الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاعل:
1-
المقصود بالفاعل لدى النحاة.
2-
من أهم مباحث الفاعل الأمور التالية:
أ- الفاعل وعامله من حيث الذكر والحذف.
ب- عامل الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع.
ج- عامل الفاعل المؤنث من حيث التأنيث والتذكير.
د- الترتيب في الجملة بين الفعل والفاعل والمفعول.
الفاعل:
لاحظ الأمثلة التالية:
يظلم الأمّةَ ضعفُها أمام الطغاة. "الفاعل اسم صريح".
يظلم الأمّةَ أن تَضعفَ أمام الطغاة. "الفاعل اسم مؤول بالصريح".
هل يتجَبَّرُ الطغاةُ على الأمَّة إلا بضعفها. "عامل الفاعل فعل صريح".
هل مُتَجبرٌ الطغاةُ على الأمة إلا بضعفها. "عامل الفاعل اسم شبيه بالفعل".
أذلَّ الجبنُ أعناقَ الرجال. "لقد قام الفاعل بالفعل وعمله".
ذلَّ رجالٌ من طبعهم الجبن. "لقد قام الفعل بالفاعل فنسب إليه".
الفاعل -كما جاء في قطر الندى- اسم صريح أو مؤول به، أسند إليه فعل أو شبيه به، مقدم عليه بالأصالة، واقعا منه أو قائما به ا. هـ.
ومن هذا التعريف المركز يمكن أن توصف الجملة التي فيها الفاعل بالصفات التالية:
أ- أن الفاعل يكون اسما صريحا سواء أكان ظاهرا أم مضمرا، تقول:"أوحى الله الرسالةَ للنبيين فبلّغوا للبشر ما سمعوه" وقد يكون اسمًا مؤولًا بالصريح، والحروف التي تؤول بالصريح هنا ثلاثة هي "أن، أن، ما" تقول: "ساءني أنَّك مريض وسرَّني أنْ شُفِيتَ إذ أبْهَجَنَا ما نجوتَ من الخطر".
ب- أن يكون عامله فعلا أو شبه الفعل "اسم فاعل، أمثلة مبالغة، صفة مشبهة، اسم التفضيل، إلخ" تقول: "الشر نادِمٌ فاعلُه" أو "الفسادُ نمَّامٌ ناقِلُه".
ج- أن يقوم الفاعل بالفعل ويعمله، فيقع منه، أي يفعله حقيقة، مثل:"صنعْتُ المعروفَ وتناسيتُ صنعَه" أو ينسب الفعل للفاعل دون أن يعمله مثل: "انتصرَ الحقُّ، وانهزم الباطلُ" ومثل: "تحطمت الطائرةُ، واصطدمت بالأرض" فليس معنى أنه "فاعل" أنه قام بالعمل فعلا، بل قد يقوم به، وقد ينسب إليه، كما هو واضح في الأمثلة.
الفاعل وعامله من حيث الذكر والحذف:
يقصد بعامل الفاعل -لدى النحاة- ما رفع به الفاعل، سواء أكان فعلا أم شبه فعل، والأصل -كما سبق- ألا يحذف شيء من الكلام العربي بل يكون الكلام كله مذكورا، فلا يقدر شيء على ما هو مذكور فعلا، لكن من منهج النحاة الحذف، فما هو الرأي في حذف كل من العامل والفاعل؟
أولا: حذف العامل
لاحظ المحادثة التالية:
- هل لبّى الأصدقاءُ دعوتَك لهم؟
- نعم.. بعضُهم.
- ألم يعتذر إليك الغائبون؟
- بلى.. الغائبون بل الحاضرون نيابة عنهم.
ففي هذه المحادثة جاء في الرد الأول حذف الفعل، فأصل الجملة "نعم لبّى بعضهم" وكذلك في الرد الثاني حذف من الجملة فعلان، وأصلها "بلى اعتذر الغائبون بل تأسّفَ الحاضرون نيابة عنهم" وكل ذلك لأن الكلام قد فهم منه ذلك المحذوف، ومن ذلك الشواهد التالية:
- قول القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1.
- قول الشاعر:
تجلّدْتُ حتى قِيل لم يعْرُ قلبَه
…
من الوجْدِ شيءٌ قلتُ بل أعظمُ الوجدِ2
لكن: يصبح هذا الحذف واجبا بعد أدَاتي الشرط "إن، إذا" إذا وجد بعدهما اسم مرفوع وقد تأخر عنه مفسر للمحذوف، تقول:"إنْ سفيهٌ أهانَك فلا تجبْه، وإذا كريمٌ غضبَ منك فصالحه" ومن ذلك الشواهد التالية:
- قول القرآن: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 3.
