الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب الترخيم:
1-
معنى كلمة الترخيم في اللغة والمقصود به لدى النحاة.
2-
كيفية ترخيم المنادى ويشمل:
أ- ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث وغير المختوم بها.
ب- حذف حرف أو حرفين أو كلمة كاملة منه.
ج- لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر بعد الحذف.
3-
ترخيم غير المنادى في ضرورة الشعر.
معنى الترخيم:
جاء في القاموس: رخُم الكلام ككرم فهو رخيم، لان وسهل كرخَمَ كنَصَر والجارية صارت سهلة المنطق، فهي رخيمة ورخيم، ومنه الترخيم في الأسماء؛ لأنه تسهيل للنطق ا. هـ. وفي أساس البلاغة: كلام رخيم ورخيم الحواشي: رقيق ا. هـ.
ويستخلص من ذلك أن الترخيم في اللغة معناه: التليين والتسهيل والرقة ويبدو أن النحاة قد راعوا هذه المعاني حين حددوا معنى الترخيم اعتبارًا للظروف التي يرد فيها في المنادى، إذ يرد في مقام اللين والرقة، ويقصد به غالبا التدليل للصغار أو الأحباب أو الأصدقاء، ويستدعي ذلك تخفيف النطق وتسهيله بحذف آخر الكلام.
لذلك عرف الترخيم بما يقوله ابن هشام: "من أحكام المنادى الترخيم، وهو حذف آخره تخفيفا".
ثم علق على ذلك بقوله: وهي تسمية قديمة، وروي أنه قيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ:"ونَادَوا يا مالِ" يقصد "مالك" خازن النار، فقال: ما كان أشغلَ أهل النار عن الترخيم ا. هـ.
وكأنما يقصد ابن هشام من هذا التعليق، أن إطلاق لفظ الترخيم على حذف آخر المنادى تسمية قديمة قبل أن يطلقها عليه النحاة فيما بعد، فقد أطلقها العرب قبل النحاة، وهذا أمر يحتاج إلى تحقيق أكثر من ذلك.
كيفية ترخيم المنادى:
ينبغي أولا معرفة ما يرخم من الأسماء التي تنادى بلا شروط وما لا يرخم إلا بشروط، وهي خطوة ينبغي معرفتها قبل القيام بالترخيم، ثم تأتي خطوة أخرى لمعرفة كمية الحروف التي تحذف من الاسم حين القيام بترخيمه وأخيرًا معرفة شكل آخر الاسم المرخم بعد أن حذف منه ما حذف.
هي إذن خطوات ثلاث ينبغي منطقيًّا فهمها بهذا الترتيب، وينبغي نحويًّا معرفتها جميعا متضامنة لفهم الطريقة التي نحصل بها على الاسم المرخم في صورته النهائية، وإليك شرحها بهذا الترتيب.
أ- ترخيم المنادى المختوم بالتاء والمجرد منها
إذا كان المنادى مختوما بتاء التأنيث جاز ترخيمه مطلقا بلا شروط
ومعنى ذلك أن المختوم بالتاء يصح ترخيمه سواء أكان مفردا علما كقولنا في "فاطمة، عائشة": "يا فاطمَ ويا عائشَ" أم كان نكرة مقصودة كقولنا في "مُهملة ومُسلمة": "يا مُهملَ ويا مُسلمَ" وسواء أكانت التاء واردة بعد ثلاثة أحرف فأكثر كالأمثلة السابقة أم كانت واردة بعد أقل من ثلاثة أحرف
مثل "هِبَة" فتنادى مرخمة "يا هِبَ" كما يستوي في ذلك المختوم بالتاء أن يكون عَلَمًا لمؤنث كما سبق أو عَلَمًا لمذكر كما نقول في "معاوية، طلحة": "يا معاويَ، يا طلحَ"، هذا هو المراد بالإطلاق.
ومن شواهد ذلك ما يلي:
قول امرئ القيس:
أفاطمَ مهْلًا بعضَ هذا التدلُّلِ
…
وإن كنتِ قد أزْمَعْتِ صَرْمِي فأجْمِلي1
قول عنترة:
يدعون عنترَ والرّماحُ كأنها
…
أشطانُ بئر في لَبَانِ الأدْهمِ2
أما إذا كان المنادى غير مختوم بالتاء، فقد اشترط النحاة لجواز ترخيمه أن تجتمع له الصفات التالية، وهي:
1 التدليل: بمعني "الدلال" وهو جرأة المرأة على الرجل في رقة، أزمعت صرمي: عزمت على مقاطعتي وفراقي، فأجملي: فترفقي في ذلك.
يقول: كفى يا فاطمة هذا التدلل عَلَيَّ، فقد أتعبتني، فإن كنت عازمة على الفراق، فليكن فراقا جميلا.
الشاهد: في "أفاطم" أصلها "أفاطمة" فهو منادى به تاء التأنيث، ورخم بحذف التاء.
2 أشطان بئر: الحبال التي تربط الدلاء لتنزح الماء من البئر، لبان: -بفتح اللام والباء- صدر، الأدهم: الفرس.
