المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عطف النسق: 1- المقصود بعطف النسق لدى اللغويين والنحاة. 2- حروف العطف - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌عطف النسق: 1- المقصود بعطف النسق لدى اللغويين والنحاة. 2- حروف العطف

‌عطف النسق:

1-

المقصود بعطف النسق لدى اللغويين والنحاة.

2-

حروف العطف ومعانيها، وهي "الواو، الفاء، ثُمَّ، حتى، أم، أو، بل، لكنْ، لا".

3-

من مسائل عطف النسق ما يلي:

أ- العطف على الضمائر بأنواعها المختلفة.

ب- العطف في الأفعال.

عطف النسق:

مصطلح نحوي مكون من كلمتين "عطف ونسق" والمقصود بالعطف -كما سبق- الرجوع إلى الشيء للنظر في شأنه، أما النسق؛ فيقصد به هنا "النظم" فإن الاسم المعطوف يُنظم مع المعطوف عليه في طريقة واحدة من حيث الإعراب والمعنى.

ويصف النحاة عطف النسق بقولهم: هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف ا. هـ.

ومن البيّن أن فهم اللغويين له يتكامل مع فهم النحاة، فبينما يصف النحاة الصورة اللفظية التي يرد عليها، يتضح من التسمية اللغوية -عطف النسق- ما يترتب على الصورة اللفظية من أحكام نحوية هي المشاركة في الإعراب والمعنى، فلنلاحظ الأمثلة الآتية:

يتحمل اليهودُ والعربُ معًا مسئوليةَ مأساةِ فلسطين.

ضاعت من العرب تحت الضغطِ والفرقة.

بينما قام اليهود برسمِ الهدفِ فالهجرةِ فالاحتلالِ.

ص: 607

ففي هذه الأمثلة أسماء معطوفة في المثالين الأولين بحرف "الواو" وفي المثال الأخير بحرف "الفاء" وكل اسم معطوف يتحقق له ما سبق ذكره من أنه يشارك ما قبله في الإعراب المعنى.

من ذلك التفسير السابق تُفهم العبارة النحوية المشهورة عن جملة العطف وهي "أن تصلح لصنع جملتين مستقلتين منها" نظرًا لاشتراك كل من المعطوف والمعطوف عليه في الأمرين السابقين -الإعراب والمعنى- ولعل هذا يفسر تسمية سيبويه لهذا الباب في كتابه بأنه "باب الشّرِكَة".

حروف العطف ومعانيها:

تمهيد:

حروف العطف -على ما هو مشهور- عشرة أحرف هي "الواو، الفاء، ثم، حتى، أم، أو، بل، لكن، لا، إما" لكن الحرف الأخير "ِإما" موضع أخذ ورد كثير، ومثاله ما ورد في القرآن:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} فقد قال ابن عقيل بعد أن أورد الآية: وليست "إمَّا" هذه عاطفة خلافا لبعضهم؛ وذلك لدخول الواو عليها وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف ا. هـ.

وعلى هذا النهج سار كثير من النحويين، فتركوا هذا الحرف ولم يتعرضوا له في حروف العطف، واعتبروها تسعة أحرف فقط.

هذا وقد أسهبت كتب مسائل النحو في الحديث عن معاني هذه الحروف التسعة، والمناقشات حول هذه المعاني، بحيث إن هذا الباب كله يمكن اعتباره حديثا عن معاني هذه الحروف.

والحق أن المعاني التي تذكر لهذه الحروف كقولهم مثلا: "ثم: للترتيب والتراخي" أو قولهم: "حتى: للتدريج والغاية" دراسة أسلوبية حيث يتضح

ص: 608

من خلالها معنى هذه الحروف في الأساليب التي وردت بها، فهي إذن من اختصاص دارس البلاغة لا دارس النحو.

وعلى ذلك، كان من المنتظر أن يترك هنا -في دراستنا النحوية- الحديث عن هذه القضية التي شغلت الكثير من الصفحات في غير اختصاصها إذ يكفي دارس النحو أن يعلم أن هذه الحروف المذكورة تشرك ما بعدها مع ما قبلها في الإعراب والوظيفة النحوية.

