الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمييز:
1-
المقصود بالتمييز لدى اللغويين والنحاة، والموازنة بينه وبين الحال.
2-
الأمور المبهمة التي يفسرها التمييز نوعان:
أ- المفردات الأربعة المبهمة "الأعداد، المقادير، أشباه المقادير، فرع التمييز".
ب- النسب الأربعة المبهمة "الفعل والفاعل، الفعل والمفعول، المبتدأ والخبر، النسبة مطلقا".
التمييز لدى اللغويين والنحاة:
عاشت حضارةُ العربِ أربعةَ عشر قرنا.
وتأثر بها العالمُ ثقافةً وأخلاقًا.
ويقررُ المؤرخون ذلك إنصافا وعدْلًا.
ويشكك أعداءُ العرب فيها زُورًا وكذبًا.
يقول اللغويون: الألفاظ الثلاثة "تمييز، تفسير، تبيين" بمعنى واحد فهي ألفاظ مترادفة تفيد توضيح الشيء وإزالة الغموض عنه، وبهذا المعنى ورد القرآن:{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} بمعني: يفصل كلا منهما عن الآخر، فيتضح وحده، ويوم القيامة يقال:{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} .
أي: اظهروا وحدكم بلا خفاء ولا اختلاط.
يقول ابن هشام: التمييز اسم نكرة فضلة جامد يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة ا. هـ.
إذا تأملنا هذا التعريف اتضح لنا أنه يشتمل على صفات خمس لها يقع تمييزا هي على الترتيب:
1-
أن يكون اسما.
2-
أن يكون نكرة.
3-
أن يكون فضلة.
4-
أن يكون جامدا.
5-
أن يوضح إبهام ما قبله.
والأمور الأربعة الأولى قد مر تفسيرها -فيما سبق- فنحن قد عرفنا "الاسم والنكرة والفضلة والجامد" فلا حاجة إلى إعادة توضيحها، أما القيد الأخير ففي حاجة إلى توضيح؛ لأن فكرة التمييز تقوم عليه.
إن التمييز -كما مر في المعنى اللغوي والنحوي- يبين شيئا مبهما في جملته أو بعبارة أخرى: يوضح أمرا غامضا في تلك الجملة، فيرفع الإبهام والغموض وهذا الشيء المبهم أو الغامض هو ما نسميه "الممَيَّز أو المفَسَّر" ولو أنه ذكر وحده دون التمييز لحارت النفس فيه، وذهبت بها حيرتها في كل اتجاه.
إذا عاودنا النظرة إلى الأمثلة السابقة، وقلنا في المثال الأول:"عاشت حضارة العرب أربعة عشر" -هكذا دون التمييز- لأثار ذلك تساؤلا هو أي شيء هذه الأربعة عشر؟ "يوما، شهرا، أسبوعا، قرنا" فإذا ذكر التمييز "قرنا" ذهبت تلك الحيرة، وفي المثال الثاني لو قلنا:"تأثر بها العالم" -هكذا دون التمييز- لأثار ذلك تساؤلا هو: بأي شيء تأثر العالم؟! في "الحضارة، التخلف، العقيدة، الثقافة، الأخلاق، التاريخ؟! " كل هذه احتمالات لا تزول إلا بذكر التمييز، فإذا ذكر التمييز "ثقافة وأخلاقا" زالت هذه الاحتمالات جميعا، وبان الأمر، فقرّت النفس.
بين الحال والتمييز:
بالنظر إلى الصفات التي يجب توافرها في كل من الحال والتمييز يمكن الموازنة بينهما نحويا بما يلي:
أولا: يتفق كل من الحال والتمييز في أمرين:
1-
كل منها نكرة لا معرفة.
2-
كل منهما فضلة لا عمدة.
ثانيا: يفترقان في أمرين:
1-
الحال مشتق في الأصل، ولا يكون جامدًا إلا في مواضع خاصة والتمييز جامد دائما.
2-
الحال يبين هيئة صاحبه، ويجيب عن السؤال بكلمة "كيف" أما التمييز فيوضح المبهم قبله، ويجيب عن السؤال "من أي جهة؟ ".
الأمور المبهمة وأنواعها:
تنقسم الأمور المبهمة التي يوضحها التمييز إلى صنفين:
الصنف الأول: مفردات مبهمة تحتاج إلى ما يوضحها، ويسمى التمييز في هذه الحالة "تمييز المفرد" أو "تمييز الذات"؛ لأنه يفسر اسما مفردا يدل على ذات مبهمة.
والمفردات التي تحتاج إلى التفسير والتوضيح أمور أربعة هي:
1-
الأعداد من "11 - 99" -ولو جاءت مع المائة فما فوقها- لأن
هذه الأعداد يأتي بعدها التمييز منصوبا، كقول القرآن:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} 1 وقول زهير:
سَئِمتُ تكاليفَ الحياةِ ومنْ يَعِشْ
…
ثمانين حولًا لَا أبا لَكَ يَسأمِ1
2-
أسماء المقادير: ويقصد بها ما يدل على مقدار منضبط وزنا أو كيلا أو قياسا تعارف عليه الناس وارتضوه للوزن أو الكيل أو القياس، ومن ذلك:
- موازين: الطن، القنطار، الأقة، الكيلو، الرطل، الأوقية، الدرهم، الجرام.
- مكاييل: الإردب، الكيلة، القدح، الجريب، الصاع.
