الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حروف الجر:
1-
حروف الجر -كما عدها ابن مالك في الألفية- عشرون حرفا.
2-
تقسيم حروف الجر من حيث كثرة الاستعمال وقلته في اللغة العربية.
3-
الحروف المتداولة -في رأي ابن هشام- باعتبار ما تجره من الأسماء الظاهرة والمضمرة.
4-
زيادة "ما" مع بعض حروف الجر، بينها وبين مجرورها.
5-
حذف حرف الجر "رب" مع بقاء عمله في المجرور.
6-
حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد.
حروف الجر:
تلك التي تقوم بربط الأسماء بالأسماء، كقولنا "الطالبُ في الكليةِ" أو ربط الأسماء بالأفعال كقولنا "جئتُ إلى الكليةِ".
وينبغي ابتداء معرفة الرأي فيما خاضت فيه مطولات النحو من ذكر معاني الحروف العشرين الجارة، ولنأخذ نموذجًا الحرف "مِنْ" فإن له سبعة معانٍ -كما جاء في أوضح المسالك- هي:
1-
التبعيض مثل: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1.
2-
بيان النوع مثل: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} 2.
3-
ابتداء المكان أو الزمان مثل {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 3 وفي الحديث: "مُطِرْنَا من الجمعة إلى الجمعة".
1 من آية 92 من سورة آل عمران.
2 من الآية 31 من سورة الكهف.
3 الآية الأولى من سورة الإسراء.
4-
العموم مثل: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} 1.
5-
معنى البدل مثل: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 2.
6-
الظرفية مثل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 3.
7-
التعليل مثل: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} 4.
وهكذا تورد هذه المطولات معاني كل حرف فتذكر "للّام" اثني عشر معنى، و"للباء" مثلها وللحرف "في" ستة معانٍ، وللحرف "على" أربعة، إلى آخر ذلك.
والحق أن هذه المعاني تفيد دارس البلاغة، فهو الذي يبحث عن الحروف وما تؤديه من جملة إلى أخرى، أما دارس النحو، فإن الذي يهمه من هذه الحروف هو معانيها النحوية، أو بعبارة أخرى: يهمه أن يعرف فقط أن هذه الحروف تجر الأسماء التي بعدها مهما كان المعنى الذي تؤديه في الجملة.
على أن حصر معاني هذه الحروف -على طولها- ليس حصرا نهائيا لأن هناك قاعدة معنوية عن حروف الجر تقول "حروف الجر يتبادل كل منها موضع الآخر كثيرا" فمثلا الحرف "على" يأتي بمعني "في" مثل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} 5. والحرف "عن" يأتي بمعني "على" مثل: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 6 فهذه الحروف تتبادل، فمن غير المفيد
1 الآية 98 سورة مريم.
2 الآية 38 سورة التوبة.
3 الآية 9 سورة الجمعة.
4 الآية 25 سورة نوح.
5 الآية 15 سورة القصص.
6 من الآية 38 سورة محمد.
كثيرًا حصر معانيها، إذ يقع بعضها موقع بعض، والأمر مرجعه أولا وأخيرًا سياق الكلام الذي يحدد لنا معنى الحرف، ويدل عليه.
وخلاصة الأمر أنه من السهولة والتيسير ألا تعرض هنا معاني الحروف الجارة؛ لأن ذلك لا يفيدنا نحويا، ولأن ذلك غير منضبط تماما، ومع ذلك فمن أراد معرفة تلك المعاني تفصيلا، فليراجعها في "شرح ابن عقيل، أوضح المسالك، شرح "الأشموني" ليستزيد ويستفيد.
