الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحروف النافية الناسخة:
ما، لا، لات
1-
ما: في لغة الحجازيين نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها"
2-
لا: في لغة الحجازيين نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها"
3-
لات، في اللغة المشتركة عامة نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها"
تمهيد:
الأصل في الحروف الثلاثة "ما، لا، لات" -وبخاصة الأولين منها- أن تستعمل مع الجملة الفعلية والاسمية جميعًا، تقول:"لا يجبنُ قلبُ المؤمن وما يخافُ إلا الله" وتقول: "ما المؤمنُ جبانٌ ولا كبيرَ عنده إلا الله" فإذا دخلت على الجملة الفعلية، أفادت معنى النفي فقط دون تغيير في وظائف كلماتها النحوية، أما إذا دخلت على الجملة الاسمية -المبتدأ والخبر- اختلف الأمر إذ تتغير وظائف ركنيها برفع المبتدأ ونصب الخبر -كما هو واضح في دراستنا هنا- أو نصب المبتدأ ورفع الخبر كما سيأتي في "لا" النافية للجنس، لكن هذا التغيير يحدث في الجملة الاسمية مع هذه الحروف في المناخ الآتي:
أولا: أنه نطق للفصحى في لغة بعض القبائل دون البعض الآخر، أو في لغة القبائل جميعًا.
ثانيا: أنه لا بد من توافر صفات خاصة -شروط- لتغيير جملة المبتدأ والخبر معها.
وإليك هذه الحروف الثلاثة مراعى في عرض كل منها الجانبان السابقان
ما: الحجازية
-ما المخلصُ مضاعًا وإن تأخّر جزاؤه.
-وما الغشاشُ ناجيا وإن تأخّر عقابه.
نطق الحجازيين.
- ما المخلصُ مضاعٌ وإن تأخر جزاؤه.
- وما الغشَّاشُ ناجٍ وإن تأخر عقابه.
نطق التميميين.
اختلف العرب الفصحاء في نطق الفصحى حين تستعمل "ما" النافية مع الجملة الاسمية، إذ نطقها أهل الحجار بطريقة خاصة، ونطقها بنو تميم بطريقة أخرى، ونقل إلينا وصف كلا النطقين على التفصيل التالي:
أهل الحجاز:
يرفعون الاسم بعدها وينصبون الخبر، وبذلك تكون الجملة معها مماثلة تمامًا لها مع الفعل"ليس" فهي إذن حرف ناسخ يرفع بعدها الاسم، وينصب الخبر، كما أن "ليس" فعل ناسخ يرفع بعده الاسم وينصب الخبر، ومن ذلك:
- قرأ الحجازيون الآيتين {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} 1
وكذلك: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَاّ اللَاّئِي وَلَدْنَهُمْ} 2 برفع المبتدأ ونصب الخبر.
1 من الآية 31 سورة يوسف.
2 من الآية 2 سورة المجادلة.
- قول الشاعر ينذر قومه بجيش مهاجم:
وأنا النّذيرُ بحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ
…
تصلُ الجيوشُ إليكم أقوَادَهَا
أبناؤها متَكنِّفون أباهم
…
حَنِقُو الصُّدورِ، وما هم أولادَهَا1
أما بنو تميم:
فإنهم يبقون الجملة على ما كانت عليه قبل دخول "ما" فتبقى جملة من مبتدأ وخبر، وكلاهما مرفوع، والذي أفادته "ما" هو معنى النفي فقط، وقد قرئت الآيتان السابقتان على لغتهم هكذا:"مَا هَذَا بَشَرٌ" و"مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهِمْ" برفع الكلمتين "بَشَرًا، أُمَّهَاتِهِمْ" التزاما للغتهم في القراءة.
لكن أهل الحجاز لا ينطقون برفع الاسم ونصب الخبر إلا إذا استوفت الجملة صفات خاصة من أهمها ما يلي:
1 النذير: الذي يخبر خبر السوء، حرة: أصلها الأرض ذات الحجارة السود، ومن ذلك "حرة المدينة" والمقصود هنا: الكتيبة المغيرة لكثرة ما تحمل من الحديد، أقوادها: جماعاتها، أبناؤها: فرسان الكتيبة، أباهم: قائدهم، حنقو الصدور: غاضبون.