والحق أنني هممت أن أترك هذا البحث تماما، لولا أن بعض هذه المعاني يرتبط به أحيانا أمور نحوية في الجملة التي بها العطف أو في العطف بها وذلك مثل الحروف" أم، أوْ، بلْ، لكِنْ" حيث يعطف ببعضها بعد النفي أو الإيجاب -وهذه معانٍ نحوية- كما أن بعضها الآخر يكون عاطفا أو غير عاطف مثل "أمْ" وأن ذلك مرتبط بمعانيها كما سيأتي.

من أجل ذلك نسوق هذه المعاني -دون إسهاب ولا اضطراب- مع ذكر أمثلة وشواهد لهذه الحروف التسعة، وربما كان ذكر هذه الأمثلة والشواهد أهم -في نظري- من ذكر معاني هذه الحروف، وإليك إذن هذه الحروف ومعانيها.

1-

الواو: مطلق الجمع:

المقصود من ذلك أنها تجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في حديث واحد وهذا معناها فقط، فلا يفهم منها تأخر المتأخر ولا تقدم المتقدم ولا العكس ولا تصاحبهما معا.

قال السيرافي: أجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين على أن الواو للجمع من غير ترتيب ا. هـ.

ص: 609

تقول: "ذاكرتُ النَّحوَ والأدبَ" ونقول: "يَوْمِي مُوَزّع بين اللَّعِبِ والجدِّ والهدوءِ والحركةِ والعملِ والراحة".

فلنتأمل الشواهد التالية:

- قول القرآن:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ}

الترتيب على الأصل.

- قول القرآن:

{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 2

الترتيب على خلاف الأصل.

- قول القرآن:

{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} 3

الترتيب على خلاف الأصل.

- قول القرآن:

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 4

المعطوف والمعطوف عليه متصاحبان.

2-

الفاء: الترتيب والتعقيب:

معنى "الترتيب" أن المعطوف عليه يحدث أولا، والمعطوف يحدث بعده، ومعنى "التعقيب" أن الثاني يحدث بعد الأول مباشرة بحسب ظروفه تقول:"طريق الشاب الناجح واضح، الدراسة، فالتخرج، فالعمل" جاء في قطر الندى: وتعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت:"دخلتُ البصرةَ فبغدادَ، وكان بينهما ثلاثة أيام، ودخلت بعد الثالث" فذلك تعقيب في

1 من الآية 26 من سورة الحديد.

2 من الآية 65 من سورة الزمر.

3 من الآية 43 من سورة آل عمران.

4 من الآية 15 من سورة العنكبوت.

ص: 610

مثل هذا عادة، فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس، فليس بتعقيب، ولم يجز الكلام ا. هـ.

3-

ثُمَّ: الترتيب والتَّراخِي:

أما "الترتيب"؛ فقد سبق معناه، وأما "التراخي"؛ فمعناه أن هناك مهلة بين المعطوف والمعطوف عليه، تقول:"ينحصر العام الدراسي بين بَدْءِ الدّارسة ثم الامتحانِ" وتقول: "حضرتُ للكلية في الصباح، ثم عدتُ لمنزلنا في المساء".

4-

حتَّى: التدريج والغاية:

ومعنى "التدريج" أن ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا إلى أن يبلغ إلى الغاية وهو الاسم المعطوف، ومعنى "الغاية" آخر الشيء ونهايته، تقول:"وَسِعَ قلبُ الرسول كلَّ الناس حتى العصاةَ، وشملَ عدلُ عمرَ كلَّ الرعيةِ حتى الظلمةَ"، وجاء في "مغني اللبيب": وتكون حرف عطف مثل "الواو" في المعنى والعمل بشرط أن يتحقق لجملتها الصفات الآتية:

أ- أن يكون المعطوف بها اسما ظاهرا، كما هو واضح في الأمثلة السابقة.

ب- أن يكون المعطوف بها جزءا من المعطوف عليه، كما ترى في الأمثلة السابقة.

ج- أن يكون المعطوف بها غاية في الزيادة أو القلة، أي نهاية في الكمال أو النقص، وقد يكون كل منهما حسيًّا أو معنويًّا، كما ترى في الأمثلة التالية:

- فالغاية في الزيادة الحسية كقولنا: "تصدَّقَ المحسنُ بالأعدادِ الكثيرةِ حتَّى الألوف".

ص: 611

- والغاية في الزيادة المعنوية كقولنا: "ماتَ الناسُ حتى الأنبياءُ".

