الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعراب
والبناء
الإعراب
مدخل
…
الإعراب والبناء:
أولا: الإعراب
تمهيد:
يحدد معنى الإعراب عبارة واحدة هي: "أثر ظاهر أو مقدَّر يجليه العامل في آخر الكلمة" ا. هـ قطر الندى.
يقول شوقي:
وللحرِّيَّةِ الحمراءِ بابٌ
…
بكلّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ
فكلمات هذا البيت جميعا "الحرّيّة، الحمراء، كل، يد، مضرجة، يُدق" معربة، والإعراب في آخر الكلمات "الحريةِ، الحمراءِ، كلِّ، يدٍ، مضرجةٍ" -كما وردت في البيت- هو الكسرة التي هي شكل آخرها أما الإعراب في آخر الكلمتين "باب، يدق" -كما وردتا في البيت أيضا- فهو الضمة، والأولى اسم، والثانية فعل مضارع
…
وينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب عرض التعليقات الآتية حول التعريف السابق:
أولا: أن الإعراب يقصد به شكل أواخر الكلمات فقط، فهو في قول "شوقي" السابق ضمة الباء في "بابٌ" وضمة القاف في "يدقُّ" وكسر التاء في كلمة "الحريةِ" والهمزة في "الحمراءِ" واللام في "كلِّ" والدال في "يدٍ" والتاء في "مضرجةٍ" أما بقية حروف الكلمة -غير الآخر- مما يطلق عليه علميًّا اسم "بقية الكلمة" فلا شأن للنحو بالبحث فيه، وإنما هو من اختصاص علم آخر هو "علم الصرف".
ثانيا: الإعراب لا يتحقق إلا في جملة كاملة، فشكل أواخر الكلمات -الإعراب- لا يتحدد إلا بدخولها ضمن "الكلام" كما سبق تحديده، فالكلمات المفردة وحدها لا يعرف إن كانت معربة أو مبنية إلا بتصور دخولها في جملة مفيدة، وحيئنذٍ تأخذ وظيفة نحوية "مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول.. إلخ" فيظهر عليها الشكل الذي هو الإعراب معبّرا عن هذه الوظيفة.
وهذا يفسر لنا جانبا من اهتمام النحو بدراسة كيفية تأليف الجملة العربية اسمية أم فعلية.
ثالثا: يترتب على الأمر السابق مباشرة أن نعرف أن الكلمة المعربة هي الكلمة التي تدخل جملا مختلفة، وحين تتغير وظيفتها النحوية من جملة لأخرى يتغير شكل آخرها أيضا، ومثال ذلك كلمة "الحرية" فهي كلمة معربة يدل على ذلك وضعها في الجمل الثلاث الآتية:
الحرِّيَّةُ أثمنُ شيءٍ في الحياة.
تعشقُ النفوسُ العاليةُ الحريةَ وتموتُ من أجلها راضيةً.
فقد الحريةِ يساوي فُقدَانَ الحياةِ.
فالكلمة في الجملة الأولى مبتدأ، وهي مُشَكَّلَةٌ بالضمة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثانية فصارت "مفعولا به" شكلت بالفتحة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثالثة فصارت "مضافة إليه" شكلت بالكسرة، هذه الكلمة "الحرية" معربة بتغير وظيفتها في الجمل المختلفة.
رابعا: إن الإعراب -فيما يرى النحاة- أثر لعامل يجلبه في آخر الكلمة من فعل أو غيره، والحق أن العامل موضوع ذهني شائك لا داعي
مطلقا للإكثار فيه، وينبغي الاقتصار على القدر الضروري منه وفي أضيق الحدود، ويجب الانصراف عما دار حوله من مناقشات مجهدة لا طائل وراءها.
خامسا: الدراسة للإعراب تتكون من جوانب ثلاثة هي:
1-
ألقاب الإعراب وتوزيعها بين المعرب من الأسماء والأفعال.
2-
الإعراب الأصلي والفرعي.
3-
الإعراب الظاهر والمقدر.
وسنتناول كل واحد من هذه الثلاثة بالشرح المفصل.
أنواع الإعراب:
لاحظ الأمثلة الآتية:
أنواع الإعراب أربعة هي:
1-
الرفع: ويوصف به الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وذلك إذا أخذ كل منهما في الجملة وظيفة نحوية من وظائف الرفع كالمبتدأ أو الخبر أو الفاعل أو اسم كان للاسم، وكذلك تجرد الفعل من الناصب والجازم، تقول "يعرفُ العقلاءُ وهم صامتون ويتحدثُ الحمقى وهم جاهلون".
2-
النصب: ويوصف به أيضا الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب وذلك أيضا إذا أخذ كل منهما في الجملة وظائف النصب كالمفعول به أو الظرف أو الحال بالنسبة للاسم، وكذلك إذا وقع الفعل المضارع بعد أداة من أدوات النصب، قال القرآن:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} 1 فكلمة "يُضلُّ"
1 من الآية 115 من سورة التوبة.
فعل مضارع منصوب بعد لام الجحود، وكلمة "قوما" اسم منصوب مفعول به وكلمة "بعد" اسم منصوب ظرف مكان.
3-
الجر: ويوصف به الاسم المعرب فقط، فالجر من خصائص الأسماء وإنما يكون الاسم مجرورًا إذا جاء في جملته في إحدى وظائف الجر، وذلك بعد حرف من حروف الجر، أو وقع "مضافًا إليه" بعد اسم آخر، كقول الرسول:"مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه" فكلمة "حُسنِ" مجرورة بالحرف "من" وكلمة "إسلام" مجرورة "مضاف إليه" لكلمة "حسن" وكلمة "المرء" مجرورة أيضا "مضاف إليه" لكلمة "إسلام".
4-
الجزم: ويوصف به الفعل المضارع المعرب فقط، إذا جاء في موضع للجزم بعد حروفه أو بعد أدوات الشرط التي تجزمه، كقول القرآن:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 1.
والخلاصة أن ألقاب الإعراب أربعة، رفع ونصب ويوصف بهما الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وجر ويكون في الاسم المعرب فقط، وجزم ويكون في الفعل المضارع المعرب فقط.
1 الآية 3 من سورة الإخلاص.
إعراب الآية: {لَمْ يَلِدْ} لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَلِدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف "لَمْ" وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على "الله" السابق ذكره في السورة. {وَلَمْ يُولَدْ} الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يُولَدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف "لم" وعلامة جزمه السكون، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على "الله"، والجملة "لم يولد" معطوفة على جملة "لَمْ يَلِدْ" بالواو. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَكُنْ: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر مجزوم بالحرف "لَمْ" وعلامة جزمه السكون، له: جار ومجرور متعلق بكلمة "كُفُوًا" الآتي بعده، كُفُواً: خبر "يَكُنْ" مؤخر مرفوع بالضمة، وجملة:{لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} معطوفة بالواو على الجملة السابقة عليها.
الإعراب الأصلي والفرعي:
كان الرسولُ عظيمًا في رِضاهُ وغضبِه.
يتسامحُ في أذاه، لكن من أخلاقِهِ أن يغضبَ لمحارمِ الله.
ولم يؤثرْغيرُ ذلك من حياتِه الشَّريفة.
فسلوكُه قدوةٌ للمهتدين يستمدون منه الهُدَى.
سبق أن الإعراب هو الشكل الذي يكون في آخر الكلمات المعربة من الأسماء والأفعال، إذ تأتي في مواضع الإعراب الأربعة: الرفع والنصب والجر والجزم.
هذا الشكل يكون أصليًّا كما يكون فرعيًّا، وكل من الأصلي والفرعي -فيما أرى- مجرد مصطلحين دراسيين في النحو لحصر الشكل الذي يرد في آخر الكلمات المعربة دون أن يعني ما يتبادر إلى الذهن من هذه التسمية فلم يكن أحدهما أصلا للآخر في استعمال اللغة على الإطلاق.
فالإعراب الأصلي مظاهره أربعة هي:
1-
الضمة للرفع -في الأسماء والأفعال- كما هو واضح في الأمثلة السابقة في الكلمات "الرسول، يتسامح، غير، سلوك، قدوة".