يقول: إني أنذركم بكتيبة مسلحة، رجالها جماعات كثيرة، ملتفون حول قائدهم، قد امتلأت صدورهم غيظًا منكم.
الشاهد: في "ما أولادها" حيث رفعت "ما" الاسم وهو الضمير المنفصل، ونصبت الخبر وهو "أولادها" على لغة الحجازيين.
1-
أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، بأن تأتي الجملة بعدها على الترتيب الأصلي -كما هو واضح في الأمثلة السابقة- فإن تقدم الخبر على المبتدأ بعدها أهملت "ما" وأفادت النفي فقط، ومن تقديم الخبر معها ما مر من قول العرب:"ما مسيءٌ من أعْتَبَ" وقول الشاعر:
وما خُذَّلٌ قَوْمِي فأخضعَ للعِدا
…
ولكن إذا أدعوهُمُ فَهُمُ هُمُ1
2-
ألا يقترن الاسم بالحرف "إنْ: الزائدة" فإن جاء هذا الحرف مع الاسم أهملت "ما" وكانت حرف نفي فقط، والجملة بعدها مبتدأ وخبر مرفوعان، كقول الشاعر:
بني غُدَانَةَ ما إنْ أنتم ذَهَبُ
…
ولا صَرِيفٌ ولكن أنتم الخَزَفُ2
3-
ألا يقترن الخبر بالحرف "إلا" فإن اقترن به أهملت أيضًا، ورفع المبتدأ والخبر، ومن ذلك قول القرآن:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 3.
هذا، وهناك غير هذه الشروط -مما ذكره النحاة- فأوصلها بعضهم إلى
1 الشاهد: في "ما خذل قومي" حيث تقدم الخبر على الاسم، ولذلك عادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر، وأفادت "ما" النفي فقط.
2 الصريف: الفضة الخالصة.
الشاهد: في "ما إن أنتم ذهب" حيث اقترن الاسم "بإن" الزائدة، ولذلك أهملت "ما" وعادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر.
3 من الآية 144 من سورة آل عمران.
ستة شروط، وكذلك هناك نقاش واستدراكات حول هذه الصفات الثلاث السابقة مما لا داعي لإيراده هنا، إذ كل ذلك جهد ذهني موضع أخذ وردّ لا غناء فيه، ولا ضرر في تركه.
لا في لغة الحجازيين:
جاء في ابن عقيل نصا: أما "لا" فمذهب الحجازيين إعمالها عمل "ليس" ومذهب تميم إهمالها. ا. هـ.
ومعنى ذلك أن هذا الحرف "لا" الذي يفيد النفي نطقه العرب مع الجملة الاسمية على النحو التالي:
أهل الحجاز:
ينطقون معها المبتدأ مرفوعا، والخبر منصوبا، فتكون الجملة معها مثل "ليس" تماما، تقول:"لا أحدٌ مفضلًا على أحد أمام عدل الله" وتقول: "لا المجدُ بعيدًا عن تناول المجتهد ولا هو قريبًا من يد المهمل".
أما بنو تميم:
فإنهم قد نطقوا المبتدأ معها مرفوعا، وكذلك الخبر، فهي لا تفيد إلا معنى النفي فقط، والجملة بعدها على ما كانت عليه -مبتدأ وخبر مرفوعان- فينطق على لغتهم:"لا أحدٌ مفضلٌ على أحدٍ أمام عدل الله" وكذلك "لا المجدُ بعيدٌ عن تناول المجتهد ولا هو قريبٌ من يد المهمل".
ولكن أهل الحجاز لا ينطقون برفع الاسم بعدها ونصب الخبر إلا إذا توافرت لجملتها الصفات التالية:
1-
أن يكون الترتيب في الجملة الاسمية بعدها واردًا على الأصل: المبتدأ أولا والخبر ثانيًا.
2-
ألا يقترن الخبر بالحرف "إلّا"
وهي في هذين الشرطين تتفق مع ما ذكر للجملة التي فيها الحرف "ما" أما الشرط الثالث هناك وهو ألا يقترن الاسم "بإنْ: الزائدة" فلا موضع له هنا؛ لأن اللغة الفصحى لم تستعمل ذلك مع "لا".