يقول: إنني أعرف وقت الشدة، فحين يشتد القتال، وتصير الرماح في صدور الجياد كالحبال في البئر يبحثون عني وينادون باسمي.
الشاهد: في "عنتر" وأصله "يا عنترة" حذفت منه "يا" حرف النداء وحذفت تاء التأنيث اللفظي منه للترخيم.
1-
أن يكون المنادى علما أو نكرة مقصودة، وفي الثاني منهما كلام طويل لا حاجة إليه هنا.
2-
أن يكون المنادى مبنيا على الضم، فلا يصح الترخيم في نحو "يا محمدان، يا محمدون" والأول يبنى على الألف، والثاني يبنى على الواو.
3-
أن يكون على أربعة أحرف فأكثر.
فلا بد إذن لصحة الترخيم من اجتماع هذه الشروط الثلاثة، وذلك مثل "أحمد، جعفر" تقول فيهما مرخمين: "يا أحْمَ، يا جعفَ" وكذلك "سعاد، زينب" تقول: "يا سُعَا، يا زَيْنَ".
ومن ذلك قول الشاعر:
يا حَارِ لا أرْمين منكم بداهيةٍ
…
لم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قبلي ولا مَلِكُ1
وقول الآخر:
يا صاحِ إمَّا تجدْني غيرَ ذي جِدَةٍ
…
فما التَّخَلِّي عن الخلّانِ من شِيَمِي2
1 الداهية: المصيبة العظمى، سوقة: عوام الناس.
الشاهد: في "يا حار" أصله "يا حارث" ورخم بحذف التاء، وقد استوفى الشروط المطلوبة فيما خلا من تاء التأنيث.
2 جدة: غنى، الخلان: الأصدقاء والأحباب، شيمي: طبيعتي وخلقي.
يقول: إن أكن غير غني فأنا شهم، لا أترك إخواني وأصدقائي في وقت الشدة، وليس هذا من طبيعتي وأخلاقي.
الشاهد: في "يا صاح" أصلها "يا صاحب" فحذفت الياء للترخيم، وهو مستوف للشروط فيما خلا من تاء التأنيث.
ب- ما يحذف حين الترخيم:
يحذف للترخيم من آخر المنادى حرف واحد أو حرفان أو كلمة كاملة.
أما حذف حرف واحد فهو الأصل في الترخيم، وهو الكثير الغالب ومن ذلك الكلمات "عائشة، فاطمة، نادية، أحمد، خالد" فنقول فيها على الترتيب: "يا عائشَ، ويا فاطمَ، ويا ناديَ، ويا أحمَ، ويا خالِ".
ومن ذلك ما قرئ في القرآن حكاية عن كلام أهل النار: "وَنَادَوْا يَا مَالِ"1 بحذف الكاف، وقد مرّ قول ابن عباس عن ذلك:"ما كان أشغل أهلَ النار عن الترخيم" لأنه يأتي في مقام التدليل، وأهل النار في مقام الجزع والندم.
أما حذف حرفين من آخر الكلمة حين الترخيم فلا يتحقق إلا في الاسم الذي اجتمعت في حروفه الصفات التالية:
1-
أن يكون الاسم المرخم على خمسة أحرف فصاعدا.
2-
أن يكون الحرف الذي قبل الحرف الأخير معتلا ساكنا.
3-
أن يكون هذا الحرف زائدا لا أصليا.
ومن الكلمات التي اجتمعت فيها هذه الشروط "مروان، أسماء، نعمان، منصور" فنقول حين تنادى مرخمة "يامروَ، يا أسمَ، يا نُعْمَ، يا منصُ" ومن ذلك الشواهد الآتية:
1 الآية 77 سورة الزخرف.
- قول الفرزدق:
يا مروُ إن مَطِيَّتي محبوسةٌ
…
ترجو الحِبَاءَ وربُّها لم يَيْأسِ1
- قول لبيد:
يا أسمَ صبرًا على ما كان من حَدَثٍ
…
إن الحوادثَ ملقيٌّ ومنتظَرُ2
أما حذف كلمة كاملة فإنما يكون في حالة واحدة هي المركب المزجي إذا نودي، فالعرب قديما يقولون في "معد يكرب":"يا مَعْدِي" حين الترخيم.
والخلاصة: أن الأصل في الاسم حين يرخم أن يحذف منه حرف واحد وذلك بلا شروط، وأن حذف حرفين منه يكون في أسماء خاصة تقدمت صفاتها، وأن حذف كلمة لا يكون إلا في المركب المزجي فقط.
ج- لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر:
"من ينتظر ومن لا ينتظر" هاتان صفتان لاستعمالين عربيين للاسم المرخم بعد أن حذف من آخره ما حذف، فلأيّ شيء يكون الانتظار أو عدم الانتظار؟
من الواضح أن الاسم المنادى بعد أن حذف منه ما حذف صار كلمة
1 مطيتي: ما يمتطى ويركب من الدواب، محبوسة: واقفة ببابك، الحباء: العطاء، ربها: صاحبها، لم ييأس: لم يصبه اليأس من عطائك.
