الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدل:
1-
المقصود بالبدل لدى اللغويين والنحاة.
2-
صور البدل التي يرد عليها في اللغة هي:
"بدل الكل من الكل، بدل البعض من الكل، بدل الاشتمال، بدل البَدَاء، بدل النّسيان، بدل الغلط".
3-
البدل والمبدل منه من حيث الإظهار والإضمار.
4-
البدل في الأفعال والجمل.
معنى البدل:
دوَّخَ سيفُ الله خالد قُوادَ عصرِه، ومات على فراش بيته.
كان ذو النّورين عثمانُ رقيقَ القلبِ، فطمِعَ فيه أقرباؤه.
وضربَ سيدُ الشهداء الحسينُ مَثَلًا رائعا لاحترام المبدأ.
تتردد كلمة "البدل" ومشتقاتها بيننا في الحياة العادية، فتقول لمن أعطاك شيئا، فضاع منك:"سأعطيك بَدَلَه" أي شيئا يساويه في القيمة يعوضك عن فقده، وتقول حين الرغبة في إرسال إنسان في بعض الأمور ولم يحضر "سأذهب بَدَلًا منه" أي: سأقوم بالمهمة عوضا عنه.
فكلمة "البدل" في اللغة معناها "العِوَض"، جاء في القاموس: بدل الشيء وبديله: الخلف منه، وبادله مبادلة: أعطاه مثل ما أخذ منه ا. هـ. ومن ذلك ما جاء في القرآن: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} 1 بمعنى: يعوضنا وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} 2 بمعنى: استعاضوا عن
1 من الآية 32 سورة ن.
2 من الآية 28 سورة إبراهيم.
الإيمان بالكفر، فضلّوا وأضلوا قومهم.
أما تحديد البدل لدى النحاة، فتكاد كتب النحو تتفق على عبارة واحدة هي: البدل هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة ا. هـ.
ومن هذه العبارة السابقة تفهم الصفتان للاسم الذي يقع بدلا وهما:
أ- أن البدل -في حقيقة الأمر- هو الذي يتجه إليه المعنى الذي في الجملة، والمبدل منه ما هو إلا تمهيد له وطريق إليه، فالمقصود بالحكم في الأمثلة السابقة هو "خالد، عثمان، الحسين" ومهد لكل منها على التوالي "المتبوع" وهو "سيف الله، ذو النُّورين، سيد الشهداء".
وبالصفة السابقة يفترق البدل عن النعت والتوكيد وعطف البيان، فإن المعنى في الجمل التي ترد فيها يتجه إلى المتبوع، وهي مكملة له، بخلاف "البدل" فإن المعنى يتجه إليه هو نفسه، فلنطبق ذلك على الأمثلة الآتية:
دوّخ سيفُ الله خالدُ قوادَ عصره ومات على فراشِ بيته.
أسلوب البدل.
دوّخ سيفُ الله المسلولُ قوادَ عصرِه ومات على فراشِ بيته.
أسلوب النعت.
دوَّخ سيفُ الله نفسُه قوادَ عصره ومات على فراش بيته.
أسلوب التوكيد.
مع ملاحظة أن المثال الأول يصلح أيضا أن يكون لعطف البيان لكن يكون المعنى متجها للاسم الأول "سيف الله" والثاني "خالد" موضح له، بعكس البدل -كما قدمنا- فإن المعنى متجه للثاني والأول تمهيد له، وبذلك نفهم تحديد النحاة له "المقصود بالحكم".
ب- أن البدل يكون بعد المبدَل منه بغير واسطة، وهذا بخلاف العطف بالحروف إذ يتحقق بواسطة هي حرف بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمعطوف وإن كان مقصودا أيضا بمعنى الجملة إلا أنه بواسطة هي حرف
العطف، بخلاف البدل، فحين نقول مثلا:"ألتقي مع الزملاء في الكلية صباحًا ومساءً" تكون كلمة "مساء" مقصودة أيضا بمعنى الجملة كالبدل في جملته، لكن بواسطة حرف العطف، ومن ذلك نفهم ما جاء في تحديده من أنه "بلا واسطة".
وخلاصة الأمر أن البدل يتميز عن غيره من التوابع بهاتين الصفتين:
قصده بالحكم وبغير واسطة.
وعلى ذلك ينبغي فهم الملاحظتين التاليتين عنه:
الأولى: أنه ما دام مقصودا بالمعنى، فإنه يمكن الاستغناء عن "المبدل منه" ووضع "البدل" موضعه ويستقيم معنى الجملة، تقول:"شكرتُ الصديقَ معروفَه" فيمكن الاستغناء عن الكلمة الأولى ووضع الثانية موضعها، فتكون الجملة:"شكرتُ معروفَ الصديقِ" ولا خلل فيها، وتقول:"تأمَّلْتُ الحديقةَ أشجارَها" فيمكن أن تقول: "تأملتُ أشجارَ الحديقةِ" بالاستغناء عن المبدل منه ووضع البدل موضعه، وهذه الطريقة -الاستغناء عن المبدل منه ووضع البدل مكانه- هي العلامة الذهنية المميّزة للتعرف على أسلوب البدل.
