المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النعت "الصفة": 1- معنى النعت لدى اللغويين والنحاة، وما يفيده للمنعوت - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌النعت "الصفة": 1- معنى النعت لدى اللغويين والنحاة، وما يفيده للمنعوت

‌النعت

"الصفة":

1-

معنى النعت لدى اللغويين والنحاة، وما يفيده للمنعوت من معانٍ نحوية وبلاغية.

2-

المقصود بالمصطلحين النحويين "النعت الحقيقي، النعت السببي" وكيفية مطابقتهما للمنعوت.

3-

ما ينعت به هو "المشتق، ما يشبه المشتق، المصدر، الجملة، شبه الجملة".

4-

قطع النعت عن المنعوت "معناه، الأسلوب الذي يرد فيه".

- حذف كل من النعت أو المنعوت.

معني النعت:

اختار النحاة كلمة "النعت" دون "الصفة" وإن كان كلاهما بمعنى واحد في اللغة، فقد جاء في أساس البلاغة: هو منعوت بالكرم وبخصال الخير، ومن كلام العرب: هو حُرُّ المنابِت حسَنُ المناعت، أي: طيّب الأصل حسن الصفات.

فالغالب على تعبير النحاة أن يقولوا: "النعت والمنعوت" وتساوي تماما: "الصفة والموصوف" لكن المعربين -وبخاصة المبتدئين- على العكس من ذلك، إذ الغالب عليهم أن يستعملوا الصفة والموصوف، ويقل في كلامهم أن يستعملوا النعت والمنعوت.

أما لدى النحاة فقد اختلفت الألفاظ التي تحدد النعت، وإن تلاقت جميعها في النهاية على معنى واحد، والذي يستخلص من مجموع كلامهم أن النعت يمكن تحديده بما يلي:

ص: 571

هو الاسم المشتق أو المؤول بالمشتق الذي يكمل به المنعوت ببيان صفة من صفاته أو من صفات اسم آخر له صلة بالمنعوت ا. هـ.

فالذي يجب أن يتوافر للنعت إذن هو الصفات التالية:

أ- أن يكون مشتقا أو مؤولا بالمشتق -سيأتي بيانهما- كما تقول: "أنا إنسانٌ مُعتَزٌّ بعروبته، قد أكونُ مُواطِنًا مصريًّا، لكنني أتكلم لغةً عربيةً، وأعيشُ فوق أرض عربيةٍ".

ب- أن يكمل به المنعوت، والمقصود بذلك أن يكون تابعا له، فيتكامل معناهما، فالمنعوت في حاجة إليه، وهو متمم لمعناه، كما تقول "ذاكرتُ مذاكرةً جيدةً بنفسٍ راضيةٍ وعقلٍ متفتحٍ".

ج- أن يدل على صفة في المنعوت -وهذا هو الأصل في النعت- أو صفة لاسم آخر يأتي بعده له صلة بالمنعوت، فلنلاحظ الأمثلة الآتية:

انتبه الطَّالبُ المتفتِّحُ، انتبه الطالبُ المتفتِّحُ عقلُه.

دخلتُ حديقةً مزهرةً، دخلت حديقةً مزهرةً أشجارُها.

المعاني النحوية والبلاغية التي يفيدها النعت:

عبارة واحدة تحدد ما يفيده النعت نحويا هي "النعت يوضح المعارف ويخصص النكرات" فالنعت إذن يفيد أحد أمرين:

الأول: توضيح المعارف: فإذا كان المنعوت معرفة، كانت مهمة النعت أن يجلوَه أكثر لنا، تقول "شوقي الشاعرُ لُقِّبَ بأمير الشعراء سنة 1927" أو "العقادُ الكاتبُ مفكِّرٌ عظيم أجاد كتابةَ العبقرياتِ الإسلامية".

الثاني: تخصيص النكرات: فإذا كان المنعوت نكرة، كانت مهمة النعت تخصيصه، بمعنى التقليل من إبهامه، وتقريبه نوعا ما من الوضوح، كقولنا "يحتاج العلم إلى قلب مفتوح وعقل متفتح".