وحروف الجر عشرون حرفا حصرها ابن مالك في البيتين الآتيين:
هَاكَ حُرُوفَ الجر وهي مِنْ إلى
…
حَتَّى خَلا حَاشَا عَدَا في عَنْ عَلَى
مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللامُ كي وَاوٌ وتَا
…
والكافُ والبا ولعلَّ ومَتَى
ومن هذه الحروف العشرين ثلاثة لن نتحدث عنها هنا، وهي "خلا، حاشا، عدا" فهي من أدوات الاستثناء، وقد مر الحديث عنها هناك بالتفصيل ولا حاجة إلى إعادته مرة ثانية.
حروف الجر من حيث كثرة الاستعمال وقلته:
يقصد بالكثرة والقلة هنا نطق العرب أصحاب اللغة، وبعبارة أقرب أن معظم هذه الحروف قد استعمل في اللغة العربية المشتركة بين العرب وهذا معنى الكثرة، وبعض هذه الحروف استعمل في الفصحى أيضا في نطق إحدى قبائل العرب فقط، لكن لم يقدر له الذيوع والانتشار في نطق جميع قبائل العرب، وذلك الحرفان "مَتَى، لَعَلَّ".
فالأصل -كما هو مشهور- أن "مَتَى" اسم زمان، وقد يستعمل ظرفا كقولنا "مَتَى قدمتَ من سفرك" بمعنى "في أيّ وقت؟؟ " أما استعمالها حرف جر فهو لغة قبيلة "هذيل"، ومن شواهدها:
- سُمِعَ أحد الهذليّين يتحدث عن بعض اللصوص بقوله: "أخرجها متى كُمِّهِ" بمعنى "أخرجها من كُمِّه".
- من شعر أبي ذؤيب الهذلي يصف السحاب:
شَرِبْنَ بماء البحر ثم ترفّعتْ
…
مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنّ نَئِيجُ1
وأما "لَعَلَّ" فالمشهور عنها أنها حرف يفيد الترجي من أخوات "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، واستعمالها حرف جر لغة قبيلة "عُقَيْل" ويسوق لها النحاة شاهدين أحدهما بيت شعري قبيح لا داعي لذكره، والآخر في قول كعب بن سعد يرثي أخاه أبا المغوار:
ودَاعٍ دَعَا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى
…
فلم يستجبْه عند ذاك مُجيبُ
فقلتُ ادع أخرى وارفع الصوتَ جَهْرَةً
…
لعلّ أبِي المغوارِ منكَ قريبُ2
1 شربن بماء البحر: حملت السحب ماء البحر، ترفعت: علت، لجج: جمع "لجة" وهي المياه الكثيفة، لهن نئيج: صوت مرتفع.
المعنى: لقد حملت السحب ماء كثيفا من مياه كثيفة، لجج خضراء ذات صوت عالٍ شديد.
الشاهد: في قول أبي ذؤيب "متى لجج" إذ استعمل "متى" حرف جر بلغة قبيلته، لكن لم يقدر لهذا الاستعمال الذيوع والانتشار.
2 الندى: الكرم، لم يستجبه: لم يجبه.
يقول: لقد كان أبو المغوار كريما ولا كريم غيره، فإذا دعا الداعي إلى الكرم فهو المجيب لا سواه.
الشاهد: في "لعل أبي المغوار" فقد جاءت في هذا البيت حرف جر، فجرت الاسم بعدها "أبي المغوار".
إعراب "لعل أبي المغوار منك قريب" جاء في ابن عقيل: "لعل": حرف جر زائد، "أبي المغوار" مبتدأ مرفوع بالواو منع من ظهورها الياء التي جاءت من أجل حرف الجر الزائد، "قريب": خبر المبتدأ.
والحق أن استخدام هذين الحرفين للجر في اللغة الفصحى قليل، بل سماه "ابن هشام" شاذا، فينبغي -بعد معرفتهما- صرف النظر عنهما أيضا، ليبقى من حروف الجر العشرين خمسة عشر حرفا هي موضع حديثنا الآتي:
حروف الجر وما تجره من الأسماء الظاهرة والمضمرة:
سلك ابن هشام في كتابيه "شذور الذهب، أوضح المسالك" طريقة رائعة في تقسيمه لحروف الجر باعتبار دخولها على الأسماء الظاهرة والمضمرة فتنظيمه لهذه الفكرة في كتابيه السابقين لا يكاد يدانيه فيه أحد من النحاة لذلك كان من المفيد اتباعه في طريقته مع تصرف يسير.
