الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاد وأخواتها: أفعال المقاربة
1-
أفعال هذا الباب "اسمها، عددها، صيغها"
2-
المعاني التي ترد لها هذه الأفعال "المقاربة، الرَّجاء، الشروع"
3-
وصف الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال نحويًّا
4-
اقتران خبرها بالحرف "أن" أو تجرده منها
5-
ما تختص به "عسى" من الأحكام وهي:
أ- الرأي في اعتبار الكلمة من الأفعال أو الحروف
ب- شكل وسطها -السين- حين اتصالها بضمائر الرفع المتحركة
ج- استعمالها تامة "يشاركها في ذلك: أوشك، اخلولق"
أفعال الباب:
كادت الرّوايةُ تقطعُ أنفاسَ النَّظَّارة لقوة تأثيرها.
وعسى بعضُ المشاهدين أن يكرّرَ رؤيتها مرة أخرى.
وبعد أن انصرف الحاضرون أخذ الآخرون يتزاحمون للدخول.
قال ابن هشام: أفعال المقاربة، وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء، كتسميتهم الكلام كلمة ا. هـ.
ومعنى ذلك أنه يطلق على هذا الباب اسم "أفعال المقاربة" حيث يغلب إطلاق هذا المصطلح على أفعال هذا الباب كلها مع أنها ليست كلها -كما سيأتي- للمقاربة، بل إن أفعال المقاربة جزء منها فقط، فإطلاق هذا الاسم على كل
أفعال الباب من باب إطلاق الجزء على الكل كما قال ابن هشام، ومنعا لهذا اللبس جاءت في بعض كتب النحو تحت عنوان:"كاد وأخواتها" وهذا أسلم.
وأشهر أفعال هذا الباب ثلاثة عشر فعلا هي: "كَادَ، كَرَبَ، أوْشَك، عَسَى، حَرَى، اخْلَوْلَقَ، أنشَأ، أخَذَ، جَعَلَ، طَفقَ، عَلِقَ، هَلهلَ، هبَّ".
والحق أن هذه الأفعال لا تنحصر في هذه المذكورة؛ لأن أفعال الشروع كثيرة ومنها مثلا "بدأ، شرع، استهل" إلخ، من كل ما يدل على الشروع والبدء في شيء ما، فذكر هذه الأفعال الثلاثة عشرة لشهرتها وكثرة دورانها على الألسنة فقط.
أما من حيث التصرف وعدمه فقد دار حوله حديث طويل -سواء من حيث تحديد الأفعال التي تتصرف أم كيفية تصرفها- وأهم ما يؤخذ من هذا الحديث الأمران الآتيان:
أ- أن معظم أفعال هذا الباب تلتزم الماضي، فهي أفعال جامدة لا تتصرف.
ب- الفعلان "كاد، أوشك" يتصرفان تصرفًا ناقصًا، فيأتي من الأول المضارع "يكاد" ويأتي من الثاني المضارع واسم الفاعل "يوشك، موشك" قال القرآن: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} 1 ومن ذلك قول أمية بن أبي الصلت:
1 من الآية 35 من سورة النور.
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ من مَنِيَّتِه
…
في بعض غِرَّاتِه يُوَافِقُها1
وقول كثير عزة مشبِّبا بإحدى الجواري واسمها "غاضرة":
فإنكَ موشكٌ أن لا تراها
…
وتعدُو دونَ غَاضِرَة العَوَادِي2
وقول أبي سهم الهذلي:
فموشِكَةٌ أرضُنا أن تعودَ
…
خلافَ الأنيس وُحُوشًا يَبَابَا3
المعاني التي ترد لها هذه الأفعال:
كاد الليل ينقضي، وأوشك الفجرُ يطلع. "تفيد مقاربة الاسم للخبر".
1 المنية: الموت، غراته:"الغرة" الغفلة والمقصود هنا: المفاجأة.
يقول: لا يغني حذر من قدر، فمن فر من الموت قد يلاقيه من حيث لا يتوقع.