1 من الآية 87 من سورة الزخرف.
2 تجلدت: أظهرت الصبر، لم يعر قلبه: لم يصبه: الوجد، الشوق والحب.
الشاهد: في "بل أعظم الوجد" فإنه فاعل بفعل محذوف جوازًا يدل عليه الكلام السابق، وتقدير الكلام "بل عراه أعظم الوجد".
3 من الآية 6 من سورة التوبة.
- قول أميّة بن أبي الصلت لابنه:
إذا ليلةٌ نابتْك بالشكْوِ لم أبِتْ
…
لشكواكَ إلَّا ساهرًا أتَمَلمَل1
ثانيا: حذف الفاعل
من المعلوم أن هناك فرقا بين الاستتار والحذف، فالاستتار يوصف به "الضمير" وهو في حكم المذكور، أما الحذف فهو من صفات "الاسم الظاهر" والمحذوف يعتبر غير موجود أصلا.
فالأصل في الفاعل أن يكون مذكورا، مثل:"طال اللّيلُ وسهرَ المتْعَبون" وقد يكون مستترًا مثل: "تخير الأوقاتَ المناسبة لزيارة أصدقائك ولا تزعجهم في غير تلك الأوقات".
أما حذف الفاعل، فالرأي المشهور عنه أنه ممنوع، إلا في مواضع خاصة تذكر في أبوابها.
هذا وتسوق كتب النحو الحديث التالي: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" 2، إذ يشعر هذا الحديث أن فاعل "يشرب" محذوف، إذ لا يمكن أن يكون ضميرًا يعود على "الزاني"؛ لأن هذا غير ذاك، لكن اتساقا مع الرأي المشهور اعتبر فاعله ضميرا مستترا يعود على "الشارب" من مضمون الكلام.
1 نابتك: أصابتك، والمقصود: حديث فيها ما تشكو منه، أتململ: أتقلب.
الشاهد: في "إذا ليلة نابتك بالشكو" حذف الفعل وجوبا بعد "إذا" وتقدير الكلام "إذا نابتك ليلة نابتك" وكلمة "ليلة" فاعل بهذا الفعل المحذوف.
2 صفوة صحيح البخاري ج4 ص107.
عامل الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع:
لاحظ الأمثلة التالية:
قدّم العلم أجلَّ الخدمات لمدنيّة عصرنا. "العامل مفرد، الفاعل مفرد".
وأدَّى العلماءُ دورهم في خدمة الإنسانية. "العامل مفرد، الفاعل جمع".
وتتسابق الدولتان الكبريان في العالم لاحتواء العلماء. "العامل مفرد، الفاعل مثنى".
عامل الفاعل قد يكون فعلا وقد يكون اسما شبيها بالفعل -كاسم الفاعل مثلا- والدلالة على التثنية في الفعل تكون بإلحاق ألف الاثنين به، والدلالة على الجمع تكون بإلحاق علامة الجمع به، أما الشبيه بالفعل فيكون بتثنيته أو جمعه.
إذا علم ذلك، فإن الأصل في اللغة المشتركة أن تبقي العامل مفردًا دائمًا فلا يثنى ولا يجمع -كما هو ملاحظ في الأمثلة السابقة- سواء كان الفاعل مفردا أم مثنى أم مجموعا، وهكذا وردت النصوص اللغوية التي يعتد بها شعرا ونثرا.
لكن، يبدو أن الخطأ في منهج جمع اللغة حيث أخذت عن قبائل متعددة قد كان له أثر في الاستدراك على هذه الفكرة السابقة.
قال ابن هشام: وحكى البصريون عن "طَيِّئ" وبعضهم عن "أزْد شنوءة" نحو "ضربوني قومُك وضربْنَنِي نسوتُك وضرباني أخواك" ا. هـ.
ومعنى ذلك أن بعض قبائل العرب تلحق علامات التثنية والجمع بعامل الفاعل المثنى أو المجموع، وتروى لذلك الشواهد التالية:
- قول عبد الله بن قيس الرقيات:
تولّى قتال المارِقين بنفسه
…
وقد أسْلَمَاهُ مبْعَدٌ وحَمِيم1
قول العتبي:
رأيْنَ الغَواني الشّيْبَ لاحَ بعارِضي
…
فأعرضْنَ عني بالخدود النّواضِرِ2
هذا وقد حمل على هذه اللغة قول الرسول: "يَتَعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار" 3 حيث ألحقت علامة الجمع بالفعل "يتعاقبون".
