الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان وأخواتها:
1-
الأفعال التي ترفع الاسم وتنصب الخبر "عددها، شروطها، صورها".
2-
ترتيب الجملة مع هذه الأفعال.
3-
معنى المصطلحين النحويين "التمام، النقصان".
4-
ما تختص به "كان" وحدها من الأحكام.
أ- زيادتها حشوا في الكلام.
ب- حذفها مع اسمها.
ج- حذف نونها.
الصنف الأول من الأفعال النواسخ "كان وأخواتها" وللتعرف على هذه الأفعال تمامًا ينبغي النظر إليها من نواحٍ ثلاث، هي على الترتيب "عددها، شروطها، صورها".
عددها:
هي ثلاثة عشر فعلا، وإليك هذه الأفعال ومعانيها:
1-
كان: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الماضي، تقول:"كان الحفلُ رائعًا، وكانت الليلةُ ممتعةً".
2-
أمسى: لاتّصاف الاسم بالخبر مساء، تقول:"أمسى الجوُّ منعشًا وأمست الرياحُ رخاءً".
3-
أصبح: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الصباح، تقول:"أصبح الضوءُ ساطعًا، وأصبحت الرؤيةُ واضحةً".
4-
أضحى: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى، تقول:"أضحت الشمسُ متوهِّجَةً وأضحى الجوُّ حارًّا".
5-
ظل: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر طوال النهار، تقول:"ظلَّ المؤمنُ صائمًا".
6-
بات: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الليل، تقول:"بات القَلِقُ مسهَّدًا" أو "بات الشرطيُّ ساهرًا".
7-
صار: وهي لتحول الاسم إلى الخبر، تقول:"صار المهملُ مجتهدا وصار الكسولُ نشيطا".
8-
ليس: وهي تفيد نفي معنى الخبر عن الاسم تقول: "ليس الصدقُ مهلكا، وليس الكذبُ منجيًا".
9، 10، 11، 12 الأفعال الأربعة:"زال، برح، فَتِئَ، انْفَكَّ" ومعناها دوام اتصاف الاسم بالخبر، تقول:"ما زالت اللغةُ العربيةُ حيّةً متجدّدةً، وما بَرحَ أهلُها محافظين عليها، وما انْفَكَّ التفاهمُ بها ميسورًا بين العربِ جميعًا".
13-
دام: ومعناها بقي واستمر، وتفيد في جملتها دوام اتصاف اسمها بالخبر ما بقي كل منهما مرتبطا بالآخر، تقول:"لن يُغْلَبَ العربُ ما داموا متَّحدين".
ذلك هو أصل الباب يتكون من هذه الأفعال الثلاثة عشر مع معانيها السابقة، ولكن يتفرع على هذا الأصل السابق الأمران التاليان:
الأول: أن الأفعال الخمسة "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل" تستعمل في اللغة بمعنى "صار" أي أنها تفيد التحول والانتقال، وهذا الاستعمال يطلق عليه في اللغة اسم "التّضمين" ومعناه أن يتحمل فعل له معنى خاص معنى فعل آخر، وحينئذٍ يأخذ حكمه، ومن ذلك:
- قول القرآن: {وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً، وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} 1.
- قول القرآن {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} 2.
- قول الشاعر:
ثم أضْحَوا كأنهم ورقٌ جـ
…
ـفَّ فألوَتْ به الصَّبا والدَّبُورُ3
1 الآيتان 9، 10 سورة النبأ.
2 الآية 58 سورة النحل.
3 ألوت به: أهلكته والمقصود هنا: بعثرته وأضاعت أثره، الصبا والدبور: نوعان من الرياح.
يقول: إن هؤلاء هلكوا وتشتتوا كالورق الجاف الذي مزقته وبعثرته الرياح.
الشاهد "أضحوا فإنها في البيت بمعنى "صار" واسمها "واو الجماعة" وخبرها محذوف تقديره "مشتتين".
قول النابغة:
أمستْ خلاءً وأمسى أهلُها احتملوا
…
أخْنَى عليها الذي أخْنَى على لبد1
الثاني: وردت أفعال أخرى -غير الأفعال السابقة التي هي أصل الباب- بمعنى الفعل "صار" أيضًا عن طريق "التضمين" وهي -كما أوردها الأشموني- عشرة أفعال "آضَ، رَجَعَ، عَادَ، استَحَالَ، قَعَدَ، حَارَ، ارتَدَّ، تَحَوَّلَ، غَدَا، رَاحَ" فلنتأمل الشواهد التالية:
- قول الرسول: "فلا ترجعوا بعدي كفَّارا، يضربُ بعضُكم رِقَاب بعض"2.
- قول الرسول: "فاسْتَحَالَتْ غربا"3.
- قول الشاعر:
وكان مُضِلِّي مَنْ هُدِيتُ بِرُشْدِهِ
…
فَلِلَّهِ مُغْوٍ عاد بالرُّشْدِ آمِرا4
1 احتملوا: رحلوا، أخنى عليهم: أهلكهم، لبد: بضم اللام، اسم نسر يقال إنه عاش طويلا.