الشاهد: استعمال المضارع من الفعل "أوشك" فجاء به "يوشك" وله ما للماضي مع الاسم والخبر.
2 العوادي: العوائق.
الشاهد: في "موشك" حيث جاء اسم الفاعل من "أوشك" وله ما للماضي مع الاسم والخبر.
3 خلاف الأنيس: بعد الأنس، وحوشا: جمع "وحش" ويقال: أرض وحش: خالية، يباب: خراب.
الشاهد: في "موشكة" إذ استعمل اسم الفاعل من "أوشك" فله في الجملة ما للماضي مع الاسم والخبر، فاسمها "أرضنا" وخبرها جملة "أن تعود".
- عسى السحابُ أن يتكاثف.
- واخلولقت السماءُ أن تمطر.
رجاء المتكلم تحقق الخبر.
- لقد تحقق الرجاء.
- أخذت الرياح تشتد.
- وجعل المطر يهطل.
تفيد شروع الاسم في القيام بالخبر.
تنقسم أفعال هذا الباب باعتبار معانيها التي ترد لها إلى أنواع ثلاثة هي:
أفعال المقاربة: وهي ثلاثة "كاد، كرب، أوشك".
وتفيد هذه الأفعال في جملتها مقاربة الاسم للخبر، أي أن نسبة الخبر للاسم قريبة الحدوث وإن لم تحدث فعلا، وأن وصول الاسم إلى معنى الخبر يدنو من التحقق، ومن ذلك ما ينسب إلى عَلِيّ "ض":"كاد الفقرُ أنْ يكونَ كفرًا".
أفعال الرجاء: وهي ثلاثة "عسى، حرى، اخلولق".
وتفيد ترجي المتكلم تحقق الخبر للاسم، فالرجاء إذن من المتكلم وإن كان المرجو هو تحقق الخبر للاسم والرجاء يقصد به -كما يقال- طلب الأمر المحبوب الممكن الحدوث، قال القرآن:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} 1.
أفعال الشروع: وهي -كما ذكر ابن هشام- كثيرة، ومن أشهرها "أنشأ، أخذ، جعل، طفق، علق، هلهل، هب".
1 من الآية 52 من سورة المائدة.
وتفيد هذه الأفعال شروع الاسم في القيام بالخبر، أي بدء الاسم في إنجاز أمر من الأمور -عملا أو قولا أو إحساسا- مما يدل عليه الخبر تقول:"أنشأ الشاعرُ ينشدُ شعره، وأخذ الجمهورُ يصغي إليه، وهبَّ يصفّقُ له بعد النهاية".
هذا
…
وقد جاء في شذور الذهب تعليقًا على أفعال هذا الباب قوله: "هلهل، هب" أغرب أفعال الشروع و"طفق" أشهرها، وهي التي وقعت في التنزيل في قول القرآن:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} 1 وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} 2 ا. هـ.
وجاء فيه أيضا: ولا أعرف من ذكر "حرّى" من النحويين غير "ابن مالك" وتوهم "أبو حيان" أنه وهم فيها، وإنما هي "حرى" بالتنوين اسمًا لا فعلا، وأبو حيان هو الواهم، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللغويين.
وأنشدوا عليها شعرا، وهو قول الأعشي:
إن يقلْ هُنَّ من بني عبد شمس
…
فحرَى أن يكون ذاك وكانا. ا. هـ
ويتلخص مضمون هذا التعليق في أمور ثلاثة:
1-
أن الفعلين "هلهل، هب" فيهما غرابة، ويبدو أن أساس هذه الغرابة هو الاستعمال، فهما غير مستعملين بكثرة في معنى الشروع.
1 من الآية 22 من سورة الأعراف.
2 من الآية 23 من سورة ص.
2-
أن الفعل "طفق" -بفتح الفاء وكسرها- له شهرة يبدو أنها أيضا ترجع إلى استعماله في الشروع، مما أيده القرآن بوروده فيه مرتين.
