المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النداء على الأصل: - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌النداء على الأصل:

‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

‌النداء على الأصل:

1-

حروف النداء مع ذكر معانيها في نداء القريب والبعيد وشواهدها من الكلام العربي.

2-

حرف النداء "يا" يصح حذفه من الكلام، والمنادى قد يحذف في مواضع خاصة.

3-

الأسماء التي تنادى هي "المفرد العلم، النكرة المقصود، النكرة، غير المقصودة، المضاف، الشبيه بالمضاف".

4-

حكم المنادى المضاف لياء المتكلم والمضاف إلى مضاف للياء.

5-

كيفية نداء الاسم المعرف بالألف واللام.

حروف النداء:

أهم حروف النداء ستة أحرف هي: "الهمزة، أيْ، يا، أيَا، هَيَا، وا" وأشهرها تداولا بيننا الحرف "يا"، وإليك هذه الحروف الستة ومعانيها وشواهدها.

أ- الهمزة: لنداء القريب، وقد ذكر السيوطي أنه "قد جمع من كلام العرب أكثر من ثلاثمائة شاهد للنداء بالهمزة، وأنه قد أفرد هذا الموضوع بتأليف" ومن شواهدها:

- قول امرئ القيس:

أجارتَنا إن الخطوبَ تنوبُ

وإنِّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسيبُ1

أجارتَنا إنّا غريبانِ ههُنا

وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ

1 الخطوب: الأحداث، عسيب: الجبل الذي مات الشاعر عند سفحه في بلاد الروم.

الشاهد: في البيتين أن الهمزة للنداء في "أجارتنا".

ص: 496

2-

أي: اختلف حولها الرأي في استعمالها لنداء القريب أو البعيد فمن رأي المبرد -وهو إمام نحوي جليل- أنها لنداء القريب، ومن رأي ابن مالك أنها لنداء البعيد، ورأي المبرد -فيما أرجح- هو الأقرب لاستعمال اللغة، ومن ذلك:

- قول الرسول يناجي ربّه: "أي ربّ، إن لم يكنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أبالي".

- قول أعرابية توصي ابنها: "أيْ بنيّ، إيَّاك والنميمةَ، فإنها تزرع الضّغينةَ وتُفَرِّقُ بين المحبين".

3-

يا: يقول ابن مالك: "وللمنادى النائي أو كالنائي "يا" فمن رأيه إذن أنها لنداء البعيد فقط، وهناك آراء أخرى، فيقول أبو حيان -وهو إمام نحوي جليل- "هي أعم الحروف وتستعمل للقريب والبعيد مطلقا".

ويرى ابن هشام مثل هذا الرأي في قوله: "وأعمها "يا" فإنها تدخل على كل نداء".

والمتأمل لاستعمال الحرف "يا" في النداء يصح لديه أنها تستعمل حقا للقريب أو البعيد بلا تفريق، تقول لصديقك:"يا محمد" فتناديه سواء أكان قريبا منك أم بعيدا عنك، وشواهدها أكثر من أن تحصى.

- حين ظفر الرسول بقريش قال لهم: "يا معشرَ قريش ما تظنون أني فاعلٌ بكم"، قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم، قال:"اذهبوا فأنتم الطُّلَقَاء" ا. هـ.

فلا شك أن الرسول كان يخاطبهم وهم بالقرب منه، بدليل أنهم أجابوه حين سألهم.

4-

أيا: يبدو أنها -كما يقول ابن مالك- لنداء البعيد، ومن شواهدها

ص: 497

- قول المجنون:

أَيَا شِبْهَ لَيْلَى لا تُرَاعِي فإنني

لك اليومَ من وَحشِيَّةٍ لصديقُ1

5-

هَيَا: يبدو أيضا أنها تستعمل لنداء البعيد، وهي تماثل الحرف السابق "أيا" والهمزة والهاء يتبادلان صوتيا في اللغة العربية، لأنهما من مخرج واحد، كقولنا "هَيَا محمدُ تعالَ".