2-
الفتحة للنصب -في الأسماء والأفعال- كما هو واضح في الأمثلة
السابقة في الكلمات "عظيما، يغضب، الهدَى" والكلمة الأخيرة منصوبة بفتحة مقدرة على آخرها كما سيأتي شرح الإعراب المقدر فيما بعد.
3-
الكسرة للجر -في الأسماء فقط- كما وردت في الأمثلة في الكلمات "رِضَى، غضَب، أخلاق، محارم، الله، حياة، الشريفة" والكلمة الأولى مجرورة بكسرة مقدرة.
4-
السكون للجزم -في الأفعال فقط- كما هو واضح في الأمثلة في جزم الفعل "يؤثر" بعد الحرف "لم".
وخلاصة الأمر أن علامات الإعراب الأصلية هي الضمة للرفع والفتحة للنصب والكسرة للجر والسكون للجزم!
الإعراب الفرعي: يقصد به ما لم يكن واحدا من الأربعة السابقة فهو ما جاء شكلا في آخر الكلمات المعربة في حالة الرفع غير الضمة، وفي حالة النصب غير الفتحة، وفي حالة الجر غير الكسرة، وفي حالة الجزم غير السكون، فكلمة "المهتدين" -في الأمثلة السابقة- مجرورة بالياء لا بالكسرة أو بعبارة أخرى مجرورة بالياء نيابة عن الكسرة، وكلمة "يستمدون" في الأمثلة مرفوعة بثبوت النون، أو بعبارة أخرى مرفوعة بثبوت النون نيابة عن الضمة، وهكذا.
هذا، والأبواب التي فيها الإعراب الفرعي سبعة، إجمالها في الجدول الآتي:
هذه هي الأبواب السبعة إجمالا، وإليك الحديث عن كل واحد منها تفصيلا.
الأسماء الستة:
1-
الأسماء الستة وإعرابها
2-
عددها، خمسة أو ستة، من استعمال العرب لها
3-
الصفات العامة لإعرابها بالحروف
4-
الصفات الخاصة بكل من الكلمتين "ذو، فم"
الأسماء الستة وإعرابها:
هذه الأسماء هي: "أب، أخ، حم، فم، ذو، هن"، ويقصد بكلمة "حم" -كما جاء في قطر الندى- أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وابن عمه، على أنه ربما أطلق على أقارب الزوجة. ا. هـ.
وعلى هذا فالأكثر في اللغة أن يقال: "حموها" والقليل في اللغة أن يقال: "حموه" وأما كلمة "هن" فهي كناية عما يستقبح ذكره، أو هي كناية عن العورة في الرجل والمرأة.
هذه الأسماء السابقة ترفع بالواو نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة، نقول:"أخوك رِحمُكَ وقوتُك فهو جديرٌ بعطفِك ونُصرتك"، وتقول:"فقد الرّسول أباه وهو في بطن أمه فاستقبل الحياة يتيما"، وتقول:"لا تسخرْ مِنْ ذي الحاجة فربَّما احتجْت يوما مثلَه". فكلمة "أخوك" في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وكلمة "أباك" في المثال الثاني مفعول به منصوب بالألف، وكلمة "ذي الحاجة" في المثال الثالث مجرورة بحرف الجر "من" وعلامة الجر الياء.
عددها من استعمال العرب لها:
يصف بعض المعربين هذه الأسماء بأنها "ستة" ويصفها آخرون بأنها "خمسة" وكلا الفريقين مصيب في وصفه، فما حقيقة الأمر في هذا الموضوع وما أساسه العلمي؟
ينبغي أن يعلم -باختصار شديد- أن العرب الفصحاء الذين اعتمد عليهم النحاة في وضع القواعد لم يكونوا قبيلة واحدة متحدة النطق دائما وإنما كانوا مجموعة من القبائل المختلفة النطق أحيانا في المسلك اللغوي الواحد، مما يترتب عليه في دراسة النحو وجود آراء مختلفة -حول المسألة الواحدة- وكل رأي يعتمد على نطق عربي فصيح لإحدى القبائل الموثَّقة.
وخير مثال للفكرة السابقة هذه الأسماء التي معنا، فقد ورد فيها عن العرب الفصحاء الاستعمالات الثلاثة الآتية:
الأول: الاستعمال المشهور "لغة التمام".
وهو إعرابها بالحروف، حيث تستعمل في حالة الرفع بالواو، وفي حالة النصب بالألف، وفي حالة الجر بالياء، وإنما سميت "لغة التمام" لأن كلمة "أب" على حرفين فقط، والأسماء المعربة في اللغة تبدأ بثلاثة أحرف، فإذا انضم إلى هذين الحرفين الواو أو الألف أو الياء في الإعراب فقد تمت الكلمة وكملت بهذه الحروف، ويستعمل هذا الاستعمال ستة أسماء هي التي سبقت معرفتها في أول هذا الموضوع.
الثاني: لغة القصر
ويكون بإلزامها الألف دائما رفعًا ونصبًا وجرًّا، فهي اسم مقصور تقدر
عليه الحركات الثلاث -كما سيعلم في إعراب المقصور- مثلها في ذلك مثل الكلمات "هُدَى، مصطفَى، مَرْمَى" ومن ذلك قول الراجز مما هو منسوب لرؤبة بن العجاج:
إن أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في المجد غايتاها1
ومن أمثال العرب "مُكْره أخاك لا بطل"2
والذي يستعمل هذا الاستعمال كلمات ثلاث هي "أب، أخ، حم".
الثالث: لغة النقص
ويكون باستعمالها على حرفين فقط: فهي ناقصة عن ثلاثة أحرف، وهذا أقل عدد للكلمات العربية المعربة، وحينئذٍ تعرب بالعلامات الأصلية، فتشكل بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، ومن ذلك قول القرآن
1 الشاهد في هذا البيت في الشطر الأول "إن أباها وأبا أباها" بتكرار كلمة "أبا" ثلاث مرات ملتزمة الألف، وهي أولا في وظيفة النصب، لأنها اسم "إن" والثانية في وظيفة نصب أيضا، لأنها معطوفة عليها، والثالثة في وظيفة الجر، لأنها مضاف إليه، وقد التزمت جميعا الألف، وهذه لغة بعض العرب في استعمال بعض الأسماء الستة.
2 مثل يضرب لمن يقوم بعمل عظيم حتمت عليه الظروف القيام به لا بطولة حقيقية.
ويستدل به على إلزام بعض الأسماء الستة الألف، فكلمة "أخاك" في وظيفة للرفع إذ هي مبتدأ، ومع ذلك التزمت الألف.
إعراب المثل: مكره: خبر مقدم مرفوع بالضمة، أخاك: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، و "أخا" مضاف والكاف مضاف إليه، لا بطل: لا: حرف عطف، بطل: معطوف على "مكره" والمعطوف المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
{إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} 1 وقول الرسول: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهَنِ أبيه ولا تكنوا" 2 وقول رؤبة يمدح عديّ بن حاتم الطائي:
بأبِه اقتدى عَدِيّ في الكَرَم
…
ومن يُشَابِهْ أَبَهُ فما ظلم3
والذي يستعمل هذا الاستعمال أربع كلمات هي "أب، أخ، حم، هن"
فما علاقة ذلك كله بعدد هذه الأسماء وكونها خمسة أو ستة؟
إن بعض النحاة يرى أن كلمة "هن" لم يستعملها العرب الاستعمال الأول "التمام" ولا الاستعمال الثاني "القصر" ولم تستعمل إلا الاستعمال الأخير فقط "لغة النقص" ورتب على ذلك أن الأسماء التي تعرب بالحروف خمسة لا ستة.
1 من الآية 78 من سورة يوسف.
2 جاء في حاشية الصبان "ج1 ص69" نسبة الحديث إلى النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وقد ورد في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ:"إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه.." وكلتا الروايتين دليل لما نحن فيه.
