامَ يَقُومُ ودامَ يَدُومُ.

1 في الورقة 43.

2 المنصف 1: 300-301.

3 لأبي جندب الهذلي. خرجناه في شرح اختيارات المفضل ص120.

4 ف: قبله.

5 سقط "فجاءت الياء ساكنة بعد ضمة" من م.

6 المنصف 1: 299.

7 من م.

8 م: ونحو.

9 م: مثل ميت فقلبت الواو وحذفت فقالوا.

10 المنصف 1: 344-345 وشرح الشافية 3: 137-139.

11 سقط من النسختين.

ص: 305

فإن كانت الواو لم تعتلَّ في المفرد لم تعتلَّ في الجمع1، نحو: زَوج وزِوَجة وعُود وعِوَدة، إِلَّا لفظةً واحدةً شَذَّتْ وهي: ثَورٌ وثِيَرةٌ. فذهب2 أبو بكر إلى أنَّ الذي أوجب قلبَ الواو ياءً أنَّ الأصل "ثِيارَةٌ" كحِجارة وذِكارة3، فقلبت الواو ياء لأجل الألف التي بعدها. كما قلبت4 في سياط جمع سوط، على ما يُبيَّن بعدُ5. فلمَّا قَصَره منه6 بقيت الياء، تنبيهًا على أنَّه مقصور من ثِيارة7، كما صَحَّ "عَوِرَ"8 حملًا على "اعْوَرَّ".

وذهب9 المبرّد إلى أنهم أرادوا أن يفرِّقوا بين جمع "ثَور" الذي هو الحيوان، والثَّور الذي يراد به القطعة من الأَقِط10، فقالوا في الحيوان: ثِيَرة، وفي الأقط: ثِوَرة، كما قالوا: نَشيانُ للخَبَرِ11، وأصله نَشْوان، فرقًا بينه وبين نَشوانَ بمعنى سكران.

ومنهم من 12 ذهب إلى أنَّ الأصل "ثِوْرة" بالإسكان، فقُلبت الواو ياء لوقوعها ساكنة بعد كسرة، ثمَّ حرّك بالفتح [44ب] ، وأُبقي13 الياء؛ لأنَّ الأصل الإسكان.

ومنهم من علَّل ذلك بأنهم قد قالوا ثِيْرة وثِيرانٌ فقلبوا الواو ياء، فأحبُّوا أن يُجروا جمعه كلَّه على الياء، فقالوا: ثِيَرة، كما قالوا: ثِيْرة14 وثِيران، كما حملوا: أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ، على "يَعِدُ".

وكلُّ ذلك توجيهُ شذوذٍ.

وكذلك لو كان "فِعَلٌ" من ذوات الواو مفردًا لم تقلب واوه ياء، نحو: طِوَل15.

فإن كان الاسم على "فِعْلٍ" من الواو، بكسر الفاء وإسكان العين، قُلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، نحو: قِيْلٍ. أصله "قِوْلٌ" لأنَّه من القول.

1 المنصف 1: 345-349.

2 المنصف 1: 347.

3 الذكارة: جمع الذكر. م: دكارة.

4 م: تقلب.

5 في الورقة 46.

6 المنصف: فلما قصرت الكلمة بحذف الألف.

7 م: ثيار.

8 م: "عِور". وانظر ص309.

9 المنصف 1: 346-347 وشرح المفصل 10: 88.

10 الأقط: ضرب من الطعام.

11 النشيان للخبر: الذي يتخبر الخبر أول وروده.

12 كذا. ونسب ابن جني هذا المذهب إلى المبرد أيضًا، انظر المنصف 1: 346-347 و349 حيث ضبطت "ثورة" بفتح الواو خطأ.

13 م: وإبقاء.

14 سقط "كما قالوا ثيرة" من م.

15 الطول: الحبل الطويل جِدًّا.

ص: 306

فإن وقعت الواو أو الياء1 عينًا في فعل، على أزيدَ من ثلاثة أحرف، فإنه لا يخلو أن يكون ما قبل حرف العلَّة ساكنًا أو متحرِّكًا.

فإن كان متحرِّكًا -وذلك في "انفَعَلَ" و"افتَعَلَ" نحو: انقادَ واقتادَ واختارَ- فإنك2 تُعامل ما بعد الساكن معاملةَ فعل، على ثلاثة أحرف. وذلك أنَّ الأصل "انقَوَدَ" و"اقتَوَد" و"اختَيَرَ"، فعاملتَ "قادَ" مِن "انقاد"، و"تادَ" مِن" اقتاد"، و"تارَ" مِن "اختار"، معاملة: قالَ وباعَ، فأعللتَ كما أعللتهما.

ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، إِلَّا أن يكون في معنى ما لا يعتلُّ، نحو3: اجتَوَرُوا واهتَوَشُوا واعتَوَنُوا؛ لأنها في [معنى] 4: تَجاوَرُوا وتَعاوَنُوا وتَهاوَشُوا؛ ألا ترى أنَّ الفعل فيه ليس فعلَ واحدٍ؟ فبابُه أن يكون على وزن "تَفاعَلَ". وكذلك جميع ما يأتي على معنى "تَفاعَلَ" لا يُعلُّ شيء منه كما لم يعلَّ: عَوِرَ وصَيِدَ؛ لأنهما في معنى5: اعوَرَّ واصيَدَّ.

إِلَّا أنك إذا أسندتَهما6 إلى ضمير متكلِّم أو مخاطَب7 لم تُحوِّل الفتحة التي في العين إذا كانت واوًا ضمَّة، أو ياءً كسرةً، كما فعلتَ ذلك في "قُلتُ" و"بِعتُ" بل تقول: انقَدْتُ واختَرْتُ8، فتُسكِّن آخر الفعل للضمير، وما قبلَه ساكن فتحذفُه لالتقاء الساكنين من غير تحويل.

وإنَّما لم تُحوِّل لأنك لو حوَّلتَ في ذوات الواو حركة العين ضمَّةً لنقلتَ "انفَعَلتُ" و"افتَعَلتُ" إلى "انفَعُلَ" و"افتَعُلَ"، وهما بناءان غير موجودين. وكذلك لو حوَّلتَ في ذوات الياء حركة العين كسرةً لنقلتَهما إلى "انفَعِل" و"افتَعِل"9، وهما بناءان غير موجودين. فلمَّا كان النقل يؤدِّي إلى بناء غير موجود لم يجُز. وليس10 كذلك "فَعَلَ"؛ لأنَّه إذا حُوِّل إلى "فَعُلَ" بضمِّ العين، أو "فَعِلَ" بكسرها، كان محوَّلًا إلى بناءٍ موجودٍ.

1 ف. والياء.

2 المنصف 1: 306.

3 المنصف 1: 305-306.

4 من م.

5 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: "حَمَلَ بعدُ افعلَّ على عَوِرَ وصَيِدَ. فانظره" قلت: انظر ص312.

6 المنصف 1: 292-294.

7 أغفل نون النسوة الغائبات. وانظر ص288 و293 و296 و297.

8 زاد ههنا في ف: "فتنقل الحركة من حرف العلة إلى ما قبله". وهذا وهم.

9 م: افتعَل.

10 م: وليست.

ص: 307

وإذا بَنيتَه للمفعول1 عاملت ما بعد الساكن معاملة الفعل على ثلاثة أحرف. فمن قال في "قال" و"باع". قِيلَ وبِيعَ، قال: انقِيْدَ اختِيْرَ واقتِيْدَ. ومن أشار إلى الضَّمَّة هنالك فأشَمَّ أَشَمَّ هنا. ومن قال: قُوْلَ وبُوْعَ، قال: انقُوْدَ واختُوْرَ واقتُوْدَ2.

وكذلك إذا أسندته إلى ضمير المفعول المتكلِّم أو المخاطَب3 قلت: "اختُرْتُ"، على لغة من قال: اختُوْرَ. ومن أَشَمَّ فقال: اختِيْرَ، قال "اختِرْتُ" فأشَمَّ. ومن تَرك الإشمام فقال: اختِيْرَ، تركَ الإشمام فقال:"اختِرْتُ"؛ لأنَّه لا يدخله لبس كالذي يدخل في "بِعْتُ". والعمل في إعلال ذلك كلِّه كالعمل في إعلال: قِيلَ وبيعَ، وقد تَقَدَّمَ4.

وكذلك المستقبلُ5 مبنيًّا كان للفاعل أو المفعول واسمُ الفاعل والمفعولِ، يجري ما بعد الساكن في جميع ذلك مجرى الفعل على ثلاثة أحرف، فتقول: يَنقادُ ويُنقادُ ويَقتادُ ويُقتادُ6 ومُقتادٌ ومُنقادٌ. فتُجري7 "قادَ" و"تادَ" في جميع ذلك مُجرى: قالَ وباعَ.

وإن كان ما قبل حرف العلَّة ساكنًا فلا يخلو أن يكون الساكن حرف علَّة، أو حرفًا صحيحًا. فإن كان حرفَ علَّةٍ فإن العين لا تعتلُّ أصلًا. وذلك نحو8 "فاعَلتُ" و"تَفاعَلتُ"9 و"فَعَّلتُ"10 و"فَيعَلتُ"، جميعُ ذلك لا تعتلُّ11 فيه العين، وذلك نحو: سايَرتُ وتَسايَرَ وعاوَنتُ وتَعاوَنَ وقَوَّمتُه ومَيَّزتُه12. وإنَّما لم تَعتلَّ العين؛ لأنَّ ما قبلها ساكن. فلو أسكنتها لالتقى ساكنان فيجب الحذف، فيصير لفظ "فاعَلَ" كـ"فَعَلَ"، نحو: سايَرَ لو قلبتَ الياء ألفًا ثمَّ حَذفتَها لالتقاء الساكنين لقلتَ "سارَ". وكذلك "فَعَّل" و"فَيعَلَ" لو أعللتَ العين، فقلبتها ألفًا ثمَّ حَذفتَها، أو الساكنَ قبلها، لصار اللفظ بهما كاللفظ بـ"فَعَل" أو بـ"فَعْلَ". فكنت

1 المنصف 1: 293-294.

2 م: انقَود واختَور واقتَود.

3 أغفل ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288و293 و296 و297.

4 في الورقة 42.

5 المنصف 1: 293.

6 م: وتقتاد.

7 م: فيجري.

8 المنصف 1: 302-303.

9 في المنصف: تفاعلنا.

10 زاد في المنصف "تفعَّلنا" ولم يذكر "فيعلت".

11 ف: لا يعل.

12 ف: صيرته.

ص: 308

تقول في: مَيَّزَ1 وقَوَّمَ، لو حذفت الساكن الأوَّل بعد إعلال العين2:"مازَ"3 و"قامَ". ولو حذفت العين لقلت: "مَيْزَ"4 و"قَوْمَ". فلمَّا كان الإعلال يؤدِّي إلى لحذف والإلباس لم تُعِلَّ شيئًا5 من ذلك. إِلَّا أنك تقلب الواو ياء في "فَيْعَلَ" ممّا عينه واو، لاجتماع الياء والواو وسبقِ الياء بالسكون، فتقول في "فَيْعَلَ" من القَول: قَيَّلَ.

وكذلك [45أ] تصحُّ6 في المضارع، وفي الفعل المبنيِّ للمفعول، واسم الفاعل والمفعول، كما صحَّت في الفعل [الماضي المبنيِّ للفاعل] 7، فتقول8 في الماضي المبنِيِّ للمفعول: سُوْيِرَ وعُوْوِنَ9، وتُسُوْيِرَ وتُعُوْوِنَ، وقُوِّمَ ومُيِّزَ. وفي "فُيْعِلَ"10 من القول: قُوْوِلَ، فتقلب ياءَ "فُيْعِل" واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها11، كما فعلت ذلك في بُوطِرَ.