ويتلخص هذا الموضوع في الآتي:

أ- الهمزة: لنداء ما هو قريب، وكذلك "أي" على الرأي الراجح الذي يؤيده الاستعمال

ب- يا: لكل من القريب والبعيد على الرأي الراجح الذي يؤيده الاستعمال.

ج- أيا، هيا: لنداء البعيد دون خلاف يستحق الذكر.

ويبقى حرف واحد هو "وا" ويستعمل في أسلوب خاص للنداء هو أسلوب الندبة، وسيأتي ذكره هناك.

حذف حرف النداء:

ينبغي التنبه إلى أن هذا الحكم خاص بالحرف "يا" وحده دون أخواته فالأصل في حرف النداء أن يكون مذكورا، وهذا ما ينطبق على كل حروف النداء غير "يا" أما هذا الحرف فقد ورد في استعمال اللغة محذوفا تخفيفا واختصارا؛ لكثرة دوران استعماله على الألسنة، ومن شواهد حذفه:

- قول القرآن: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 2.

- قول القرآن: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} 3.

1 أيا شبه ليلى: يقصد الظبية، لا تراعي: لا تخافي، وحشية: وحشة وانفراد.

الشاهد: في "أيا شبه ليلى" باستعمال الحرف "أيا" للنداء.

2 من الآية 29 من سورة يوسف.

3 الآية 31 من سورة الرحمن.

ص: 498

- قول الشاعر:

أحقًّا عبادَ اللهِ أن لستُ صادِرًا

ولا وارِدًا إلا عَلَيَّ رقيبُ1

ففي هذه الشواهد وأمثالها حذف حرف النداء "يا" جوازًا، ولو ذكر لكان الكلام واردا على الأصل دون اعتراض.

لكن يصبح هذا الحذف واجبا في كلمة "اللهم" وهي مكونة من لفظ الجلالة "الله" ومن ميم مشددة متصلة به جاءت عوضا عن حرف النداء المحذوف، وهذه الكلمة -بهذه الصورة- هي المستعملة بكثره في نداء اسم الله تعالى، ويقل أن يستعمل لفظ الجلالة وحده دون الميم المشددة.

فإذا استعملت الصورة الأولى "اللهمّ" وجب حذف حرف النداء ويشذ ذكره، وإذا استعملت الصورة الثانية "الله" وجب ذكر حرف النداء ويشذ حذفه، فلنتأمل الشواهد الآتية:

- قول القرآن: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} 2.

- قول أمية بن أبي الصلت:

رضِيتُ بك اللَّهمَّ ربًّا فلن أُرَى

أدينُ إلاهًا غَيرَكَ اللهُ ثانيا3

1 الشاهد: في "عباد الله" حيث حذف حرف النداء "يا" وأصل الكلام: "أحقا يا عبد الله".

2 من الآية 26 من سورة "آل عمران".

3 هذا بيت من أبيات التوحيد التي كان يقولها "أمية بن أبي الصلت" مع أنه لم يسلم.

الشاهد: استخدم في الشطر الأول "اللهم" بحذف حرف النداء "ياء" وهذا أصل في تلك الكلمة مع الميم المشددة، ثم حذف حرف النداء من "الله" في الشطر الثاني، وهذا خلاف الأصل؛ لأن لفظ الجلالة بدون الميم إذا نودي فإنه يجب ذكر حرف النداء معه.

ص: 499

حذف المنادى:

الأصل في المنادى أن يكون مذكورًا لكنه قد ورد محذوفًا في الكلام العربي أحيانا، وذلك في الموضعين الآتيين:

أولا: إذا ورد بعد حرف النداء "يا" فعل أمر أو فعل ماضٍ قُصِدَ به الدعاء، فيلزم حينئذٍ تقدير منادى بين حرف النداء والفعل، كقولك:"كان الحادثُ مروّعًا يا أجَارَكَ الله، مستغيثا بك يا رَعَاكَ الله".

ومن ذلك:

- قراءة الكسائي: "أَلا يَا اسْجُدُوا لِلَّهِ"1 بنطق "اسجدوا" فعل أمر.