3 الشاهد في البيت مجيء كلمة "أب" ناقصة عن ثلاثة أحرف. فتعرب بالحركات الأصلية، وهي في الشطر الأول من البيت مجرورة في "بأبه" وعلامة جرها الكسرة على الباء، وفي الشطر الثاني في "يشابه أبه" مفعول به منصوب بالفتحة على الباء.
إعراب البيت:
بأبه: الباء حرف الجر، أب: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة و "أب" مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل "اقتدى"، اقتدى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، عدي: فاعل مرفوع بالضمة، في الكرم: جار ومجرور متعلق بالفعل "اقتدى"، من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، وهما فعل الشرط والجواب، يشابه: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر، أبه: أب: مفعول به منصوب بالفتحة، وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، فما ظلم: الفاء واقعة في جواب الشرط، ما: حرف نفي، ظلم: فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
وهناك رأي مقابل لهذا الرأي، وهو أن العرب الفصحاء استعملوا كلمة "هن" على لغة "التَّمام" وسمع عنهم مثل "هَنُوكَ مِمَّا يَعِيبُك" وقولهم أيضًا "استُرْ هَنَا أهْلِك" فهو أيضًا يعرب بالحروف، فالأسماء التي تعرب بالحروف إذن ستة لا خمسة.
جاء في ابن عقيل: وأما "هن" فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة، والإتمام جائز، لكنه قليل جدا وأنكر الفراء جواز إتمامه، وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. ا. هـ.
الصفات العامة لإعرابها بالحروف:
المقصود بأنها "عامة" أنه يجب أن تتوافر في كل هذه الأسماء السابقة فليست خاصة باسم منها دون الآخر.
وهذه الصفات تلخصها عبارة واحدة هي: "أن تكون هذه الأسماء مفردة مكبرة مضافة لغير ياء المتكلم".
وهذه العبارة المجملة تحمل الصفات الآتية تفصيلا:
أ- أن تكون هذه الأسماء مفردة لا مثناة ولا مجموعة.
ب- أن تكون هذه الأسماء مكبرة لا مصغرة، مثل "أُبَيّ، أخي".
ج- أن تكون مضافة لاسم ظاهر مثل "أبو العباس" أو لضمير مثل "أخوك".
د- أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم.
هذه الصفات الأربع يجب توافرها مجتمعة في الأسماء الستة لتعرب بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا.
- جاء في القرآن: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.
- وجاء في الحديث: "ولو كنت متخذًا خليلًا لاتَّخذت أبا بكر خليلا"2.
فالكلمات "أخوه، أبينا، أبانا" في الآية معربة بالحروف وهي مستوفاة للشروط الأربعة السابقة، والأولى مرفوعة بالواو، والثانية مجرورة بالياء، والثالثة منصوبة بالألف، وكلمة "أبا بكر" في الحديث معربة أيضا بالحروف، لاستيفائها الشروط، وهي منصوبة بالألف "مفعول به" للفعل "اتخذ".
فإذا لم تتوافر إحدى هذه الصفات أو أكثر، فإن الاسم لا يعرب إعراب الأسماء الستة، بل يكون له إعراب آخر على حسب نسبته إلى باب غير هذا الباب مما لا داعي هنا لتفصيل القول فيه
1 من الآية 8 من سورة يوسف.
2 من حديث في صحيح البخاري، الجزء الخامس، باب فضائل أصحاب النبي.
الصفات الخاصة بالكلمتين "ذو، فم":
المقصود بأنها "خاصة" أنها يجب أن تتوافر في هاتين الكلمتين فقط بالإضافة إلى الشروط العامة السابقة.
- ذو:
تقول "ذو الفضل، ذو العلم، ذو الخلق، ذو ثروة، ذو نجابة، ذو إحساس" ففي هذه الأمثلة وأشباهها تعرب "ذو" بالحروف -بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا- لاستيفائها الصفات العامة السابقة بالإضافة إلى الصفتين الخاصتين التاليتين:
أ- أن تكون بمعنى صاحب، يعني إذا قلت:"ذو خلق" فهو بمعنى "صاحب خلق" وإذا قلت: "ذو ثروة" فهو بمعنى "صاحب ثروة".
ب- أن تكون مضافة لاسم ظاهر فقط، لا لضمير، فإن إضافتها لضمير لا يكاد يستعمل في اللغة، قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
…
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم1
وقال زهير:
1 العقل فهم وتقدير وإحساس، والجهل غباء وترك وبلادة، وصاحب العقل يشقى بتقديره وإحساسه وإن كان في النعيم، وصاحب الجهل يسعد بغبائه وبلادته وإن كان في الشقاء وهذا البيت للمتنبي، وقد سيق للتمثيل به لا الاستشهاد؛ فإن المتنبي -في رأي النحاة- لا يستشهد بشعره.
وموضع التمثيل به: استعمال كلمة "ذو" مضافة للاسم الظاهر في قول الشاعر "ذو العقل" وهي بمعنى "صاحب" وقد استوفت الشرطين الخاصين بها فأعربت بالحروف، فهي في البيت مبتدأ مرفوع بالواو.
ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فيبخلْ بفضله
…
على قومِهِ يُستَغنَ عنه ويُذْممِ1
- فم:
تقول: "فُو المنافِق يُخْرِجُ الكذب، فمِنْ فِيهِ تَخْرُجُ نَارُ الضغائن" وتقول: "أَغلِق فاك عن الكلام الضَّار" فهي في "فو المنافق" مبتدأ مرفوع بالواو، ثم استعملت في "من فيه" مجرور بالحرف "من" بالياء، أما في "أغلق فاك" فهي مفعول به منصوب بالألف، ولكي تعرب هذا الإعراب يجب أن تتجرد من الميم، فكلمة "فم" لا تعرب بالحروف
1 استعمل الشاعر: "ذو" من الأسماء الستة في "ذا فضل" حيث استوفت شرطي إعرابها بالحروف، وهي في البيت خبر "يكن" منصوبة بالألف.
إعراب البيت:
من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، فعل الشرط والجواب، يك: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر، فعل الشرط، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، وأصله "يكن" واسمه ضمير مستتر، ذا فضل: ذا خبر "يك" منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الستة، فضل: مضاف إليه مجرور بالكسرة، فيبخل: الفاء: حرف عطف، يبخل: فعل مضارع معطوف على "يك" مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو"، بفضله: الباء: حرف جر، فضله: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة، وفضل مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل "يبخل"، على قومه: على: حرف جر، قومه: قوم: مجرور بالحرف "على" قوم مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بالفعل "يبخل"، يستغن: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، عنه: جار ومجرور نائب فاعل الفعل "يستغن"، ويذمم: الواو: حرف عطف، يذمم: معطوف على الفعل "يستغن" مجزوم بالسكون وحرك بالكسر من أجل القافية، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره "هو".
بل بالحركات الأصلية، وهذا بالإضافة إلى الصفات العامة التي سبق شرحها.
قال عمر بن أبي ربيعة:
قالتْ ورأسِ أبي ونعمةِ والدي
…
لَأُنَبِّهَنَّ الحيَّ إن لم تَخرجِ
فخرجْتُ خوف يمينها فتبسَّمتْ
…
فعلمتُ أن يمينها لم تحرج
فلثمتُ فاها آخِذًا بقُرونها
…
فعلَ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحشرجِ1
1 لم تحرج: لم تأثم، بمعنى أنها يمين غير صادقة، النزيف: من عطش عطشًا شديدًا حتى يبست عروقه، الحشرج: النقرة في الجبل يصفو فيها الماء، القرون: خصل الشعر.
ويدل البيت الأخير على إعراب "فو" بالحروف، وذلك في جملة "لثمت فاها" حيث خلت الكلمة من الميم، واستوفت الشروط العامة الأخرى، وهي في البيت "مفعول به" منصوب بالألف.