ص: 572

فالغرضان السابقان يفيدهما النعت نحويًّا، ولا يخلو أسلوب من أساليبه من واحد منهما، ومع ذلك فإنه يفيد معاني أُخَر إلى جوارهما وهي معانٍ بلاغية لا نحوية، وهي كثيرة يحددها أسلوب الكلام الذي وردت فيه وإليك بعض هذه المعاني بصرف النظر عن الخلاف حول عددها، فهو خلاف لا طائل وراءه؛ لأنها -كما سبق- معانٍ بلاغية أسلوبية، ومنها:

1-

المدح: كقولك: "لي صديقٌ كريمُ النفس طيّبُ الأخلاق".

2-

الذم: كقولك: "أحتقرُ الضَّيفَ الثقيل والزائرَ المطيل والمضيف البخيل" ومن ذلك قولنا في بداية القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

3-

الترحم والاستعطاف: كقول المحامي في موقف القضاء: "انظروا إلى هذا المتَّهمِ المظلومِ، فإنه أبٌ لأبناءٍ مساكينَ".

4-

التوكيد: إذا كان معنى النعت مستفادا من المنعوت، كقول العرب:"أمْسِ الدابرُ المنقضي زمانُه لا يعود" وقول القرآن: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .

5-

التعميم: كقولنا: "تُطَبّقُ العدالةُ على الناسِ الفقراءِ والأغنياءِ الصغيرِ منهم والكبير" ومن ذلك ما ورد في الأثر: "إن الله يرزقُ عبادَه الطائعين والعاصين الساعيةَ أقدامُهم الساكنةَ أجسامُهم".

6-

التفصيل: كقولك: "زارني صديقان قاهريٌّ وريفي" أو: "قرأت كتابين نحويًّا وأدبيًّا".

إلى غير ذلك من الأغراض، وهي كثيرة تعرف من سياق الكلام الذي وردت فيه.

النعت الحقيقي والنعت السببي:

"الحقيقي والسببي" مصطلحان نحويان مشهوران ينسبان لباب النعت

ص: 573

يصفان الصورتين اللتين يرد عليهما النعت في اللغة العربية، وكل منهما في حاجة إلى فهم أمور ثلاثة عنه هي:

أ- المقصود بهذه التسمية، وبعبارة أخرى: لماذا سمي الأول حقيقيا والثاني سببيًّا.

ب- تصور النحاة لهما، أو بعبارة أخرى: تحديد النحاة لكلتا الصورتين.

ج- صفات التطابق النحوية التي ينبغي أن تصحب كل واحدة من الصورتين، وذلك بالتوضيح التالي:

النعت الحقيقي:

الإجازةُ فرصةٌ طيبةٌ لراحةِ الجسمِ المجهدِ والعقلِ المكدودِ.

والحياةُ فرصةٌ فريدةٌ للعملِ النافعِ والعيشِ المريحِ.

يسمي هذا النعت "حقيقيا"؛ لأنه بالنسبة للمنعوت صفة حقيقية له من حيث المعنى ومن حيث اللفظ، ولنتأمل في الأمثلة السابقة "فرصة طيبة، الجسم المجهد، العقل المكدود، العمل النافع، العيش المريح" حيث نجد الكلمة الثانية أدت مهمة النعت للكلمة التي سبقتها سواء أكان ذلك من حيث المعنى أم اللفظ، وقد جاء في تنقيح الأزهرية توضيح ذلك بما يلي:"سمي هذا النعت حقيقيا لجريانه على المنعوت لفظا ومعنى، أما لفظا؛ فلأنه تابع له في إعرابه، وأما معنى؛ فلأنه نفسه في المعنى"ا. هـ.

لذلك: حدد النحاة هذا النعت بتعريفات متعددة يجمعها كلها الآتي:

النعت الحقيقي: هو ما اتجه لمتبوعه السابق عليه في المعنى وفي اللفظ فهو من حيث المعنى قد أفاد صفة للمتبوع السابق، ومن حيث اللفظ يتبعه في الإعراب وأحوال التطابق الأخرى، فمن كلام الرسول: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ

ص: 574

وأحبُّ إلى الله من المؤمنِ الضعيفِ" ونقول: "القوةُ الجاهلةُ حماقةٌ مهلكَةٌ والقوةُ العاقلةُ شجاعةٌ مفيدةٌ".