- والغاية في القلة الحسية كقولنا: "الله يُحصِي الأشياءَ حتى مثقالَ الذّرة".

- والغاية في القلة المعنوية كقولنا: "غلبكَ الناسُ حتى الصبيانُ".

وقد اجتمعت الغايتان -الزيادة والقلة- في قول أبي دؤاد الإيادي:

قَهَرْنَاكُمُ حتَّى الكُمَاةَ، فأنتم

تَهَابُونَنَا حتَّى بَنِينَا الأصَاغِرَا1

5-

أمْ: المتّصلة والمنقطعَة:

يأتي هذا الحرف "أم" على الصور التالية:

الأولى: أن يتقدم الجملة التي وردت فيها "همزة الاستفهام" ويكون القصد من الجملة تعيين واحد من اثنين فيها، تقول:"آلواجبَ الشاقَّ تفضّلُ أم الراحةَ الرخيصةَ؟ وأَعنْ حبِّ الناس تبحثُ أم عن احترامِهم؟؟ ".

وتسمى همزة الاستفهام هذه "همزة التعيين" -والحرف "أم" لعطف المفرد غالبا- ويأتي بعد الهمزة ما يُسأل عنه، وبعد "أمْ" ما يقابله.

الثانية: أن يتقدم الجملة التي وردت فيها "همزة الاستفهام" على أن تسبق

1 الكماة: جمع "كميّ" وهو الرجل الفائق الشجاعة.

يقول: لقد غلبناكم حتى الشجعان منكم غلبوا، ففي قلوبكم الرعب منا، بل من أبنائنا الصغار.

الشاهد: في الشطر الأول "قهرناكم حتى الكماة" إذ جاءت "حتى" للغاية في الزيادة.

وفي الشطر الثاني " تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا" جاءت "حتى" للغاية في النقص.

ص: 612

الهمزة بكلمة "سواء" ويكون القصد من الجملة استواء أمرين متقابلين فيها تقول: "الإنسانُ النظيفُ يؤدي الواجبَ سواءٌ أثقلَ عِبْئُه أم هانَ وهو يبحث عن الاحترام سواءٌ أكرِهَهُ الناسُ أمْ أحبُّوه" ومن ذلك قول القرآن: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 1، وقول متمم بن نويرة في رثاء أخيه "مالك":

ولستُ أبَالِي بعد فَقْدِيَ مَالِكًا

أَمَوْتِيَ ناءٍ أم هو الآن وَاقعُ2

فإن جملة "لست أبالي" تساوي تمامًا كلمة "سواء" في المعنى.

وتسمى همزة الاستفهام هنا "همزة التسوية"، والحرف "أم" لعطف الجمل الاسمية أو الفعلية التي تؤول بعد ذلك -فيما يقال- بمصادر متعاطفة.

الثالثة: ما كانت في غير الصورتين السابقتين، ويكون القصد من الجملة التي وردت فيها صرف النظر عن الكلام السابق عليها، والاتجاه إلى ما ورد بعدها، كقولك:"هل يستوي السموُّ والخسة أم هل يستوي النفع والضرر".

وقول القرآن: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 3 وقول عمر بن أبي ربيعة:

1 من الآية 6 من سورة البقرة.

2 ناء: بعيد الوقوع.

يقول: لا أبالي متي يأتي الموت بعد ما فقدت أخي، فلم يعد للحياة طعم دونه.

الشاهد: في "لست أبالي" فإنها بمنزلة "سواء" في المعنى، وجاء بعدها همزة التسوية و "أم" التي عطفت جملة على جملة في "أموتي ناء أم هو الآن واقع" وكلا المتعاطفين جملة اسمية.

3 الآية 16 من سورة الرعد.

ص: 613

ألا ليت أنِّي يومَ تُقْضَى مَنِيَّتِي

لَثَمْتُ الذي ما بين عينيك والفَمِ

وليت طَهُورِي كان ريقَكِ كلَّه

وليتَ حَنُوطِي من مُشَاشِك والدّمِ

وليت سُلَيْمَى في المنام ضجيعتي

هنالك أم في جنةٍ أم جهنّمِ1

والحرف "أم" في هذه الصورة "حرف ابتداء" ويعبر عنه المعربون بقولهم "حرف يفيد الإضراب" ومعناه الإضراب عما سبقه والاتجاه لما بعده، ولذلك تعتبر الجملة التي بعده جملة جديدة مستقلة.