الاسم الذي لا ينصرف:
1-
العلاقة بين ما ينصرف وما لا ينصرف
2-
عرض عام لصفات منع الصرف
3-
يتفرع على هذا الباب المسائل الآتية:
أ- عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي
ب- صرف الممنوع من الصرف عند الحاجة
ج- منع صرف الأسماء المنصرفة عند الحاجة
العلاقة بين المنصرف وغير المنصرف:
لاحظ المجموعتين الآتيتين من الجمل:
الاستشهادُ في سبيل المبدأ رجولةٌ وشرفٌ "رجولةٌ، شرفٌ" منونتان مرفوعتان بالضمة
ويعيش الأحرارُ حياتهم رجولةً وشرفًا "رجولةً، شرفًا" منونتان منصوبتان بالفتحة
ويسقطون -حين موتهم- على رجولةٍ وشرفٍ "رجولةٍ، شرفٍ" منونتان مجرورتان بالكسرة
يقول الرسول: الساكتُ عن الحق شيطان أخرسُ "أخرسُ" غير منون، مرفوع بالضمة
ونقول، من تكلم فيما لا يعنيه كان إنسانًا أحمقَ "أحمق" غير منون، منصوب بالفتحة
والعاقل من لا يثرثر بحديث أحمقَ "أحمقَ" غير منون مجرور بالفتحة
ينبغي أولا أن يفهم المقصود من الكلمتين "منصرف، غير منصرف" فإن المنصرف هو الاسم المنون تنوين التمكن مثل "رجولة، شرف، قوة، عزة، أمين، عادل" وأما غير المنصرف فهو الاسم غير المنون -لأسباب سيأتي شرحها- مثل "أخرس، أحمق، معاوية، يزيد، أحمد، عمر، عثمان، ظمآن، ريَّان" والتنوين يقصد به علميا: نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظًا لا خطًّا، بمعنى أنها تنطق ولا تكتب.
إذا علم ذلك، فما هي العلاقة بين الاسم المنصرف والاسم الممنوع من الصرف؟ أو بعبارة أخرى: ما هي وجوه الموازنة بين الاثنين؟ إن ذلك يتلخص في الآتي:
أولا: يتفق المنصرف وغير المنصرف في شيئين:
1-
أن كلا منهما يرفع بالضمة، تقول:"كان إبراهيمُ خليلَ الله، وكان محمدٌ خاتمَ الأنبياء".
2-
أن كلا منهما ينصب بالفتحة، تقول:"بعث الله إبراهيمَ ومحمدًا لهداية الناس".
ثانيا: يفترق المنصرف وغير المنصرف في شيئين:
1-
أن المنصرف منون، وغير المنصرف لا ينون، مثل:"محمد" و "إبراهيم".
2-
أن المنصرف يجر بالكسرة على الأصل، وغير المنصرف يجر بالفتحة على خلاف الأصل، تقول:"يرجع نَسَبُ محمدٍ إلى إبراهيمَ عليهما السلام".
صفات ما يمنع الصرف:
تتدرج هذه الصفات -بصورة عامة- تحت صنفين رئيسين:
الصنف الأول: ما يمنع من الصرف لوجود صفة واحدة فيه
الصنف الثاني: ما يمنع من الصرف لوجود صفتين فيه
وكل من هذين الصنفين في حاجة إلى بيانه تفصيلا.
الصنف الأول: ما يمنع من الصرف لصفة واحدة.
ورد ذلك في اللغة في نوعين من الأسماء:
1-
صيغة منتهى الجموع
لاحظ الأمثلة:
- مدائن، منائر، ستائر، قواعد، معالم، مساجد، نوادر، دعائم، كتائب، خنادق، بنادق، صواعق، مراوح.
- مصابيح، عصافير، أغاريد، أهازيج، تماثيل، أقاصيص، أكاذيب، مزاريق، مفاتيح.
يقصد بهذا الجمع علميا: كل جمع بعد الألف الدالة على الجمع فيه حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطهما ساكن، والأول مثل "بنادق" والثاني مثل "عصافير" وإنما سمي هذا الجمع بهذه التسمية لسببين:
أولهما: أنه لا يمكن جمعه بعد ذلك، بخلاف "رجال" مثلا فإنه يمكن جمعه فيقال "رجالات" فهذا النوع من الجموع نهاية الجمع ولا جمع بعده.
وثانيهما: أنه جمع يأتي على صورة لا يمكن أن تتحقق في المفردات فلا يمكن أن نجد في المفردات كلمات مماثلة في وزنها للكلمات التي تأتي في هذا الجمع، فكأنما هو غاية الجموع؛ لتفرده بأوزانه الخاصة التي لا يشاركه المفرد فيها.
2-
ألف التأنيث مقصورة وممدودة.
لاحظ الأمثلة:
- سلوى، ليلى، لُبْنى، سُعدى، ذِكْرى، بَرَدَى، قَتْلَى، جَرْحى، دعْوى، حرَّى.
5-
نجلاء، صحراء، بيداء، حمراء، خضراء، أثرياء، فقراء، يوم أربعاء وعاشوراء، قرفصاء، كبرياء، خيلاء.
فألف التأنيث المقصورة ما جاءت في آخر الاسم دالة على التأنيث مفتوحا ما قبلها مثل "بَرَدَى".
وألف التأنيث الممدودة -في تصور النحاة- ألف في آخر الكلمة قبلها ألف، فنقلب الثانية همزة، مثل "صحراء" أصلها -في التصور الذهني- "صحراا" فقلبت الثانية همزة، ولهذا سميت ممدودة؛ لأنها في الحقيقة مع الألف السابقة عليها حرف مدّ طويل، تنطق مع امتداد النَّفَس. وهنا ينبغي التنبيه لأمرين فيما يتعلق بألف التأنيث الممدودة:
الأول: أن إطلاق ألف التأنيث عليها لا يتفق مع ما ورد في اللغة، فقد تكون في كلمة تدل على التأنيث مثل "نجلاء" وقد تأتي في كلمات لا دلالة فيها على التأنيث مثل "أطباء، أقرباء، أربعاء" فإطلاق "ألف التأنيث الممدودة" عليها مجرد اصطلاح في مقابل "ألف التأنيث المقصورة" ولا يراد منه حقيقة دلالته.
الثاني: أن الألف الممدودة المكونة من ألفين تنقلب الثانية فيهما همزة يجب لكي يكون الاسم معها ممنوعا من الصرف من توفر صفتين فيها:
1-
أن تكون واردة بعد ثلاثة أحرف فصاعدا، فإن جاءت بعد اثنين صرفت الكلمة، مثل "رُغاءٌ، رِعاءٌ، بِناءٌ، نِداءٌ، رِداءٌ".
2-
أن تكون زائدة في الكلمة التي وردت فيها، فإن كانت أصلية أو منقلبة عن أصل صرفت الكلمة مثل "أعداءٌ، أسماءٌ، أبناءٌ، نداءٌ، رداءٌ".
الصنف الثاني: ما يمنع من الصرف لصفتين
إحدى هاتين الصفتين دائما واحدة من اثنتين:
- العلمية: وذلك أن يكون الاسم دالا على ذات محدّدة، مثل:"عمر، عثمان، معاوية، عائشة، خديجة".
- الوصفية: وذلك أن يكون الاسم دالا على معنى ينسب إلى غيره مثل: "عطشان، غضبان، أخضر، أصفر".
لكن، يجب أن ينضم لكل واحدة من هاتين الصفتين السابقتين -العلمية أو الوصفية- صفة ثانية في الاسم الذي يمنع من الصرف، فالعلمية أو الوصفية بمفردها لا تمنع الاسم من الصرف، فوجود إحدى هاتين الصفتين -وإن كان ضروريا- لازم للمنع من الصرف، لكن إحداهما لا تستقل وحدها بهذا الأمر.
فليس كل ما كان علما أو صفة ممنوعا من الصرف، لوجود أعلام أو صفات -وهذا هو الأكثر في اللغة- منصرفة، مثل "محمد، خالد" علمين ومثل "قويّ، شجاع" صفتين.