الشاهد. في "أمست خلاء" فإن الفعل "أمسى" بمعنى "صار" ومثله أيضا "أمسى أهلها احتملوا".
2 صحيح مسلم ج1 ص82.
3 اسم "استحالت" ضمير يعود على "الدلو" المذكورة في حديث طويل "صحيح البخاري ج5 ص6".
4 صور المضل هاديا، وهذا عجيب، فقد انقلب المغوي مرشدا.
الشاهد "عاد بالرشد آمرا" فإن الفعل "عاد" بمعنى "صار" يرفع الاسم وينصب الخبر. =
- قول الشاعر:
إنَّ العداوةَ تستحيلُ مودّةً
…
بتدارُكِ الهفواتِ بالحَسناتِ1
- قول امرئ القيس:
وبدَّلتُ قَرْحًا دَامِيًا بعد صحّةٍ
…
لعلَّ مَنَايَانَا تحوّلْنَ أبْؤُسا2
وهذه الأفعال الأخيرة ليست موضوعة أصلا لتكون من النواسخ، وإنما
= الإعراب: كان: فعل ماض ناقص يرفع المبتدأ وينصب الخبر، مضلي: اسم كان مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه، من: اسم موصول خبر كان مبني على السكون في محل نصب، هديت: هدى فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، والضمير نائب فاعل، برشده: جار ومجرور، والجملة كلها صلة الموصول، لله: جار ومجرور شبه جملة خبر مقدم، مغو: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة تخفيفًا وأصله "مغوي"، عاد: فعل ماض ناقص بمعنى "صار" يرفع المبتدأ وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر تقديره "هو"، بالرشد جار ومجرور، آمرا: خبر الفعل "عاد" منصوب بالفتحة.
1 الشاهد: في "تستحيل مودة" فإنه مضارع "استحال" بمعنى "صار" يرفع الاسم وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر، "مودة" خبره.
2 القرح: الجرح، المنايا جمع "منية" وهي الموت، أبؤس: جمع "بأساء" وهي الشدة والكرب.
يقول: لقد أصبت بالجروح الدامية بعد الصحة، فأنا أموت بطيئًا، أموت كل يوم، بسبب ما أنا فيه من شدة!!
الشاهد: في "تحولن أبؤسا" فإن الفعل "تحول" بمعنى "صار" يرفع المبتدأ وينصب الخبر، واسمه نون النسوة، وكلمة "أبؤسا" خبره.
تصير ناسخة إذا ورد استعمالها بمعنى الفعل "صار" أي أنها حين تتضمّن معنى هذا الفعل ينسخ معها حكم المبتدأ والخبر، فيرفع الأول وينصب الثاني.
شروطها:
لاحظ الأمثلة التالية:
- كان العربُ -في الجاهلية- جُهَّالًا متفرقين.
- وصار الإسلامُ حضارتَهم وقوتهم.
- وأصبحتْ لغةُ القرآنِ أسلوبَهم ووحدتهم.
لا يحتاج إلى شروط
- وما زال الدِّينُ سَنَدًا قويا لأخلاقهم.
- وما برحت الفصحى وسيلةَ صلتهم ثقافيا واجتماعيا
يحتاج لتقدم نفي أو شبهه
- وسيبقى العربُ أقوياء ما داموا محافظين على دينهم ولُغَتهم.
يحتاج لتقدم "ما" المصدرية الظرفية.
الأفعال الثلاثة عشر التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر يمكن تصنيفها من حيث شروطها إلى الأنواع الثلاثة التالية:
الأول: ما يحتاج إلى شروط إطلاقًا، وذلك ثمانية أفعال هي "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار، ليس" تقول: "كان الطريقُ موحشا، وأمسى الغريبُ وحيدا" وتقول: "بات العاصي مسهَّدا وصار ليلُه كئيبا".
الثاني: ما يجب معه -حين يرفع الاسم وينصب الخبر- أن يتقدم عليه
"نفي أو نهي أو استفهام إنكاري" وهو أربعة أفعال "زال، برح، فتئ، انفكّ".
- قال القرآن: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} 1.
- قال الشاعر:
صَاحِ شمِّر ولا تزلْ ذاكرَ المو
…
تِ فنيسانُه ضلالٌ مبين2
- قال ذو الرُّمَّة:
ألا يا اسْلَمِي يا دارَ ميٍّ على البلى
…
ولا زال مُنْهلًّا بجرْعائِك القَطْرُ3
هذا.. والأصل في النفي والنهي والاستفهام الذي يتقدم على هذه الأفعال أن يكون مذكورًا لفظًا، لكن ربما وردت هذه الأفعال وبعدها الاسم مرفوع والخبر منصوب دون أن يتقدم عليها شيء من ذلك، وحينئذٍ
1 من الآية 118 من سورة هود.