وبناء على ما سبق يمكن فهم المقصود من وصف "أم" بأنها متصلة أو منقطعة.

فالمتصلة: هي ما كان الكلام بعدها ذا صلة بما قبلها، ويتحقق هذا في الصورتين الأولى والثانية، وهذه عاطفة كما سبق.

والمُنْقَطِعَة: ما كان الكلام بعدها لا صلة له بما قبلها، لصرف النظر

1 يوم تقضى منيتي: يوم موتي، لثمت: قبلت، حنوطي: الطيب الذي يوضع على جسد الميت، مشاشك: المشاش: العظام اللينة، ضجيعتي: مشاركة في المضجع.

المعنى: أمنية غريبة يصور بها شدة حبه، إذ يتمنى حين يموت أن يقبل ما بين عينيها وفمها، وأن يكون ريقها طهوره ومشاشها ودمها طيبه، بل إنه ليتمنى ما هو أكثر، بأن يضاجعها في نومه أو بعد موته في الجنة أو النار لا يهم ما دامت هي بحانبه.

الشاهد: في قوله: "هنالك أم في جنة أم جهنم" فإن "أم" في هذا الشطر منقطعة تفيد "الإضراب" فهي بمعنى "بل" ولذلك يعتبر ما بعدها جملة كاملة وهي هنا كذلك، فالجار والمجرور بعدها خبر "ليت" المحذوفة مع اسمها وتقدير الكلام "ليت سليمى ضجيعتي هنالك أم ليتها في جنة أم ليتها في جهنم".

ص: 614

عما قبلها، ويتحقق هذا في الصورة الأخيرة، وهذه حرف ابتداء لا صلة لها بالعطف.

6-

أوْ:

وتأتي بالمعاني الخمسة الآتية:

أولا: التخيير: كقولنا في موقف النصيحة "كنْ شجاعًا أو جبانًا وعشْ كريمًا أو بخيلًا" وكقولك لصديقك: "إذا عدتَ من الكلية للبيت فقُمْ بالمذاكرةِ أو النومِ" ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "تزوَّجْ هندًا أو أختَها".

ثانيا: الإباحة: كقول الخطيب الواعظ: "أشفِقْ على المساكينِ أو الضعفاءِ واحتقر المنافقين أو الأدعياءَ" وكما تقول لصديقك: "اذهبْ إلى الحديقةِ أو السينما" ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "جالس العلماءَ أو الزهادَ".

قال ابن هشام عن التخيير والإباحة: والفرق بينهما أن التخيير يأبى جواز الجمع بين ما قبل "أو" وما بعدها، والإباحة لا تأباه" ا. هـ.

وهذان المعنيان تأتي لهما "أو" بعد الطلب، وبخاصة ما دل منه على الأمر.

ثالثا: الشك: كقولك: "قمت من النوم مروّعا على صوت أنينٍ أو استغاثةٍ وحِرْتُ في تحديد ذلك بين الوهْمِ أو الحقيقةِ" وتقول لصديقك: "زرتُك أمس حوَالي الثانيةِ أو الثالثةِ" ويحكي القرآن عن أهل الكهف قولهم حين استيقظوا من نومهم الطويل: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} 1.

رابعا: التشكيك أو الإبهام: لنفترض محاورة بين أحد العلماء المسلمين وأحد الأجانب الباحثين عن المعرفة، يذكر فيها العالم المسلم في بداية حديثه ما يلي:

1 من الآية 19 من سورة الكهف.

ص: 615

- يا سيدي، يدعو الإسلام إلى العِلْم والتدبير أو الجهل والتسليم.

- والقرآن من عند الله أو من كلام محمد.

- سنتناقش في ذلك لنعرف الحقَّ أو الباطلَ.

فلا شك أن العالم المسلم يعرف حقيقة الأمر فيما ردده من أمور متقابلة لكنه -في موقف المحاورة- يعمّي الأمر على المخاطب، بقصد الاستدراج له إلى النقاش، ثم الوصول معه إلى الحقيقة.