فالصلة إذن في هذه الصورة بين النعت والمنعوت صلة قوية جدا، ومن أجل ذلك يجب التطابق التام بينهما، بأن يتفق مع المنعوت السابق عليه في الآتي:

أ- أوْجُه الإعراب، الرفع والنصب والجر.

ب- التعريف والتنكير.

ج- الإفراد والتثنية والجمع.

د- التذكير والتأنيث.

فهذه صفات عشر يحمل النعت ومنعوته أربعا منها في كل مثال، حيث يتطابقان تماما في هذه الأربعة، فلنطبق ذلك على الأمثلة التالية:

الصديقُ الوفيُّ خيرٌ من أخٍ شقيقٍ.

الصديقان الوفيّان خيرٌ من أخوين شقيقين.

إن الأصدقاءَ الأوفياءَ خيرٌ من الإخوةِ الأشقاءِ.

الصديقةُ الوفيةُ خيرٌ من أختٍ شقيقةٍ.

ولعلّنا بعد هذا الشرح السابق نفهم تلك العبارة المشهورة بين المشتغلين بالنحو -والمعربين منهم خاصة- عن النعت الحقيقي وهي: "يتبع النعت الحقيقي منعوته في أربعة من عشرة" ويقصدون بذلك أنه يتفق معه في واحد من أوجه الإعراب الثلاثة، وفي واحد من التعريف أو التنكير، وفي واحد من الإفراد أو التثنية أو الجمع، وفي واحد من التذكير أو التأنيث، فيجتمع فيه في وقت واحد أربع صفات من عشر، وهكذا هو دائما.

ص: 575

النعت السببي:

وَيْلٌ لأمَّةِ سائدٍ جُهَّالُها متحكِّمٍ فيها سفهاؤُها.

وَوَيْلٌ لشعبٍ صامتٍ عقلاؤُه متسلطةٍ عليه أهواؤُه.

يسمى هذا النعت "سببيا" لأنه في الحقيقة وواقع الأمر ليس تابعا للاسم السابق عليه من حيث المعنى، فهو لا يتجه إليه، وإنما يتجه للاسم الذي يأتي بعده، ففي الأمثلة السابقة مثلا يلاحظ أن "السيادة" متجهة للجهال لا للأمة، وأن "التحكم" متجه للسفهاء لا للأمة أيضا، وكذلك "الصمت" للعقلاء لا للشعب، ومثله "التسلط" للأهواء لا للشعب.

فهذه الصورة إذن -بهذا الاعتبار- خارجة عن مفهوم التوابع لولا أن الاسم المتأخر الذي يتجه إليه الوصف يحمل ضمير الاسم السابق على الوصف كما يلاحظ في "جهالها، سفهاؤها، عقلاؤه، أهواؤه"، فهذا الضمير إذن صلة بين المتبوع والمتقدم والموصوف الحقيقي -إنه سفير بينهما- وأدى بالتالي إلى وجود صلة بين الوصف والمتبوع المتقدم، فهو إذن سبب اعتبار هذه الصورة في اللغة من باب النعت، وأطلق عليها النحاة اسم "النعت السببي" بسبب هذا الضمير.

وقد عرف النحاة هذه الصورة من صور النعت تعريفات متعددة يمكن توضيحها بما يلي:

النعت السببي: ما اتجه من حيث المعني لوصف اسم ظاهر بعده مرفوع واتجه من حيث اللفظ إلى المتبوع السابق عليه، ووجدت الصلة بين المتبوع المتقدم والموصوف المتأخر بضمير يحمله الاسم اللاحق.