2 شمر: المقصود: اعمل بجد.
الشاهد: في "لا تزل ذاكر الموت" حيث تقدم على الفعل "تزل" النهي فرفع الاسم ونصب الخبر.
3 البلى: القدم والتهدم، جرعاء: الفضاء الرملي المنبسط، القطر: المطر.
يقول: إننى أدعو لحبيبتي "مى" بالسلامة والخير، فلتسلم ديارها من عوادي الزمان، ولينهل المطر عليها بالخير والخصب.
الشاهد: في "لا زال منهلا بجرعائك القطر" فقد تقدم على الفعل "زال" الدعاء ولذلك رفع الاسم ونصب الخبر.
ينبغي أن يقدر معها النفي اطرادا للقاعدة، وهذا قليل في اللغة، ومن هذا القليل:
قول القرآن: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، تقديره "لا تفتؤ"1
- قول خليفة بن نزار:
تنفكُّ تسمع ما حييـ
…
ـتَ بهَالِكٍ حتى تكونه2
تقديره "لا تنفك".
الثالث: ما يجب أن يتقدم عليه "ما" المصدرية الظرفية وهو الفعل "دام" كقول القرآن: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} .
صورها:
يقصد بذلك الصور الصرفية التي يمكن أن تأتي من هذه الأفعال وهذه الصور هي "الماضي، المضارع، الأمر، المصدر، اسم الفاعل فمثلا الفعل "أصبح" يمكن أن يأتي منه "أصبح، يصبح، أصبح، إصباح، مصبح" وكذلك "أمسى" يمكن أن يأتي منه " أمسي، يمسي، أمس، إمساء، ممسي" وهكذا.
وفائدة هذا الموضوع هنا: أن الصيغ التي تأتي من هذه الأفعال حكمها حكم الأفعال الماضية فيرفع الاسم معها، وينصب الخبر.
وهذه الأفعال الثلاثة عشر -من حيث الصور التي تأتي منها- تنقسم إلى الأنواع الثلاثة التالية:
الأول: ما يتصرف تصرفا مطلقا، إذ يأتي منه "الماضي والمضارع
1 من الآية 85 من سورة يوسف.
2 الشاهد: في قوله: "تنفك تسمع ما حييت" فإنه يقدر معها نفي محذوف أي "لا تتفك تسمع ما حييت".
والأمر والمصدر واسم الفاعل" وذلك سبعة أفعال هي "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار" تقول:"راقب الطبيبُ المريضَ في بَيَاتِه مُستريحا، ووجده في النهار مُصبحًا هادئا" وتقول: "كلّ مهملٍ صائرٌ إلى الضياع" ومن ذلك قول الشاعر:
ببذْلٍ وحِلْمٍ سادَ في قومه الفتى
…
وكونُك إيّاه عليك يَسيرُ1
وقول الآخر:
وما كلُّ من يُبدي البَشَاشَةَ كائنا
…
أخاك إذا لم تُلْفِه لك مُنجِدا2
الثاني: ما يتصرف تصرفا ناقصا، إذ يأتي منه "الماضي والمضارع واسم الفاعل" ولا يأتي منه "الأمر والمصدر" وهو أفعال الدوام والاستمرار "زال، برح، فتئ، انفك" ومن ذلك ما ينسب إلى عَلِيٍّ: "ما يزال الرجلُ عالِمًا ما طلب العلم، فإذا ظنَّ أنه قد علم فقد جَهِل" ومن ذلك أيضًا قول الحسين بن مطير الأسدي:
قضى الله يا أسماءُ أنْ لستُ زائلًا
…
أحبُّك حتى يُغْمِضَ الجفنَ مُغْمِضُ3
الثالث: ما لا يتصرف مطلقًا، بل يبقى على ما هو عليه من الماضي وذلك الفعلان "ليس -باتفاق-، دام -على الأصح-" فلا يأتي منهما
1 الشاهد: في البيت "كونك إياه" فإن مصدر "كان" هو "كون" وضمير المخاطب "الكاف" مضاف إليه اسمه "وكلمة""إياه" خبره.
2 الشاهد: في البيت "كائنا أخاك" فإن اسم الفاعل من "كان" هو "كائن" واسمه ضمير مستتر، وكلمة "أخاك" خبره منصوب بالألف.
3 الشاهد: "زائلا أحبك" فإن "زائلا" اسم الفاعل من "زال" واسمه ضمير مستتر تقديره "أنا" وجملة "أحبك" في محل نصب خبره.
"مضارع ولا أمر ولا مصدر ولا اسم فاعل" وما ورد من استخدام اللغة من "دام" مثلا "يدوم، دم، دائم" فإنه -فيما رأى العلماء- من "دام" التامة، لا من "دام" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر.
ترتيب الجملة مع هذه الأفعال
لاحظ الأمثلة التالية:
- كان الضَّباب كثيفًا، وصارت الرّؤيةُ متعذرةً.