تنقسم حروف الجر الخمسة عشر المتداولة إلى قسمين رئيسين:
القسم الأول: ما يجر الأسماء الظاهرة والمضمرة جميعا، وهو سبعة أحرف هي "من، إلى، عن، على، في، الباء، اللام.
ومن أمثلة ذلك في القرآن: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} 1، و:{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} 2، و:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} 3، و:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} 4، و:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 5، و:{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 6، و:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 7، و:{مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} 8، و:{آمِنُوا بِاللَّهِ} 9، و:{َآمِنُوا بِهِ} 10، و:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 11، و:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 12.
1 الآية 7 سورة الأحزاب.
2 الآية 48 سورة المائدة.
3 الآية 60 سورة الأنعام.
4 الآية 19 سورة الانشقاق.
5 الآية 119 سورة المائدة.
6 الآية 22 سورة المؤمنون.
7 الآية 20 سورة الذاريات.
8 الآية 71 سورة الزخرف.
9 الآية 136 سورة النساء.
10 الآية 107 سورة الإسراء.
11 الآية 284 سورة البقرة.
12 الآية 255 سورة البقرة.
القسم الثاني: ما يجر الأسماء الظاهرة فقط، وهو يشمل بقية الحروف "حتى، الكاف، الواو، التاء، كَيْ، مُذْ، مُنْذُ، رُبَّ".
لكن ينبغي ألا يتبادر إلى الأذهان أن هذه الحروف الثمانية تدخل على كل الأسماء الظاهرة فتجرها، إنها تتفق فقط في دخولها على الأسماء الظاهرة ورفض الأسماء المضمرة، أما ما يدخل عليه كل منهما من الأسماء الظاهرة فهو على التفصيل التالي:
1-
"حتى، الكاف، الواو" تدخل على كل الأسماء الظاهرة:
ومن أمثلة ذلك في القرآن: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 1، و:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} 2، و:{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} 3، ومن البيّن أن الواو معناها القسم.
وينبغي التنبه إلى أن "حتى" تكون حرف جر مثل "إلى" في المعنى والعمل بشرطين:
أ- أن يكون المجرور بها ظاهرا لا مضمرا.
ب- أن يكون نهاية لما قبله، آخرًا له أو متصلا بالآخر.
كقولنا "سنجاهد حتى الرّمقِ الأخير، وسنحرّر أرضنا حتى آخرِ شبرٍ فيها".
2-
"التاء" هذا الحرف يجر لفظين فقط من الأسماء الظاهرة هما:
أ- لفظ الجلالة "الله" مثل: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4.
ب- كلمة "رب" مضافة إلى "الكعبة أو ياء المتكلم" مثل قول العرب: "تَرَبِّ الكعبة" و"تَرَبِّي لأفعلنَّ كذا".
ومن البيّن أن التاء مع هذين اللفظين تفيد أيضا معنى القسم.
1 الآية 5 سورة القدر.
2 من الآية 35 سورة النور.
3 أول سورة الفجر.
4 من الآية 57 سورة الأنبياء.
3-
"كَيْ" وقد تقدم عنها أنها حرف لنصب الفعل المضارع مثل "أن" لكنها تستعمل حرف جر في موضعين:
أ- مع "ما" الاستفهامية: وحينئذٍ تحذف ألف "ما" ويأتي معها هاء السّكت، تقول مثلا "سهرتُ أمْس" فأسألك عن سبب السهر قائلا "كَيْمَهْ" مماثلة تماما قولي "لِمَهْ".