لكن الممنوع من الصرف لا بد أن يكون علما أو صفة -بالتحديد السابق- مع ضم صفة أخرى للعلمية أو الوصفية كما هو مفصل في الآتي:
أولا: ما يجب أن ينضم للعلمية من الصفات، وهي ست صفات:
1-
التأنيث بغير الألف:
لاحظ الأمثلة:
فاطمة، عائشة، أمينة، أميرة، فريدة، كريمة، نفيسة، نادية، نبيلة، يسرية، شادية، فادية، حسنية، "مؤنث لفظا ومعنى"
حمزة، معاوية، أسامة، طلحة، سلامة، "مؤنث لفظا لا معنى"
زينب، سعاد، سهير، عفاف، ناهد، هيام، وجدان،آمال، أحلام، إجلال، إنصاف، بوران، "مؤنث معنى لا لفظا"
الأعلام المؤنثة تأتي في اللغة العربية في ثلاث صور هي:
أ- مؤنث لفظا ومعنى: وهو ما كانت به علامة التأنيث "التاء" ومعناه دال على مؤنث، مثل "فاطمة، يسرية" وهذا النوع يمنع من الصرف قطعا من غير احتراز.
ب- مؤنث لفظا لا معنى: وهو ما كانت به علامة التأنيث "التاء" لفظًا، لكن معناه مذكر مثل "معاوية، حمزة" وهذا النوع يمنع أيضا من الصرف مثل سابقه.
ج- مؤنث معنى لا لفظا: وهو ما كان خاليا لفظا من التاء، لكنه في المعنى يدل على المؤنث مثل "بوران، إحسان".
وفي هذا النوع تفصيل لمنعه من الصرف، ذلك أنه إن كان زائدا على ثلاثة أحرف -مثل كل الأمثلة السابقة- منع من الصرف مطلقا دون محترزات فإذا كان ثلاثيا محرك الوسط مثل "سحَر، ملَك، سقَر" منع أيضا من الصرف، وإن كان ثلاثيا ساكن الوسط أعجميا -أصله غير عربي- منع من الصرف، مثل "حمْص، كَرْك، بلْخ".
وإن كان ثلاثيا ساكن الوسط غير ما سبق، مثل "هنْد، دعْد، مصْر" جاز فيه الوجهان الصرف وعدم الصرف، ومما ورد من ذلك ما يلي:
- قول القرآن: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} 1.
- قول القرآن: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} 2
ففي الآية الأولى وردت "مصر" ممنوعة من الصرف، وفي الثانية جاءت مصروفة.
1 من الآية 99 من سورة يوسف.
2 من الآية 61 من سورة البقرة.
- قول جرير:
لم تتلفَّعْ بفضْل مئْزرِها
…
دعْدٌ ولم تُسقَ دعْدُ في العُلَب1
فكلمة "دعد" الأولى منصرفة، والثانية ممنوعة من الصرف.
2-
العجمة:
لاحظ الأمثلة الآتية:
"إدوارد، ألفونس، جونسون، ميخائيل، لندن، برلين، طهران، أنقرة، باريس".
يقصد بالعجمة: أن يكون الاسم علما في غير اللغة العربية، ثم استعمل فيها علما كما هو، سواء أكان ذلك فيما استعملته العربية من غير اللغات الأخرى قديما مثل "أذربيجان، نهاوند، فيروز، بطرس" أم ما تستعمله اللغة الآن من أعلام اللغات المعاصرة، مثل "بيفن، نيكسون، جورج".
ومن المعروف أنه في أثناء الترجمة يحافظ المترجم على الأعلام المنقولة كما هي دون تغيير، وهذه الأعلام تمنع من الصرف.
ويقول العلماء: إن أسماء الأنبياء كلها ممنوعة من الصرف لهذه الصفة
1 الإزار: الرداء، وفضل الإزار: بقية الرداء، والتلفع بالإزار: لفه على الجزء الأعلى من الجسم، وهو من عمل نساء الأعراب، العلب: جمع علبة وهي الإناء الذي يشرب فيه الأعراب، وعادة ما يكون من الجلد "كالقربة".
يقول: إن "دعد" حضرية غنية في كسائها وشربها، وليست أعرابية خشنة فهي لاتتلفع بفضل الرداء مثلهم، ولا تشرب الماء في آنيتهم.
الشاهد في البيت: ورود كلمة "دعد" فيه مرتين مصروفة في الأولى وغير مصروفة في الثانية، إذ هي علم ثلاثي مؤنث ساكن الوسط غير أعجمي، وهذا يصح صرفه ومنعه من الصرف.
"العجمة" مثل: "إسحاق، يعقوب، داود، سليمان، يوسف، موسى، هارون، أيوب، زكريا، يحيى، عيسى، إلياس، إدريس".
لكن يستثنى من هذه الأسماء ستة فهي مصروفة وهي: "محمد، صالح، شعيب، هود، نوح، لوط" جاء في القرآن: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} 1 وجاء فيه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} 2 وجاء فيه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 3.
3-
التركيب المزجي:
لاحظ الأمثلة الآتية:
"نيويورك، حضرموت "من مدن اليمن الجنوبية"، بعلبك "قلعة في لبنان"، معديكرب "أحد أسماء الجاهلية"، بختنصّر "أحد ملوك الفرس"، بورسعيد.
الكلمات السابقة من التركيب المزجي.. ومعناه أن تمتزج كلمتان فتصيرا كلمة واحدة ويكون الإعراب حينئذٍ على آخر الكلمتين الممزوجتين، تقول "نيويوركُ من أكبر المدن الأمريكية" وتقول "إن بورسعيدَ مدينةٌ ذاتُ شهرة بطوليّة بين مدن العالم الحديثة"، وتقول "يستلهم السَّياحُ عِبَرَ التَّاريخ من أطلالِ بعلبكَّ" فالمركب المزجي يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويجر بالفتحة، كما ترى في الأمثلة.
كل ذلك إذا لم يكن المركب المزجيّ مختوما بكملة "وَيْهِ" مثل "سيبويه، نفطويه، درستويه"، فإن كان كذلك فإنه يبنى دائما على الكسر وليس من هذا الباب.
1 من الآية الأولى من سورة نوح.
2 من الآية 65 من سورة الأعراف.
3 من الآية 29 من سورة الفتح.
4-
زيادة الألف والنون:
لاحظ الأمثلة الآتية:
"عثمان، مروان، نعمان، سليمان، لقمان، عمران، عمان" زيادة الألف والنون مع الأعلام، وإنما تعتبران زائدتين إذا جاءتا بعد ثلاثة أحرف من الكلمة، جاء في القرآن:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} 1 وجاء أيضا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} 2، وجاء أيضا:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} 3 فكلمة "لقمان" في الآية الأولى مرفوعة بالضمة، وفي الثانية منصوبة بالفتحة، أما كلمة "عمران" في الآية الثالثة فهي مجرورة بالفتحة.
5-
وزن الفعل:
لاحظ الأمثلة الآتية:
سبَّحَ، أحمد، يزيد، ثعلب، نرجس"
المقصود بوزن الفعل أن تأتي أسماء الأعلام على وزن خاص بالأفعال ولا يكون في الأسماء مثل: "سبَّح: علما" فإن وزن "فعّل" لا يكون إلا في الأفعال مثل: "جمَّع، قدَّم، أمَّن".
كذلك يقصد بوزن الفعل أن تأتي أسماء الأعلام وفي أولها زيادة تكون في الأفعال عادة مثل حروف المضارعة "الهمزة، النون، الياء، التاء" وأن يكون على وزن يأتي في الفعل -وإن لم يكن خاصا به- وذلك مثل "أحمد،
1 من الآية 13 من سورة لقمان.
2 من الآية 12 من سورة لقمان.
3 من الآية 35 من سورة آل عمران.
يزيد، تغلب، نرجس" أعلاما، تقول "استولى يزيدُ بن معاويةَ على الدولة دون مشورة المسلمين" وتقول: "قبيلةُ تغلبَ إحدى قبيلتين اشتركتا في حرب البسوس".
6-
العدل:
أشهر ما نسب له هذه الصفة أعلام معدودة جاءت على وزن "فُعَل" وهي "عُمَر، زُفَر، مُضَر، قُثَم، جُشَم، جُمَح، دُلَف، ثُعَل، هُبَل، زُحَل، قُزَح"
قالوا: مثلا في كلمة "عُمَر" وهو علم، أصله "عامر" فعدل عن هذا الأصل إلى "عمر" ومثله الباقي؛ وهذا غريب!! فمن الذي يمكنه أن يحقق هذا الأصل المدَّعى!! الحق أن هذا تكلف دعا إليه بحث النحاة عن صفة ثانية تنضم للعلمية، فلم يجدوا غير هذا الادعاء المتكلف الذي لا ترتاح إليه النفس.