الترتيب على الأصل.
- كان كثيفًا الضبابُ، وصارت متَعذِّرةً الرؤيةُ.
الخبر متوسط بين الفعل الناسخ والاسم.
- كثيفا كان الضبابُ، متعذرةً صارت الرّؤيةُ.
الخبر تقدم على الفعل الناسخ والاسم.
الترتيب في جملة كان وأخواتها يأتي على الصور الثلاث الآتية:
الصورة الأولى:
أن يكون الترتيب على الأصل، فيأتي هكذا "الفعل الناسخ + الاسم + الخبر" ومن ذلك قول القرآن:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} 1.
الصورة الثانية:
أن يتوسط الخبر بين الفعل الناسخ والاسم، فيأتي الترتيب هكذا "الفعل الناسخ + الخبر + الاسم" ومن ذلك قول القرآن:{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 2.
1 من الآية 14 من سورة الفتح.
2 من الآية 48 من سورة الروم.
- وقول السموءل بن عاديا:
سلي إنْ جهلْتِ الناس عنَّا وعنهم
…
فليس سواءً عالم وجهولُ1
- وقول الآخر:
لا طِيبَ للعيش ما دامتْ منغَّصَةً
…
لذّاتُهُ بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ2
- وقول الآخر:
ما دام حافظَ برّي من وثقتُ به
…
فهو الذي لستُ عنه راغبًا أبدا3
الصورة الثالثة:
أن يتقدم الخبر على الناسخ، وبذلك يكون الترتيب "الخبر + الفعل الناسخ + الاسم" تقول:"مَطْلَبًا كريما ما زالت الحرّيةُ وغنمًا كبيرا يصبح الحصول عليها".
هذا هو أصل الموضوع، يصح في الخبر أن يتأخر، ويمكن أن يأتي في الكلام متوسطًا، ويمكن أن يأتي متقدما على الفعل الناسخ نفسه.
لكن ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار -مع هذا الأصل- الملاحظات الآتية:
1 الشاهد: في "ليس سواء عالم وجهول" حيث توسط الخبر وهو "سواء" بين الفعل الناسخ وهو "ليس" والاسم المؤخر وهو "عالم وجهول".
2 منغصة: مكدرة، ادكار: تذكر، الهرم بفتح الهاء والراء: أقصى الكبر.
يقول: إن الحياة لا تصفو ما دامت مكدرة بتذكر الشيخوخة وما فيها من متاعب، والموت وما فيه من عدم.
الشاهد: في "ما دامت منغصة لذاته" حيث توسط الخبر وهو كلمة "منغصة" بين الفعل الناسخ "ما دام" والاسم "لذاته".
3 يقول: ما دام من أثق به أهلا الثقة، يحفظ السر ولا يفشيه، فإنني سأبقيه صفيا ونجيا، ولن أعدل عنه إلى غيره.
الشاهد: في "ما دام حافظ سري من وثقت به" فقد توسط الخبر "حافظ سري" بين الفعل الناسخ "ما دام" والاسم "من وثقت به".
أولا: يمكن أن يتصور صورة رابعة مع هذه الصور الثلاث، وهي تقدم الاسم على الناسخ، إذ يقال في "أصبح الجوُّ صحوًا""الجوُّ أصبح صحوًا" وهذا أمر غير وارد هنا؛ لأن الجملة كلها تصير اسمية مكونة من مبتدأ هو كلمة "الجو" والخبر هو الجملة الناسخة، وقد جاءت مرتبة على الأصل، فهي بهذا الاعتبار من الصورة الأولى.
ثانيا: لم يرد في اللغة تقدم الخبر على الفعلين "ليس، دام" وهذا هو رأي جمهور النحاة، وفي المسألة حديث طويل لا حاجة إليه هنا.
ثالثا: إذا كان خبر المبتدأ مما يجب أن يتأخر عن المبتدأ، أو مما يجب تقدمه على المبتدأ، ثم دخل عليه الفعل الناسخ، فإنه يبقى له موضعه في الترتيب وجوبا، فالكلام هنا إذن إنما هو عن المبتدأ والخبر اللذين يصح فيهما التقدم والتأخر.
رابعا: هناك خلاف كثير متشعب حول ما إذا تقدم معمول الخبر، ويقصد به ما إذا كان الخبر فعلا أو اسما شبيها بالفعل وله مفعول، فجاء حينئذٍ بعد الفعل الناسخ مباشرة، مثل "بات الشرطيُّ مؤدّيًا واجبه" حيث يقال "بات واجِبَه الشرطيُّ مؤدِّيا" والحق أن هذا الخلاف لا فائدة فيه وأن تأويلات النحاة للنصوص التي وردت عنه تأويلات متكلفة، والذي أراه أن هذا الاستعمال يقبله الذوق اللغوي وبخاصة في الشعر، وأنه قد ورد في نصوص صحيحة لا داعي لإجهادها ذهنيا بالتأويل المتكلف، ومن ذلك:
- قول الشاعر:
باتت فؤاديَ ذاتُ الخالِ سالبةً
…
فالعيشُ إن حُمَّ لي عيشٌ من العَجَبِ1
1 الخال: -كما جاء في القاموس- شامة في البدن، حم لي: قدر لي يقول: إن هذه المرأة الجميلة -ذات الخال- استولت على قلبي وأخذته فكيف أعيش دون قلب، لو حدث هذا لكان من العجب!!