3-
أن الفعل "حرى" مختلف فيه بين الاسمية والفعلية، والمرجح أنه فعل يفيد معنى الرجاء.
وصف الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال:
كاد اليأسُ ينقلبُ إلى قنوط.
وأوشك الصبرُ أن يتحول إلى جزع.
وعسى اللهُ أن يتداركَ الأمر بحكمته.
"كاد وأخوتها" أفعال ناسخة ناقصة، يأتي الاسم بعدها مرفوعا والخبر منصوبا، فهي تماثل "كان وأخوتها" في الصفتين السابقتين، في أنها ناسخة ترفع الاسم وتنصب الخبر، وأنها ناقصة لا تكتفي بالاسم المرفوع بعدها.
وقد كان من الممكن -ما دام الأمر كذلك- أن تدرس في موضع واحد من "كان وأخوتها" وهذا حق!! لكنها أفردت بباب مستقل نظرا لاختصاص خبرها بطريقة متفردة يأتي عليها -سيأتي شرحها- ومن أجل ذلك درست وحدها، فهي كما يقول ابن هشام نصا:"ولولا اختصاص خبرها بأحكام ليست لكان وأخواتها، لم تنفرد بباب على حدة" ا. هـ.
وتتكون الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال مما يلي:
أ- الفعل الناسخ، سواء أكان من أفعال المقاربة أم الرجاء أم الشروع.
ب- الاسم، ويكون بعدها مرفوعا.
ج- الخبر، ولا بد أن تجتمع له صفات خاصة يجمعها خاصة يجمعها كلها عبارة واحدة هي:
"أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، رافعا لضمير الاسم السابق مقترنا "بأن" أو مجردًا منها".
فالخبر مع هذه الأفعال الناسخة ذو صفات خمس هي على التوالي:
1-
جملة
2-
فعلية
3-
فعلها مضارع
4-
يرفع ضميرا يعود على الاسم
5-
يتقدم عليه "أن" أو يتجرد منها على التفصيل الذي سيأتي بعد ذلك في الفقرة التالية، كما يلاحظ تحقق ذلك في كل الأمثلة السابقة.
هذا هو الأصل في الخبر، ومع ذلك وردت بعض الشواهد التي لا تتحقق فيها بعض الصفات السابقة، فقد خرجت عن هذا الأصل، فحكم عليها بالشذوذ، ومن أهمها:
- قول العرب "عسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا"، وهو مثل عربي يضرب لكل ما يخشى منه الشر1.
- قول تأبّط شرًّا:
فأبْتُ إلى "فَهْمٍ" وما كدتُ آئبا
…
وكم مثلِها فارقتُها وهي تَصْفِرُ2
1 الغوير: تصغير "الغار"، والأبؤس جمع "بأس، أو: بؤس" وأصله أن قومًا كانوا في غار، فانهار عليهم.
2 أبت: عدت، فهم: اسم قبيلة الشاعر، كم مثلها: يقصد القبيلة التي كانت تطارده، وهي تصفر: تتحسر وتأسف.
يقول: لقد عدت لقبيلتي "فهم" بعد أن أشرفت على الهلاك وعدم العودة وكثير من القبائل المطاردة فررت منها، وتركتها تتحسر وتأسف؛ لأنها لم تتمكن مني.
الشاهد: في "ما كدت آئبا" فقد جاء خبر "كاد" مفردًا، وهو كلمة "آئبا" وهذا خلاف الأصل، فالأصل أن يكون جملة.
فالخبر في هذين الشاهدين مفرد، وهو في المثل "أبؤسا"وفي البيت "آئبا".
- قول ابن عباس: فجعل الرجلُ -إذا لم يستطع أن يخرجَ- أرسلَ رسولا:
فالخبر جملة فعلية فعلها ماض وهي "أرسل رسولا".