قال ابن هشام: مثال العدل مع العلمية "عُمَر، زُفَر، زُحَل، جُمَح، دُلَف" فإنها معدولة عن "عامر، زافر، زاحل، جامح، دالف" وطريق معرفة ذلك أن تتلقّى من أفواههم ممنوع الصرف، وليس فيه مع العلمية ظاهرة، فيحتاج إلى تكلف دعوى العدل فيه ا. هـ.
وخلاصة الأمر أن الأسماء الاثني عشر السابقة وردت في اللغة ممنوعة من الصرف ويعبر عنها أهل صناعة النحو بأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل
ثانيا: ما يجب أن ينضم للوصفية من الصفات، وهو ثلاث صفات:
1-
زيادة الألف والنون:
لاحظ الأمثلة الآتية:
"فرحان، شبعان، ملآن، غضبان، جوعان، ظمآن".
الكلمات السابقة صفات وفي آخر كل منها ألف ونون زائدتان، فكل منها ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون، تقول:"أسعد لكريم فرحان ولا آسف على لئيم غضبان"، وهذه الصفات الممنوعة من الصرف تأتي على وزن "فعلان" فقط.
2-
وزن الفعل:
لاحظ الأمثلة الآتية:
"أجْمَل، ألْطَف، أحْسَن، أعزّ، أكْرَم، أجلّ، أشْرَف، أحْمَر، أخْضَر".
ويقصد بذلك الصفات التي على وزن "أفعل" فهذه جميعا تمنع من الصرف للوصفية ووزن الفعل؛ لأن وزن "أفْعَل" أقرب للفعل منه للاسم، تقول:"لا فرق في الإسلام بين أسودَ وأبيضَ"، وتقول "الصّبرُ أجْدرُ بالكريم عند الشِّدة"، وهذه الصفات الممنوعة من الصرف تأتي على وزن "أفْعَل" فقط.
3-
العدل:
الصفات التي نسب إليها "العدل" محصورة في كلمات معينة هي:
أ- كلمة "أُخَر" في قول القرآن: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1.
1 من الآية 184 من سورة البقرة.
فهي في الآية صفة لكلمة "أيام" مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف للوصفية والعدل، والوصفية أمر مفهوم فيها لدلالتها على معنى ينسب لغيرها، أما العدل فقد خضع لتصور ذهني ملخصه في الآتي:
كلمة "أخَر" جمعٌ مفرده كلمة "أخرى"، وكلمة "أخرى" مؤنث مذكره كلمة "آخر"، وكلمة "آخر" اسم تفضيل على وزن "أفْعَل" مثل "أعْظَم، أجْمَل، أكْرَم" واسم التفضيل ما دام مجردا من "أل" والإضافة فإنه يستعمل دائما مفردا مذكرا، فلا يثنى أو يجمع أو يؤنث، فنقول:
"العاملُ أكرمُ من الكسول والعاملون أكرمُ من الكسالى" فبقي اسم التفضيل مفردا في المثالين.
وعلى ذلك، فقد كان من المفروض في الآية -في صنعة النحو- أن يقال:"فعدة من أيامٍ آخر" فتكون الكلمة مفردة، لكن عدل عن ذلك إلى "أُخَر" مجموعة.
وخلاصة الأمر أن هذه الكلمة "أُخَر" ممنوعة من الصرف، وهي وصف عدل عن غيره بالتصور الذهني السابق.
ب- ما جاء على وزن "فُعَال ومَفْعَل" من الأعداد "1: 10""أُحَاد ومَوْحد، ثُنَاء ومَثْنَى، ثُلَاث ومَثْلَث، رُبَاع ومَرْبَع"
وهكذا حتى عشرة، فلنلاحظ الأمثلة:
مر صف الجنود ثُلَاث، "معناه: ثلاثة ثلاثة"
تقدم الواقفون إلى شباك السينما أُحَادَ أُحَادَ، "معناه: واحدًا واحدًا"
في المساء تعودُ الطيورُ إلى أعشاشِها في جماعات خُمَاسَ وسُدَاسَ، "معناه خمسة خمسة وستة ستة"
قال القرآن: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1.
قال ابن هشام: وهي معدولة عن ألفاظ العدد الأول مكررة، فأصل "جاء القوم أُحَادَ" جاءوا واحدا واحدا، وكذا الباقي ا. هـ. ومعنى هذا أن هذه الألفاظ -بهذه الصورة- يستغنى بها عن أسماء العدد الأصلية مكررة فنلجأ إليها في الاستعمال اختصارا، فكلمة "رُبَاع" تغني عن "أربعة أربعة" وكلمة "مثلث" تغني عن "ثلاثة ثلاثة" فاستخدام هاتين الصيغتين -فُعَال ومَفْعَل- من الأعداد يغني عن استخدام الأعداد الأصلية مكررة، وهذا هو معنى العدل فيها.
المسائل المتفرعة على هذا الباب:
يتفرع على هذا الباب -بعد معرفة أصوله السابقة- مسائل ثلاث هي:
أ- عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي
ب- صرف الممنوع من الصرف عند الحاجة
ج- منع صرف الأسماء المنصرفة عند الحاجة
وإليك بيان هذه الأمور الثلاثة:
1 من الآية 2 من سورة النساء.
2 من الآية 1 من سورة فاطر.
عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي:
لاحظ الأمثلة الآتية:
ما شيءٌ بأنبلَ من المروءة.
فالمروءة من أنبلِ الصفات.
ومن الأنبلِ لك أن تتصف بهذه الصفة.
الاسم الذي لا ينصرف -بكل أنواعه السابقة- يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا: فهذا الاسم يخرج عن الأصل في حالة الجر فقط، لكنه يعود لهذا الأصل مرة أخرى، فيجر بالكسرة في حالتين:
1-
أن يضاف
2-
أن تتصل به الألف واللام
فكلمة "أنبل" في الأمثلة السابقة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل، وهي مجرورة بالفتحة في المثال الأول، وفي المثال الثاني عادت للأصل فجرت بالكسرة؛ لأنها مضافة، وفي الثالث عادت للأصل، فجرت بالكسرة لاتصالها بالألف واللام. قال ابن مالك:
وجُرَّ بالفتحةِ ما لا ينصرف
…
ما لم يُضَفْ أو يَكُ بعد "أل" رَدِف
صرف الممنوع من الصرف:
من صفات الاسم الممنوع من الصرف أنه لا ينون -كما سبق- لكن عند حاجة المتكلم إلى تنوينه فإنه يترك هذا الأصل، فينون مع استحقاقه منع التنوين، وتتحقق هذه الحاجة في النثر والشعر على التفصيل الآتي:
1-
في النثر: لإرادة التناسب، وذلك أن تكون بعض الكلمات منونة
والأخرى غير منونة فتنون الأخيرة لتناسب ما جاءت معه من الكلمات المنونة ومن ذلك:
- جاء في القرآن: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً} 1 فكلمة "سلاسل" ممنوعة من الصرف، وكلمة "أغلالا" مصروفة، وقد قرئت الآية بتنوين الكلمة الأولى لتناسب الثانية، وجاءت القراءة:"إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلًا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً" لقصد التناسب.
2-
في الشعر: للضرورة، والمقصود بذلك ضرورة موسيقى الشعر ونغمه التي تتمثل في أوزانه وقوافيه، فإذا لم تستقم هذه الموسيقى إلا بتنوين الاسم الممنوع من الصرف، كانت تلك ضرورة تبيح للشعراء هذا التنوين، ومن ذلك قول امرئ القيس:
ويوم دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
…
فقالتْ: لَكَ الويْلاتُ إنكَ مُرْجِلِي2
فكلمة "عنيزة" ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وصرفت في البيت لضرورة الشعر.
منع صرف الأسماء المنصرفة:
كما أبيح للشاعر أن يصرف الممنوع من الصرف، يباح له أيضا العكس،
1 الآية 4 من سورة الإنسان.