ولا تُدغِم الواو من: سُوْيِرَ وعُوْوِنَ وتُسُوْيِرَ وتُعُوْوِنَ؛ لأنها بَدَلٌ من الألف في "سايَرَ" و"تَسايَرَ" و"عاوَنَ" و"تَعاوَنَ". فكما لا تُدغم الألف في الياءِ [أو الواو] 12 فكذلك ما هو بدل منها، وكذلك [أيضًا] 13 لا تدغم الواو من "قُوْوِلَ" في الواو التي بعدها؛ لأنها لمَّا صارت مَدَّة أَشبهتِ الواو المنقلبة من الألف في "سُوْيِرَ" وأمثالِه، فلم تُدغِم كما لم تُدغِم 14 واو "سُوْيِرَ" فيما بعدها.

وكذلك حكم كلِّ حرف قد كان لغير المدِّ ثمَّ صار في بعض المواضع مدَّة، لا يُدغَم لشَبَهِه بالألف في "فاعَلَ"، من حيث هو للمدِّ ولا يلزم كما لم تلزم الألف. فإن كان حرف المدِّ لازمًا أُدغم نحو: مَغْزُوّ، أُدغِمت واو "مفعول" في الواو التي بعدها، لمَّا كانت لازمة لكونها في لفظ لا يتصرَّف.

[وتقول]، في المضارع واسم الفاعل والمفعول: يُسايِرُ15 ويُسايَرُ ويُعاوِنُ ويُعاوَنُ،

1 م: مير.

2 ف: بعد الإعلال في العين.

3 م: مار.

4 م: مير.

5 ف: لم يعل شيء.

6 ف: يصح.

7 تتمة يقتضيها السياق.

8 زاد في م: سوير.

9 ف: "عوور" بالراء. وكذلك فيما يلي.

10 كذا. دون قلب الياء واوًا، لبيان لفظ الأصل.

11 م: لسكون ما قبلها.

12 تتمة يقتضيها السياق.

13 من م.

14 م: لم يدغم.

15 م: ويسايِر.

ص: 309

[ويَتسايَرُ] 1 ويُتسايَرُ، ويَتعاوَنُ ويُتعاوَنُ، ويُقَوِّمُ ويُقَوَّمُ، ويُمَيِّزُ ويُمَيَّزُ، ومُسايِرٌ ومُسايَرٌ2، ومُعاوِنٌ ومُعاوَنٌ، ومُتسايِرٌ ومُتسايَرٌ، ومُتعاوِنٌ ومُتعاوَنٌ عليه، ومُقَوِّمٌ ومُقَوَّمٌ3، ومُميِّزٌ ومُميَّزٌ. فلا تعتلُّ العين في شيء من ذلك.

وتقول في المضارع من "فَيعَلَ" واسم الفاعل واسم المفعول: يُقَيِّلُ ويُقَيَّلُ ومُقَيِّلُ ومُقَيَّل. فتُدغم ياء "فَيْعَلَ": في الواو فتقلبها ياءً، ولا تُعِلّ4 العينَ بأكثرَ من قلبها ياءً، كما كان ذلك في الماضي المبنِيِّ للفاعل.

وإن كان الساكن حرفًا صحيحًا فلا يخلو أن يكون الفعل على وزن "افعَلَّ" أو "افعالَّ"، أو على غير ذلك من الأوزان.

فإن كان على غير ذلك من الأوزان -وذلك "أَفْعَلَ" و"استَفْعَلَ"- فإنك تنقل الفتحة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، وتقلب حرف العلَّة ألفًا. وذلك نحو: أقامَ واستَقامَ وأبانَ واستَبانَ. الأصل "أَقْوَمَ" و"استَقْوَمَ" و"أَبْيَنَ" و"استَبْيَنَ". فنقلتَ الفتحة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، فصار "أَقَوْمَ" و"استَقَوْمَ" و"أَبَيْنَ" و"استَبَيْنَ". فانْفَتحَ ما قبل الواو والياء في اللفظ، وهما متحرِّكان في الأصل، والسكونُ عارضٌ، فقَلبتَ حرف العلَّة ألفًا، لانفتاح ما قبله في اللفظ وتحرُّكه في الأصل.

فإن قيل: ولأيِّ شيءٍ أُعِلَّ حرف العلَّة وما قبله ساكن؟ فالجواب أنَّه حُمِلَ عليه قبل لحاقِ الزِّيادة له؛ لأنَّ الزِّيادة في "أَقامَ" و"استَقامَ" لحقَتْ "قامَ". وكذلك ما كان نحوَهما.

وكذلك أيضًا تفعل بالمضارع، فتقول: يُقِيمُ ويُقامُ، ويَستَقِيمُ ويُستَقامُ. والأصل "يُقْوِمُ" و"يُقْوَمُ"، و"يَستَقْوِمُ" و"يُستَقْوَمُ". فنقلتَ حركةَ حرف العلَّة إلى الساكن قبله، حملًا على مضارع الثلاثيِّ غير المزيد نحو: يَقُومُ ويَخافُ.

فإن جاءت الواو ساكنة بعد كسرة قُلبت ياء، نحو: يُقِيمُ ويَستَقِيمُ. وإن جاءت الياء5 ساكنة بعد كسرة ثَبَتَتْ، نحو: يُبِينُ ويَستَبِينُ.

وإنْ جاءت الياء أو الواو بعد فتحة قُلبت6 ألفًا، لانفتاح ما قبلها في اللفظ وتحرُّكها7 في

1 تتمة يقتضيها السياق.

2 م: ومسايَر ومسايِر.

3 زاد في م: عليه.

4 ف: ولا تعتلّ.

5 سقط "ساكنة بعد كسرة

الياء" من م.

6 م: قبلتا.

7 م: وتحركهما.

ص: 310

الأصل، نحو: يُقامُ ويُستَقامُ، ويُبانُ ويُستَبانُ.

وكذلك اسم الفاعل واسم المفعول، تُعِلُّهما حملًا على الفعل. وذلك نحو: مُستَبِين ومُستَبان، ومُستَقِيم ومُستَقام، ومُقِيم ومُقام، ومُبِين ومُبان، الأصل "مُستَقْوِمٌ" و"مُستَقْوَمٌ"1، و"مُستَبْيِنٌ" و"مُستَبْيَنٌ"، و"مُقْوِمٌ" و"مُقْوَمٌ"، و"مُبْيِنٌ" و"مُبْيَنٌ". فعَمِلتَ بهما ما عملت بالمضارع.

ولا يصحُّ شيء من ذلك، إِلَّا أن يكون فعلَ تعجُّب2، نحو: ما أَقْوَلَهُ وما أَطْوَلَهُ! وأَقْوِلْ به وأطْوِلْ بِهِ! فإنه يصحُّ لشَبَهِه بـ"أَفْعَلَ" التي للمفاضلة، نحو: هو أَقوَلُ منه وأَطوَلُ. ووجه الشَّبه بينهما أنهما لا يُبنيان إِلَّا من شيء واحد، وأنَّ فعلَ التعجُّب فيه تفضيل للمتعجَّب منه على غيره3، كما أنَّ "أَفعَلَ" يقتضي التفضيل، وأنَّ فعل التعجُّب لا مصدر له ولا يتصرَّف، فصار بمنزلة الاسم4 لذلك.

وما عدا فِعلَ التعجُّب لا يصحُّ إِلَّا فيما شذَّ. والذي شذَّ من5 ذلك: استَنْوَقَ الجَمَلُ واستَصْوَبتُ6 رأيَهُ -حكاهما ابنُ مِقسَم عن ثعلب7- واستَتيَسَتِ الشَّاةُ واستَرْوَحَ8 واستَحْوَذَ. ولا يُحفَظُ في شيء من ذلك [45ب] المجيءُ على الأصل.

وشذَّ من "أَفْعَلَ": أَطْيَبَ وأَجْودَ وأَغْيَلَتِ المَرأة وأَطْوَلْتَ. قال9:

صَدَدْتَ، فأطْوَلتَ الصُّدُودَ، وقَلَّما

وِصالٌ، علَى طُولِ الصُّدُودِ، يَدُومُ

وقد سُمِعَ: أَطالَ وأَجادَ وأَطابَ. وأمَّا "أَغْيَلَ" فلا يحفظُ فيه كافَّةُ النَّحويِّين إِلَّا التَّصحيحَ، إِلَّا أبا زيد الأنصاري فإنه حكى: أغْيَلَتِ المرأةُ وأَغالَتْ بالتَّصحيح والإعلال.

وجميع هذه الشواذِّ مَنْبَهةٌ على ما ادَّعيناه، من أنَّ أصل10 أَقامَ:"أَقْوَمَ"، واستقامَ:"استَقْوَمَ".

1 ف: يستقوم ويُستقوم.

2 المنصف 1: 315-321.

3 سقط "على غيره" من م.

5 المنصف 1: 276- 279.

6 م: استضويت.

7 مجالس ثعلب ص470 والمنصف 1: 277.

8 سقط من م.

9 ينسب إلى عمر بن أبي ربيعة والمرار الفقعسي. الكتاب 1: 12 و459 وشرح أبياته 1: 104 والأغاني 10: 315 والمقتضب 1: 84 والإنصاف ص84 والمغني ص339 وشرح شواهده ص717 وشرح أبياته 5: 246 وديوان المرار ص480 والمنصف 1: 191 و2: 69 والمحتسب 1: 96 والخصائص 1: 143 و257 وديوان عمر ص 494 والخزانة 4: 287-290 وشرح المفصل 10: 76. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن إيجاز التعريف لابن مالك بعض ما شذ في تصحيحه تنبيهًا على خفته، وأنَّ أبا زيد جعله قياسيًّا لا سماعيًّا.

10 المنصف 1: 190-191.

ص: 311

وإن كانَ على وزن "افعَلَّ" أو "افعالَّ"، نحو: ابيَضَّ وابياضَّ، واعوَرَّ واعوارَّ، فإنَّ العين تصحُّ ولا تَعتلُّ1. وإنَّما لم تعتلَّ؛ لأنَّك لو أعللتَ "ابيَضَّ" و2 "اعوَرَّ" لقلتَ "باضَّ" و"عارَّ"، فيلتبس بـ"فاعَلَ". وذلك أنك كنت تنقل الفتحة من الياء والواو إلى الساكن قبلهما، وتحذف ألف الوصل لزوال الساكن، وتقلب الواو والياء ألفًا، لتحرُّكهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما في اللفظ.

وكذلك لو أَعللَت "ابياضَّ" واعوارَّ" لَلِزمك أن تقول "باضَّ" و"عارَّ" فيلتبس بـ"فاعَلَ". وذلك أنك إذا فعلت بهما3 ما فعلتَ بـ"افعَلَّ" التقى ساكنان: ألف "افعالَّ" والألفُ المبدلة، فتحذف إحداهما، فيصير اللفظ "باضَّ" و"عارَّ".

وممّا يوجب أيضًا تصحيحَ "افعلَّ" و"افعالَّ" أنَّ المزيد إنَّما اعتلَّ بالحمل على غير المزيد، [وغيرُ المزيد] 4 ممّا هو في معنى "افعَلَّ" و"افعالَّ" لا يعتلُّ5 نحو: عَوِرَ وصَيِدَ. فليس لـ"افعَلَّ" و"افعالَّ" ما يُحملان عليه في الإعلال.