كما حمل عليها أيضا قول الرسول في حديثه مع "ورقة بن نوفل" إذ قال له: "وسيخرجُك قومُك"4 فقال عليه السلام: "أَوَمُخْرِجِيّ هم" بتشديد الياء، وأصلها "مُخْرِجُويَ" بإلحاق علامة الجمع.
والحق أن هذين الحديثين كثر حولهما حديث الناس في التأويل والتخريج، وأحسن ما يختار من ذلك ما يلي:
1 المارقين: الخارجين عن الدين، مبعد وحميم: أجنبي وصديق، والبيت من قصيدة في رثاء مصعب بن الزبير.
الشاهد: في قوله "أسلماه مبعد وحميم" حيث ألحق علامة التثنية بالفعل "أسلماه"؛ لأن الفاعل اثنان "مبعد وحميم" وهذا على لغة بعض العرب.
2 الشاهد: "رأين الغواني" حيث ألحق علامة الجمع المؤنث بالفعل "رأين"؛ لأن الفاعل جمع وهو "الغواني" وهذا على لغة بعض العرب.
3 انظر صحيح مسلم ج1 ص429.
4 انظر صحيح مسلم ج1 ص142.
أن الحديث الأول روي ناقصا، وأصله:"إن لله ملائكةً يتعاقبون فيكم، ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار"، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
وأن الحديث الثاني -فيما أظن- روايته الصحيحة: "أَوَمُخرجي هم" دون تشديد الياء، وعلى ذلك لا شاهد فيه.
وتطلق كتب النحو على هذه اللغة "لغة أكلوني البراغيث" وسماها ابن مالك لغة: "يتعاقبون فيكم ملائكة" إشارة للحديث السابق.
والذي أراه أن هذه اللغة رديئة، بدليل أنه لا يستعملها في وقتنا الحاضر إلا الصبيان الصغار الذين لم يتمرسوا بالفصاحة، وكذلك عوام الناس في اللهجة الدارجة، حيث يقول الصغار في موضوعات الإنشاء "انصرفوا الطلبة" ويقول العوامّ "صحُوا الأطفال".
عامل الفاعل المؤنث من حيث التأنيث وتركه:
ينبغي قبل الحديث عن هذا الموضوع فهم أمور ثلاثة هي "كيفية تأنيث العامل فعلا أو شبه فعل، المؤنث الحقيقي التأنيث، المؤنث المجازي التأنيث".
أ- فأما تأنيث العامل، فإنه إن كان فعلا ماضيا لحقته تاء التأنيث الساكنة، مثل "أورقتْ، سمتْ، أثمرتْ، ترامتْ" وإن كان فعلا مضارعا، فإن تأنيثه يكون بمجيء حرف المضارعة "التاء" في أوله إشارة للمفردة الغائبة، مثل "تنمو، تورق، تثمر، تحصد، تجمع، تُثري" وإن كان العامل اسما يشبه الفعل -كاسم الفاعل أو اسم المفعول- فإن تأنيثه يكون بإلحاق التاء المتحركة في آخره، تقول "مؤدبة، طيّبة، محافظة، متبرجة، مذمومة، مهانة".
ب- أما المؤنث الحقيقي فيقصد به كل ما يبيض أو يلد من الإنسان والحيوان والطيور، مثل:"فاطمة، سعاد، زينب، الزرافة، الحمامة، اليمامة، الحدأة".
ج- أما المؤنث المجازي فهو كلمات في اللغة استعملت مؤنثة وإن كانت مما لا يبيض أو يلد، وقد دل على استعمالها مؤنثة أنه يشار إليها على أنها مؤنثة، ويعود الضمير المؤنث عليها في الكلام، مثل:"شجرة، برتقالة، يد، شمس، طريق" تقول: "اهتَزّتْ شجرةُ البرتقال فسقطتْ منها برتقالةٌ فالتقطتُها" إذا علم ذلك، فإن تأنيث العامل مع الفاعل المؤنث على التفصيل التالي:
أولا: وجوب التأنيث
يكون ذلك في موضعين:
1-
أن يكون الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث، ولم يفصل بينه وبين عامله فاصل مثل:"تثقفت الفتاةُ في مجتمعنا، وأدت المرأةُ دورها بجوار الرجل". وتقول: "زاملت الطالبةُ الطالبَ في الجامعة، وأدّت واجبها مثله في الحياة العملية".
