الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أساليب التعجب السماعية والقياسية:
1-
المقصود بالتعجب لدي اللغويين والنحاة.
2-
أساليب التعجب السماعية "المقصود بها، نماذج منها".
3-
ما يدل على التعجب يأتي على صيغتين هما:
أ- ما أفْعَلَه.
ب- أفْعِل به.
4-
الصلة بين فعل التعجب والمتعجب منه، ومتى يصح الفصل بينهما.
التعجب لدي اللغويين والنحاة:
نسمع الناس في حياتنا العادية يرددون في مواقف خاصة قولهم "إذا عرف السبب بطل العجب" ومفهوم هذه العبارة بالطبع أن العجب دهشة تثير فضول الناس لأمر غريب عليهم إذا كان السبب في هذه الغرابة غير معلوم ولا مفهوم، فموقف التعجب لدى الرجل العادي يتحقق إذا توفرت ظروف هي: غرابة في أمر من الأمور مع جهل السبب بهذه الغرابة، حينئذٍ تتحقق الدهشة التي قد يصحبها التعبير عنها بالصفير أو المصمصة أو الكلام.
ولعلنا بذلك نفهم ما يقوله اللغويون عن "التعجب" إذ يعرفونه بقولهم: انفعال ما يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه ا. هـ. فهذا الانفعال النفسي -حتى بدون ألفاظ- يطلق عليه أنه "تعجب" لدى اللغويين.
أما النحاة فعرفوا التعجب بقولهم: استعظام زيادة في وصف المتعجب منه تفرد بها عن أمثاله أو قلَّ نظيره فيها وقد خفي سببها، مع التعبير عن ذلك بكلام يدل على الدهشة والاستغراب ا. هـ.
فالنحاة في ذلك يتفقون مع استعمال التعجب في حياتنا العادية ومع ما رآه اللغويون عنه من حيث وجود الأمر الغريب الذي خفيت أسباب غرابته، لكنهم يتفردون بتخصيص التعجب بنطق كلامي يدل على الدهشة والاستغراب ويقصدون بذلك صيغ التعجب التي ستأتي تفصيلا، فالتعجب لا يتحقق لدى النحويين إلا بهذا النطق، كقولنا:"ما أرْوَعَ العِلْمَ في عصرنا".
أساليب التعجب السماعية:
يقصد بها تلك الأساليب التي هي أصلا لغير التعجب، ثم تدل عليه بالاستعمال المجازي، فالألفاظ المنطوقة لهذه الأساليب لا علاقة لها بالتعجب فهي مستعملة في اللغة لغيره، ومعاني هذه الألفاظ في الأصل لا يفهم منها التعجب، لكنها دلت عليه دلالة عارضة عن طريق المجاز وظروف النطق.
من تلك الأسباب التي وردت عن العرب ما يلي:
- قول القرآن: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1 فكلمة "كيف" أصلا بلفظها ومعناها للاستفهام، ولكنها دلت على التعجب دلالة عارضة على سبيل المجاز، ومثل ذلك كل استفهام دلَّ على التعجب.
- قول الرسول: "سبحانَ الله!! إنّ المؤمنَ لا يَنْجَسُ حيًّا ولا ميّتًا".
فسبحان الله: بلفظها ومعناها للدعاء والعبادة، ثم استخدمت في التعجب على غير الأصل.
- قول عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب: "لله درُّ ابن حَنْتَمة أيّ رجل كان!! ".
جاء في القاموس: لله دره: أي عمله، ونسبة العمل لله لا تدل أصلا على التعجب، ولكنها دلت عليه -في هذا الموقف- عن طريق المجاز.
- ما ورد من قول العرب: "لله أنتَ من رجل!! " فنسبة المخاطب لله لا تدل على التعجب، لكن لورود هذا الأسلوب غالبا في مواقف الإعجاب والدهشة أفاد معنى التعجب.
صيغ التعجب القياسية:
يقصد بها تلك الصيغ التي تدل بلفظها ومعناها على التعجب، فهي بلفظها معدَّة لذلك صرفيا، وهي بمعناها تدل على التعجب، وهكذا استعملتها اللغة.
والصيغ القياسية اثنتان هما:
أ- ما أفْعَلَه: مثل "ما أعْظَمَ شَعْبَنَا وما أرْوَعَه عند الخطوب وما أوْفَاهُ للمخلصين من أبنائه".
ب- أفْعِلْ بِهِ: مثل "أكْرِمْ برجالِ شعبِنا وأهْوِنْ بالخطوب مع عزمَاتهم".
وإليك تفصيل الحديث عن هاتين الصيغتين:
ما أفْعَلَه:
تتكون هذه الصيغة من أمور ثلاثة هي ما + فعل التعجب + المتعجب، وفي كل واحد من الثلاثة حديث طويل يمكن تقريبه بما يلي:
أ- ما: نكرة بمعنى "شيء عظيم" فهي إذن في قوة الموصوفة، ولذلك صح الابتداء بها، فهي إذن مبتدأ، وهذا الرأي السابق أشهر الآراء فيها.
ب- فعل التعجب: وهو فعل ماضٍ جامد لا يتصرف مثل "ليس، عسى" إذ تدخل عليه نون الوقاية فتقول: "ما أحْوَجَني إلى الإخلاص، وما أفْقَرَنِي
إلى عفو الله" وفيه ضمير مستتر يعود على "ما" أداة التعجب، والجملة كلها خبر "ما"، وهذا الرأي السابق أشهر ما قيل عن الفعل، بصرف النظر عمن قالوا باسميّته.
ج- المتعجب منه: وهو الاسم المنصوب الذي يأتي بعد فعل التعجب وهو منصوب على أنه مفعول به مكمل للجملة الفعلية الواقعة خبرا، وهذا أيضا أشهر الآراء فيه.