خامسا: الإضراب: ويقصد به صرف النظر عما سبقها، والاتجاه لما يأتي بعدها، فتكون "حرف ابتداء" كقول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك:

ماذا تَرَى في عيال قد بَرِمْتُ بهم

لم أُحْصِ عدَّتَهم إلَّا بِعَدَّاد

كانوا ثمانين أوْ زادوا ثمانيةً

لولا رجاؤُك قد قتّلتُ أولادي1

والمعاني الثلاثة الأخيرة تأتي لها "أو" بعد الخبر لا الطلب.

7-

لكِن:

ويعطف بها في النفي والنهي، ويكون معناها حينئذٍ إقرار الكلام قبلها.

1 عيال: عيال المرء من يعوله من الأولاد والأقارب، برمت بهم: ضقت بهم، عداد: تعداد متعمد.

يقول: إن لي أقارب وأولادا أعولهم، وهم كثيرون لا يحصون إلا بالتعداد وقد أحصيتهم، فوجدتهم ثمانين بل ثمانية وثمانين، هؤلاء قد ضقت بهم وبنفقتهم، فهم يستحقون عطفك ومعونتك.

الشاهد: في "كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية" فإن "أو" تفيد الإضراب فهي "حرف ابتداء" بمعنى "بل".

ص: 616

على ما هو عليه من نفي أو نهي وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول:"ما سافرتُ يومَ الخميس لكن يوم الجمعة" وتقول أيضا: "لا تُصاحب الأشرارَ لكن الأخيارَ" ومن المعلوم أن ضد النفي الإثبات وضد النهي الأمر.

هذا إذا جاء بعدها مفرد، فإن جاء بعدها جملة كاملة، فهي حينئذٍ حرف ابتداء لا عطف، وعلى ذلك ورد قول زهير بن أبي سلمى:

إنَّ ابنَ وَرْقَاءَ لا تُخْشَى بوادره

لكنْ وقائعُه في الحربِ تنتظرُ1

8-

لَا:

وهي على العكس تماما من "لكن" إذ يعطف بها بعد الإثبات والأمر ويكون معناها إقرار ما قبلها على ما هو عليه من إثبات أو أمر، وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول:"سافرتُ صباحًا لا مساءً"، و"اسمع النصيحةَ الصَّادقةَ لا الرّياءَ الكاذبَ".

9-

بَل

وتأتي في صورتين:

الأولى: أن تكون مثل "لكن" تماما بمعنى أن يعطف بها بعد النفي النهي، ويكون معناها حينئذٍ إقرار ما قبلها على ما هو عليه من نفي أو نهي

1 ابن ورقاء: من يمدحه الشاعر، و "ورقاء" أمه، بوادره: مفاجآته المسيئة عند الغضب، والمقصود وصفه بالحلم، وقائعه: ما ينزله بالأعداء من الضر، والمقصود أنه شجاع.

الشاهد: في "لكن وقائعه في الحرب تنتظر" حيث جاء بعد "لكن" جملة اسمية، فهي "حرف ابتداء" أو "إضراب" بمعنى "بل" وليست حرفا للعطف.

ص: 617

وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول:"لا يغش الصديقُ بل المنافقُ"، ونقول:"لا تُنصتْ للغشاشين بل المخلصين".

الثانية: أن تأتي بعد الإثبات أو الأمر، وتفيد حينئذٍ ما يطلق عليه "الإضراب" ومعناه صرف النظر عن الكلام السابق عليها لتقرير هذا السابق عليها نفسه لما بعدها، تقول:"زارني صديقي أحمدُ بل صديقي محمدٌ"، وتقول:"ليحضر إليِّ منكم اثنان بل ثلاثة".

ويتلخص أمر هذه الحروف الثلاثة فيما يلي:

- لكن: يعطف بها بعد النفي أو النهي، فيكون لما بعدها ضد ذلك وهو الإثبات والأمر.

- لَا: يعطف بها بعد الإثبات والأمر، فيكون لما بعدها ضد ذلك وهو النفي والأمر.

- بَل: يعطف بها بعد النفي والنهي، فتكون مثل "لكن" تماما، ويعطف بها بعد الإثبات والأمر، فتفيد معنى "الإضراب".

وبعد:

فلعله قد اتضح بعد هذا الشوط الطويل مع حروف العطف ومعانيها ما سبق أن قلته من أن الحديث عن هذه المعاني دراسة أسلوبية لولا ما يترتب عليها من حديث نحوي سواء فيما يتعلق بالجملة قبلها أم العطف بها.