ب- مع "أنْ" التي تنصب المضارع، وقد سبق في نواصب المضارع أنه إذا كانت "كي" ناصبة المضارع، فلا علاقة لها بالمجرورات، أما إذا كان المضارع منصوبا -كما سبق شرحه- بأن ظاهرة أو مضمرة، فتكون "كي" حرف جر والمصدر المؤول من "أن والفعل" مجرور بها "راجع ذلك تفصيلا".
4-
مُذْ، مُنْذُ
لاحظ الأمثلة الآتية:
ما كفَّ الإنسانُ عن الشّرِّ منذُ فجرِ الحياة حرف جر
ومنذُ الصراعُ الدَّامِي بين ابْنَي آدمَ والناسُ في صراع اسم مبتدأ
ومذْ تحكَّمت الأهواءُ استخدِمَت القوة اسم ظرف
ترد هاتان الكلمتان في اللغة حرفين للجر أو اسمين على التفصيل الآتي:
أولا: تكونان حرفين للجر إذا ورد بعدهما اسم يدل على الزمان الماضي أو الحاضر، كقولك "ما رأيت أهْلِي منذُ شهرٍ" أو "ما رأيتُ صديقي مذ يومِنَا".
ثانيا: تكونان اسمين وذلك في الآتي:
أ- أن يقع بعدهما اسم مرفوع، كقولنا "مُنْذُ الافتراقُ
بيننا لم يحدث لقاء"، حينئذٍ تعرب الكلمتان -على الرأي المشهور- مبتدأ والاسم المرفوع بعدهما خبر.
ب- أن يقع بعدهما جملة تامة -اسمية أو فعلية- فتقول: "أحببتُ الجامعةَ مُذْ أنا طالبٌ فيها، واحترمتُ تقاليدَها منذُ انتسبتُ إليها" حينئذٍ تعرب الكلمتان ظرف زمان مبنيًّا في محل نصب.
ومن شواهد دخولهما على الجملة ما يلي:
- قول الأعشى:
وما زلتُ أبْغي المالَ مُذْ أنا يَافعٌ
…
وَليدًا وكَهْلًا حين شِبْتُ وأمْرَدَا1
فكلمة "مذ" في البيت جاء بعدها جملة اسمية هي "أنا يافع" فتعرب ظرفا.
5-
رُبَّ:
ومعناها التقليل أو التكثير بحسب ما يدل عليه سياق الكلام، ولا تجر إلا النكرات، تقول "رُبَّ صَمْتٍ خيرٌ من كَلام" أو "رُبَّ صُدْفَةٍ خيرٌ من ألفِ ميعاد".
هذا، وربما دخلت "رُبَّ" على ضمير الغيبة المفرد المذكر ويأتي بعد ذلك تمييز منصوب يفسر الضمير، كقولنا "لا تحتقِرْ أحدًا فَرُبَّهُ
1اليافع: هو الشاب حول العشرين، الوليد: الصبي، الكهل: في أحسن الآراء ما جاوز الأربعين، الأمرد: الذي لا شعر في وجهه.
المعنى: لقد طلبت المال صبيا وشابا وكهلا، ومعلوم أن الأعشى كان ممن يتكسبون بشعرهم.
الشاهد: في "مذ أنا يافع" حيث جاء بعد "مذ" جملة اسمية، فتعرب هي ظرف زمان في محل نصب.
إنسانًا عظيمًا يتفوّق عليك، ولا تستقلَّ عدوًّا فرُبَّهُ قوةً هائلةً تهزمُك".
ومن ذلك قول الشاعر:
رُبَّهُ فتيةً دعوتُ إلى ما
…
يُورِثُ المجدَ دائِبًا فأجابُوا1
زيادة "ما" مع بعض حروف الجر:
لحروف الجر مع المجرور بعدها الخاصيتان الآتيتان:
أ- أنها تجر الاسم بعدها بالكسرة أو ما ينوب عنها.
ب- أن الذي يأتي بعدها هو المفرد لا الجملة.