الشاهد في "باتت فؤادي ذات الخال سالبة" وأصل الجملة "باتت ذات الخال سالبة فؤادي" فكلمة "فؤادي" مفعول به لاسم الفاعل "سالبة" وقد تقدم المفعول به فجاء بعد الفعل الناسخ مباشرة.
- قول الآخر:
لئن كان سَلْمَى الشّيبُ بالصدِّ مُغْريًا
…
لقدْ هَوَّنَ السُّلوانَ عنها التَّحَلُّمُ1
التمام والنقصان:
لاحظ الأمثلة التالية:
- كان الإسلامُ مغلوبًا في أوّل الدعوة.
- ثم صار المسلمون أقوياءَ أعزّاء.
- فأصبح الدينُ بهم غالِبًا عزيزًا.
الأفعال الناسخة ناقصة.
1 الصد: الإعراض والمنع، التحلم: تكلف الحلم والهدوء، والمقصود التعقل.
يقول: إن الشيب صفاء وقيد، إن كان قد أغرى "سلمى" بالصد والإعراض فإنه قدم لي التعقل الذي عاونني في تحمل صدها والسلو عنها.
الشاهد: في "كان سلمى الشيب بالصد مغريًا" فأصل الجملة "إن كان الشيب مغريا سلمى بالصد" فكلمة "سلمى" مفعول به لاسم الفاعل "مغريا" وقد تقدم المفعول، فجاء بعد الفعل الناسخ مباشرة.
- في الحديث: "كان اللهُ ولا شيءَ معه فخلق السمواتِ والأرض".
- وتقول: نمت حتى أضحيت.
- وتقول: تأخرت في الطريق حتى أمسيت.
الأفعال الناسخة تامة.
يلاحظ أن الأفعال "كان، صار، أصبح" في مجموعة الأمثلة الأولى احتاجت الجملة التي وردت فيها إلى اسم مرفوع بعدها، ثم إلى اسم منصوب ولم يتم معناها إلا بوجود هذا الأخير، وهو في الأمثلة السابقة "مغلوبا، أقوياء، غالبا" على التوالي.
أما المجموعة الثانية من الأفعال وهي "كان، أضحى، أمسى" فقد ورد بعدها اسم مرفوع فاعل بها، واكتفت به، ولم تحتج إلى الاسم المنصوب وهذا الاسم المرفوع في الأمثلة هو على التوالي "الله" في المثال الأول، وضمير المتكلم في المثالين الأخيرين.
وعلى ذلك يمكن فهم المصطلحين النحويين "النقصان، التمام" بما يلي:
النقصان:
عدم اكتفاء الفعل بالاسم المرفوع بعده، بل يبقى المعنى ناقصًا محتاجًا إلى الإكمال، حتى يأتي الاسم المنصوب، فتكمل الجملة، ويكون معناها تعليق الخبر على المبتدأ بواسطة الفعل الناقص، أو بعبارة أخرى: نسبة الخبر للاسم بواسطة الفعل الناقص، كقول القرآن:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} 1 وقوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} 2.
1 من الآية 27 من سورة الإسراء.
2 الآية 6 من سورة الواقعة.
والأفعال الناقصة هي التي تنسخ المبتدأ والخبر، فترفع الأول، وتنصب الثاني، وهي هدف الدراسة في باب "كان وأخواتها".
التمام:
معناه اكتفاء الفعل بالاسم المرفوع بعده فيتم المعنى تمامًا دون حاجة إلى المنصوب، وهذا المعنى التام يحدده الأسلوب الذي ورد فيه كقول القرآن:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 1 وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} 2 وكما تردد العبارة "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وقول امرئ القيس:
تطاول ليلُك بالإثمِدِ
…
وبات الخليُّ ولم تَرْقُدِ
وبات وباتتْ له لَيلةٌ
…
كليلة ذي العَائِرِ الأرْمَدِ3
والأفعال التامة لا علاقة لها بنسخ المبتدأ والخبر، بل هي أفعال عادية والمرفوع بعدها فاعل تتم به الجملة.
هذا، وجميع أفعال هذا الباب "الثلاثة عشر" تستعمل ناقصة وتامة -بالفهم السابق- ما عدا ثلاثة أفعال هي "ليس، زال، فتئ" فلا تستعمل إلا ناقصة فقط.
1 الآية 17 من سورة الروم.
2 من الآية 107 من سورة هود.