ص: 576

فلنلاحظ الأمثلة التالية:

- يحترمُ الناسُ كلَّ فتاةٍ متينةٍ أخلاقُها

فتاة: متبوع متقدم

متينة: نعت سببي

أخلاقُها: مرفوع متأخر بالنعت وفيه ضمير المتبوع

- فهم يُقبلون على الفتاةِ الشريفِ اسمُها

الفتاة: متبوع متقدم

الشريف: نعت سببي للفتاة

اسمها: مرفوع متأخر بالنعت، وفيه ضمير المتبوع

- ويعرضون عن الأخرى السيّئةِ سمعتها

الأخرى: المتبوع المتقدم

السيئة: نعت للأخرى

سمعتها: مرفوع بالنعت، ويحمل ضميرا يعود إلى كلمة "الأخرى"

فالنعت السببي -كما سبقه فهمه- يتنازعه المتبوع السابق عليه والمرفوع به اللاحق له من حيث اللفظ والمعنى، فكيف يكون موقفه من حيث أحوال التطابق العشرة السابقة في النعت الحقيقي؟؟

لقد روعي كلا الجانبين في هذا النعت من حيث أحوال التطابق على التفصيل التالي:

أ- يراعى جانب المتبوع السابق في أحوال الإعراب الثلاثة، وفي التعريف والتنكير، فيجب حينئذٍ أن يطابقه في الإعراب، وفي التعريف والتنكير.

ص: 577

ب- يراعى جانب الاسم المرفوع به اللاحق في الأمور الخمسة الباقية وهي الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فيعامل النعت حينئذٍ باعتباره عاملا رفع الاسم الظاهر بعده "راجع باب الفاعل" فيبقى دائما مفردا فلا يثنى أو يجمع -كما هو شأن الفعل مع الفاعل في اللغة الفصحى- ويذكر أو يؤنث بحسب التفصيل الذي مر في باب الفاعل، فلنطبق ذلك على ما يلي:

- قول القرآن: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} 1.

- قول الشاعر:

لَحَا اللهُ وَفْدَيْنَا وما ارتَحَلَا بِهِ

من السَّوْءَةِ البَاقِي عليهم وَبَالُها2

هذا: وقد وضع النحاة علامة يمكن بواسطتها التفريق بين الصورتين السابقتين للنعت قالوا:

النعت الحقيقي: ما رفع ضميرا مستترا يعود إلى المنعوت، نحو "جاء محمد العاقل".

1 من الآية 75 من سورة "النساء".

2 لحا الله: جاء في القاموس "لحاه يلحوه" شتمه، وهذه الجملة تستعمل في الدعاء على المخاطب بالسب واللعن، السوءة: النقيصة والخزي، وبالها هلاكها.

المعنى: إن لنا وفدين يستحقان السب والشتم، فقد ارتحلا بالعار الذي بقيت بعدهما آثاره وشناره.

الشاهد: في "من السوءة الباقي عليهم وبالها" فإن "الباقي" نعت سببي ومتبوعه "السوءة" والمرفوع به "وبالها" وقد روعي المتبوع في الإعراب، فهو مجرور مثله، وفي التعريف، فكلاهما فيه "أل" وروعي في وجوه التطابق الباقية المرفوع باعتباره فاعلا له، فبقي النعت مفردا ومذكرا؛ لأن المرفوع يقتضيه كذلك.

ص: 578

والنعت السببي: ما رفع اسما ظاهرا متصلا بضمير يعود إلى المنعوت نحو "جاء محمد العاقل أبوه" ا. هـ.

ما ينعت به

الذي يقع نعتا أمور خمسة هي: المشتق، والمؤول به، والمصدر، والجملة، وشبه الجملة، ولكل منها حديث يخصه على التفصيل الآتي:

أولا: المشتق:

هذا هو الأصل في النعت، ولا يقصد المشتق عامة، بل يقصد نوع خاص منه هو الوصف، ويقصد به -كما تقدم في الحال- ما دل على حدث وصاحبه وذلك:

ا- اسم الفاعل: كما جاء في الأثر: "الغنيُّ الشاكرُ خيرٌ عند الله من الفقيرِ الصابرِ".

2-

اسم المفعول: كقولنا "شيئان يجلبان العار: الحقُّ المنهوبُ والشرفُ المسلوبُ".

3-

الصفة المشبهة: كقولنا: "لا يستوي في الميزان الرجلُ الشجاعُ والآخر الجبانُ".