فإن كان الاسم على أزيدَ من ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون موافقًا للفعل في وزنه، أو لا يكون. فإن كان موافقًا للفعل في وزنه6 -وأعني بذلك أن يكون عدد حروفه موافقًا لعدد حروف الفعل، وحركاتُه كحركاته وسكناتُه كسكناته– فلا يخلو من أن يكون موافقًا للفعل في جنس الزيادة فلا7 يخلو من أن يكون إعلاله إعلالَ الفعل مصيِّرًا له على لفظ الفعل، أو لا يكون.

فإن لم يكن مصيِّرًا له على لفظه أعللته لأمن اللَّبس. وذلك نحو أن تبني من القول اسمًا على "يُفْعُلٍ" بضمِّ الياء والعين، فإنك تقول "يُقْوُلٌ". وكذلك إن بنيته من البيع قلتَ "يُبِيْعٌ". والأصل "يُبْيُعٌ"، فنقلت الضَّمَّة من الياء إلى الباء، فصارت الياء ساكنة بعد ضمَّةٍ، فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، كما فعلوا في بِيْض ومَبِيع، في مذهب8 [سيبويه في إعلالهما. هذا مذهب جماعة

1 المنصف 1: 304-305.

2 م: أو.

3 م: به.

4 من م.

5 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: "قد نبهنا على هذا قبل، فانظره". يريد أن ابن عصفور حمل ههنا المزيد على غير المزيد في الاعتلال، مع أنه كان قد حمل من قبلُ غير المزيد على المزيد في ذلك. انظر ص305 و307 و362.

6 سقط "أو لا يكون

في وزنه" من م.

7 سقط من النسختين إلى قوله "لم يعلَّ لئلَّا يلتبس"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

8 انظر الكتاب 2: 365-366.

ص: 312

النحويِّينَ

لكونه] 1 ليس مبنيًّا على فعل. والصحيح ما ذهب إليه من أنك تُعلُّ، لموافقته "يُفعلُ" في الوزن، وإن لم يكن مبنيًّا على الفعل. وسيقام الدليل على صحَّة ذلك، فيما زيادته مخالفة لزيادة الفعل.

وإن كان الإعلال مصيِّرًا له على لفظ الفعل لم يُعلَّ، لئلَّا يلتبس الاسم بالفعل. وذلك نحو قولك:2 هذا أطوَلُ منك؛ ألا ترى أنك لو أعللتَ فقلت "أطالَ" لالتبس بلفظ الفعل؟ وكذلك3 لو بَنَيتَ مثل "يَفْعَلٍ"4 و"تَفعَلٍ"، من القول والبيع، لقلت "يَقْوَلٌ"5 و"يَبْيَعٌ"6، و"تَقْوَلٌ" و"تَبْيَعٌ". وكذلك أيضًا لو ألحقتَ التاء لم تَعتدَّ بها، وصَحَّحتَ الاسم، فكنت تقول "يَقْوَلةٌ"7 و"يَبْيَعةٌ"8، و"تَقْوَلَةٌ" و"تَبْيَعةٌ".

أو9 أَلِفَيِ التأنيث أو الألف والنون الزائدتين المشبهتين لهما أو ياءي النسب أو علامة التثنية [والجمع السالم]، لم تعتدَّ بهما وصححت الاسم. قالوا: تَدوِرةٌ، في اسم مكان. وقالوا أخيَليٌّ، في النسب إلى أخيل، وأبيضِيٌّ، ويومٌ أروَنانٌ وهَيّنٌ وأهوِناءُ. وقالوا في اسم موضع:[أبْيَنُ، وفي جمع بَيِّن] : أبْيِناءُ. وقال بعضهم أبِيْناءُ، فأعلّ وهو شاذٌّ، ووجهه أنه أعلّه لكونه على وزن الفعل، واعتدَّ بأَلِفَي التأنيث في رفع العلَّة الموجبة للتصحيح قبل لحاقها. وهو خوف اللبس بالفعل؛ ألا ترى أنه لا يمكن التباسه بالفعل بعد لحاقهما؟

وكذلك حكم ما لفظه لفظ الفعل10، وزيادتُه كزيادة الفعل. قال الشاعر11:

جاءُوا بِتَدْوِرةٍ، يُضيءُ وُجُوهَنا

دَسَمُ السَّلِيطِ، علَى فَتِيلِ ذُبالِ

فأمَّا12 "يَزِيدُ" اسمَ رجلٍ فإنَّما اعتلَّ من قِبَل أنه كان فِعلًا لَزِمَه الإعلال، ثمَّ نُقِلَ من الفعل فسُمِّي به. فهو في المعتلِّ نظيرُ "يَشكُرَ" في الصحيح. وكذلك "تَزِيدُ" بالتاء.

1 ما بين معقوفين مخروم تتعذر قراءته.

2 م: قوله.

3 الكتاب 2: 365. وانظر المنصف 1: 322.

4 الكتاب: تُفعل.

5 الكتاب: تُقول.

6 الكتاب: تُبيع.

7 الكتاب: تَقوِلة.

8 الكتاب: تَبيِعة.

9 العطف على "التاء". وسقطت الفقرة من النسختين وألحقها أبو حيان بحاشية ف.

10 المنصف 1: 324-325. وفي النسختين: "ما هو على وزن الفعل". والتصويب من حاشية ف.

11 ابن مقبل. ديوانه ص257 والكتاب 2: 365 والمنصف 1: 324 واللسان "دور" و"ذبل". والتدورة: مكان مستدير تحيط به جبال. والسليط: الزيت.

12 من المنصف 1: 279 حتى قوله "في الصحيح".

ص: 313

قال أبو ذؤيب1:

يَعثُرْنَ في حَدِّ الظُّباتِ، كأنَّما

كُسِيَتْ بُرُودَ بَنِي تَزِيدَ الأذرُعُ

وإن كان مخالفًا له في جنس الزيادة فإنه يُعَلُّ إعلال الفعل الذي يكون على وَفقه، في الحركات وعدد الحروف؛ لأنه قد أُمن التباسه بالفعل. فتقول في "مَفْعَلٍ" من القول والقيام: مَقالٌ ومَقامٌ. والأصل "مَقْوَلٌ" و"مَقْوَمٌ"، فأعللتَهما كما أَعللت "يَخافُ". وكذلك "مَفْعِلَةٌ"2 من البَيع تقول فيها: مَبِيْعةٌ3. فتنقل الكسرة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، كما فعلتَ ذلك في نظيره من الفعل وهو "يَبِيعُ".

وكذلك تقول في "مَفْعُلَةٍ" من البيع، على مذهب سيبويه4؛ لأنك إذا نقلت الضَّمَّة من الياء5 إلى الساكن قبلها جاءت الياء ساكنة بعد ضمَّةٍ قريبةٍ من الطرف. فعلى مذهب سيبويه تُقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، وعلى مذهب الأخفش تُقلب الياء واوًا؛ لأنه مفرد. ولا تُقلب الضَّمَّة عنده كسرة لتصحَّ الياء، إِلَّا في الجمع. فتقول على مذهبه: مَبُوعةٌ. وتقول في "مَفْعُلَةٍ" من القول: مَقُولةٌ، فتُعِلُّها كما تُعِلُّ "يَقُولُ".

وكذلك تفعل بما خالفت زيادتُه زيادةَ الفعل، أو كان6 فيه ما يقوم مقام الانفراد بالزيادة، نحو بنائك من القول والبيع مثل تِحْلِئ7، إِلَّا "مِفْعَلًا"8 فإنك لا تُعلُّه. وذلك نحو: مِقْوَل ومِتْيَح9. وذلك لأنه مقصورٌ من "مِفْعالٍ". فلم يَعَلَّ كما لا يُعَلُّ "مِفْعالٌ" نحو: مِقْوال، كما لم يُعَلَّ "عَوِرَ" لأنَّه في معنى "اعوَرَّ".وممّا يُبيِّن أنَّ "مِفْعَلًا" يمكن أن يكون مقصورًا من "مِفْعال" كونُهما في معنًى واحد من المبالغة -تقول: رَجلٌ مِطْعَنٌ ومِطعانٌ، إذا وصفته بكثرة الطعن- وكونُهما قد يتعاقبان على معنًى واحد نحو: مِفتَح ومِفتاح.

وقد شذَّتْ [46أ] ألفاظ فجاءت مصحَّحة، وبابُها أن تعتلَّ10 وهي: مَزْيَدٌ ومَرْيَمُ ومَكْوَزةُ ومَقْوَدةٌ. وحكى أبو زيد: وقَعَ الصَّيدُ في مَصْيَدَتِنا، وشَرابٌ مَبْوَلةٌ، وهي مَطْيَبةٌ للنفس. وقرأ بعض

1 من مفضليته المشهورة. المنصف1: 279 وديوان الهذليين 1: 10 وتزيد هو ابن حلوان بن عمران وكان تاجرًا يبيع البرود بمكة. يصف أبو ذؤيب أتنًا صبغتها طرائق الدماء.

2 المنصف 1: 324.

3 م: مبْيعة.

4 الكتاب 2: 346.

5 م: الواو.

6 سقط حتى قوله "تحلئ" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

7 التحلئ: القشرة على وجه الجلد.

8 المنصف 1: 323.

9 المتيح: من يتعرض لما لا يعنيه.

10 المنصف 1: 296-297. م: تعلّ.

ص: 314

القُرَّاءِ1: "لَمَثْوَبةٌ مِن عِندِ اللهِ خَيرٌ".

وذهب أبو العبَّاس2 إلى أنَّ نحو: مَقام ومَباع، إنَّما اعتلَّ لأنه مصدرٌ للفعل أو اسم مكان، لا لأنه على وزن الفعل. وجعل "مَزْيَد" و"مَرْيَم" و"مَكْوَزة" على القياس؛ لأنها ليس لها أفعالٌ فتُحملَ في الإعلال عليها، إنَّما هي أسماءٌ أعلامٌ.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنَّه إن زعم أنه3 لا يُعَلُّ إِلَّا أسماء المصادر، وأسماء الأزمنة والأمكنة، فقد أعلَّت العرب "مَعِيْشة" وهو اسم ما يعاش به، وليس باسم مصدر، ولا زمان ولا مكان. وكذلك "المَثُوبة" وهو اسم ما يُثاب به من خير أو شرٍّ، وإن زعم أنَّ الذي يُعَلُّ ما هو جارٍ على الفعل -أعني مشتقًّا منه4 بقياس مطَّرد- فباطلٌ؛ لأنهم قد أعلُّوا مثل "مَعِيْشة"5، وليس "مَفِعْلةٌ" ممّا عينه ياء ممّا يُقال باطِّراد. وإن زَعَم أنَّ الذي يُعَلُّ ما هو بالجملة مأخوذ من الفعل فهذه الأسماء، وإن كانت أعلامًا، فإنها منقولة في الأصل ممّا أُخِذ من الفعل. فمَزْيَدٌ في الأصل مصدَرٌ قد شُذَّ في تصحيحه، وحينئذ سُمِّي به. وكذلك مَرْيَمُ ومَكْوَزةُ.