- مقاييس: الفدان، القيراط، السهم، القصبة، المتر، الياردة، الكيلو متر.
كقولنا: "تزنُ القِلادَةُ أوقيّةً ذهبًا" أو "بعضُ الفلاحين يملك فقط فدانًا أرضًا فَيَغِلُّ عليه عددا من القناطير قُطْنًا وعددا آخر من الأرادب قمحًا".
3-
أشباه المقادير: ويقصد بها ما تدل على مقدار غير منضبط وزنا أو كيلا أو قياسا، ولم يتعارف الناس عامة على استعمالها لذلك.
تقول: "شربتُ بعد الإفطار كُوبًا شايًا بعد أن أضفتُ إليه إناءً لَبَنًا".
فهذا يشبه الكيل، ومن كلام أهل الريف "نَمَا النباتُ حتى بلغَ باعًا طولًا ثم نَمَا حتى بلغ قامَةَ رجلٍ ارْتِفَاعًا" فهذا يشبه القياس، ومن كلام أبناء البلد:"اشتريتُ وَزْنَ حجرٍ عِنَبًا" فهذا يشبه الوزن، وقد جاء من ذلك ما يلي:
1 من الآية 4 من سورة يوسف.
2 سئمت: مللت وكرهت، لا أبا لك: جملة تستخدم الدعاء على الشخص قديما، كأنه قال: عدمت الأب وصرت مضيعا.
الشاهد: في "ثمانين حولا" فإن المفسر إنما هو اسم العدد "ثمانين".
- قول القرآن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} 1. "يشبه الوزن".
- قول العرب: ما في السَّماء قدرُ راحةٍ سحابًا. "يشبه القياس".
4-
أن يكون الاسم المبهم فرعا للتمييز، على معنى أن يكون التمييز المفسِّر هو الأصل، والمفسَّر بعضا منه، كقولنا:"هذا ثوبٌ حريرًا" أو "هذا خاتمٌ ذهبًا".
الصنف الثاني: النسبة المبهمة بين شيئين في الجملة، أو بعبارة أخرى العلاقة المجملة -غير المفصلة- بين أمرين في الجملة، ويسمى التمييز في هذا الصنف "تمييز النسبة"؛ لأنه قد جاء ليوضح تلك النسبة المبهمة، وليفصل ويبين تلك العلاقة المجملة بين الشيئين في الجملة.
والنسبة المبهمة أربعة أنواع:
1-
النسبة المبهمة بين الفعل والفاعل، ويسمى التمييز في هذه الحالة "محوّلا عن الفاعل" كقولك:"انتصرت قضيّتُنَا عدْلًا" و "ارتفع طلابُ العلمِ في وطننا شأنًا" ومنه قول القرآن: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} 2.
2-
النسبة المبهمة بين الفعل والمفعول ويسمى التمييز في هذه الحالة "محولا عن المفعول" كقول الفلاح: "زرعتُ الأرضَ شجرا" وقولي: "شرحتُ الكتابَ نحوًا" ومن ذلك قول القرآن: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} 3.
3-
النسبة بين الخبر والمبتدأ كقولنا: "المثقفُ أفضلُ من الجاهل خُلُقًا" وأيضا "الأساتذةُ أفضلُ من الناسِ عِلْمًا" ومنه قول القرآن: {أَنَا أَكْثَر
1 من الآية 7 من سورة الزلزلة.
2 من الآية 4 من سورة مريم.
3 من الآية 12 من سورة القمر.
مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} 1 ويسمى التمييز في هذه الحالة "محولا عن المبتدأ".
4-
النسبة المبهمة مطلقا: وهي النسبة المبهمة في الجملة غير الأمور الثلاثة السابقة، ويسمى التمييز في هذه الحالة مفسرا للنسبة المبهمة فقط، وهو "غير محول" عن غيره.
وقد ورد هذا النوع الأخير -غير المحول- في نماذج من الأمثلة ترد غالبا في موقف التعجب والتأثر، ومن ذلك:
- قول العرب: "لله دَرُّهُ فارِسًا" أسلوب تعجب سماعي، فارسا: تمييز.
- قولنا: "أكرمْ بِهِ أبًا" أسلوب تعجب قياسي، أبا: تمييز.
- قولنا: "ما أشْجَعَهُ رَجُلًا" أسلوب تعجب قياسي، رجلا: تمييز.
- ما ينسب للأعشى من قوله:
بانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ
…
يَا جَارَتَا ما أنتِ جَارَهْ2
يقول ابن هشام عن هذا البيت "ما" استفهام مبتدأ و "أنت" خبره، والمعنى "عَظُمْتِ" كما يقال:"زيدٌ وما زيدٌ" أي شيء عظيم، و "جارة" تمييز، وقيل:"ما" نافية، و "أنت" اسمها و "جارة" خبر ما الحجازية أي: لست جارة، بل أنت أشرف من الجارة، والصواب الأول ا. هـ.
وبعد: فلعلنا بعد هذا العرض للمفردات المبهمة وأنواعها، وللنسب المبهمة وصورها يمكننا أن نفهم وأن نشرح عبارة "ابن هشام" المشهورة بين المشتغلين بالنحو وهي "التمييز يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة" بعد أن مر علينا بالتفصيل الأسماء المبهمة والنسب المجملة.
1 من الآية 34 سورة الكهف.
2 بانت: بعدت وفارقت، عفاره: اسم الحبيبة.