العطف على الضمائر المختلفة:

سبق -غير مرة- أن الضمائر مستترة وبارزة وأن البارزة منها المتصلة والمنفصلة، والمتصلة تأتي مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، أما المنفصلة فمنها ضمائر رفع وضمائر نصب فقط.

ص: 618

المهم هنا أن يذكر أن معظم الضمائر في عطف النسق حكمها حكم الأسماء الظاهرة، فكما تقول:"الإنسان الحقُّ من له عقلٌ صريحٌ وضميرٌ نظيفٌ" تقول أيضًا: "أنا وصديقي نتعاملُ بفكرٍ مستنيرٍ وقلبٍ مفتوحٍ" ويقول القرآن: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} 1.

لكن يستثنى من ذلك صور خاصة في العطف على الضمير لا بد أن تتوافر في جملتها صفات معيَّنة حين العطف عليها، وهي ما يلي:

الصورة الأولى: أن يكون الضمير المعطوف عليه مستترا، وحينئذٍ يسبق حرف العطف توكيده بضمير منفصل، تقول:"أبذلُ أنا والزملاءُ غايةَ الجهد في الفهمِ والمذاكرة" ومن قول القرآن: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2.

هذا هو الأصل في الضمير المستتر، أن يؤكد بضمير منفصل قبل العطف عليه، ومع ذلك فقد وردت شواهد لا تتحقق لها هذه الصفة، إذ عطف فيها على الضمير المستتر دون توكيد، وهذا نادر في اللغة وضعيف في الاستعمال ومن ذلك:

- ما ورد عن العرب من قولهم: مررتُ برجل سواءٍ والعدم3.

- قول جرير يهجو الأخطل:

1 من الآية 38 من سورة المرسلات.

2 من الآية 35 من سورة البقرة.

3 معناه "حياته كموته"، وكلمة "سواء" مصدر وقع صفة لكلمة "رجل" فهو بمعنى "مستوي" وفيه ضمير مستتر يعود على الرجل، وقد عطف عليه دون توكيد بضمير منفصل، وهذا نادر في اللغة.

ص: 619

ورَجَا الأخَيْطلُ من سفاهةِ رأيِه

ما لم يكنْ وأبٌ له لِيَنَالَا1

الصورة الثانية: أن يكون الضمير المعطوف عليه متصلا مرفوعا، وحينئذٍ يسبق حرف العطف أيضا توكيده بضمير منفصل، تقول:"ذهبتُ أنا والأسرةُ للمصيف في الإسكندرية" قال القرآن: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2.

قال النحاة: ويصح في هذه الصورة أن يكون الفاصل بين المعطوف والمعطوف عليه شيء آخر غير الضمير المنفصل، وهذا ما عبر عنه ابن مالك بقوله "أو فاصل ما" ومن ذلك:

- قول القرآن: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} 3.

- قول القرآن: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} 4.

هذا هو الأصل في الضمير المرفوع المتصل حين العطف عليه أن يؤكد بضمير منفصل أو يفصل بينه وبين ما عطف عليه بغير هذا الضمير، ومع ذلك فقد وردت نصوص من الشواهد لا تتحقق لها هذه الصفة؛ إذ عطف على الضمير المرفوع المتصل دون توكيد ولا فصل، وذلك نادر في اللغة وقليل في الاستعمال.

1 الشاهد في البيت: قوله: "ما لم يكن وأب له" ففي الفعل "يكن" ضمير مستتر يعود على الأخطل، وقد عطف عليه دون توكيده بضمير منفصل، وهذا نادر في اللغة.

2 من الآية 54 من سورة الأنبياء.

3 من الآية 23 من سورة الرعد.

4 من الآية 148 من سورة الأنعام.

ص: 620

- روي عن ابن عباس قال: إني مع قوم ندعو الله لعمر بن الخطاب -وقد وضع على سريره- إذا رجل من خلفي مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله، إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرا ما كنت أسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كنت وأبو بكر وعمر وانطلقْتُ وأبو بكر وعمر، قال ابن عباس: فالتفتُّ فإذا هو عَلِيّ بن أبي طالب.

الصورة الثالثة: أن يكون الضمير متصلا مجرورا، وحينئذٍ لا يصح العطف عليه إلا بإعادة الجار، تقول:"اللهُ غفورٌ رحيمٌ، فاتجهت إليه وإلى رحمتِه"، ومن ذلك قول القرآن:{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 1.