هذا هو المذهب الصحيح في الأعلام، أعني أنها كلَّّها منقولة، سواء عُلِم لها أصلٌ نُقِلت منه أو لم يُعلم؛ لأنَّ الأسماء الأعلام كلَّها يُحفظ لها في النكرات أصولٌ نُقِلت منها، وما لا يُحفظ له أصلٌ منها يُحمل على الأكثر فيُقضى بأنَّ له أصلًا، وإن لم يحفظ. قال أبو عليٍّ: وممّا يُبيِّن أنَّ الإعلال قد يكون في الاسم، بمجرَّد كونه على وزن الفعل، إعلالُهم نحو باب ودار، ولا مناسبة بينه وبين الفعل أكثرَ من الوزن. فإذا تَبيَّن أنَّ الوزن موجِب للإعلال وجب أن يُحملَ مَزْيَدٌ وأخواته على الشذوذ، لكونها لم تَعتلَّ، وهي على وزن الفعل.

فإن6 قال قائل: لعلَّ إعلال دار وأمثاله ليس بالحمل على الفعل، بل الموجب له في الموضعين استثقال حرف العلة مع المثلين -أعني الفتحتين- وليس كذلك في مقام وأمثاله؛ لأنَّ حرف العلَّة إذا سكن ما قبله في الاسم حكمه أن يصحَّح نحو: عِثْيَر وحِذْيَم. فقد كان الواجب على هذا تصحيح مَقام وأمثاله، لولا حمله على أقامَ. فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على إعلال دار وأمثاله بالحمل على الفعل شيئان: أحدهما أنَّ الثلاثيَّ المجرَّد من الزيادة إذا لم يكن على وزن الفعل لا يُعلُّ باتفاق. وأبو العبَّاس ممن يوافق على ذلك، نحو: حِوَل وبِيَع

1 الآية 103 من سورة البقرة. وهذه قراءة قتادة. انظر التبيان1: 386.

2 انظر المقتضب 1: 107-112.

3 سقط من النسختين حتى قوله "أو شرّ وإن زعم". وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

4 أي: من مصدره.

5 م: مَعْيِشة.

6 سقطت الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف.

ص: 315

وصُوَر. وكذلك لو بنيتَ من القول مثل إبِل لقلتَ: قِوِلٌ، فصحَّحتَ. فلمَّا وجدناهم يعلُّونه إذا كان على وزن الفعل، ويمتنعون من إعلاله إذا لم يكن على وزنه، دلَّ ذلك على أنَّ إعلاله بالحمل عليه. والآخر تصحيحهم مثل: صَوَرَى وحَيَدَى وأشباههما، بزوال الشبه الذي بين الاسم والفعل، لمَّا لحقت ألف التأنيث الخاصَّة بالأسماء.

وإن كان الاسم على غير وزن الفعل فلا يخلو من أن يكون جاريًا على الفعل، أو لا يكون، ونعني بالجاري: ما يكون للفعل من الأسماء باطِّراد. فإن كان جاريًا أُعلَّ بالحمل على الفعل. وذلك نحو "إِفعال"1 مصدر "أُفْعَلَ"، و"استِفعال"2 مصدر "استَفْعَلَ". فإنك تنقل الفتحة من العين إلى الفاء الساكنة قبلُ، ثمَّ تَقلب3 حرف العلَّة، لتحرُّكه في الأصل وانفتاح ما قبله في اللفظ، فيلتقي ألفان: الأف المبدلة من حرف العلَّة والألف الزائدة قبل الآخر، فتحذف الواحدة لالتقاء الساكنين. فمذهب الخليل وسيبويه أنَّ المحذوفة الزائدة، ومذهب الأخفش أنَّ المحذوفة الأصليَّة4. وقد تَقَدَّمَ:5 أيُّ المذهبين أحسنُ في مسألة "مَفْعول" ممّا عينه حرف علَّة، إذ الأمر فيهما واحد.

فإذا حُذفتْ عُوِّض منها تاء التأنيث، إذ كانت التاء ممَّا يُعوَّض من المحذوف نحو: زنادقة، وكانت أيضًا ممَّا لا يمتنع منها6 المصادر إذا أردت المرَّة الواحدة، نحو "ضَرْبة" لفظه لفظ الضرب وزيادته كزيادة الفعل. وذلك [نحو] 7: إقامة مصدر "أَقامَ"، واستِقامة مصدر "استَقامَ".

وكذلك "انفِعالٌ" مصدر "انفَعَلَ"8 المعتلِّ العين، إن كان من ذوات الواو قُلِبت الواو ياء، وذلك نحو: انقِياد مصدر "انقادَ". أصله "انقِواد"، فجعلت "قِواد" من "انقِواد" بمنزلة قِيام، فقَلبت الواو ياء كما فعلتَ ذلك في قِيام. وسيُبيَّنُ لِمَ قُلبتِ الواو ياء في "قيام" وأمثاله9.

1 المنصف 1: 291-292.

2 م: استفعل.

3 وقيل: إنه يحذف أحد الساكنين دون قلب حرف العلة.

4 المنصف 1: 291-292.

5 في الورقتين 42 و43.

6 كذا، على تأنيث الضمير العائد إلى "ما". وسقط "إذا كانت.. كزيادة الفعل" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

7 من م.

8 م: الفعل.

9 في الورقة 46 ب.

ص: 316

فإن كانت هذه المصادر لفعل لم تَعتلَّ عينه صحَّت كما يصحُّ فعلها. وذلك نحو: استِحْواذ وإغيال مصدر: استحْوَذَ وأَغيَلَتْ.

وإن كان غيرَ جار فلا يخلو من أن يسكن ما قبل حرف العلَّة، أو ما بعده، أو ما قبله وما بعده، أو يتحرَّكَ ما قبله وما بعده.

فإن تحرَّك ما قبله وما بعده فلا يخلو من أن تكون العين ياءً ساكنة وقبلها ضمَّة أو واوًا ساكنة وقبلها كسرة، أو لا تكون. فإن لم تكن كذلك صحَّت، وذلك نحو: صَوَرَى1 وحَيَدان2 ومَيَلان3. وذلك أنَّ ألف التأنيث لمَّا لَحِقَت "صَوَرَ"، والألف والنون لمَّا لَحِقَتا "حَيَدَ و"مَيَلَ" -وهي من خواصِّ الأسماء- أزالَتِ الشَّبَهَ الذي بين هذه الأسماء في الوزن وبين الفعل، فلم تعتلَّ4.

إِلَّا ألفاظ شذَّت تُحفَظ، ولا يقاس عليها. وهي: دارانُ5 وهامانُ6 وحادانُ7. وذلك أنهم شَبَّهوا في هذه الأسماء الألفَ والنون بتاء التأنيث8. فكما أنَّ تاء التأنيث لا تَمنع الإعلال في مثل: دارة ولابة وقارة، فكذلك الأف والنون. ووجهُ الشَّبه بينهما أنك تحذفهما في الترخيم كما تحذف التاء. وكذلك أيضًا تُحقِّر الاسم ولا تَعتدُّ بالألف والنون، كما تفعل بالاسم الذي فيه تاء التأنيث [46ب] .

فإن قيل: وما الدليل على أنَّ دارانَ وهامانَ وحادانَ: "فَعَلان"؟ وهلَّا جعلتها9 "فاعلًا" نحو: ساباط. فالجواب أنَّ حمله على "فَعَلان" أولى، لكثرته وقلَّة "فاعال". وأيضًا فإِن مَنْعَ صرفها يدلُّ على أنها "فَعَلان".

فإن10 كانت الواو ساكنة بعد كسرة فإنها تقلب ياء نحو: ثِيران جمع ثَور. أصله "ثِوْران" فقلبت الواو ياء. وإن كانت الياء ساكنة بعد ضمَّة فإنها تقلب واوًا، وإن كانت بعيدة من الطرف.

1 م: "فإن تحرك ما قبله وما بعده صح وذلك نحو صورى". وصورى: اسم موضع.

2 الحيدان: مصدر حاد عن الشيء إذا عدل عنه. م: جيدان.

3 الميلان: مصدر مال يميل.

4 شرح الشافية 3: 105-106.

5 داران: اسم علم من دار يدور.

6 هامان: اسم علم من هام يهيم. وفي النسختين والمبدع: ماهان.

7 حادان: اسم علم من حاد يحيد. م: "جاذان". وفي شرح الشافية: حالان من حال يحول.

8 هذا هو مذهب المبرد. شرح الشافية 3: 106.

9 م: جعلتهما.

10 سقط من م حتى قوله: "فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصح الياء".

ص: 317

نحو: عُوْطَط1. أصله "عُيْطَط"؛ لأنهم يقولون: عاطَ يَعِيطُ وعَيَّطتُه، فقلبت الياء واوًا. إِلَّا "فُعْلَى" ممَّا عينه ياء فإنه لا يخلو أن يكون اسمًا أو صفة. فإن كان اسمًا قلبت الياء واوًا نحو: طُوبَى وكُوهَى2، على القياس؛ لأنها بعيدة من الطرف.

وإن كانت صفة قلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء قالوا: قِسمةٌ ضِيزَى3. وأصله "ضُيْزَى"، على وزن "فُعْلَى" بضمِّ الفاء، والدليل على ذلك أنه لا يحفظ في الصفات "فِعْلَى" بكسر الفاء، بل بضمِّها نحو: حُبلَى. وإنَّما قُلبت الضَّمَّة كسرة؛ لأنهم لم يعتدُّوا بألف التأنيث، فجرت لذلك مُجرى القريبة من الطرف، واعتدُّوا بها في الاسم كما اعتدُّوا بها في: صَوَرَى وحَيَدَى، فلم ينقلب حرف العلَّة ألفًا، وكأنَّ الذي سنَّ ذلك فيهما كون الصفة أثقلَ من الاسم، إذ الصفة من العلل الموانع للصرف، فهي أدعى للتخفيف، والياء أخفُّ من الواو، فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء.

فإن سَكنَ ما قبله أو ما بعده، أو ما قبله وما بعده، صَحَّ4 إِلَّا ما يُستثنى بعدُ. وذلك نحو: خِوان5 وصِوان6 وقَوام وحُوَّل7 ومِقْوال ومِشْوار8 والتَّجْوال وأَقوال وأَدواء. وكذلك أَهْوِناءُ9، إنَّما صحَّ لسكون ما قبله، لا لأنَّ زيادته كزيادة الفعل؛ لأنَّ ألف التأنيث أزالت عنه الالتباس الذي كان يكون فيه بالفعل، لو أُعلَّ قبل لحاقها.

وإنَّما صحَّت العين في مثل هذه الأسماء؛ لأنها لو قُلبتْ ألفًا لالتقى ساكنان، فتحذف الألف، فكان ذلك تغييرًا كثيرًا10، وكان مؤدِّيًا في بعض المواضع11 إلى الإلباس؛ ألا ترى أنَّك لو أَعللتَ قَوُولًا فقلبت واوه ألفًا ثمَّ حذفتها لصار اللفظ قَوْلًا على وزن "فَعْل"، ولم يُعلَم: هل هو "فَعُول" في الأصل؟ وأيضًا فإنه ليس لها ما يُوجب إعلالها، إذ ليست على وزن الفعل ولا جاريةً عليه.

1 العوطط: الناقة التي لم تحمل سنين من غير عقم. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "في تحقير عوطط: عُيَيْطِط. لا تقرّ الواو، والواو مبدلة من ياء. من المحتسب".

2: الكوهى: طائر.

3 الضيزى: الجائرة. وانظر الآية 22 من سورة النجم.

4 المنصف 1: 314-315.

5 م: "حوار". والحوار: ولد الناقة.

6 م: "صوار" والصوار: القطيع من البقر.

7 الحول: ذو الحيلة والتجربة.

8 المشوار: المحجن يجذب به العسل.