4-

أمثلة المبالغة: كقولنا: "قِوَامُ الإنسانِ شيئان: لسانٌ قَوَّالٌ وقلبٌ مِقْدَامٌ".

5-

أفعل التفضيل: كقولنا في سجود الصلاة: "سبحانَ ربِّنا الأَعْلَى".

ثانيا: ما يشبه المشتق:

ويقصد به الأسماء الجامدة التي يمكن أن تؤول بمشتق، أي يمكن أن يتصور من معناها اسم مشتق تدل عليه.

ص: 579

ومن البيّن أن هذا الصنف على خلاف الأصل، وهي أمور كثيرة من أشهرها ما يلي:

1-

أسماء الإشارة، ولا بد أن تكون بعد أسماء معارف، ليتفق الاثنان في التعريف، كقولنا "قابلتُ صديقي هذا في الشارعِ ذاك".

ويؤول ذلك بكلمة "المشار إليه" وهي مشتقة، وأيضا أسماء الموصول المبدوءة بهمزة الوصل، مثل "القرآن كلام الله الذي أنزل على محمد".

2-

ما كان بمعنى صاحب من الأسماء، وذلك "ذو" وما تفرع عنها وكذلك "أولو" و "أولات" -وقد تقدم ذكرها جميعا- كقولنا:"شعبُنا شعبٌ ذو تاريخ، وأمَّتُنا أمّةٌ ذاتُ حضارة، ففيها فتيانٌ أولو خبرةٍ وفتياتٌ أولاتُ أخلاق" ويؤول ذلك بكلمة "صاحب" وما يتفرع عنها، وهي مشتقة.

3-

ما كان من الأسماء مختوما بياء النسب: كقولنا: "ما زال الإنسانُ الأوروبيُّ يتعالَى على الإنسانِ الإفريقيِّ ويُعادِيه بسبب لونه".

ويؤول هذا بكلمة "المنسوب إلى كذا" وهي مشتقة، وأيضا كلمة "ابن" بين علمين وليست خبرا، مثل:"عاش محمد بن عبد الله فقيرا ومات فقيرا".

4-

أسماء الأعداد، كقولنا:"يتكونُ بابُ النعتِ من أفكارٍ خَمْسٍ" أو: "ألقيتُ المحاضرةَ على الطلابِ التسعين".

وهذا يؤول بتقدير كلمة "المعدود" وهي مشتقة.

5-

لفظة "أي" إذا أضيفت لنكرة تماثل المنعوث في المعنى، كقولنا "كان عمرُ بنُ الخطاب عادلا أيَّ عدل" أو "اتَّخَذَ النبيُّ أبا بكر صاحبًا أيَّ صاحبٍ"، ومثل ذلك الألفاظ "كلّ، جِدّ، حَقّ" مضافة لاسم جنس يكمل معنى الموصوف، مثل "هذه هي الحقيقةُ كلُّ الحقيقة" و "أنت صديقٌ جِدّ وفيّ" أو "أنت الصديقُ حقُّ الصديق".

ص: 580

ثالثا: المصدر قال ابن مالك

ونعتوا بمصدرٍ كثيرا

فالتزموا الإفرادَ والتذكيرا

ومن البيّن أن المصدر اسم معنى جامد، فالنعت به على خلاف الأصل، ومن صفته حين ينعت به أن يلتزم دائما في الإفراد والتذكير، فلا يثنى أو يجمع وكذلك لا يؤنث، تقول:"كان الخلفاءُ الراشدون رجالًا عَدْلًا في حكمهم" ويقال: "شهادةُ امرأتين عَدْلٍ تقوم مقام رجلٍ فَرْدٍ".

وليس من المفيد التعرض هنا لخلاف العلماء حول علاقة المصدر بالمنعوت "من النعت بلفظه أو تأويله بمشتق أو تقدير مضاف معه"، وإنما المفيد أن يعلم أن المصدر يقع نعتا بكثرة، تماما كما يقع حالا بكثرة في اللغة.