- قول ذي الرمة:
وقفتُ على ربْعٍ لِمَيَّةَ ناقتي
…
فما زلتُ أبكي عنده وأخاطِبُهْ
وأسقيه حتى كاد ممَّا أبُثُّه
…
تكلمني أحجارُه ومَلاعِبُه1
فالخبر جملة "تكلمني أحجاره وملاعبه" وهي فعلية فعلها مضارع لكن لم يرفع ضمير الاسم السابق.
فهذه النصوص خرجت عن المسلك العام لصفات الخبر لأفعال هذا الباب، لذلك حكم عليها -كما سبق- بالشذوذ.
اقتران الخبر "بأن" أو تجرده منها
هذا الموضوع يتفرع عن الموضوع السابق مباشرة، حيث يلتزم في خبر "كاد وأخواتها" صفات خاصة، ومنها أنه قد يقترن بالحرف "أن" أو يتجرد منها، وهنا بيان ذلك بالتفصيل الآتي:
1 الربع: الدار، مية: اسم الحبيبة، أبثه: أشكو له حزني.
الشاهد: في "كاد تكلمني أحجاره وملاعبه" فإن خبر كاد جملة "تكلمني أحجاره وملاعبه" وهي لا تحمل ضمير الاسم، وهذا خلاف الأصل.
1-
ما يصح اقتران خبره "بأن" أو تجرده منها، والأفصح هو التجرد، وذلك فعلان "كاد، كرب" وهما من أفعال المقاربة.
ومن الأفصح قول القرآن: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 1، وقول الشاعر:
كَرَبَ القلبُ من جَوَاهُ يذوبُ
…
حين قال الوُشَاةُ هندٌ غَضُوبُ2
ومن الأقل فصاحة ما ينسب إلى جبير بن مطعم: "كاد قلبي أن يطير" وما نسب للإمام عَلِيّ من قوله: "كاد الفقرُ أن يكون كفرا".
2-
ما يصح في خبره الاقتران بالحرف "أن" والتجرد منها، والأفصح هو الاقتران، وذلك فعلان "أوشك، عسى"، وأولهما من أفعال المقاربة والثاني من أفعال الرجاء.
ومن الأفصح في الاستعمال قول القرآن: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} 3.
وقول الشاعر:
أيا مالكٍ لا تسأل النَّاسَ والْتَمِسْ
…
بكفَّيك فضلَ اللهِ واللهُ أوسعُ
1 من الآية 71 من سورة البقرة.
2 الجوى: شدة الشوق، الوشاة: الساعون بين الناس بالإفساد.
الشاهد: "كرب القلب من جواه يذوب" فإن خبر "كرب" جملة "يذوب" ولم تقترنْ بالحرف "أن" وهذا هو الأفصح فيها.
3 من الآية 8 سورة الإسراء.
ولو سُئِلَ النّاسُ التّرابَ لأوشكوا
…
إذا قِيل هَاتُوا أن يمَلُّوا ويمنعُوا1
ومن الأقل فصاحة قول الشاعر:
عليكَ إذا ضاقتْ أمورُكَ والتوتْ
…
بصبرٍ فإن الضيقَ مفتاحُه الصبرُ
ولا تشكُوَنْ إلا إلى الله وحده
…
فَمِنْ عنده تأتي الفوائدُ واليُسْرُ
عسى فرجٌ يأتي به اللهُ إنَّه
…
له كلّ يومٍ في خليقته أمرُ2
3-
ما يجب في خبره الاقتران "بأن" وذلك فعلان "حرى، اخلولق" وهما بقية أفعال الرجاء.
تقول: "حرَى الرياح أن تهب" ومن أمثلة سيبويه "اخلولقتْ السّماءُ أن تُمطر".
1 لا تسأل الناس، بل اسأل الله، فالله كريم معطاء، والناس حريصون بخلاء، فلو سئلوا التراب لمنعوه.
الشاهد: في "أوشكوا أن يملوا ويمنعوا" فقد اقترن الخبر بالحرف "أن" وهذا هو الكثير في خبر "عسى".