9 في حاشية ف بخط أبي حيان: أهوناء: جمع هيّن". وفيها بخطه أيضًا نقلًا عن خط ابن عصفور: فأمَّا أهوناء فإنما صحَّ لأنَّ زيادته كزيادة الفعل، لا لسكون ما قبله؛ لأنَّ أَلِفَي التأنيث لا يعتدّ بهما ولذلك صحت العين.

10 م: ذاك كثيرًا.

11 م: في بعض هذه الأسماء.

ص: 318

وقد أُعلَّ من هذا الفصل أشياءُ1 لأسباب أَوجبتْ ذلك فيها، وأنا أذكرها لك، إن شاء الله.

فمن ذلك "فِعالٌ"2 إذا كان مصدرًا لفعل معتلِّ العين بالواو، أو جمعًا لمفرد عينُه واوٌ، وقد سَكَنَتْ الواو في مفرده، أو اعتلَّت بقلبها ألفًا، فإنك تقلب الواو ياءً. وذلك نحو: قامَ قِيامًا وسَوط وسِياط ودار ودِيار. والأصل "قِوامٌ" و"سِواطٌ" و"دِوارٌ":

فقُلبت الواو في "قِوام" ياءً، لانكسار ما قبلها، مع الحمل على الفعل في الاعتلال، مع أنَّ الواو بعدها ألفٌ وهي قريبة الشَّبه من الياء. فلمَّا اجتمعت هذه الأسباب خُفِّف اللفظ بقلب الواو ياء. ولو نقص شيء من هذه الأسباب لم تُقلب الواو ألفًا؛ ألا ترى أنَّ لِواذًا3 صحَّت واوه لصحَّتها في "لاوَذَ"، وحِوَل4 صَحَّت واوه لكونها ليس بعدها ألف، والقَوام صحَّت واوه؛ لأنها ليس قبلها كسرة؟

وقُلبت الواو في سِياط ودِيار لانكسار ما قبلها، وكونِ الألف بعدها وهي تشبه الياء، وكون الواو قد توهَّنتْ في مفرد سِياط بالسكون، وفي مفرد دِيار بقلبها ألفًا، وكون الكلمة جمعًا والجمعُ ثقيل. ولو نقص شيء من هذه الأسباب لم تُقلب الواو ياء؛ ألا ترى أنَّ زِوَجة 5: صحَّت واوه؛ لأنها ليس بعدها ألف، وطِوال صَحَّت واوه؛ لأنها متحرِّكة في المفرد، وجَوارِب6 جَمع جَوربٍ صَحَّت واوه؛ لأنها ليس قبلها كسرة؟

وزاد أبو الفتح في الشروط ألَّا تكون العين في المفرد مُضعَّفة. فإن كانت مضاعفة لم تنقلب الواو في الجمع ياء نحو: رِواء في جمع رَيَّانَ. وإنَّما 7 صَحَّت لاعتلال اللام بانقلابها همزة، فكرهو إعلالها، لِما يلزم عن ذلك من توالي إعلالين. ويجوز عندي أن يكون رِواءٌ جمعَ رَوِيٍّ لا جمع رَيَّانَ، فتكون صِحَّة الواو في الجمع لمِا ذكرناه8، ولتحرُّكها في المفرد.

وقد قُلبت الواو في جمع طَويل، فقالوا: طِيالٌ. وذلك في الشعر ولا يُقاس عليه. قال الشاعر9:

1 في حاشية ف: جملتها أربعة: فِعال كقيام، وفُعّل كصُيّم، وفيعِل كسيِّد، وفيعلولة ككيّنونة.

2 المنصف 1: 341-343.

3 اللواذ: مصدر لاوَذته.

4 الحول: التحول.

5 الزوجة: جمع زوج.

6 م: جوارية.

7 سقط من النسختين حتى قوله "توالى إعلالين"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

8 سقط من النسختين "لما ذكرناه"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

9 أنيف بن زبان النبهاني. المنصف 1: 342 والكامل 82 و865 وعيون الأخبار 4: 54 والمحتسب 1: 184 وشرح شواهد الشافية ص385-387 والعيني 4: 588 والمفصل 2: 275 وشرحه 88:10 واللسان والتاج "طول" ومجالس ثعلب ص412 والحماسة البصرية 1: 35. وانظر شرح الحماسة للمرزوقي ص169 وللتبريزي 1: 166. والقماءة: صغر الجسم.

ص: 319

تَبَيَّنَ لِي أنَّ القَماءَةَ ذِلَّةٌ

وأنَّ أَشدَّاءَ الرِّجالِ طِيالُها

ومن ذلك "فُعَّلٌ"1 إذا كان جمعًا، ولم يكن معتلَّ اللام، فإنه يجوز قلب الواو الأخيرة ياء، ثمَّ تُقلب [47أ] الواو الأولى ياء، وتدغم الياء في الياء حملًا للعين على اللام. وذلك نحو: صائم وصُيَّم وصُوَّم، وجائع وجُيَّع وجُوَّع. قال الشاعر2:

ومُغَرَّضٍ، تَغلي المَراجلُ تَحتَهُ،

عَجَّلتُ طَبختَهُ، لرَهطٍ جُيَّعِ

يريد "جُوَّعًا". والوجه ألَّا تُقلب.

وذلك أنك كنت تقول في جمع عات: عُتِيّ، فتقلب في الجمع لا غير، للعلَّة التي تذكر في موضعها3. فلمَّا كانت قريبة من الطرف شُبِّهت باللام. ولك أيضًا أن تقلب الضَّمَّة كسرة، إذا قلبت الواو ياء، فتقول: صِيَّمٌ، كما فعلتَ ذلك في عُصِيٍّ4. ولا يلزم ذلك5، كما لَزمَ في عُصِيٍّ لبعد العين6 من الطَّرف.

فإن كان مفردًا7 لم يجز القلب. وذلك نحو قولك: رجلٌ حُوَّلٌ. وإنَّما لم يجز القلب؛ لأنَّ الوجه فيما اعتلَّت لامه فكانت واوًا أن تثبت في المفرد، نحو قولك: عَتا يَعتُو عُتُوًّا. قال تعالى: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} 8. وإذا كان الوجه في اللام، أن تثبت لم يجز في العين إِلَّا الثبات؛ لأنَّ العين أقوى من اللام. وكذلك أيضًا لا يجوز قلب الواو الواقعة عنها في الجمع، إذا كانت اللام معتلَّة، كراهيةَ توالي الإعلال من جهة واحدة. وذلك نحو: شاوٍ وشُوًّى.

فأمَّا "فُعَّالٌ"9، نحو: صُوَّام، فلا تُقلبُ الواو فيه ياء لبعدها من الطَّرف. وقد جاء حرفان شاذَّان وهما10 قولُهم: فلان في صُيَّابةِ قومِه، يريدون "صُوَّابة"، أي: صَميمهم وخالصهم. وهو من: صابَ يَصُوبُ، إِذا نَزَل. كأنَّ عِرقَهُ فيهم قد شاع وتمكَّن، وقولُهم11: نُيَّام، بمعنى نُوَّام

1 المنصف 2: 1-4.

2 الحادرة من مفضلية له. ديوانه ص 317 وشرح اختيارات المفضل ص228 والمنصف 2: 3. والمغرض: اللحم الطريّ، والرهط: الجماعة.

3 في الورقة 52.

4 فوقها في ف: "عتيّ". وهو ما مثَّل به ابن جني في المنصف.

5 أي: قلب الواوين والإدغام.

6 في النسختين: الفاء.

7 سقط من النسختين حتى قوله: "إذا كانت اللام معتلَّة"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف واستبدل به فيهما: فإن كان معتل اللام لم يجز قلب الواو ياء.

8 الآية 21 من سورة الفرقان. ف: كثيرًا.

9 المنصف 2: 4-5.

10 م: "وقد جاء حرف واحد شاذ وهو". وكذلك في المنصف.

11 سقط من م: "وقولهم نيام

" مع ما أنشده ابن الأعرابي. وكذلك في بعض نسخ المنصف.

ص: 320

جمع نائم. أنشد ابن الأعرابيِّ1:

ألَا طَرَقَتْنا مَيَّةُ بنةُ مُنذِرٍ

فما أرَّقَ النُّيَّامَ إِلَّا سَلامُها

ومن ذلك "فَيْعِل"، نحو: سَيِّد ومَيِّت ولَيِّن. فإنَّه إن كان من ذوات الياء أُدغمت الياء في الياء من غير تغيير. وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياءً وأُدغمت الياء في الياء. فمن ذوات الياء: لَيِّنٌ، ومن ذوات الواو: سَيِّدٌ ومَيِّتٌ. وإن شئت حذفت الياء المتحرِّكة تخفيفًا فقلت: سَيْدٌ ومَيْتٌ ولَيْنٌ، لاستثقال ياءين وكسرة.

والفارسيُّ لا يرى التخفيف في ذوات الياء2 قياسًا، فلا تقول في بَيِّنٍ:"بَيْنٌ"، قياسًا على لَيْنٍ، ويقيس ذلك في ذوات الواو. وحجَّته أنَّ ذوات الواو قد كانت الواو فيها قد قلبت ياء فخُفِّفت بحذف إحدى الياءين منها؛ لأنَّ التغيير يأنَس بالتغيير؛ ألا ترى أنهم يقولون في النسب إلى "فَعِيل":"فَعِيلىّ" فلا يحذفون الياء، ويقولون في النسب إلى "فَعِيلة":"فَعَلِيّ" فيحذفون الياء، لحذفهم3 التاء.

وزعم البغداذيون4 أنَّ سَيِّدًا ومَيِّتًا وأمثالهما في الأصل على وزن "فَيْعَلٍ" بفتح العين، والأصل "سَيَّدٌ و"مَيَّتٌ"، ثمَّ غُيِّرَ على غير قياس، كما قالوا في النَّسبِ إلى بَصرة: "بِصرِيّ"، فكسروا الباء. والذي حملهم على ذلك أنه لم يوجد "فَيْعِلٌ" في الصحيح مكسورَ العين، بل يكون مفتوحَها5، نحو: صَيرَف وصَيقَل.

وهذا الذي ذهبوا إليه فاسدٌ؛ لأنه لا ينبغي أن يُحمل على الشذوذ ما أمكن. وأيضًا فإنه لو كان كتغيير "بِصريّ" لم يطَّرد. فاطِّرادُه6، في مثل سَيِّد ومَيِّت ولَيِّن وهَيِّن وبَيِّن، دليلٌ على بطلان ما ذهبوا إليه. فأمَّا مجيئُه على "فيعِلٍ" مع أنَّ الصحيح لم يجئ على ذلك فليس بموجبٍ لادِّعاءِ7 أنه في الأصل مفتوحُ العين؛ لأنَّ المعتلَّ قد ينفرد في كلامهم ببناء لا يوجد في الصحيح8.

1 لذي الرمة. ديوانه ص38 والمنصف 2: 5 وشرح الشافية 3: 43 و173 وشرح شواهده ص381-383 وشرح المفصل 10: 93 والعيني 4: 578. ونسبه الأخير إلى أبي عمر الكلابي. وطرقت: جاءت ليلًا.

2 كذا. وانظر التكملة للفارسي ص260. ف: الياء المتحرِّكة.

3 ف: بحذفهم.

4 المنصف 2: 16.

5 ف: مفتوحًا.

6 م: لم يطرد باطراده.

7 م: الادعاء.

8 الكتاب 2: 371 والمنصف 3: 16-17.