2 الخدر: المكان المخصص للنساء في البيت، والمقصود به هنا الهودج، لك الويلات: دعاء عليه بالهلاك والعذاب، ولا يقصد به حقيقته، بل هو تصوير للتدلل والإعجاب، إنك مرجلي: جاعلني أسير على رجلي لهلاك البعير.
والشاهد في البيت: كلمة "عنيزة" فهي أصلا ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد نونت هنا لضرورة الشعر.
وهو أن يمنع صرف الأسماء المنصرفة -وهي ضرورة موضع خلاف- لأن مجال الشعر ضيق بالوزن والقافية وعدد التفاعيل، فيباح له ما لا يباح لمن ينطق نثرا، ومن ذلك:
- قول ذي الإصبع العدواني يمدح عامر بن الطفيل بالطول وفراهة الجسم:
ومِمَّنْ ولَدوا عامـ
…
ـرُ ذو الطّولِ وذو العرضِ1
- قول الأخطل في أحد القادة الذين هزموا الخوارج:
طلب الأزَارِقَ بالكتائب إذ هوتْ
…
بشبيب غائلةُ النفوس غدورُ2
فالكلمتان "عامر، شبيب" في البيتين منعتا من الصرف -مع أنهما منصرفتان- لضرورة الشعر.
1 الشاهد في البيت أن كلمة "عامر" في الأصل مصروفة، لكنها منعت الصرف في البيت لضرورة الشعر.
2 الأزارق: فرقة من الخوارج، شبيب: أحد زعماء الخوارج، غائلة النفوس: الموت.
والشاهد في البيت: منع صرف كلمة "شبيب" لضرورة الشعر مع أنها في الأصل مصروفة.
المثنى:
1-
المقصود بالمثنى وكيفية إعرابه
2-
صفات الاسم الذي يصح تثنيته
3-
ما ألحق بالمثنى من الأسماء
المثنى وكيفية إعرابه:
نزل الفريقان أرْضَ الملعب.
ولعبا الشَّوطين بجهد وافر.
وفاز فريقُنا بهدفين لهدفٍ واحد.
الكلمات "الفريقان، الشوطين، هدفين" كلمات مثناة، ومثلها ما لا يكاد يحصى من الكلمات مثل:"الصديقان، الوفيان، البحران، النّهران، الكتابان، الصفحتان، الزميلان، الزميلتان".
فالمثنى يقصد به كل اسم دلَّ على اثنين أو اثنتين وأَغنى عن المتعاطفين بزيادة ألف ونون أو ياء ونون في آخره ا. هـ.
وعلى ذلك فإن المثنى هو ما اجتمعت له الصفات الثلاث الآتية:
أ- أن يدل على اثنين أو اثنتين. "الصديقان، الصديقتان" لا فرق بين المذكر والمؤنث، فكل منهما يأتي مثنى.
ب- أن يغني عن المتعاطفين، وذلك أن يكون ذكر المثنى اختصارا لمفردين يعطف كل منهما على الآخر فبدلا من أن نقول:"فريق وفريق" تغني عنهما "فريقان" وبدلا من أن نقول: "هدف وهدف" تغني عنهما "هدفان".
ج- أن يأتي في آخره ألف ونون زائدتان أو ياء ونون زائدتان وهذه الزيادة هي التي أفادت التثنية، وأغنت عن إطالة الكلام بالمفردات المتعاطفة.
والمثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها، ففي المثال "نزل الفريقان أرض الملعب" كلمة "الفريقان" فاعل مرفوع بالألف، وفي المثال "لعبا الشوطين بجهد وافر" كلمة "الشوطين" ظرف زمان منصوب بالياء، وفي المثال الأخير "فاز فريقنا بهدفين" كلمة "هدفين" مجرورة بالياء.
هذا هو الأصل في إعراب المثنى، وهو اللغة الفصحى المشهورة التي ينبغي لنا اتباع نهجها والنطق على أساسها.
لكن ينبغي أن نتذكر هنا مرة أخرى ما سبق من أن النحاة جمعوا اللغة من قبائل متعددة، ومما نقلوه أن بعض القبائل تنطق المثنى بالألف دائما رفعًا ونصبًا وجرًّا، وروي من ذلك الشواهد الآتية:
- قول المتلمس:
فأطْرَقَ إطراقَ الشُّجاع ولو رأى
…
مسَاغًا لنَابَاهُ الشُّجاعُ لصَمَّما1
1 الشجاع: في أحد معانيه: ذكر الحيات، المساغ: المدخل السهل، صمم -كما يقول القاموس- من معانيها: عض الناب.
ومعنى البيت: أن الشخص الذي يتحدث عنه صبر على مضض ولو وجد وسيلة يهاجم منها عدوه لسلكها، فهو كالحية الذكر في إطراقها وصبرها على من تهاجمه ولو وجدت مدخلا لمهاجمته لعضته بنابها.
والشاهد في البيت: قوله: "لناباه" في الشطر الثاني، فإن "النابان" مثنى وهي مجرورة باللام، ومع ذلك لزمت الألف على اللغة التي تلزمه الألف دائما.
- قول آخر:
تزودَ منَّا بين أذْنَاهُ طعنةً
…
دعتْه إلى هَابِي الترابِ عقيمَ1
والذي أراه أن هذه لغة ضعيفة لا يعوَّل عليها، وينبغي معرفتها فقط دون النطق على أساسها.
صفات الاسم الذي يصح تثنيته:
ليست كل الأسماء في اللغة صالحة للتثنية، فالاسم الذي يثنى تتوافر له صفات خاصة يمكن فهم معظمها من المسلك العملي الذي تأتي عليه الأسماء المثناة، وأهم هذه الصفات -باختصار- هي:
1-
أن يكون مفردا: وهذا بدهي، فإن المثنى لا يثنى مرة أخرى وكذلك الجمع.
2-
أن يكون معربا: وهذا أيضًا بدهي، فإن الأسماء المبنية -كما سيأتي- لا تتغير، فهي لا تثنى، أما الكلمات "هذان، هاتان، اللذان اللتان" فهي ملحقة بالمثنى لا مثناة.
3-
أن يكون نكرة: مثل "ورقة، شجرة" نقول "ورقتان شجرتان" لكن الأعلام مثل "محمد، عمر، عليّ" تثنى، فنقول:"محمدان، عمران، عليَّان" وكذلك الأسماء التي بها الألف واللام مثل "الشوط،
1 هابي التراب: التراب الدقيق الناعم، عقيم: يقال: طعنة عقيم إذا كانت نافذة.
وخلاصة المعنى: يصف رجلا من أعدائهم قتل، فيقول: لقد نال منا طعنة نافذة ألقته ميتا على التراب وبين التراب.
والشاهد في البيت: قوله "أذناه" فإنه مثنى وهو مضاف إلى كلمة "بين" وقد لزم الألف على لغة من يلزمه الألف دائما.
الطريق" تقول: "الشوطان، الطريقان" فكيف يستقيم هذا الشرط مع ذلك؟
يتصور أهل صنعة النحو أن هذه الأعلام قبل تثنيتها شملها التنكير بمعنى أن الاسمين "محمد، محمد" قبل تثنيتهما اختلط كل منهما بالآخر بحيث لا يتميز هذا من ذاك ثم حدثت التثنية.
وبالمثل يتصور أن كلمة: "الشوطان" ليست تثنية "الشوط" المقترن بالألف واللام، بل هي تثنية "شوط" النكرة، ثم دخلت عليه الألف واللام.
والحق أن هذا تكلف لا داعي إليه، وأن المثنى -فيما أعتقد- يأتي للنكرات والمعارف دون تفريق.
4-
ألا يكون مركبا: سواء أكان مركبا مزجيا مثل "مَعْدِيكَرب" أو إسناديا مثل "جادَ الربُّ" أو إضافيا مثل "عبد الله" فهذه كلها لا تثنى بطريقة مباشرة، بل هناك وسائل لتثنيتها كالآتي:
أ- المركب المزجي والإسنادي حين التثنية تسبقهما كلمة "ذَوَا" مع المذكر، أو "ذَوَاتَا" مع المؤنث وتبقى الكلمة المركبة دون تثنية، فيقال "ذَوَا مَعْديكرب" أو "ذَوَا جَادَ الرّب".