- قول الفرزدق:

يَا أَرْغَمَ اللهُ أنْفًا أنتَ حَامِلُهُ

يا ذَا الخَنَى ومَقَالِ الزورِ والخَطَلِ2

ثانيا: إذا ورد بعد الحرف "يا" أحد الحرفين "ليت، رب" فيقدر بين حرف النداء وهذين الحرفين منادى محذوف، ومما ورد لذلك الشواهد الآتية:

- قول القرآن: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} 3.

- قول الرسول: "يا ربَّ كاسيةٍ في الدّنيا عَارِيَةٌ يومَ القِيَامَة" على أنه ينبغي أن نتنبه للملاحظة المهمة الآتية أخيرا عن حذف المنادى

1 من الآية 25 من سورة النمل.

2 تقدم هذا البيت ضمن مقطوعة كاملة، والاستشهاد هنا لدخول "يا" على الفعل "أرغم" فيقدر لها منادى محذوف.

3 من الآية 26 من سورة يس.

ص: 500

فإن بعض النحاة يرى أن المنادى لا يحذف مطلقا، وأن "يا" في الموضعين السابقين إنما هي "حرف تنبيه" ولا علاقة لها بالنداء.

الأسماء التي تنادى:

الأسماء التي تنادى أو أنواع المنادى خمسة، وإليك هذه الخمسة وحكمها حين تنادى من حيث البناء والإعراب:

المفرد العلم: يقصد هنا بالمفرد -كما هو في باب لا: النافية للجنس- ما ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف وإن كان مثنى أو مجموعا، ويقصد بالعلم -كما مر في باب المعرفة والنكرة- ما دلّ على مسماه دون واسطة، وذلك مثل "محمد، خالد، فاطمة" أو "محمدان، فاطمتان" إلخ.

النكرة المقصودة: هو الاسم الذي يكون لفظه نكرة، بحيث يمكن إطلاقها على أفراد كثيرين، ولكن واحدا من هؤلاء الأفراد يتعين بظروف الكلام، أو بتعريف النحاة:"هي التي يقصد بها واحد معيَّن مما يصح إطلاق لفظها عليه ا. هـ" فلنفترض مثلا محاكمة سياسية، يشير فيها الادّعاء إلى أحد المتهمين قائلا:"يا خَائِنُ أنتَ تَسْتَحِقُّ الإعْدَامَ" أو في محاكمة عادية يقول الادعاء فيها: "يا مُجْرِمُ، لا بدَّ أنْ يَقْتَصَّ منكَ المُجْتَمَعُ" فمن الواضح أن لفظي "خائن، مجرم" نكرتان، لكن معناهما تحدد بظروف الكلام، فقصد بهما أحد الأشخاص.

هذان النوعان "المفرد العلم، النكرة المقصودة" حين يناديان يبنيان على ما يرفعان به، فتقول مثلا:"يا مُحَمَّدُ" بالبناء على الضم، وتقول:"يا مُحَمَّدَانِ" بالبناء على الألف و: "يا مُحَمَّدُونَ" بالبناء على الواو.

النكرة غير المقصودة: هي التي تبقى شائعة دون تحديد لفظا ومعنى أو بتعريف النحاة:

"هي التي نقصد بها واحدا غير معين مما يصح إطلاق

ص: 501

لفظها عليه ا. هـ" ومن ذلك ما يقوله خطيب المسجد، والمسجد غاصٌّ بالناس: "يا غَافِلًا تَنَبَّه، ويا ظَالِمًا لَكَ حِسَابٌ عَسِيرٌ" وما يقوله متسوّلٌ أعمى مثلا:"يا مُحْسِنِينَ لله".

المضاف: هو -كما مر في باب "لا النافية للجنس": ما كمل معناه بواسطة اسم آخر مجرور هو "المضاف إليه" كقولنا: "يا صَدِيقَ العُمرِ" أو: "يا طَالِبَ العِلْمِ" أو قول المؤمن داعيًا: "يا رَبَّ السَمَاوَاتِ والْأَرْضِ".