3 الإثمد: اسم موضع، الخلي: الخالي من الهموم، العائر: القذى في العين، الأرمد: المصاب بالرمد.
يقول عن نفسه: لقد قضيت ليلة مكربة "بالإثمد" كما يقضيها صاحب العين الوجيعة المقذاة، فتطاول على الليل وامتد، ونام خلي النفس وسهرت.
الشاهد: في استعمال الفعل "بات" تاما في البيتين في المرات الثلاث التي تكرر فيها في قوله "بات الخلي" وقوله "بات وباتت له ليلة".
ما تختص به "كان" دون أخواتها:
تفردت "كان" وحدها -دون أفعال الباب- بورودها في اللغة باستعمالات خاصة هي:
أ- زيادتها في الكلام
ب- حذفها مع اسمها
ج- حذف نونها
وكل واحد من الثلاثة في حاجة إلى تفصيل القول معه.
زيادة "كان" في الكلام:
لاحظ الأمثلة الآتية:
- ما كان أرْوَعَ ظهورَ الإسلام، وما كان أسرعَ انتشاره.
"زائدة بين ما وفعل التعجب".
- ويوم ظهر الإسلامُ ارتفع -كان- صوتُ العدل.
"زائدة بين الفعل والفاعل".
- بعد أن عاش الناس في ظلامٍ -كان- دامسٍ.
"زائدة بين الموصوف والصفة".
لفهم هذا الموضوع ينبغي الإحاطة بالأمور الثلاثة الآتية:
أ- المقصود بزيادتها في الكلام
ب- الصيغة التي ترد عليها حين الزيادة
ج- المواضع التي تزاد فيها
جاء في قطر الندى: ولا نعني بزيادتها أنها لم تدل على معنى ألبَتَّة، بل إنها لم يؤت بها للإسناد ا. هـ.
ومن هذا الكلام المركز نفهم زيادة "كان" بالصفتين التاليتين:
الأولى: أن المقصود بزيادتها أن تقع حشوا بين أمرين متلازمين فلا تحتاج إلى مرفوع ولا إلى منصوب، فهي فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
الثانية: أنه ليس معنى الزيادة أنها لا معنى لها في الكلام، وإلا كان ذكرها عبثًا فيه، بل إنها تفيد الكلام الدلالة على معنى المضي، أي الدلالة على أن معنى الجملة التي وردت فيها قد حدث في الماضي، تقول متذكرا ظهور النتيجة:"ما كان أسْعَدَ الناجحين بنجاحهم، وما كان أرْوَعَ إشراق وجوههم".
فمن البيّن أن وجود "كان" في الجملتين صرف معناهما إلى المضي، ولولا ذلك لكان الكلام مطلقًا لا تحديد له من حيث الزمن.
أما الصيغة التي ترد عليها حين الزيادة فهي الماضي دون بقية الصيغ الأخرى التي جاءت من الماضي كالمضارع والأمر إلى آخره.
وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع في الرجز التالي الذي ينسب إلى "أم عقيل" بن أبي طالب ترقص به ابنها:
أنتَ -تَكونُ- ماجدٌ نبيلُ
إذا تهبُّ شَمْأَلٌ بَليلُ
تُعْطِي رجالَ الحَيِّ أو تُنيلُ1
وهذا قد تفرد عن استعمال اللغة، فهو -كما يرى النحاة- شاذ.
1 شمأل: لغة في الشمال، والمقصود: ريح تهب من ناحية الشمال، بليل: رطبة.
الشاهد: في قولها: "أنت تكون ماجد نبيل" فإن الفعل "تكون" زائد بين المبتدأ والخبر، وجاءت زيادته بلفظ المضارع، مع أن المعروف عن زيادة "كان" أنها تأتي بلفظ الماضي.
أما عن مواضع زيادتها فقد جاء في ابن عقيل ما يلي: وذكر "ابن عصفور" أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين ا. هـ، هكذا بهذا الإطلاق!! ومن الأشياء المتلازمة أداة التعجب وفعل التعجب، الفعل ومرفوعه، الصلة والموصول، الصفة والموصوف، الجار والمجرور، فأي اثنين من ذلك جميعه وردت بينهما "كان" فإنها تكون حينئذٍ زائدة، وهذا الرأي أوجه الآراء التي دارت حول هذا الموضوع، مما لا داعي لذكره هنا.
على أنه ينبغي أن يفهم أن المقصود "بالتلازم" هو وجود الصلات النحوية بين الشيئين المتلازمين، مما لا يترتب عليه بالضرورة وجودهما متواليين في الكلام، فالفعل والفاعل مثلا متلازمان بهذا الاعتبار، وإن لم يكن من اللازم مجيئهما متواليين، تقول مثلا:"يستفيد العاقل من الأحداث" أو "يستفيد من الأحداث العاقل".
ومما ورد من زيادتها الشواهد التالية:
- قول العرب "ولدتْ فَاطمةُ بِنتُ الخُرْشُبِّ الأنماريَّةُ الكَمَلَةَ من بني عَبْس: لم يوجد -كان- أفضل منهم".