2 الصبر مفتاح الفرج، ولا شكوى إلا لله في هاتين العبارتين مضمون الأبيات الثلاثة.
الشاهد: في البيت الأخير "عسى فرج يأتي به الله" حيث جاء خبر "عسى" جملة فعلية "يأتي به الله" ولم يقترن بالحرف "أن" وهذا قليل في اللغة.
4-
ما يجب في خبره أن يتجرد من "أن" وذلك أفعال الشروع كلها، سواء في ذلك ما ذكر منها هنا -في هذا الباب- أو ما لم يذكر، ومن ذلك قول الشاعر:
أراكَ عَلِقْتَ تظلمُ من أجَرْنا
…
وظُلْمُ الجارِ إذلالُ المجيرِ1
وقول الآخر:
هببتُ ألُومُ القلبَ في طاعةِ الهوى
…
فلجَّ كأنِّي كنت باللَّوْمِ مُغْرِيَا2
ما تختص به "عسى" من الأحكام:
تفردت كلمة "عسى" -دون أفعال الباب- ببعض المباحث الجانبية وهي ثلاثة:
أ- نوع كلمتها "اسم، فعل، حرف"
1 علقت: بدأت، أجرنا: حميناه.
الشاهد في "علقت تظلم" فإن الفعل "علق" من أفعال الشروع، وخبره جملة فعلية "تظلم من أجرنا" وتجردت من "أن".
2 لج: زاد في الخصومة والعناد.
يقول: الهوى غلاب، فحين لمت قلبي على هواه، زاد في عناده ومناه فكأنني لم أكن أنهاه، بل أغويه.
الشاهد: في "هببت ألوم القلب" فإن "هب" من أفعال الشروع، وقد جاء خبرها جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من "أن".
ب- شكل وسطها حين اتصالها بضمائر الرفع المتحركة
ج- استعمالها تامة
نوع كلمتها:
اختلف الرأي حول كلمة "عسى" من حيث اعتبارها فعلا أو حرفا على النحو التالي:
أولا: هناك من يرى أنها حرف يدل على الرجاء، مثلها تمامًا مثل "لعلَّ" وقد استند هذا الرأي إلى أنها ينطبق عليها معنى الحروف، حيث لا يظهر معناها إلا بانضمام غيرها إليها، تمامًا مثل الحرف "لعل".
وعلى هذا الرأي تكون الجملة الاسمية معها مثل "لعل" تمامًا، حيث ينصب الاسم ويرفع الخبر، والغالب في الاسم أن يكون ضميرا متصلا منصوبا كقول صخر بن العود الحضرمي:
فقلت عَسَاها نارُ كأسٍ وعَلَّهَا
…
تَشَكَّى فآتِي نحوها فأعُودُها1
ثانيا: هناك من يرى أنها فعل يدل على الرجاء، وهذا هو الاتجاه الغالب ومستند هذا الرأي أنها تقبل علامات الفعل الماضي "تاء الفاعل، تاء التأنيث"
1 يرجو أن تكون النار لحبيبته، ويرجو رجاء غريبا، أن تكون مريضة ليعودها في مرضها.
الشاهد: في "عساها نار كأس" فإن "عسى" بمعنى "لعل" وهي حرف مثلها تنصب الاسم وترفع الخبر، واسمها ضمير الغائبة، وخبرها "نار كأس".
كقول القرآن: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} 1 وتقول أيضًا: "عست النتيجة أن تكونَ مفرحة".
وعلى هذا الاتجاه تكون من باب "كاد وأخواتها" ويصدق عليها الأحكام التي تنطبق على هذا الباب مما سبق تفصيله.
وخلاصة الأمر:
أنها تعتبر حرفا، لأن دلالتها الحرف، وهي حرف ترجّ ينصب الاسم ويرفع الخبر، أو أنها تعتبر فعلا؛ لأنها تقبل علامات الأفعال، وهي فعل ناسخ، يرفع الاسم وينصب الخبر، والأخير هو الاتجاه الغالب بين النحاة.