ب- المركب الإضافي تثنى الكلمة الأولى منه، فنقول "عَبْدَا الله".
5-
أن يكون المفردان اللذان يكوّنان المثنى متفقين في اللفظ والمعنى وهذا بدهي، فلا يثنى مثلا "فاطمة، سامية" لاختلافهما لفظا ومعنى.
6-
أن يكون المفرد الذي يثنى له نظير مماثل، وهذا أيضًا بدهي، فلا يثنى الشيء المفرد مثل:"الله، الأرض، الشمس، القمر" فوجود شيئين متشابهين ضروري للتثنية.
تلك أهم الصفات الضرورية في الاسم الذي يثنى، وهي في عبارة واحدة
"أن يكون مفردا معربا منكرا غير مركب، وله مماثل متفق معه في اللفظ والمعنى"
ومعظم هذه الشروط بدهي يمكن استنتاجه دون ذكره.
ما ألحق بالمثنى من الأسماء:
المقصود من الإلحاق -عموما- ورود كلمات في اللغة تعرب إعراب ما ألحقت به، لكنها لم تستوف شروطه ا. هـ. ويتحقق هذا في ثلاثة من أبواب الإعراب الفرعي هي:"المثنى وجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم" وسيأتي شرح الأسماء الملحقة بكل واحد من الأخيرين في موضعه.
والمقصود -إذن- من الإلحاق بالمثنى ورود كلمات في اللغة لها صورة المثنى وتعرب إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا، لكنها ليست مثناة حقيقة لفقدان بعض شروط الاسم الذي يصح تثنيته، فهي إذن ملحقة بالمثنى لا مثناة.
والأسماء الملحقة أربع مجموعات هي:
المجموعة الأولى: هذان، هاتان، اللذان، اللتان:
ومفرداتها على الترتيب هي: "هذا، هاتِه، الذي، التي" فالأولان من أسماء الإشارة، والأخيران من الأسماء الموصولة، وكل من أسماء الإشارة والأسماء الموصولة مبني، وقد اشترط فيما يثنى -كما سبق- أن يكون معربا فهذه الأسماء إذن ليست مثناة حقيقة، ولكنها وردت معربة إعراب المثنى فهي ملحقة به.
- جاء في القرآن: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} 1.
1 من الآية 19 من سورة الحج.
- جاء في القرآن: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} 1.
المجموعة الثانية: اثنان واثنتان:
هاتان الكلمتان لا مفرد لهما على الإطلاق، فليستا من المثنى حقيقة لكنهما وردتا معربتين إعرابه، فهما ملحقتان به.
- جاء في القرآن: {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} 2.
- وجاء في القرآن: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} 3.
المجموعة الثالثة: كلا، كلتا:
هاتان الكلمتان أيضا لا مفرد لهما، فليستا من المثنى، بل هما ملحقتان بالمثنى؛ لورودهما معربتين إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا، تقول:"صاحبت صديقيَّ كليهما الليلة" وتقول: "اشتركت في الرحلتين كلتيهما" لكن حول هاتين الكلمتين ينبغي التنبه للملاحظتين المهمتين الآتيتين:
الأولى: أن هاتين الكلمتين تعربان إعراب المثنى إذا أضيفتا إلى الضمير فقط، أما حين تضافان للاسم الظاهر فإنهما تلزمان الألف وتعربان بالحركات المقدرة على الألف مثل الأسماء المقصورة، فلنلاحظ الأمثلة الآتية:
الصّفتان -المروءةُ والوفاء- كلتاهما حميدتان، "مرفوع بالألف ملحق بالمثنى مضاف للضمير".
كلتا الصفتين -المروءةُ والوفاءُ- حميدتان، "مرفوع بالضمة المقدرة على الألف مضاف للظاهر"
1 من الآية 29 من سورة فصلت.
2 من الآية 60 من سورة البقرة.
3 من الآية 14 من سورة يس.
في الحياة النجاح والفشل، وقد خضت التجربتين كلتيهما، "منصوب بالياء ملحق بالمثنى، مضاف للضمير"
في الحياة النجاح والفشل وقد خضت كلتا التجربتين، "منصوب بالفتحة المقدرة على الألف مضاف للظاهر".
الثانية: أن هاتين الكلمتين -سواء أضيفتا للضمير أم الظاهر- لفظهما مفرد ومعناهما مثنى، فلهما جانبان: الإفراد والتثنية.
ويترتب على ذلك أنهما إذا وقعتا مبتدأ وأخبر عنهما، فإن الخبر يصح فيه الإفراد مراعاة للفظهما، ويصح التثنية مراعاة لمعناهما، ويصح هذان الأمران أيضا إذا عاد عليهما ضمير في كلام لاحق لهما، فلنلاحظ الأمثلة:
إن الصديقين متفاهمان وكلاهما متفق مع الآخر. "كلمة: متفق، مفردة مراعاة للفظ".
إن الصديقين متفاهمان وكلاهما متفقان. "كلمة: متفقان، مثناة مراعاة للمعنى".
- جاء في القرآن: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} 1.
جاءت الآية "آتَتْ" بإفراد الضمير المستتر، ولم تجئ "آتَتَا" بالتثنية.
- قال عبد الله بن معاوية:
كلانا غَنِيٌّ عن أخيه حياته
…
ونحن -إذا مُتنا- أشد تغانِيَا2
1 من الآية 33 من سورة الكهف.
2 معنى البيت: كلانا مستغن عن الآخر في الحياة، ونحن أشد غنى بعد الموت =
فجاءت كلمة "غني" خبرا مفردا مراعاة للفظ المبتدأ، ولو راعى المعنى لقال:"غنيان".
المجموعة الرابعة: ما سمى بالمثنى
ويقصد بذلك أن يطلق المثنى على أحد الأشخاص، فيكون اسما له مثل:"محمدين، حسنين، عزين" فهذه الأسماء مثناة في اللفظ، ولكنها تطلق على المفرد فمعناها غير مثنى، ولذلك لم تكن مثناة وإنما ألحقت بالمثنى، فترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء بناء على هذا الاعتبار السابق.
والذي أراه -إن لم يجانبني الصواب- أن هذه الأسماء المثناة التي سمي بها يجب أن تلتزم نطقها -حين أطلقت على الأشخاص- وتعرب
= الشاهد في البيت: جملة "كلانا غني" فهي مبتدأ وخبر، والمبتدأ كلمة "كلانا" وقد أخبر عنها بمفرد هو "غني" مراعاة للفظه.
إعراب البيت: "كلانا" كلا: مبتدأ مرفوع بالألف، ملحق بالمثنى، نا: مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، "غني": خبر المبتدأ مرفوع بالضمة، "عن أخيه" عن: حرف جر، أخيه: مجرور وعلامة جره الياء، لأنه من الأسماء الستة، وضمير الغائب مضاف إليه، "حياته" حياة: ظرف زمان منصوب بالفتحة، وضمير الغائب مضاف إليه، "ونحن" الواو: حرف استئناف، نحن مبتدأ مبني على الضم في محل رفع، "إذا": أداة شرط، "متنا": فعل وفاعل جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف، والجملة الشرطية معترضة بين المبتدأ والخبر، "أشد": خبر المبتدأ مرفوع بالضمة، "تغانيا": تمييز منصوب بالفتحة.
بالحركات الأصلية على آخرها بالضمة رفعًا وبالفتحة نصبًا وبالكسرة جرًّا فتقول: "اسمِي محمدٌ واسمُ أخي محمدينُ" بضم النون رفعا، وتقول:"يُطلق القرويون على أبنائهم الاسمَ حسنينَ" بفتح النون نصبا، إذ إن هذه الألفاظ المثناة بعد استعمالها أعلاما لا يكاد الناطق بها يلتفت إلى معناها المثنى، فكأنما صارت علما مفردا كسائر الأعلام المفردة، وهي لا تنون نظرا لأصلها قبل التسمية.