نقول: "ما أسْهَلَ النَّحْوَ حين يُشْرَحُ وما أصْعَبَه مع غُموضِ معناه" ونقول أيضا: "ما أجْمَلَ الحلمَ مع المهذّب الكريم وما أقْبَحَ الضعفَ مع السّفيه اللئيم".
أفعل به:
تتكون أيضا من أمور ثلاثة هي فعل التعجب + الباء + المتعجب منه.
أ- فعل التعجب: يصفه المعربون بقولهم: "فعل ماضٍ جاء على صورة الأمر" وهي عبارة غريبة!! فكأنما هذا الفعل في التقدير ماضٍ، وفي الصورة فعل أمر، ويترتب على ذلك أمران:
أولهما: أن يعرب هو نفسه على أنه فعل أمر.
ثانيهما: أن يعرب ما بعده على تقدير أنه فعل ماضٍ.
ب- الباء حرف جر زائد، فالاسم الذي بعدها مجرور بها لفظًا، لكنه فاعل تقديرًا.
ج- المتعجب منه: يجر بالباء لفظا، لكنه فاعل في التقدير لفعل التعجب باعتباره فعلا ماضيا في التقدير أيضا.
هكذا حُلِّلَت هذه الصيغة هذا التحليل الغريب، ومع ذلك فإنه هو
الاتجاه المشهور بين النحاة والمعربين في تحليلها، بصرف النظر عن اتجاهات أخرى لا داعي لذكرها، فلنتأمل الآتي:
جملة التعجب أصلها تقديرا
أصْدِقْ بكلامِ الرَّسول في شئون الحياة أصْدقَ كلامُ الرسولِ في شئون الحياة
أعذِبْ بالقرآنِ أدبًا وتهذيبًا أعْذَبَ القرآنُ أدبًا وتهذيبًا
أعْظِمْ بالعلمِ في العصر الحديث نفعًا أعْظَمَ العلمُ في العصر الحديثِ نفعًا
ويقال: إن الهمزة في الأفعال الماضية "أصْدَقَ، أعْذَبَ، أعْظَمَ" للصيرورة، فمعنى "أصْدَقَ كلامُ الرسول" أنه "صار ذا صدق عظيم" ثم حُوّل للأمر، وزيدت معه "الباء"، وكذا الباقي ا. هـ.
الصلة بين أجزاء صيغتي التعجب:
الأصل في صيغتي التعجب مجيئهما على الترتيب الذي سبق شرحه، فلا يتقدم عليهما معمولهما، كما لا يصح أن يفصل شيء بين مكونات جملة التعجب بترتيبها السابق، وبعبارة أقرب: لا يفعل شيء بين "ما" وفعل التعجب، ولا بين فعل التعجب والمتعجب منه.
هذا هو الأصل، لكن استدركت عليه أمور ثلاثة هي:
أ- جواز الفصل بين "ما" وفعل التعجب "بكان الزائدة" تقول: "ما كانَ أصْبرَ الرسولَ على أَذَى المشركين، وما كانَ أثبَتَ المسلمين على عقيدتهم مع هذا الأذى" وتقول: "ما كان أتْعَسَ شعبنا غداة الهزيمة، وما كان أقواهُ إذ تماسك من جديد".
ب- جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالجار والمجرور، ومن ذلك:
- قول العرب: ما أحسنَ بالرّجُل أن يصدُقَ، وما أقبحَ بِه أنْ يكْذبَ.
- قول عمرو بن مَعْدِ يكربَ عن بني سُلَيم: لله دَرَّ بني سُلَيْم ما أحسن في الهيْجَاءِ لقاءها، وأكرم في اللّزَبَاتِ عطاءها، وأثبتَ في المكرماتِ بقاءها.
- قول الشاعر:
خليليّ ما أحْرى بذي اللُّبّ أنْ يُرى
…
صبُورا ولكنْ لا سبيل إلى الصّبر1
ج- جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالظرف، تقول:"ما أثبتَ لحظةَ الهوْل المؤمنَ وما أجبنَ ساعة اللقاء المنافقَ"، ومن ذلك قول معن بن أوس:
أقيمُ بدار الحزْم ما دام حزمُها
…
وأحْرِ إذا حالتْ بأن أتحوَّلا2
ملاحظة مهمة: صياغة "التعجب" من الأفعال مبحث صرفيّ، ومع ذلك سيأتي في "اسم التفضيل" إذ يتفقان في شروط تلك الصياغة "انظر ص680" مع ملاحظة اختلاف التعجب عن التفضيل.
1 ما أحرى: ما أجدر وما أحق، بذي اللب: بذي العقل.
يقول: من اللائق بذي العقل أن يتصف بالصبر، فهذا مطلوب حقا لكن لا سبيل إليه.
الشاهد: في "ما أحرى بذي اللب أن يرى صبورا" حيث فصل بين فعل التعجب "أحرى" والمتعجب منه وهو المصدر المؤول من "أن يرى صبورا" الجار والمجرور "بذي اللب"، وهذا جائز نحويا.
2 بدار الحزم: "الحزم" الحكمة، ودار الحزم المكان الطيب الصالح، وأحر: أجدر، إذا حالت: إذا تغيرت وصارت الإقامة فيها عناء، بأن أتحولا: أن أتركها وأرحل عنها.
يقول: إنني أقيم بالمكان الصالح الطيب، فإذا تغير وضاق به الرزق، فالجدير بالمرء أن يتركه ويرحل عنه.
الشاهد: في "أحر، إذا حالت، بأن أتحولا" حيث جاء فعل التعجب "أحر" والمتعجب منه "بأن أتحولا"، وفصل بينهما الظرف "إذا".