الشبيه بالمضاف: هو -كما مر في باب "لا النافية للجنس": ما كمل معناه بواسطة ما يأتي بعده مما له صلة به غير المضاف بالمضاف إليه، كقولنا مثلا:"يا مُتَطَلِّعًا لِلْمَجْدِ اجْتَهِدْ" أو: "يا قَارِئًا الكَفَّ، هذا دَجَل" أو: "يا طَيِّبًا قَلْبُه، لَكَ الْجَنَّة".

وحكم هذه الثلاثة "النكرة غير المقصودة، المضاف، الشبيه بالمضاف" أنها تنصب وهي معربة، فهي إذن تنصب بالفتحة كقولنا:"يا طَالِبَ العِلْمِ" أو ما ينوب عنها كالياء مثلا في المثنى إذا قلت: "يا طَالِبَي العِلم، اجْتَهِدَا" أو بالألف في الأسماء الستة كقولنا: "يا ذا المال، أنفق على المحتاجين" وهكذا.

فلنحاول التعرف على نوع المنادى في النصوص التالية:

- قول القرآن: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} 1.

- قول العرب قديما: "يا عَظِيمًا يُرْجَى لِكُلِّ عَظِيم، ويا حليمًا لا يعجل ويا جوادًا لا يَبْخَل".

1 من الآية 32 سورة هود.

ص: 502

- قول عبد يغوث الحارثي:

أيا راكبًا إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ

نَدامَايَ من نجرانَ أنْ لا تَلَاقِيَا1

المنادى المضاف لياء المتكلم، والمضاف إلى مضاف للياء

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، كقولك:"يا صَاحِبِي" و "يا صَدِيقِي" و "يا حَبِيبِي" هو نوع من المنادى المضاف، فهو إذن منصوب، لكن بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم.

لكن العرب استخدموا هذا النوع من المنادى بالذَّات على خمسة وجوه، أو بعبارة أخرى وردت فيه خمس لغات هي:

1-

صورة الأصل وهي إثبات الياء الساكنة: كقولنا: "يا صديقِي" ومنه قول القرآن: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} 2.

2-

إثبات الياء مفتوحة: كقولنا: "يا صديقِيَ" ومن ذلك قول القرآن: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} 3.

3-

حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها: كقولنا: "يا صَدِيقِ" ومنه

1 عرضت: معناه مررت عرضا بأهلي وبلدي، نداماي: أصحابي في أوقات البهجة.

يقول وهو سجين: أيا راكبا، إن مررت بأهلي وأصدقائي، فبلغهم رسالة من سجني في "نجران" بأننا لن نتلاقى، لأنني أتوقع النهاية في هذا السجن!!

الشاهد: في "أيا راكبا" المنادى نكرة غير مقصودة، لأنه لا يقصد راكبا معينا، ولذلك جاء منصوبا.

2 من الآية 68 سورة الزخرف.

3 من الآية 53 سورة الزمر.

ص: 503

قول القرآن: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1.

4-

قلب ياء المتكلم ألفا مع قلب الكسرة قبلها فتحة، كقول المهمل:"يا أَسَفَا على مَا فَاتَ" وقول القرآن: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} 2.

5-

حذف الألف مع بقاء الفتحة قبلها: كقولنا: "يا صَاحِبَ" على أن المراد "يا صاحبِي".

هذا: والنحاة يلاحظون الصورة الأصلية -التي تثبت فيها الياء- حين يعربون الصور الأخرى، وبعبارة أخرى أوضح: أنهم يفرضون الصورة الأصلية على بقية الصور، ويتحدثون عن تلك الصور صناعة باعتبار أنها تطور نطقي للصورة الأصلية هكذا:

يا صديقِ: "صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف.

يا صديقًا: "صديقا" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا والمفتوح ما قبلها.

يا صديقَ: "صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة تخفيفا والمفتوح ما قبلها.

ولعل أحسن ما نختم به هذه الفكرة قول "ابن مالك" ملخصا هذه اللغات كلها:

واجعلْ منادى صحَّ إن يُضَفْ لِيَا

كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدا عبدِيَا

أما المنادى المضاف إلى مضاف للياء مثل "يا ابنَ خالِي" و "يا ابن

1 من الآية 16 من سورة الزمر.