3-
هناك اتجاه بين النحاة من رأيه أن الاسم والخبر يجب أن يكونا نكرتين، كقول الشاعر:
تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض بَاقِيَا
…
ولا وَزَرٌ مما قضى اللهُ وَاقِيَا1
وهناك اتجاه آخر لا يقيد الاسم والخبر بتلك الصفة -أن يكونا نكرتين- فقد يأتيان معرفتين أو مختلفين، وهذا رأي له وجاهته التي يؤيدها الاستعمال، ومن ذلك قول النابغة الجعدي:
بدتْ فِعْلَ ذي وُدٍّ فلما تبعتُها
…
تولَّتَ وبقَّت حاجتي في فؤاديا
1 الوزر: جاء في القاموس: هو الجبل المنيع وكل معقل والملجأ والمعتصم ا. هـ.
الشاهد: في كلا الشطرين حيث جاء مع الحرف "لا" الاسم مرفوعا والخبر منصوبًا، في الشطر الأول الاسم "شيء" والخبر "باقيا" وفي الشطر الثاني الاسم "وزر" والخبر "واقيا" وكل من الاسم والخبر نكرتان، وهذا اتجاه للنحاة.
وحلَّت سَوَادَ القَلب لا أنا بَاغِيَا
…
سواها ولا عن حبّها متراخِيا1
لَاتَ: في اللغة المشتركة عامة
لاحظ الأمثلة الآتية:
يندمُ الظَّالِمُ يوم القيامة ولات حينَ ندمٍ.
وإنه ليأسَفُ على ما فات ولات ساعةَ أسفٍ.
ويحاولُ الاعتذارَ عن ظلمه ولات أوانَ اعتذارٍ.
كلمة "لات" تفيد أيضا النفي، فهي مثل "لا" وإن كانت تختلف عنها في أنه متصل بها التاء لتأنيث اللفظ أو المبالغة، ومثلها في ذلك "رُبَّتَ، ثُمَّتَ".
وهذه الكلمة تستعمل في الأساليب العربية التي تدل على الأسى والأسف لشيء فات أوانه ولا يمكن إرجاعه، فتفيد هذا المعنى السابق كله عن طريق نفي الزمن المضاف للحدث الذي فات أوانه.
هذا هو معنى جملتها التي ترد فيها في النثر أو الشعر في اللغة المشتركة لدى جميع قبائل العرب، وحينئذٍ تكون جملتها على الصفتين التاليتين:
1 يقول: قصتي إغراء ومنع وعذاب، لقد أظهرت لي الود، فاستجبت لها، فتمنعت وأبقتني في لهفة، فحبها عذاب مستعر!! لا أستطيع التخلص منه بتركها إلى غيرها، ولا أستطيع تهدئته بوصلها.
الشاهد: في "لا أنا باغيا" حيث عملت "لا" فرفعت الاسم ونصبت الخبر واسمها الضمير المنفصل "أنا" وخبرها "باغيا" واسمها معرفة، وهذا اتجاه أختاره.
1-
أنها تستخدم مع ثلاث كلمات هي "الحين، الساعة، الأوان" غالبا، وهذه الكلمات من ألفاظ الزمن، وتكون معها مضافة للحدث الذي فات أوانه.
2-
هذه الكلمات الثلاث تكون منصوبة غالبا على أنها خبر "لات" والاسم محذوف، ويمكن أن تكون مرفوعة على أنها اسم "لات" والخبر محذوف، والأول هو الأكثر في الاستعمال.
- في القرآن: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} 1.
قرئت كلمة "حِينَ منصوبة، فهي الخبر، والاسم محذوف، وقرئت مرفوعة فهي الاسم والخبر محذوف.
- قول الشاعر:
نَدِمَ البُغَاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ
…
والبغْيُ مَرْتَعُ مُبتغيه وَخِيمُ2
وردت الرواية بنصب كلمة "ساعة" على أنها الخبر، والاسم محذوف
1 من الآية 3 من سورة ص.
2 البغاة: جاء في القاموس "بغى عليه يبغي" علا وظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب، والبغاة: هم من يجمعون كل هذه الصفات الذميمة، مرتع: اسم مكان الرعي، وخيم: ضار رديء، والمقصود أن نتائج البغي رديئة ضارة.
الشاهد: في "لات ساعة مندم" فإن اسم "لات" محذوف، وخبرها كلمة "ساعة" وقد رويت منصوبة.