الثانية: أنه ما دام المقصود بالمعنى هو الكلمة الثانية فما فائدة الكلمة الأولى في هذا الأسلوب؟؟، إن الفائدة من ذكر المبدل منه في الكلام هو التمهيد والتهيئة لذكر الثانية، فكأنك ذكرت الجملة مرتين، مرة مجملة ومرة أخرى واضحة محددة، فيكون المقصود النهائي من الجملة أرسخ في الذهن وهذا هو السر في قولهم "البدل في حكم تكرير العامل".
صور البدل في اللغة:
باستقراء النحاة للغة وجدوا أن البدل يَرِدُ على الصور التالية:
بدل الكُلّ من الكُلّ: وهو بدل الشيء مما هو طِبْق معناه، ولهذا
يسمى أحيانا "البدل المطابق" بأن يكون الاسم الثاني -البدل- هو عين الاسم الأول، تقول "نَظَمَ أبو عبد الله محمدٌ بن مالك ألفيته الشهيرة في النحو" أو "ضربَ أبو الشهداءِ الحسين مَثَلًا رائعا للتضحية في سبيل المبدأِ".
ومن ذلك قول القرآن: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1.
بدل البعض من الكلّ: يقصد به أن يكون البدل جزءا من المبدل منه تقول: "قطعت الطريقَ نصفَه" أو "ذاكرت الليلَ ثُلُثَيه" أو "ارتفعت العمارةُ دوران منها" ومن ذلك قول القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} 2.
وفي هذه الصورة يكون في البدل ضمير يعود على المبدل منه.
بدل الاشتمال: يقصد به -كما يقول ابن عقيل- الدال على معنى في متبوعه، ومعنى ذلك أن متبوعه يشتمل على معناه، وأن هذا المعنى قائم به تقول:"أفادني الأستاذُ علمُه" وتقول: "هداني القمرُ ضوؤه" فمن البيّن أن "الأستاذ" تنسب له معانٍ كثيرة ومنها "العلم" فهو يحمل العلم، والعلم قائم به، ومن البيّن أن "للقمر" معاني كثيرة ومنها "الضوء" فهو مصدر الضوء للأرض، والضوء منسوب إليه، وفي هذه الصورة يكون في البدل ضمير المبدل منه.
هذا هو معنى الاشتمال الذي يسمى به هذا البدل، فالبدل معنى من المعاني يشتمل عليه متبوعه، ولا داعي بعد ذلك لذكر ما خاض فيه النحاة عن معنى هذه الكلمة "الاشتمال" فإن لذلك حديثا طويلا لا يضر جهله.
ومن ذلك قول القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 3.
وأيضا قول القرآن: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 4.
1 من الآيتين 6، 7 من سورة الفاتحة.
2 أول سورة المزمل.
3 من الآية 217 البقرة.
4 الآيتان 4، 5 البروج.
بدل البداء: البداء، معناه اللغوي الظهور والوضوح، ويقصد بهذا النوع من البدل إذن: ظهور أمر آخر للمتكلم بعد أن لم يكن ظاهرا له فيصرف النظر عن الأمر الأول بعد قصده إلى ذلك الأمر الجديد الذي بدا له، تقول مثلا:"قصد الظمآن ماءً سرابًا" وتقول: "غَفَوْتُ الليلةَ ساعتين ساعةً"، فمن البيّن أن المتكلم قصد الاسم الأول في المثالين، ثم بدا له غير ذلك، فعدل عنه إلى الاسم الأخير، ولهذا يطلق على هذا البدل اسم "بدل الإضراب".
بدل الغَلَط: يقصد به أن يقصد المتكلم أمرا من الأمور، فيسبق لسانه إلى أمر آخر، ثم يتبين له غلطه، فيعدل عنه إلى الصحيح، تقول مثلا:"قابلت أستاذ النحوِ الأدبِ" إذا كنت قد قصدت "الأدب" فسبق لسانك إلى "النحو" وتقول أيضا: "أضاءتْ لي النجومُ القمرُ" إذا كنت قد قصدت "القمر" فسبق لسانك لذكر "النجوم" ثم تبين لك الغلط، وهذا أمر كثيرا ما يحدث لنا في حياتنا أثناء الكلام العادي.