رابعا: الجملة الاسمية والفعلية

نقول: "دعا الإسلامُ إلى أمةٍ كلمتُها واحدة، وإلى مجتمعٍ يتكافل أهلُه؛ ليعيش المسلمون قوّة لا تُقهر وحُبًّا لا غِشَّ فيه".

ففي العبارة السابقة أربع جمل وقعت صفات هي:

- كلمتها واحدة.

جملة اسمية في محل جر صفة لكلمة "أمة".

- يتكافل أهله.

جملة فعلية في محل جر صفة لكلمة "مجتمع".

- لا تقهر.

جملة فعلية في محل نصب صفة لكلمة "قوة".

- لا غش فيه.

جملة اسمية في محل نصب صفة لكلمة "حبا".

وأهم الصفات الواجب توافرها في الجملة الخبرية -لا الإنشائية- التي تقع صفة -كما يلاحظ على الأمثلة السابقة- ما يلي:

أ- أن يكون المنعوت نكرة، فتكون الجملة حينئذٍ صفة، أما إذا

ص: 581

كان الاسم السابق معرفة فإن الجملة تكون حالا، قال القرآن:{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} .

قال النحاة: ويصح أن تقع الجملة صفة للاسم الذي اتصلت به "أل" الجنسية "مثل الرجل، الطالب، الإنسان، المرأة".

ومن ذلك قول القرآن: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} 1.

وقول الشاعر:

ولقد أمُرُّ على اللئيمِ يَسبُّني

فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ: لا يَعْنيني

غضبانَ ممتلئًا عَلَيَّ إهابُهُ

إني وحقِّك سُخْطُهُ يُرضِيني2

ب- أن تشتمل الجملة على رابط يربطها بالموصوف وهو الضمير، كما يلاحظ ذلك في كل الجمل السابقة.

وربما حذف هذا الرابط من جملة الصفة إذا كان معلوما من الكلام وظروفه ومن ذلك قول جرير:

ألا أبلغْ معاتبتي وقَوْلِي

بني عمِّي فقد حَسُنَ العِتَابُ

1 الآية 37 من سورة "يس".

2 إن اللئيم يكرهني وأنا سعيد بذلك، فحين أمر عليه يشتمني استفزازا فلا أرد عليه احتقارا له، إنه مغتاظ مني أشد الغيظ، وأنا -وحياتك- مغتبط بذلك أشد الاغتباط، راضٍ أحسن الرضا.

الشاهد: في "أمر على اللئيم يسبني" فإن جملة "يسبني" جاءت بعد ما فيه الألف واللام الجنسية، وقد سبق هذا النوع من الكلمات معرفة، لكن يعامل أحيانا معاملة النكرة، لذلك جوّز بعض النحاة أن تكون هذه الجملة صفة.

ص: 582

وما أدري أغَيّرهم تناءٍ

وطولُ الدهرِ أم مالٌ أصَابُوا1

فأصل الكلام "أصابوه" فحذف الضمير الرابط: لأنه معلوم من الكلام.

خامسا: شبه الجملة

يقصد بذلك -كما مر في غير موضع- الظرف والجار والمجرور، حيث يقعان صفة بعد الاسم النكرة، كقولك:"شاهدتُ روايةً في السينما واستمعتُ إلى تمثيليةٍ في المذياع" وكذلك قولك: "لنا لقاءٌ يومَ الخميس عندَ بابِ الجامعة".

قطع النعت عن المنعوت:

معناه: صرف النظر عن صلة النعت بالمنعوت، فلا يتبعه في إعرابه، وإنما يكون ذلك إذا كان المنعوت معلوما وصفه بتلك الصفة دون ذكرها تقول:"درسْنا قصيدة للمتنبِّي الشاعر" أو "قرأنا "عبقريةَ عمر" للعقادِ الكاتب" أو "سرْنا ليلا في ضوءِ القمرِ المنير" فمن البيّن أن تلك الصفات "الشاعر، الكاتب، المنير" مفهومة بدون ذكرها لأصحابها، وفي مثل هذه الجمل يجوز قطع النعت عن المنعوت.