2 من الآية 56 من سورة الزمر.

ص: 504

أخي" و "يا صديقَ صديقِي" فليس فيه إلا لغتان هما إثبات الياء سواء أكانت مفتوحة أم ساكنة.

ويستثنى من ذلك تعبيران في اللغة العربية هما "ابن عمِّي، ابن أمِّي"

-إذا نوديا- فقد ورد عن العرب في المضاف للياء اللغات السابقة في المنادى المضاف لياء المتكلم، فلنلاحظ الآتي:

- قول أبي زيد الطائي يرثي أخاه:

يا ابنَ أمِّي ويا شُقَيِّقَ نفسِي

أنت خَلَّفْتَني لدهرٍ شَدِيد1

- قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} 2 بفتح الميم وكسرها.

ويلاحظ هنا أيضا أن الصورة الأولى -بإثبات الياء- تتحكم ذهنيًّا في إعراب الصور الأخرى، كما حدث في المضاف إلى الياء.

كيفية نداء الاسم المعرف بالألف واللام:

من المتعذر نطقا أن يجمع بين حرف النداء "يا" وما فيه الألف واللام من الأسماء، فمن العسير على اللسان أن ينطق "يا الإنسانُ" أو "يا المُجِدُّ" ومن الواضح أن السبب هنا صوتي هو: تلاقي ساكنين: ألف "يا" والحرف الساكن في الاسم المعرف بالألف واللام.

تخلصا من هذا الثقل لجأت اللغة العربية إلى كلمات تعتبر وسائط بين

1 الشاهد: قوله: "يا ابن أمي" فالمنادى مضاف إلى مضاف إلى الياء وقد ثبتت الياء في كلمة "أمي" وهذه إحدى اللغات في هذه العبارة.

2 من الآية 150 من سورة الأعراف.

ص: 505

حرف النداء وما فيه "أل" وهي كما يلي:

1-

إحدى الكلمتين "أيّ، أيّة" فتقول: "يا أَيُّهَا المُجَاهدُ" أو "يا أَيَّتُهَا الزَّمِيلَةُ" وجاء في القرآن: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 1، وقوله:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} 2.

2-

اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب، كقول أحد الزّهاد:"يا هذه الدُّنْيا غُرِّي غَيْرِي".

3-

كل من الكلمتين "أيّ + اسم الإشارة" كقولك في خطاب لصديقك: "يا أيّهذا الصديقُ إليك تحياتي" ومنه قول ذي الرمة:

ألا أيُّهذا المنزلُ الدَّارسُ الذي

كأنَّك لَمْ يعْهَدْ بِك الحَيَّ عَاهِدُ3

هذا، وقد جاء في الأشموني نصا عن إعراب ما فيه "أل" بعد "أي، أية" ما يلي: ظاهر كلام ابن مالك أنه صفة مطلقا -وقد قيل عطف بيان- وقيل إن كان مشتقًّا فهو نعت، وإن كان جامدا فهو عطف بيان، وهذا أحسن ا. هـ.

إعراب: يا أيُّهَا المُجَاهِدُ: يا: حرف نداء، أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب، ها: حرف تنبيه، المجاهد: صفة كلمة "أي" على اللفظ مرفوع بالضمة أو عطف بيان، والأول أحسن.

إعراب: يا أيُّها الإنسانُ: كلمة "أيها" مثل السابق، الإنسان: صفة أو عطف بيان، والأخير أحسن "ما فيه "أل" بعد اسم الإشارة مثل السابق".

1 الآية 6 من سورة الانفطار.

2 الآية 27 من سورة الفجر.

3 الشاهد في "ألا أيهذا المنزل" فأصله: "ألا يا أيهذا المنزل" قبل حذف "يا" وأخذ هذا الأصل في نداء ما فيه الألف واللام "المنزل" فكانت الوسيلة "أيهذا" المكونة من "أي + اسم الإشارة".

ص: 506