بدل النِسْيَان: يقصد به أن يذكر الإنسان شيئا نتيجة السهو الذهني ثم يتبين له وجه الصواب، فيذكره أيضا، فيسمى هذا "بدل النسيان" أي بدلا من اللفظ الذي ذكر سهوا، تقول:"حضرت من طنطا الإسكندرية" إذا كان ذكر "طنطا" كان عن طريق السهو، ثم تبين السهو، فذكرت "الإسكندرية".
يقول: "ابن هشام" عبارة مفيدة للتفريق بين النوعين الأخيرين وهي: وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، واللسان متعلق بالجنان ا. هـ "الجنان: العقل".
البدل والمبدل منه من حيث الإظهار والإضمار:
تصور كل من البدل والمبدل منه ظاهرًا أو ضميرًا يتحصل منه أربع صور بأن يكونا ظاهرين أو مضمرين أو مختلفين، الأول مضمر، والثاني ظاهر أو العكس، فهذه أربع صور، لكن الذي استعملته اللغة من هذه الأربع صورتان فقط هما:
الأولى: إبدال الظاهر من الظاهر -كما مر من الأمثلة- وكقولنا: "ممن ناصروا الرسولَ عمُّه أبو طالب وزوجُه خديجة، وممن آذَوه عمُّه أبو جهل وجارتُه حمالةُ الحطب".
الثانية: إبدال الظاهر من الضمير، وفيه التفصيل الآتي:
أ- إذا كان الضمير للغيبة جاز البدل مطلقا، كقولك:"أحترمهم جميعا الزّملاءَ والزميلاتِ" ومن ذلك:
- قول القرآن: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 1، الذين: بدل من واو الجماعة، بدل بعض من كل "في بعض الآراء".
- قول القرآن: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} 2، "أن أذكره" مصدر مؤول بدل من ضمير الغيبة في "أنسانيه" بدل اشتمال.
ب- إذا كان الضمير للمتكلم أو المخاطب، والبدل بعض أو اشتمال جاز البدل أيضا، ومما ورد تأييدا لذلك قول النابغة الجعدي في حضرة الرسول:
بَلَغْنَا السماءَ مَجْدُنَا وسَنَاؤُنَا
…
وإنَّا لنرجو فوق ذلك مَظهَرا3
فإن "مجدُنا" بدل من ضمير المتكلمين فيِ "بلغنا" بدل اشتمال
1 من الآية 3 من سورة الأنبياء.
2 من الآية 63 من سورة الكهف.
3 سناؤنا: السناء هو الشرف وعلو المنزلة، مظهرا: ظهورا ورفعة.
الشاهد: في "بلغنا السماء مجدنا" فإن "مجدنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلمين الفاعل في "بلغنا"، وهذا جائز في اللغة.
ج- إذا كان الضمير للمتكلم أو المخاطب، فلا يصح أن يأتي منه بدل الكل من الكل إلا إذا دل على إحاطة، بمعنى أن يبين البدل المقصود من الضمير بيانا شاملا لكل أفراده، عندئذٍ فقط يصح مجيء بدل الكل من ضمير المتكلم والمخاطب، كما جاء في القرآن:{رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1.
البدل في الأفعال والجمل:
لعلَّه أمر غير جديد أن يكرر هنا مرة أخرى أن الأصل في التوابع أن تكون في الأسماء المفردة، وما خرج عن هذا الأصل يشار إليه في مكانه كمجيء التوكيد اللفظي في الحروف والأفعال والجمل، وكذلك العطف في الأفعال والجمل، وهنا أيضا فيِ "باب البدل".
أ- يمكن إبدال الفعل من الفعل، تقول:"إن تصم تمتنع عن المفْطِرَاتِ تَنَلْ ثواب الله" وتقول: "إنْ تُصل تسجد لله فتلك عبادة"، ومن ذلك ما أورده سيبويه من قول الشاعر:
إنّ عَلَيّ اللهَ أن تُبَايعَا
…
تُؤخَذَ كرْهًا أو تَجيءَ طائعا2
ب- تجيء الجملة أيضا بدلا من الجملة، ومن ذلك قول الشاعر:
أقولُ له ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عندنا
…
وإلَّا فكُن في السرِّ والجهرِ مُعلنا3
فجملة "لا تقيمن" بدل من جملة "ارحل" وهي بمعناها كما ترى.
1 من الآية 114 من سورة المائدة.
2 الشاهد في البيت: إبدال الفعل، إذ أبدل الفعل "تؤخذ" بدل اشتمال من الفعل "تبايعا" والأول منصوب بالحرف "أن" والثاني بدل منه منصوب مثله.
3 يقول لمن يخاطبه: كن صريحا سرك مثل جهرك وإلا فارحل وفارقنا ولا تبق معنا.
الشاهد في البيت: إبدال الجملة من الجملة، فقد أبدل جملة "لا تقيمن عندنا" وهي جملة فعلية بدل اشتمال من جملة "ارحل".