فإذا قطع النعت عن المنعوت صح في إعرابه وجهان:

الأول: أن يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

الثاني: أن ينصب بفعل محذوف وجوبا، يكون تقديره مناسبا لسياق الكلام.

وخلاصة الأمر: أن إتباع النعت للمنعوت هو الأصل في الكلام.

1 يحسن العتاب مع الأقارب والأصدقاء، ويطلب جرير ممن يخاطبه إبلاغ عتابه لبني عمه، ومضمون العتاب: أنه متحير من تغيرهم، أهو البعد أم الأيام أم المال!

الشاهد: في "أم مال أصابوا" فإن جملة "أصابوا" صفة لكلمة "مال" وقد حذف منها الضمير، وأصل الكلام "أم مال أصابوه".

ص: 583

العربي، ويصح قطعه عنه إذا كان معلوما بدونه، وحينئذٍ يصح في إعرابه الوجهان السابقان.

فلنطبق ما عرفناه على ما يلي:

- قال سيبويه: سمعنا بعض العرب يقول: "الحمد لله ربَّ العالمين"1.

بالنصب، فسألت عنها يونس، فزعم أنها عربية.

- من القرآن: "وامرأته حمالةَ الحطب"2 قرأ الجمهور "حمالةُ الحطب" بالرفع، وقرأ عاصم -أحد القراء السبعة- بالنصب على الذم.

- قالت الخِرْنِق -شاعرة عربية جاهلية- تمدح قومها:

لا يبْعدَنْ قومي الذين هم

سُمُّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُزُرِ

النازلين بكل مُعْتَرَكٍ

والطيِّبين معاقدَ الأزُرِ3

فقد رويت الكلمتان "النازلين، الطيبين" بالرفع والنصب.

1 الآية الأولى من سورة الفاتحة.

2 الآية 4 سورة المسد.

3 لا يبعدن: لا يهلكن، سم العداة: يبيدون العداة، آفة الجزر: كرماء يذبحون الإبل كثيرا، الطيبون معاقد الأزر: شرفاء ثيابهم طاهرة.

المعنى: ليبق قومي دائما فلا يهلكون، فهم شجعان كرماء شرفاء، شجعان يبيدون الأعداء وكرماء ينحرون الإبل للضيوف وشرفاء طيبو الثياب لا يفعلون الفحشاء.

الشاهد: في الكلمتين "النازلين، الطيبين" فقد رويت الكلمتان بالنصب "النازلين، الطيبين" على النعت المقطوع بتقدير فعل "أمدح" ورويتا أيضا بالرفع "النازلون، الطيبون" على الإتباع.

ص: 584

حذف النعت والمنعوت:

قال ابن مالك:

وما من المنعوتِ والنعتِ عُقِل

يجوز حذفُه وفي النَّعتِ يقل

ومعنى البيت أنه يصح حذف كل من النعت والمنعوت إذا كان معلوما من سياق الكلام، بمعنى أنه مفهوم من الجملة المنطوقة فيتخيل وجوده، ويفرض على الكلام المنطوق فعلا، ومما سيق لذلك من الشواهد الآتي:

- قول القرآن: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 1 والتقدير "دروعا سابغات".

- ما روي عن العرب: "مِنَّا ظَعَنَ ومِنَّا أقَامَ" والتقدير: "فريقٌ ظَعَنَ وفريقٌ أقَامَ".

- قول القرآن: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} 2.

والتقدير: "كل سفينة صالحة".

- قول العباس بن مرداس يخاطب الرسول:

وقد كنتُ في الحربِ ذا تُدْرَأ

فلم أعْطَ شيئا ولم أمْنَعِ3

1 من الآية 11 سورة سبأ.

2 من الآية 79 سورة الكهف.

3 ذا تدرأ: ذا قوة وسداد.

الشاهد: في قوله: "فلم أعط شيئا" إذ حذفت الصفة، وتقدير الكلام:"فلم أعط شيئا نافعا" وهذا يقتضيه السياق؛ لأنه يعتب على الرسول، فيقول: إنه أبلى في الحرب بلاء حسنا لكن لم يميز بشيء من الغنيمة.

ص: 585