الشاهد: في "يا مرو" أصله "يا مروان" فحذف منه حرفان، وقد استوفى الشروط اللازمة لحذفهما.
2 حدث: نازلة من نوازل الدهر.
يقول: يا أسماء، لنصبر على أحداث الحياة، فإنها ستصيبنا حتما، ونحن منها بين أمرين، إما أن تحدث وتمضي، وإما أن تأتي مستقبلا ولا بد أن تأتي.
الشاهد: "يا أسم" أصلها "يا أسماء" فرخم بحذف حرفين منه، وقد استوفى شروط حذف الحرفين.
مشوهة ناقصة الحروف، كما أن الحرف الأخير منه بعد الحذف ليس هو الحرف الأخير منه قبل الحذف، فقولنا مثلا:"يا فاطمةُ" قبل الحذف غير قولنا: "يا فاطم" سواء من حيث الحروف أو من حيث آخر الكلمة.
هذا الاسم المنادى الذي حذف آخره يستعمله العرب بعد هذا الحذف على لغتين هما: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، ويقصد بالانتظار: التوقف عند ما بقي من الكلمة بعد الحذف، فلا يغير فيها شيء؛ لأن ما حذف منها كأنه موجود تقديرا، فنقول مثلا في "يا عائشة":"يا عائشَ" بفتح الشين ونقول في "يا أحمد": "يا أحمَ" بفتح الميم.
أما من لا ينتظر فهو الذي لا يتوقف انتظارا للمحذوف، بل يعامل ما بقي من الكلمة على أنه كلمة مستقلة، فيضم آخرها مبنية فيقول في المثالين السابقين:"يا عائشُ" و"يا أحمُ" وعلي ذلك:
فلغة من ينتظر: هي تلك اللغة التي تعامل الاسم المرخم على اعتبار أنه اسم غير كامل الحروف، فتتوقف عند ما بقي من حروفه على ما هي عليه دون تصرف فيه انتظارا للمحذوف مثل "يا فاطمَ".
أما لغة من لا ينتظر: فهي تلك اللغة التي تعامل الاسم المرخم على اعتبار أنه اسم مستقل قد قطع عما حذف منه، وحينئذٍ يتصرف في آخره بما يقتضيه بناؤه على الضم "يا فاطمُ".
ولعلنا بعد هذا الشرح يمكن أن نفهم قول ابن هشام نصا:
"الترخيم يجوز فيه قطع النظر عن المحذوف، فتجعل الباقي اسما برأسه، فتضمه، ويسمى لغة من لا ينتظر، ويجوز ألا تقطع النظر عنه، بل تجعله مقدرا، فيبقى ما كان على ما كان عليه، ويسمي لغة من ينتظر، فتقول على اللغة الثانية في "جعفر": "يا جَعْفَ" ببقاء فتحة الفاء، وفي "مالك"
"يا مالِ" ببقاء كسرة اللام -وهي قراءة ابن مسعود- وتقول على اللغة الأولى: "يا جعفُ ويا مالُ" بالضم ا. هـ.
الترخيم لضرورة الشعر:
الأصل في الترخيم أنه حكم من أحكام المنادى، بمعنى أن الاسم الذي يصح ترخيمه هو الاسم المنادى فقط، فإذا كان الاسم غير منادى لا يصح ترخيمه، بل يستعمل كاملا دون حذف شيء منه.
هذا هو الأصل: لكن النحاة استثنوا من ذلك ما يضطر إليه الشاعر في شعره، ولا يجد مفرًّا من حذف بعض الكلمة، حينئذٍ يجوز له الحذف مع أن الاسم غير منادى؛ لأن مجال الشاعر في استعمال الكلمات ضيق؛ لحاجته للوزن والقافية والتقديم والتأخير فيباح له ما لا يباح للناثر، ويطلق على هذا المباح له اسم "ضرورة الشعر"، ومن ذلك المباح حذف أواخر بعض الكلمات دون أن تكون مناديات.
ومما يستشهد به لذلك قول امرئ القيس:
لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إلى ضوءِ نارِه
…
طَريفُ بنُ مَالِ ليلةَ الجوعِ والخَصَر1
ومن ذلك أيضا قول جرير:
ألا أضحتْ حبالُكم رِمَامَا
…
وأضحتْ مِنكَ شاسعةً أُمَامَا2
1 تعشو إلى ضوء ناره: تقصدها، الخصر: -بفتح الصاد- شدة البرد.
الشاهد: "طريف بن مال" أصله "طريف بن مالك" فرخمت "مالك" مع أنها غير منادى لضرورة الشعر.
2 أضحت: بمعنى صارت، حبالكم: يقصد روابط المودة والألفة، رماما: بالية متقطعة، شاسعة: بعيدة عنك بعدا شديدا، أماما: اسم حبيبته.
يقول: لقد انقطع الود والحب وبعدت أمامة عني بعدا شديدا، بعدًا لا لقاء بعده.
الشاهد: في "أماما" أصلها "أمامة" وهي اسم "أضحى" مؤخر، فليست منادى، ورخمت لضرورة الشعر.