إذا علم ذلك، فإن "ما" الزائدة -لا الموصولة ولا المصدرية- تجيء مع بعض حروف الجر متوسطة بينها وبين مجرورها، فلا يكون لزيادتها تأثير في صورة الجار والمجرور، بل تبقى الخاصيتان السابقتان لها، وتجيء مع بعض حروف الجر الأخرى، فتتغير الصورة، وتزول الخاصيتان السابقتان جميعا على التفصيل الآتي:
أولا: تزاد "ما" بعد حروف الجر الثلاثة "مِنْ، عَنْ، الباء" فلا تكف هذه الحروف عن جر الاسم بعدها، ويبقى لها اختصاصها بهذا الاسم المجرور، ومن ذلك قول القرآن:
1 ما يورث المجد: الأعمال المفيدة السامية، دائبا: مستمرا.
الشاهد: في "ربه فتية" حيث دخلت "رب" على ضمير الغيبة المفرد المذكر المفسر بتمييز منصوب بعده.
2 من الآية 25 سورة نوح.
3 من الآية 40 سورة المؤمنون.
- {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 1.
ثانيا: تزاد "ما" بعد الحرفين "رُبَّ، الكاف" فتكفهما عن جر ما بعدهما، كما يزول اختصاصهما بالاسم المفرد، فيدخلان على الجملة الاسمية والفعلية، ومن شواهد ذلك:
- قول القرآن {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 2.
- قول رؤبة رجزا:
لا تَشْتُم النَّاس كمَا لَا تُشْتَمُ3
هذا هو الأصل في هذين الحرفين، لكن ورد على غير الأصل معهما بعض الشواهد التي جاءت "ما" فيها زائدة بعدهما، وبقي لهما اختصاصهما وهذا قليل في اللغة، ومنه قول عمرو بن براقة الهمداني:
وننصرُ مولانَا ونعلمُ أنه
…
كما النّاسِ مجرومٌ عليه وجارِمُ4
1 من الآية 13 سورة المائدة.
2 من الآية 2 سورة الحجر.
3 الشاهد: في "كما لا تشتم" حيث دخلت "ما" على الكاف فكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الفعلية بعدها "لا تشتم".
4 المولى: في أحد معانيه: الحليف، مجروم عليه وجارم: مجني عليه وجان.
يقول -وهو أحد الصعاليك- إننا ننصر من نحالفه ظالما أو مظلوما، فهو أحد الناس، وهذا هو شأن الناس.
الشاهد: في "كما الناس" حيث دخلت "ما" على الكاف، فبقيت لها خواصها، إذ جاء بعدها الاسم المجرور بها "الناس" وهذا قليل في اللغة.
حذف "رُبَّ" وبقاء عملها:
الأصل في حرف الجر أن يكون مذكورا، ولا يصح حذفه مع بقاء عمله فإذا حذف ضاع تأثيره، ولم يعد له وجود في الكلام لا لفظا ولا تقديرا.
ويستثنى من الأصل السابق الحرف "رُبَّ" إذ يصح حذفه من الكلام مع بقاء تأثيره، فيكون الاسم مجرورا دون حرف الجر، ويقال عنه: إنه مجرور "برُبَّ المحذوفة" وقد وردت "رُبَّ" محذوفة في اللغة بعد حروف ثلاثة هي "الواو، الفاء، بل" ومن شواهد ذلك:
- قول امرئ القيس:
وليلٍ كموجِ البحرِ أرْخَى سُدُولَه
…
عَلَيَّ بأنواعِ الهُمُومِ ليَبْتَلِي1
- قول رؤبة:
بل بلدٍ ملءُ الفجاجِ قَتَمُه
…
لا يُشْتَرَى كِتَّانُهُ وجَهْرَمُه2
حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد:
يتردد على ألسنة المعربين قولهم: "حرف جر، حرف جر زائد، حرف جر شيبه بالزائد" وينبغي تحديد المقصود بهذه الثلاثة وما ينطبق عليه من
1 الشاهد: في البيت حذف "رب" وبقاء عملها في قوله "وليل" والواو هنا تسمي "واو رب".