ص: 321

وذلك نحو قَرْية قالوا في جمعه: قُرًى، ولا يُجمع "فَعْلٌ" من الصحيح على "فُعَلٍ" بضمِّ الفاء1 أصلًا. وكذلك قاضٍ وغازٍ قالوا في جمعهما: قُضاةٌ وغُزاةٌ، فجمعوهما على "فُعَلَة" بضمِّ الفاء، ولا يجمع الصحيح اللام2 إِلَّا بفتح الفاء، نحو: ظالم وظَلَمة وكافِرٍ وكَفَرة.

فإن قيل: إنَّ قُضاة على ما ذهب إليه الفرَّاءُ3، من أنها "قُضًّى" في الأصل نحو: ضارِب وضُرَّب، ثمَّ أَبدلوا من أحد المضعّفين ألفًا4 فقالوا "قُضاا"5، فالتقى ألفان: الألف التي هي لام، والألف المبدلة من أحد المضعّفين، فحذفوا إحداهما ثمَّ أبدلوا منها التاء. فالجواب أن يقال: إنَّ6 إبدال الألف من أحد7 المضعّفين ليس بقياس. واطِّراد قُضاة وغُزاة ورُماة يدلُّ على بُطلان ما ذهب إليه، إذ لو كان كما ذهب إليه لم يطَّرد.

وذهب الفرَّاء8 إلى أنَّ الأصل في سَيِّد: "سَوِيْدٌ" على وزن "فَعِيْل"، ثمَّ قُلِب فأُدغم9. وكذلك ما كان نحوه. وحَمَلَه على ذلك عدمُ "فَيْعِلٍ" بكسر العين في الصحيح.

وهذا الذي ذهب إليه فاسدٌ؛ لأنَّ القلب ليس بقياس، وأيضًا فإنه لم يجئ على الأصل في موضع. ولو كان الأمر كما ذكر لسُمعَ "سَوِيدٌ" و"مَوِيتٌ". وأيضًا فإنَّ "فَعِيلًا" لا يحفظ ممّا عينه ياء ولامه حرفُ صحَّة؛ ليس في كلام العرب مثل "كَيِيل". فإذا حَمَلَ بَيِّنًا ولَيِّنًا على أنَّ الأصل فيهما "لَيِيْنٌ" و"بَيِيْنٌ" فقد ادَّعى شيئًا لا يُحفظ في كلام العرب مثله.

وقد بيَّنَّا أنَّ المعتلَّ ينفرد بالبناء لا يكون للصحيح10، فينبغي أن يُبقَى في11 سَيِّد وبابه على الظاهر من أنَّه "فَيْعِلٌ". وأيضًا فإنَّ الفرَّاء والغداذيِّين إنَّما رامُوا أن يجعلوا المعتلَّ على قياس [47ب] الصحيح، ولا يُفردَ المعتلُّ بما لا يكون في الصحيح، ثمَّ حَملواه على ما لم يثبت في الصحيح؛ ألا ترى أنَّ "فَيْعَلًا" في الصحيح لا تُكسر عينه، وكذلك [عين] 12 "فَعِيلٍ" في

1 سقط "بضم الفاء" من م.

2 في النسختين: العين.

3 شرح الشافية 3: 154.

4 م: أبدلوا ألفًا من إحدى المضعّفين.

5 م: قضا.

6 سقط "يقال إن" من م.

7 م: من إحدى.

8 شرح الشافية 3: 154.

9 سقط من م. والمراد بالقلب هنا تقديم الياء على الواو.

10 انظر ص321.

11 م: مثل.

12 تتمة يقتضيها السياق.

ص: 322

الصحيح لا تقلبُ. فدلَّ ذلك على فسادِ مذهبهم.

ومن ذلك "فَيْعَلُولةٌ"1 فإنه إن كان من ذوات الياء أُدغمت الياء في الياء، ثمَّ حُذفت الياء المتحرِّكة، استثقالًا للياءين مع طول البناء. وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياء، ثمَّ أُدغمت الياء في الياء، ثمَّ حُذفت الياء المتحرِّكة. وإنَّما التُزم في "فَيعَلُولة" الحذفُ؛ لأنه قد بلغ الغاية في العدد إِلَّا حرفًا واحدًا؛ ألا ترى أنَّه على ستَّة أحرفٍ2، وغايةُ الأسماء أن تنتهي بالزيادة إلى سبعة أحرف. فلمَّا كان الحذف في "فَيْعِل" جائزًا3 لم يكن في هذا الذي قد زاد ثِقلًا، بالطول، إِلَّا الحذفُ. وذلك نحو: كَيَّنُونة وقَيَّدُودة4.

فإن قيل: وما الذي يدلُّ على [أنَّ] 5 كَيْنُونة6 وقَيْدُودة7 وأمثالهما في الأصل "فَيْعَلُولةٌ"؟ فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على ذلك شيئان: أحدهما أنهما من ذوات الواو، فلولا أنَّ الأصل ذلك لقيل "قَودُودةٌ" وكَونُونةٌ"، إذ لا مُوجِب لقلب الواو ياء. والآخر أنَّه ليس في كلام العرب "فَعْلُولةٌ"، على ما تَقَدَّمَ في الأبنية.

فإن قيل: فإنهما مصدران، وليس في المصادر ما هو على وزن "فَيْعَلُولة". فالجواب أنَّ "فَيعَلُولة" قد ثَبَتَ في غير المصادر، نحو: خَيسَفُوجة8، ولم يثبت "فَعْلُولة" في موضع من المواضع. فحملُه على ما ثَبَتَ في بعض المواضع أحسن، إن أَمكن. وإِلَّا فقد يجيء المعتلُّ على بناء لا يكون للصحيح كما قَدَّمنا9.

وزعم الفرَّاء10 أنهما في الأصل "كُونُونَةٌ" و"قُودُودةٌ"[بضمِّ الفاء] 11، وكذلك "صُيرُورةٌ" وطارَ "طُيرُورةً"، ثمَّ قُلبت الضَّمَّة فتحة في صَيرورة وطَيرورة، لتصحَّ الياء. ثمَّ حُملت ذوات الواو على ذوات الياء، ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأنَّ مجيء المصدر على "فَعْلُولة"12 أكثرُ [ما

1 المنصف 2: 9-15 وشرح الشافية 3: 154-155 وأمالي الزجاجي ص144-149.

2 وذلك دون اعتبار تاء التأنيث.

3 م: جائز.

4 سقط "وذلك نحو كينونة وقيدودة" من م.

5 سقط من النسختين وألحق بحاشية ف.

6 الكينونة: مصدر كان يكون.

7 القيدودة: مصدر قاد يقود.

8 الخيسفوجة: سكان السفينة.

9 انظر ص321.

10 المنصف 1: 12 وشرح الشافية 3: 154.

11 من م.

12 م: فُعلولة.

ص: 323

يكون] 1 في ذوات الياء2، نحو: صَيرُورة وسَيرُورة وطَيرُورة وبَينُونة.

وهذا الذي ذهب إليه فاسدٌ من جهات:

منها أنَّ ادِّعاء قلب الضَّمَّة فتحة لتصحَّ الياءُ مخالفٌ لكلام العرب. بل الذي اطَّرد في كلامهم أنه3 إذا جاءت الياء ساكنة بعد ضمَّة قُلبتْ واوًا، نحو قولهم: مُوقِنٌ وعُوطَطٌ4، وهما من اليقين والتَّعيُّط.

ومنها أنَّ الضَّمَّة إذا قُلبتْ لتصحَّ الياء فإنَّما تُقلب كسرة، كما فعلوا في بِيضٍ، لا فتحةً. فإن قيل5: لم يقلبوها كسرة، استثقالًا للخُروج من كسر إلى ضَمٍّ. فالجواب أنَّ الكسر إذا كان عارضًا فلا يكرهون الخروج منه إلى ضمٍّ، نحو: بِيُوت وشِيُوخ.

ومنها أنَّ حمله ذواتِ الواو على ذوات الياء ليس بقياس مطَّرد. أعني أنَّه إذا كثُر أمر ما في ذوات الياء، ثمَّ جاء منه في ذوات الواو شيء، لم يُوجِبْ ذلك حملَ ذوات الواو على الياء، وإنْ فُعِلَ ذلك فشذوذًا6؛ ألا ترى أنَّ كثرة 7 "فِعالة" في المصادر من ذوات الياء نحو: السِّقاية8 والرِّماية والنِّكاية9، وقلَّتَها من ذوات الواو10، لم تُخرِج "جِباوة" عن الشذوذ؟

ومنها أنَّ ما ادَّعاه، من أنَّ "فَعْلُولة" في ذوات الياء قد كثر، غيرُ مُسَلَّم. بل هذا الوزن في المصادر قليل في ذوات الياء والواو، وما جاء11 منه في ذوات الواو كالمُعادِلِ لما جاء منه في ذوات الياء.

وممّا يدلُّ على صحَّة مذهب سيبويه12 ما حُكِي من مجيء "كَيَّنُونة" على الأصل. أَنشدَ المبرّد13.

1 من م.

2 ف: الواو.

3 م: أن.

4 العوطط: الناقة لم تحمل سنين من غير عقم.

5 م: "فإن قال". المنصف: فإن قال قائل.

6 م: فشذوذ.

7 م: أن قلة.

8 م: السعاية.

9 زاد في م: وكثرتها.

10 م: الياء.

11 سقطت الواو من م.

12 الكتاب 2: 372.

13 المنصف 2: 15 والإنصاف ص797 واللسان "كون" وشرح الشافية 3: 152 وشرح شواهده ص392 والاقتضاب ص282 والأشباه والنظائر 5: 205 و6: 14. وشحطت: بعدت.

ص: 324

قَد فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَهْ

وشَحَطَتْ، عَن دارِها الظَّعِينَهْ

يا لَيتَ أنَّا ضَمَّنا سَفِينَهْ

حَتَّى يَعُودَ الوَصلُ كَيَّنُونَهْ

وما عدا هذا المستثنياتِ1 ممَّا سَكَن ما قبلَه، أو ما بعدَه، أو ما قبلَه وما بعدَه، فلا يُعلُّ أَصلًا بأكثرَ من أن تُقلب الواو فيه ياء، إِذا اجتمعت مع الياء وقد2 تَقَدَّمَ أَحدُهما بالسكون. فإذا قَلبتَ الواو ياء أدغمتَ الياء في الياء. وذلك نحو "فَيْعُول"3 من القيام، تقول فيه: قَيُّومٌ. وكذلك "فَيْعال"4 نحو: قَيَّام5. الأصلُ فيهما "قَيْوُوْمٌ" و"قَيْوامٌ"، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.

وكذلك تَفعل في كلِّ عينٍ، تكون واوًا فتجتمع مع ياء، ويَسبِقُ أحدُهما بالسكون، إِلَّا أن يَشِذَّ من ذلك شيء نحو6 ضَيْوَنٍ7، أو يكون أحدُهما مَدَّةً فإنك لا تُدغم. فلو بَنَيتَ مثل "فُوعَل"8 من القول لقلت "قُوْوَلٌ"9 ولم [48أ] تُدغم؛ لأنَّ الواو مدَّة، وقد تَقَدَّمَ السبب في ذلك في الفعل.

فإن جمعتَ اسمًا معتلَّ العين10 على وزن "مَفاعِلَ" أو "مَفاعِيلَ" فإنك تُبقي العين على أَصلها، من ياء أو واو، ولا تُعِلُّ. إِلَّا أن تَقَعَ في الجمع على حَسَبِ ما كانت عليه في المفرد معتلَّة -نحو قولك في قائم:"قَوائم"، فتَقلِب العينَ همزةً كما قلبتَ في "قائم"؛ لأنها بعد ألف زائدة في الجمع كما كانت في المفرد- أو يكتنفَ ألفَ الجمع واوان أو ياءان أو واو وياء، بشرط القرب من الطَّرَف. وقد تَقَدَّمَ إحكام ذلك في البدل.11 وذلك نحو قولك في جمع "فُعَّل"12 من القول نحو قُوَّل:"قَوائل"، وفي [جمع] 13، "فَيْعَل" نحو قَيَّل:"قَيائل"، وفي

1 م: المستثنات.