شكل وسطها:
حين ترد كلمة "عسى" مسندة لواحد من ضمائر الرفع المتحركة "التاء، النون، نا" فتقول: "عسيتُ أن أنالَ أهدافي في الحياة وعسينا أن نقدِّم للوطن ما يرجوه منَّا" فإن وسط الكلمة -السين فيها- يمكن أن تشكل بالفتح أو الكسر.
قال ابن عقيل:
يجوز كسر سينها -مع الضمائر المتحركة- وفتحها والفتح أشهر، وقرأ نافع:"فهل عسِيتم إن توليتم" بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها ا. هـ.
استعمالها تامة:
قال الله تعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2.
1 الآية 22 من سورة محمد.
2 من الآية 216 سورة البقرة.
يستعمل الفعل "عسى" تاما، ومعنى تمامه هنا -مثل كان- أن يستغني بالمرفوع عن المنصوب، والمرفوع الذي يستغني به عن المنصوب هو المصدر المؤول من "أن والفعل بعدها" حيث يكون هذا المصدر المؤول فاعلا لها.
ففي الآية الكريمة: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} هنا الفعل "عسى" تام وفاعله هو المصدر المؤول "أن تكرهوا شيئا"، ومثلها تمامًا:{وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} .
وينبني على ما تقدم من استعمال "عسى" ناقصة وتامة الصور الثلاث الآتية:
الصورة الأولى: لاحظ المثال الآتي
عسى العدلُ أن يسود الأرض.
وتتكون هذه الصورة من: الفعل الناسخ + اسم ظاهر يليه + أن المصدرية والفعل بعدها.
وفي هذه الصورة تكون ناقصة باتفاق، والاسم الظاهر بعدها اسمها والجملة التالية له خبرها.
الصورة الثانية: لاحظ المثال الآتي
الظالمُ عسى أنْ يُعَاقَبَ من الله في الدنيا.
وفي هذه الصورة يتقدم الاسم الظاهر على الفعل "عسى" ولك حينئذٍ من حيث الصناعة النحوية أن تعتبر الفعل "عسى" تاما أو ناقصًا على النحو التالي:
أ- يكون تامًا، ويكون المصدر المؤول بعده فاعلا به
ب- يكون ناقصًا، واسمه ضمير مستتر و"الفعل" خبره في محل نصب وكلا هذين الاعتبارين مساوٍ للآخر في صناعة النحو
الصورة الثالثة: لاحظ المثال الآتي
عسى أن يتمكَّنَ المظلومُ من ظالمه.
وفي هذه الصورة يتأخر الظاهر عن "أن والفعل" مع أنه هو المسند إليه في المعنى: ولك أيضًا من حيث الصناعة أن تعتبر الفعل "عسى" تاما أو ناقصا على النحو التالي:
أ- أن يكون تاما، ويكون ما بعده على ما هو عليه "أن والفعل والفاعل" وتكون أن وما دخلت عليه فاعل للفعل "عسى".
ب- أن يكون ناقصا، ويكون ترتيب ما بعده على غير ما هو عليه، بل ذلك على التقديم والتأخير، حينئذٍ يعتبر الاسم الظاهر اسم "عسى" مؤخرا و "أن والفعل" خبرا مقدما على الاسم، وكأنما الكلام "عسى المظلوم أن يتمكن من ظالمه".
وفي هذه الصورة يترجح الاعتبار الأول على الثاني، أي: اعتبار "عسى" تامة على اعتبارها ناقصة.
هذا، والفرق بين الصورتين الثانية والثالثة يظهر حين يكون الاسم الظاهر -المتقدم أو المتأخر- مثنى أو جمعا أو مؤنثا -حينئذٍ يختلف الاستعمال بين الاعتبارين، مما يمكن أن يدرّب المرء نفسه عليه في أمثلة مختلفة- ولا داعي لإيراد نماذج منها هنا، لئلا تتشعب المسألة ويضطرب أمرها.