2 الفجاج: الطرق والمسالك، القتم والقتام: الغبار، الجهرم: البساط.
يقول: إنه بلد كريه في جوه وتجارته، فجوه مليء بالغبار الذي يسد طرقه وتجارته كاسدة فلا تشترى أبسطته ولا غيرها من تجاراته.
الشاهد: في "بل بلد" حيث حذفت "رب" وبقي تأثيرها بعد "بل" وأصل الكلام "بل رب بلد".
حروف الجر، وما يترتب على ذلك في الإعراب مع أخذنا في الاعتبار أنه إذا قيل "حرف جر" فقط، فالمقصود بذلك "حرف الجر الأصلي".
الأصلي: هو ما له معنى خاص في سياق الجملة، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه فيها، كما أنه يرتبط في الجملة بعامل من فعل أو شبه فعل ا. هـ.
ومعظم حروف الجر أصلية، يترتب عليها جر الاسم لفظا وتقديرا وأمثلتها أكثر من أن تحصى.
الزائد: ما ليس له معنى خاص في سياق الجملة بحيث يمكن الاستغناء عنه فيها، وإنما يؤتى به لمجرد تأكيد الكلام فقط، كما أنه لا يحتاج إلى عامل يرتبط به من فعل أو شبه فعل ا. هـ.
وهنا فكرة مهمة جدا هي أن حرف الجر الزائد يجر الاسم من حيث اللفظ فقط بالكسرة أو ما ينوب عنها، لكن الاسم من حيث التقدير يأخذ الوظائف النحوية المختلفة، كأنما حرف الجر غير موجود، فتقدر لكل وظيفة الحركة المناسبة لها التي يمنع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد.
والذي أعلمه أن الذي يزاد من حروف الجر -في بعض الأحيان لا في كل الأحيان- حرفان "مِن، الباء".
- أما "مِن" فإنها تزاد إذا جرت اسما نكرة، وسبقها نفي أو نهي أو استفهام، كقول القرآن:{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِير} .
- وأما "الباء" فتزاد غالبا في المواضع الآتية:
أ- إذا جاءت خبرا للفعل "ليس" أو جاءت بعد النفي بالحرف "ما" كما جاء في الحديث "ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنما الشَّديدُ من يملكُ نفسَه عند الغَضَب".
ب- مع فاعل الفعل "كَفَى" كقولنا "كَفَى بالصدْقِ نجاةً، وكَفَى بالكَذبِ هلاكًا".
ج- في صيغة التعجب "أفْعِلْ بِهِ" مثل "أكْرِمْ بالإسلامِ دينًا وأصْدِقْ بالقرآنِ حديثًا".
فلنلاحظ الآيات الآتية:
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} المجرور فاعل تقديرا.
{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} المجرور مفعول بعد تقديرا.
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} المجرور مبتدأ تقديرا "في بعض الآراء".
{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} المجرور فاعل "كفى" تقديرا.
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} المجرور فاعل فعل التعجب.
الشبيه بالزائد: ما له معنى خاص يفهم من سياق الكلام، لكن ليس له عامل يرتبط به من فعل أو شبه فعل، ويجر الاسم لفظا، لكن الاسم يأخذ الوظائف النحوية الأخرى تقديرا بحسب ما يقتضيه سياق الكلام ا. هـ.
هو إذن يشبه الحرف الأصلي في أن له معنى، ويشبه الحرف الزائد في عدم حاجته إلى عامل يرتبط به، وفي أنه يجر الاسم لفظا لا تقديرا، ولغلبة شبهه بالزائد سمي "حرف جر شبيه بالزائد"، والحرف الوحيد الشبيه بالزائد "رُبَّ" وإن كانت محذوفة، كقولك "رُبَّ فقيرٍ خيرٌ عند الله من غنيّ".