2 سقط من م.

3 المنصف 2: 17-18.

4 م: فعال.

5 المنصف 2: 18-19.

6 المنصف 2: 46-47.

7 الضيون: السنَّور.

8 وهذا بناء صناعي لم يذكره في الأبنية.

9 كذا، وليس في المثال ياء. فلعله يريد من البيع، فيكون: بُويَعٌ.

10 المنصف 2: 43-46.

11 في الورقتين 32 و33.

12 م: "فَعَّل". المنصف: فيعل.

13 من م.

ص: 325

[جمع] 1 "فُعَّل"2 من البيع: "بَيائع".

فإن لم تقع في الجمع على حَسَب ما اعتلَّت عليه في المفرد، ولا اكتنفَ ألفَ الجمع حرفا علَّة، فإنك تُبقي العين على أصلها من واو أو ياء. فتقول في جمع مِقْوَل:"مَقاوِلُ"، وفي جمع مَقام:"مَقاوِمُ"، وفي جمع مَعِيشة:"مَعايش"، إِلَّا لفظةً واحدةً شَذَّت فيها العرب -وهي3 مُصيبة- قالوا في جمعها:"مَصائِبُ" فهمزوا العين، وكان ينبغي أن يقال في جمعها "مَصاوِبُ"؛ لأنها من ذوات الواو.

ووجه إبدالهم من العين همزةً أنهم شَبَّهوا الياء في "مُصِيبة" لسكونها وانكسار ما قبلها، بالياء الزائدة في مثل صَحِيفة. فكما قالوا في صَحيفة: صَحائفُ، فكذلك قالوا في مُصِيبة: مَصائبُ. هذا مذهب سيبوبه، ومذهب الزَّجَّاج أنهم قالوا "مَصاوِبُ"، ثمَّ أبدلوا من الواو المكسورة همزة تشبيهًا لها، حشوًا، بها في أوَّل الكلام. وقد تَقَدَّمَ في البدل4 ترجيحُ مذهب الزَّجَّاج على مذهب سيبويه.

هذا حكم العين المعتلَّة، إذا كانت اللام حرفًا صحيحًا ليس الهمزة. فإن كانت اللام همزة5 فلا تخلو الفاء، إذ ذاك من أن تكون همزة أو لا تكون.

فإن كانت همزة فإنه لا يجيء6 منه شيء في الأفعال؛ لأنَّ حروفه كلَّها تعتلُّ؛ ألا ترى أنَّ الألف من حروف العلَّة، وكذلك الهمزتان7. فكما لا تكون حروف الفعل كلُّها معتلَّة، فكذلك لا تكون عينه حرف علَّة وفاؤه ولامه همزتان. وإنَّما يجيء في الأسماء؛ قالوا "آءُ" وهو شجر. ونظيره من الأسماء في اعتلال جميع حروفه "واو".

وإن لم تكن الفاء همزة فحكمه حكم ما لامُه غير همزة، إِلَّا فيما أَستثنيه لك:

من ذلك8 اسم الفاعل في نحو "جاءَ"، فإنه يُخالف اسم الفاعل من "قامَ" وأمثاله، في أنَّك إذا أَبدلتَ من العين همزة كما فعلتَ ذلك في قائم وأمثاله، اجتمع لك همزتان: الهمزة التي هي لام والهمزة المبدلة من العين، فتُبِدل من الهمزة الثانية ياء، لانكسار ما قبلها. هذا مذهب

1 من م.

2 م: "فَعَّل". وفي المنصف: فيعل.

3 المنصف 1: 309-311 وشرح الشافية 3: 134. وشذَّ أيضًا معائش ومنائر وأقائيم. جمع معيشة ومنارة وأقوام.

4 انظر ص225.

5 سقط من النسختين حتى قوله "وإن لم تكن الفاء"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.

6 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: جاء في الأسماء والأفعال.

7 يريد أن الهمزة تشبه أحرف العلَّة، لكثرة التصرف فيها.

8 المنصف 1: 309-311 وشرح الشافية 3: 124.

ص: 326

سيبويه. ومذهب الخليل1 أنهم قَلبوا اللَّام في موضع العين، فلم تَلتق همزتان.

فإن قيل: وما الذي حَمل الخليل على ادِّعاءِ القلب؟ فالجواب أنَّ الذي حمله على ذلك كثرةُ العمل الذي في مذهب سيبويه؛ ألا ترى أنَّ جائيًا في مذهب سيبويه أصله "جايِئٌ" ثمَّ2 "جائئٌ" ثمَّ "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"3، وفي مذهب4 الخليل أصله "جايِئٌ"، فقُلب فصار "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"؟ فمذهب سيبويه فيه زيادٌ [عملٍ] 5 على مذهب الخليل. فلذلك تكلَّف القلب، إذ كانوا يقلبون فيما لا يؤدِّي فيه عدم القلب إلى اجتماع همزتين، نحو قولهم: شاكٍ ولاثٍ. والأصل فيهما: شائكٌ ولائثٌ.

وكلا المذهبين عند سيبويه حسن. ورَجَّحَ الفارسيُّ6 مذهب الخليل على المذهب الأوَّل، بأنه يلزم في مذهب سيبويه توالي إعلالين على الكلمة من جهة واحدة. وهما قلب العين همزةً، وقلب الهمزة التي هي لام ياءً. وتوالي إعلالين على الكلمة، من جهة واحدة، لا يوجد في كلام العرب إِلَّا نادرًا أو في ضرورة الشعر7، نحو قوله8:

وإِنِّي لأَستَحْيي،9 وفي الحَقِّ مُستَحًى،

إِذا جاءَ باغِي العُرفِ، أن أَتَنَكَّرا

أصل مُستَحًى: "مُستَحْيَيٌ" فتحرَّكت الياء الأخيرة وما قبلها مفتوح، فقلبت10 ألفًا فصار "مُستَحْيًا". ثمَّ أَعلُّوا الياء التي هي عين، بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وقَلبِها ألفًا، فالتقَى ساكنان فحذف أحدهما. ولا يلزم في مذهب الخليل إِلَّا القلب، والقلب أكثر في كلام العرب من توالي الإعلالين على الكلمة، حتى إنَّ يعقوب قد وضع كتابًا في "القلب والإبدال"11.

وهذا الترجيح حسن. إِلَّا أنَّ السماع يشهد للمذهب الأوَّل. وذلك أنَّ من العرب من يقول12: شاكٌ ولاثٌ، فيحذف العين من شائك ولائث. ومنهم من يقول: شاكٍ ولاثٍ، كما تَقَدَّمَ فيقلب13. والذي من لغته القلب ليس من لغته الحذف، وكلّهم يقول: شائكٌ

1 الكتاب 2: 378.

2 كذا. وقد أغفل "جااءٌ".

3 م: جائي ثمَّ جايئ ثمَّ جاءَ.

4 م: ومذهب.

5 من م.

6 المنصف 2: 53.

7 في النسختين "إِلَّا في ضرورة شعر". وفي حاشية ف تصويب كما أثبتنا.

8 التمام ص70 و163. وانظر ص370 والباغي: الطالب. والعرف: المعروف.

9 م: استحى.

10 م: قلبت.

11 نشر عام 1905م. واستشهاد ابن عصفور به وهم؛ لأنَّ القلب الذي فيه هو إعلالي، لا مكاني كما في المسألة المعنية.

12 المنصف 2: 54. وانظر ص391.

13 م: ويقلب.

ص: 327

ولائثٌ. فلمَّا وَجدنا العرب كلَّها تقول: جاءٍ، ولا تَحذف1، علمنا أنه في لغة الحاذفين على أصله. إذ ليس من لغتهم القلب، ومن لغتهم البقاء على الأصل. وأمَّا في لغة القالِبينَ في: شاكٍ ولاثٍ فيحتمل أن يكون مقلوبًا، ويحتمل [48ب] أن يكون باقيًا على أصله. فقد حصل إِذًا ما ذهب إليه سيبويه سماعًا. وما ذهب إليه الخليل ليس له من السماع ما يقطع به، فهو محتمل.

ومن ذلك الجمعُ، فإنه يوافق جمع ما لامه غير همزة، في جميع ما ذُكر. فتقول في جمع جاءٍ:"جَواءٍ"، كما تقول في جمع قائم:"قَوائم". والأصل "جَوائِئٌ"2، فقُلبت الهمزة الثانية ياءً لاجتماع الهمزتين. وعلى مذهب الخليل:"جَوايِئُ" فقُلبت الهمزة3. وتقول في جمع مَجِيء: "مَجايِئُ"4 كما تقول في جمع مَبِيع: "مَبايِع".

إلا5 أن يؤدِّي الجمع إلى وقوع همزة عارضة بعد ألف الجمع -أعني لم تكن6 في حال الإفراد- فإنك إذا قلبتَ الهمزة الثانية ياء فإنك تُحوِّل كسرة الهمزة التي هي عين7 فتحةً، فتجيء8 الياء متحرِّكة وما قبلها مفتوح فتُقلب9 ألفًا، فتجيء الهمزة متوسِّطة بين ألفين، والهمزة قريبة الشَّبَه من الألف، فتجيء الكلمة كأنها اجتمع فيها ثلاثةُ أمثال، فتقلب الهمزة ياءً فرارًا من اجتماع الأمثال. وذلك نحو10 "فُعَّل"11 من المجيء نحو: جُيَّأ12. فإنك تقول في جمعه: جَيايا.

والأصلُ "جَيايِئُ"، فاكتنف ألفَ الجمع ياءان، فقلبت الثانية همزة فقالوا "جَيائِئُ"، فقلبت13 [الهمزة] الثانية ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار ما قبل الثانية فقالوا "جَيائِيُ"، ثمَّ حوَّلوه إلى "جَياءَيُ"، فتحرَّكت الياء وما قبلها مفتوح فقلبت ألفًا، فصار "جَياءَى" -وكان هذا التحويل لازمًا إذ كانوا قد يحوِّلون في مثل "صحارَى" مع أنه أخفُّ من "جياءَى"؛ لأنه لم تَعرِض فيه همزة كما عرضت في "جياءَى". وإنَّما لَزمَ تحويله، لمَّا عرضت فيه الهمزة؛ لأنَّ

1 يريد: ولا تقول "جاءُ" فتحذف عين فاعل. وفي حاشية ف بيان لما كان للفظ في الحذف.

2 م: جوئيٌ.

3 أي: قدمت الهمزة على الياء.

4 م: مجائئ.

5 م: إلى.

6 م: لم يكن.

7 م: غير.

8 م: فجاءت.

9 م: فقلبت.

10 المنصف 2: 60-62.

11 في النسختين: "فَعّل" وفي حاشية المبدع: فَعال.

12 م: جياء.

13 سقط "الثانية

فقلبت" من م.

ص: 328

عُروضها تغيير، والتغير يأنس بالتغيير– ثمَّ قُلبت الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين فصار جَيايا.

وإنَّما لزم قلب الهمزة ياء لمَّا وقعت بين ألفين؛ لأنَّ مخرج الهمزة يقرب من مخرج الألف، فكان كالتقاء ثلاث ألفات. وكذلك تَفعل بكلِّ ما تَعرِضُ فيه الهمزة من الجمع. فأمَّا قوله1:

سَماءُ الإلهِ فَوقَ سَبعِ سَمائيا.