- قول الشاعر:
أبا خالدٍ ما كان أدْهَى مصيبة
…
أصابت مَعَدًّا يوم أصبحتَ ثاوِيَا1
1 ثاويا: المقيم بالمكان إقامة طويلة، ويطلق على الميت، والبيت في الرثاء
الشاهد: قوله: "ما كان أدهى مصيبة" حيث جاءت "كان" زائدة بين "ما" التعجبية وفعل التعجب.
- قول الآخر:
سَرَاةُ بني أبي بكرٍ تَسَامَى
…
عَلَى كان المسَوّمةِ العِرَابِ1
- من الشواهد التي اختلف حولها الرأي قول الفرزدق:
فكيف إذا مررتَ بدارِ قوم
…
وجيرانٍ لنا كانوا كرَامِ2
وتوضيح الرأي في ذلك كما يلي:
1-
أن "كان" هنا ناقصة وليست زائدة؛ لأنه لم يتحقق فيها صفة الزيادة من تجردها من الإسناد، بل هي مسندة إلى واو الجماعة، وبذلك تكون "واو الجماعة" اسمها والجار والمجرور "لنا" خبر مقدم، والجملة كلها صفة لكلمة "جيران" وجاءت بعدها صفة أخرى هي كلمة "كرام"، وهذا رأي وجيه.
2-
أن "كان" هنا زائدة -مع إسنادها لواو الجماعة- بين الصفة
1 سراة جمع "سري" وهو الشريف النبيل، تسامى: تعلو وتركب المسومة: التي لها علامة يعرف بها أصحابها، العراب: نوع من الخيول الأصيلة.
المعنى: إن هؤلاء الأشراف من "بني بكر" فرسان يركبون خيولا أصيلة عربية خاصة بهم.
الشاهد: قوله "على كان المسومة العراب" حيث جاءت "كان" زائدة بين الجار والمجرور.
2 الشاهد في البيت -كما هو موضح في الأصل- أن "كان" ناقصة لا زائدة وأن جملة "كانوا لنا" في محل جر صفة؛ لأن "كان" أسندت لواو الجماعة، ورأي آخر أن "كانوا" كلها زائدة مع إسنادها لواو الجماعة، والجار والمجرور "لنا" صفة.
والموصوف، والذي يفهم من هذا الرأي أن الجار والمجرور "لنا" صفة لكلمة "جيران" وأن "كانوا" كلها زائدة مع إسنادها لواو الجماعة وكلمة "كرام" صفة أخرى، وهذا فيما أرى توجيه مرجوح.
حذف "كان" مع اسمها:
لاحظ الأمثلة الآتية:
- تتوالى الحروبُ في الدنيا إنْ حقًّا وإنْ باطلا.
- ويذكر المتحاربون دائمًا أسبابا لحربِهم إن صِدقًا وإن كذِبًا.
حذفت كان واسمها بعد "إنْ".
- وفي بعض الظروف تَصير الحربُ ضرورةً ولو صعبةً.
- ففي سبيل الحرّيَّة يهونُ ما يُبْذَلُ ولو أرْواحًا.
حذفت كان واسمها بعد "لو".
باستقراء الأساليب العربية وجد أن "كان واسمها" يحذفان من الكلام إذا تقدم عليهما إحدى أداتي الشرط "إن، لو" ففي المثال الأول "تتوالى الحروبُ في الدنيا إنْ حقًّا وإنْ باطلا" تقدير الكلام "إن كانت الحروب حقا وإن كانت الحروب باطلا"، وفي المثال الأخير "ففي سبيل الحرية يهون ما يبذل ولو أرواحا" تقدير الكلام "ولو كان المبذول أرواحا".
وهذا الحذف -بعد هاتين الأداتين- جائز لا واجب، بمعنى أنه يمكن أن تنطق الجملة كاملة دون حذف
-وهذا هو الأصل- كما يمكن نطقها بالحذف وهذا خلاف الأصل، فمثلا إذا قلنا "تقبَّل النُّصحَ ولَوْ مُرًّا" يمكن أن نقول "تقبلْ النّصحَ ولو كان النُّصحُ مُرًّا".
وقد ورد من ذلك الشواهد التالية:
- قول الرسول: "لا يتمنّى أحدُكم الموتَ إمّا مُحسِنًا فَلَعَلَّه يزدادُ، وإمّا مُسِيئا فلعلّه يَسْتَعْتِبُ"1.
- قول الرسول عن المهْر في الزّواج: "انظر ولو خاتمًا من حديد"2.
- قول النعمان بن المنذر:
قد قيلَ ما قيلَ إنْ صِدْقًا وإن كَذِبًا
…
فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قيلا3
- قول الشاعر:
انطِقْ بحقٍّ وإنْ مستخرِجًا إحَنًا
…
فإنّ ذا الحقِّ غلّابٌ وإن غُلِبَا4
1 البخاري ج9 ص84.