هذا هو الأصل أن يعاد الخافض مع المعطوف حين العطف على الضمير المتصل المخفوض، ومع ذلك فقد وردت بعض الشواهد لا تتحقق لها هذه الصفات، فورد العطف على الضمير المتصل المخفوض دون إعادة الخافض، وذلك قليل في اللغة، ومن ذلك:

- ما ورد من قراءة الآية: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"2، بجر كلمة "الأرحام".

- قول الشاعر:

فاليومَ قَرَّبْتَ تهجونا وتشتُمنا

فاذهبْ فما بكَ والأيامِ من عَجَبِ3

1 من الآية 11 من سورة فصلت.

2 من الآية الأولى من سورة النساء.

3 المعنى: إنك تسيء إلينا بالهجاء والشتم، ولا عجب في الإساءة منك فهي متوقعة منك كما أنها متوقعة من الأيام.

الشاهد: في قوله: "فما بك والأيام من عجب" حيث عطف على الضمير المجرور المتصل دون إعادة الجار، وهذا قليل في اللغة.

ص: 621

والخلاصة في هذا الموضوع كله ما يأتي:

أولا: أن الضمير بأنواعه المختلفة حكمه في العطف عليه كالاسم الظاهر لا فرق في ذلك بين الاثنين.

ثانيا: يستثنى من ذلك ما يلي:

أ- الضمير المستتر حين العطف عليه، وهذا يؤكد قبل العطف عليه بضمير منفصل، وما ورد غير ذلك نادر.

ب- الضمير المرفوع المتصل حين العطف عليه، وهذا يؤكد قبل العطف عليه بضمير منفصل أو فاصل آخر، وما ورد غير ذلك نادر.

ج- الضمير المجرور المتصل، وهذا يعطف عليه مع إعادة الجار، وما ورد غير ذلك قليل في اللغة.

العطف في الأفعال:

من المعلوم أن الأفعال ثلاثة "ماضٍ ومضارع وأمر" وأقدم هنا الملاحظات التالية حولها في عطف النسق:

أ- إذا عطف فعل أمر على أمر آخر فليس من عطف الأفعال أو بعبارة أخرى: ليس من عطف المفردات، بل هو من عطف الجمل أقول:"ذاكِرْ واجتهدْ واترك الباقِيَ لله" فهذا من عطف الجمل لا من عطف المفردات وكذلك الشأن في كل فعل يستتر فيه الضمير وجوبا.

ب- قال ابن هشام نصا: ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما سواء اتحد نوعاهما أم اختلفا ا. هـ.

ومعنى ذلك أنه يُعطف ماضٍ على ماضٍ ومضارع على مضارع أو يعطف مضارع على ماضٍ والعكس بشرط أن يتحدا في الزمن وإن اختلفا في الصيغة.

ص: 622

تقول: "تَدَثَّرَ فنام المُجْهَدُ" وتقول: "يُحيي ويُميتُ ربُّ الناس" ومن ذلك:

- قول القرآن: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} 1.

- قول القرآن: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 2.

ج- يمكن العطف بين الفعل وما يشبه الفعل من الأسماء -كاسم الفاعل أو المفعول- تقول "يسمعُ الحاكم العادلُ رأيَ الرعيَّةِ ومستجيبٌ لطلباتهم" ومن ذلك:

- قول القرآن: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} 3.

- قول الراجز "جندب بن عمرو":

يا ليتني عَلِقتُ غيرَ حَارِجْ

قبل الصّباحِ ذاتَ خَلْقٍ بارِجْ

أُمَّ صبيٍّ قد حَبَا أو دارِجْ4

1 من الآية 10 سورة الفرقان.

2 من الآية 98 سورة هود.

3 الآية 19 سورة الملك.

4 علقت: أحببت وعشقت، غير حارج: غير مذموم ولا آثم، ذات خلق بارج: ذات خلق جميل حسن، قد حبا: حبو الطفل: زحفه وهو قاعد، دارج: مشي متقارب الخطو.

المعنى: أمنية غريبة أن يحب امرأة جميلة الخلقة، لها صغير يحبو أو يدرج.

الشاهد: في قوله "قد حبا أو دارج" حيث عطف على الفعل "حبا" اسما يشبه الفعل "دارج" فهو اسم فاعل، وهذا جائز في اللغة.

ص: 623