فإنه ردَّه إلى أصله، لمَّا اضطرَّ، كما تُرَدُّ جميع الأشياء إلى أصلها عند الضرورة.

ومن ذلك "أشياءُ"2. فمذهب سيبويه والخليل3 أنَّها "لَفْعاءُ" مقلوبة من "فَعْلاء"، والأصل "شَيْئاء" من لفظ شيء، وهو اسم جمع كقَصْباء4 وطَرْفاء5 ومذهب الكسائيِّ أنها "أَفعال" جمع شيء. ومذهب الفرَّاء والأخفش أنها "أَفعِلاء"6، والأصل "أَشيِئاء"، فحذفت الهمزة التي هي لام وانفتحت الياء لأجل الألف.

ويخالف الفرَّاءُ أبا الحسن في "شيء" الذي هو مفرد أشياء. فمذهب أبي الحسن أنه "فَعْل" كبَيت، ومذهب الفرَّاء أنه مخفَّف من "فَيْعِل"، والأصل "شَيِّئٌ" فخُفِّف كما خفَّف هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فقالوا: هَيْنٌ ومَيْتٌ.

فالذي يُردُّ به على الكسائيِّ أنه لو كان "أَفعالًا" لكان مصروفًا، كأبيات وأجمال وأعباءٍ، إذ لا موجب لمنع الصرف. فإنه احتَجَّ بأنهم لمَّا جمعوه بالألف والتاء، فقالوا: أشياوات، أَشبَه "فَعْلاءَ" فمُنع الصرف. فالجواب أنَّ "أَفعالًا" لا يُجمع بالألف والتاء. فإِذ قد7 جَمعوا أشياء بالألف والتاء فذلك دليل على ما ادَّعى الخليل من أنها "فَعلاء". وبتقدير أنها "أفعال" جُمعت بالألف والتاء فإنَّ هذا القَدر لا يُوجب منع الصرف8؛ لأنَّ ذلك لم يستقرَّ في العلل المانعة للصرف.

وأمَّا الفرَّاء والأخفش فالذي يَدلُّ على فساد مذهبيهما أنَّ حذف اللام لم يجئ منه

1 عجز بين لأمية بن أبي الصلت صدره:

لَهُ ما رأتْ عَينُ البَصِيرِ، وفَوقَهُ.

ديوانه ص70 والكتاب 2: 59 وشرح أبياته 2: 304. وسمائي: مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة، جمع سماء على وزن فَعائل.

2 المنصف 2: 94-102 وشرح الشافية 1: 21-32 والإنصاف ص812-820.

3 الكتاب 2: 174 و379-380.

4 القصباء: القصب.

5 الطرفاء: شجر.

6 كذا، وهو ميزان الأصل قبل الحذف. والصواب: أفعاء.

7 في النسختين "فإذ وقد". وانظر ص150 و205 و268 و435.

ص: 329

إِلَّا "سُؤتُه1 سَوايةً". والأصل سَوائِيَة كرَفاهية2. وحكى الفرَّاءُ "بُراءُ" ممنوعَ الصرف3، والأصل بُرَآءُ فحُذفت الهمزة التي هي لام. وذلك من القلَّة بحيث لا يقاس عليه، والقلب4 أوسع منه.

وأيضًا فإنه لو كان الأصل "أَفعِلاء" لكان من أبنية جموع الكثرة، وجموعُ الكثرة لا تُصغَّر على لفظها، بل تُردُّ إلى جموع القِلَّةِ إن كان للاسم جمع قلَّة. وإلَّا تُردُّ على المفرد، ثمَّ يُصغَّر المفرد ويجمع بالواو والنون إن كان مذكَّرًا، وبالألف والتاء إن كان مؤنثًا. فتقول في تصغير فُلُوس: أُفَيلِسٌ، وفي تصغير رجال: رُجَيلُون، وفي تصغير دَراهم: دُرَيهِمات. وهم قد قالوا في تصغير أشياء: أُشَيَّاء فصغَّروها على لفظها. فدلَّ ذلك على فساد مذهبيهما.

ولا يُردُّ بالتصغير على الكسائيِّ؛ لأنَّ "أَفعالًا" من أبنية جموع القلَّة، وجموع القلَّة تصغَّر على ألفاظها. وكذلك لا يُردُّ على الخليل بذلك؛ لأنَّ أسماء الجموع تُصغَّر على لفظها.

وأيضًا فإنَّ "أَفعِلاء" لا يكون جمعًا لـ"فَعْل"5 ولا لـ"فَيْعِل". فأمَّا قولهم: هَيِّنٌ وأَهوِناءُ، فشاذٌّ لا يقاس عليه. ولا حجَّة للأخفش فيما ذَكَر، من أنَّ "أَفعِلاء" أختُ "فُعَلاء". يعني أنهما يشتركان في كونهما جمعين لـ"فَعِيل"، فكما جمعوا سَمْحًا، وهو "فَعْلٌ"، على سُمَحاء، فكذلك جمعوا شَيئًا، وهو "فَعْلٌ"، على "أَفعِلاء". وذلك أنَّ جمع سَمْح على سُمْحاء شاذٌّ، لا يقاس عليه مثلُه، فكيف نظيره.

فإن قيل: فإنَّ الفرَّاء قد ذهب [49أ] إلى أنَّ "فَيْعِلًَا" في الأصل "فَعِيْل" فقُلب. فإذا كان كذلك فبابه أن يُجمع على "أَفعِلاء". فاجواب أنه تَقَدَّمَ الدليل6 على فساد مذهبه في ذلك.

وممّا يدلُّ أيضًا على فساد مذهب الفرَّاء أنَّه ادَّعى أنَّ الأصل في شيء: "شيِّئ". وذلك لم يُنطق به في موضع من المواضع. ولو كان شَيء كمَيْتٍ وهَيْنٍ لجاء على أصله، في موضع من المواضع.

فثَبَتَ إذًا أنَّ الأحسن مذهب الخليل، إِذ ليس فيه أكثر من القلب، والقلب كثير في كلامهم.

1 م: سواة

2 في حاشية ف: لحق مخروم أكثره يتعذر إدراكه.

3 في حاشية ف بخط أبي حيان "المحفوظ: بُراءٌ، مصروف. قال كثيِّر:

فسِيرُوا بُراءً، في تَفرُّقِ مالِكٍ

بِنَصرٍ، وأرحامٍ يَئطُّ قَرِيبُها".

انظر ديوان كثيِّر ص269.

4 يعني القلب المكاني.

5 كذا. والصواب "فَيْل" لأنَّ العين حذفت وبقيت الياء الزائدة.

6 في الورقة 47.

ص: 330

ومن ذلك1 "أَشاوَى" في معنى أشياءَ. حُكي من كلامهم: إنَّ لكَ عِندي لأشاوَى. وفيها خلاف أيضًا.

فمذهب المازنِيِّ2 أنها جمع أشياءَ. وكان الأصل أن يقال "أشايا"3، فأُبدلت الياء واوًا4 شذُوذًا، كما قالوا: جَبَيتُ الخَراجَ جِباوةً. ففيها على هذا شذوذان: قلب اللام إلى أوَّل الكلمة، وقلب الياء واوًا.

ومذهب سيبويه5 أنها جمع "إشاوة"، وإن لم يُنطق بها. وتكون "إِشاوة" المتوهَّمة كأنها في الأصل "شِياءَة" فقلبت اللام إلى أوَّل الكلمة، [وأُخِّرت العين إلى موضع اللام] 6، وأُبدِلت الياء واوًا. فلمَّا جمعوا فعلوا به ما يُفعل بـ "عِلاوة"7 -وسيُذكر ذلك في المعتلِّ اللَّام- فقالوا: أَشاوَى، كما قالوا: عَلاوَى.

ورأى سيبويه أنَّ هذا أَوْلى، ليكونَ الشُّذوذ في المُتوهَّم -وهو المفرد الذي لم يُنطق به- ثمَّ يجيء الجمع على قياس المفرد. وإذا جعلنا أَشاوَى جمع أشياءَ كان الشُّذوذُ في الملفوظ به. وأيضًا8 فإنَّ أبا الحسن الأخفش حكى أنَّ العرب التزمت فيه الفتح9، فلم يقولوا "أشاوٍ" كصحارٍ، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس جمع أشياء بل جمع إِشاوة. ولذلك التزم فيه الفتح كما التزم في جمع إِداوة وهِراوة وأمثالهما.

وذهب بعض النَّحويِّين10 إلى أنَّ أَشاوَى غير مقلوب، وأنَّ الواو غير مبدلة [من ياء] 11، وجعله من تركيب "أش و". وقد جاء12 ذلك في قول الشاعر13:

وحَبَّذا، حِينَ تُمسِي الرِّيحُ بارِدةً،

وادِي أُشَيٍّ، وفِتيانٌ بِهِ، هُضُمُ

1 المنصف 2: 9-100 والإنصاف ص807 وشرح الشافية 1: 31

2 المنصف 2: 94.

3 م: "أشائي". ف: "أشاي". وفي حاشيتها: "أشاوِيُّ". والتصويب من المنصف 2: 99.

4 ف: الواو ياء.

5 الكتاب 2: 379-380.

6 من شرح الشافية 1: 31.

7 العلاوة: أعلى الرأس. وانظر الورقة 57.

8 سقط حتى قوله: "وأمثالهما" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف نقلًا عن خط المصنف.

9 كذا. وجاء عنهم الكسر. التاج "شيأ".

10 المنصف 2: 99-100.

11 من م.

12 م: وقد وجدنا.

13 زياد بن منقذ أو زياد بن حمل. وينسب إلى المرار بن منقذ وبدر بن سعيد. المنصف 2: 99 وشرح الحماسة للمرزوقي ص1390 وللتبريزي 3: 325 والأغاني 9: 154 وزهر الآداب 4: 195 والعيني 1: 257 وشرح شواهد المغني ص49 والخزانة 2: 391-393 ومعجم البلدان 1: 267 و5: 359 ومعجم ما استعجم ص161 واللسان والتاج "هضم". والهضم: جمع هضوم. وهو الذي ينفق ما له في الشتاء.

ص: 331

فأُشَيٌّ في الأصل "أُشَيْوٌ"؛ لأنَّ اللام الغالبُ عليها إذا كانت حرف علَّة أن تكون واوًا. فتكون على هذا موافقة لأَشياء في المعنى، ومخالفة لها في الأصل، فيكون ذلك من باب لؤلؤ ولأال، وسَبِط وسِبَطر. وذلك قليل جِدًّا.

ومن ذلك1 سَوايَةٌ. أعني أنه شَذَّ عن القياس، بحذف الهمزة منه التي هي لام. والأصل "سَوائِيَةٌ". وقد تَقَدَّمَ2.

ومن ذلك ما حكاه أبو زيد3 من قولهم: غَفَر الله مسائِيَتَكَ، جمع مَساءَة. والأصل "مساوِئتَكَ"، فقُلب فصار "مَسائِوتَك"، فجاءت الواو طرفًا بعد كسرة فقُلبت ياءً، وأُلحقت التاء التي تلحق لتأنيث الجمع، فصار مسائيتك.

فهذه المستثنيات لا يقاس على شيء منها.

1 المنصف 2: 91-93.

2 انظر ص329.

3 في حاشية ف: "حكاه سيبويه فلا حاجة إلى أبي زيد". وانظر النوادر ص232 والمنصف 2: 93 والكتاب 2: 379.

ص: 332