2 صحيح البخاري ج7 ص7.
3 الشاهد: في قوله: "إن صدقا وإن كذبا" حذف كان واسمها بعد "إن الشرطية" وتقدير الكلام "إن كان القول صدقا وإن كان القول كذبا".
4 الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد والغضب.
يقول: قل الحق وإن أغضب الناس وأغاظهم منك، فالحق قوي وأنت منتصر في النهاية وإن غلبت في البداية!!
الشاهد: في "وإن مستخرجا إحنا" إذ حذفت كان واسمها بعد "إن" والتقدير "وإن كنت مستخرجا إحنا".
- قول الآخر:
لا يأمنُ الدّهرَ ذو بغْيٍ ولو مَلِكًا
…
جنودُه ضاق عنها السَّهْلُ والجبلُ1
هذا.. وقد أوردت كتب مسائل النحو صورة أخرى للحذف، وهي حذف "كان" وحدها دون اسمها وخبرها.
قال ابن هشام بالنص: وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية في مثل "أمَّا أنت منطَلِقًا انطلقتُ" أصله "انطلقتُ لأن كنتَ منطلقا" ثم قدمت اللام وما بعدها على "انطلقت" للاختصاص، ثم حذفت اللام للاختصار، ثم حذفت "كان" لذلك، فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض، ثم أدغمت النون في الميم للتقارب ا. هـ.
والحق أن هذه الكلام السابق -بما فيه من تقديم وتأخير وحذف وزيادة وإدغام- صناعة ذهنية مجهدة، هدفها تسويغ حذف "كان" في مثل هذا الأسلوب، وإن كانت اللغة -وهي أسلوب التعبير السَّلِس- تبرأ تماما من تلك الصناعة النحوية.
والذي أراه -إن لم يجانبي الصواب- أنه لا حذف في هذا الأسلوب
1 البغي: الظلم والطغيان.
الشاهد: في "ولو ملكا" حيث حذفت كان واسمها بعد "لو" والتقدير "ولو كان الباغي ملكًا".
وإعرابه كالآتي:
أمَّا: حرف شرط وتفصيل، أنت مبتدأ، منطلقا حال، انطلقت جملة فعلية في محل رفع خبر، والعائد محذوف تقديره "أمَّا أنت منطلقا انطلقتُ مثلك".
وهذا الإعراب السابق يتوافق مع إعرابه جملة "أما" في صورها اللغوية، فهو أمر لا جديد فيه، ولكنه مريح من عناء التصور الذهني المجهد للأسلوب الذي معنا.
حذف نون "كان":
تحذف "نون كان" من الفعل تخفيفا اذا اجتمع لجملتها الصفات التالية:
أ- أن تكون بلفظ المضارع "أكون، يكون، تكون، نكون".
فلا تحذف نون الماضي ولا الأمر ولا غيرهما من الصيغ التي ترد منها.
ب- أن يكون المضارع مجزوما، فلا تحذف إذن من المضارع المرفوع أو المنصوب.
ج- أن يكون المضارع مجزوما بالسكون مثل "لم يكن" فإن كان من الأفعال الخمسة، لا تحذف نون الفعل؛ لأن جزمه -كما سبق- بغير السكون.
د- أن يكون الحرف الذي يلي النون حرفا متحركا، فإن وليها ساكن لا تحذف نون الفعل.
هـ- ألا يكون الفعل متصلا بضمير نصب متصل فإن اتصل به هذا الضمير لا تحذف
هذه الصفات المتعددة إذا اجتمعت في جملة الفعل الناسخ "يكون" صح حذف نونه من الكلام، وهو حذف جائز لا واجب، فإنه يصح أيضًا ذكرها وإن اجتمعت كل هذه الصفات التي ذكرها قطر الندى في عبارة واحدة هي "وحذف نون مضارعها المجزوم بالسكون إن لم يلقها ساكن ولا ضمير نصب متصل" ومن ذلك قول القرآن:{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً} 1، وقول علقمة:
ذهبتَ منَ الهِجْرانِ في كل مَذْهَبِ
…
ولم يكُ حقًّا كلُّ هذا التجَنّبِ2
ومنه قول المتنبي:
ومن يكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ
…
يجدْ مُرًّا به الماءَ الزّلَالَا3
1 الآية 20 من سورة مريم.
2 الشاهد: في "لم يك حقا كل هذا التجنب" حيث حذفت نون "يكن" تخفيفا، لاستيفاء الشروط.
3 البيت حكمة تقال لكل شخص اصطبغت نظرته للناس والأشياء صبغة خاصة، فكل شيء أمامه خاضع لنظرته، تماما كصاحب الفم المريض المر يجد مذاق كل شيء مرا.
موضع التمثيل: في "من يك ذا فم مر مريض" حيث حذفت نون "يكن" لاستيفائها الشروط.