2-
أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا أو ضميرًا متصلًا يعود على مؤنث سابق مثل قولك: "الجامعةُ أدَّتْ أجَلَّ الخدمات للوطن، فقدْ صنعتْ حضارةً وخبرةً أضاءَتَا حياتنا وحياةَ غيرنا من الشعوب" وتقول: "الفتاةُ العربية تسيء إلى نفسها إذ تتنازل عن شخصيتها لتقلِّد غيرها في النافع والضار".
هذا هو الأصل في وجوب التأنيث، وقد وردت شواهد على غير هذا الأصل، وإليك نموذجا من هذه الشواهد:
- قول لبيد يخاطب ابنتيه:
تمنَّى ابنتاي أن يعيشَ أبوهما
…
وهل أنا إلّا من ربيعة أو مُضَرْ
فقُوما وقولا بالذي تعلمانِه
…
ولا تخْمِشَا وَجْهًا ولا تحلِقَا شَعَرْ
وقولا هو المرءُ الذي لا صديقَه
…
أضاعَ ولا خان الخليلَ ولا غدَرْ
إلى الحوْلِ ثم اسمُ السلامِ عليكما
…
ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعْتَذَرْ1
وقد حمل ترك تاء التأنيث في هذا البيت على لغة الشعر الخاصة إذا اعتبر الفعل ماضيًا، وأصله "تَمَنَّتْ" أما إذا اعتبر الفعل مضارعا "تَتَمَنَّى" فإن ترك التاء الأولى جائز صرفيا.
جواز التأنيث وتركه:
يصح تأنيث العامل وترك تأنيثه مع الفاعل المؤنث إذا جاء في جملته على الصفات التالية:
1-
أن يكون الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث ولم يتصل بالعامل، بل فصل بينهما، تقول:"روتْ عن النبي في بيته عائشةُ زوجه، وعاشت بعده شهورًا قليلة فاطمةُ ابنتُه" ومن ذلك قول الشاعر:
إن امرأً غره منكنَّ واحدةٌ
…
بعدي وبعدَك في الدنيا لمغرورُ2
1 لا تخمشا وجها: لا تجرحاه من شدة اللطم، فقد اعتذر: فقد قدم عذره؛ إذ أدى ما عليه.
الشاهد: في البيت الأول في "تمنى ابنتاي" فإن الفاعل مؤنث حقيقي التأنيث ولم يفصل بينه وبين الفعل فاصل، والواجب في هذا الموضوع التأنيث، بأن يقول:"تمنت" إذا اعتبر الفعل ماضيا، أو "تتمنى" إذا اعتبر الفعل مضارعا لكنه جاء بالفعل دون تأنيث، ويحمل هذا على لغة الشعر الخاصة في الماضي ويحمل ترك التأنيث في المضارع على حذف إحدى التاءين من أوله، وهذا جائز صرفيا.
2 الشاهد: في "غره منكن واحدة" حيث جاء الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث "واحدة" وفصل بينه وبين الفعل بضمير الغائب والجار والمجرور فيصح التذكير والتأنيث، وقد جاء الفعل بدون تأنيث.
2-
أن يكون الفاعل مؤنثًا مجازيًّا مطلقا، تقول:"أقلعت الطائرةُ من المطار" أو "أقلعَ الطائرةُ من المطار" وتقول: "أورقت الشجرةُ في الربيع" أو "أورقَ الشجرةُ في الربيع" قال القرآن: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 1 وقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ} 2.
3-
أن يكون الفاعل جمع تكسير -باتفاق النحاة- تقول: "سَتَنْقَشِعُ السُّحُبُ عن حياتنا وتصفو الأيَّامُ" ولك أن تقول: "سينقشع السحبُ عن حياتنا وتصفو الأيام" ولك أن تقول: "سينقشع السحبُ عن حياتنا ويصفو الأيامُ" قال القرآن: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} وقال: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} .
ومثل هذا الجمع في جواز التأنيث وتركه اسم الجمع -ما لا واحد له- مثل "قوم، رهط، نسوة" واسم الجنس الجمعي، ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء أو ياء النسب، مثل:"شَجَر، جُنْد، رُوم".
أما جمع المؤنث السالم فإن العامل -على الرأي المشهور- يؤنث معه مثل: "في حروب الإسلام تحمَّلَت المجاهداتُ نصيبهنَّ مع المجاهدين".
أما جمع المذكر السالم، فإن العامل -على الرأي المشهور أيضا- يجب تذكيره، كقولك:"في عَهْدِ أبي بكر تمسك المسلمون بعقيدتهم، وقاتلوا دفاعا عنها، فثابَ المرتدُّون إلى الحق بعد الضلال".
هذا هو الأصل في هذه المسألة، يلخصه ما يأتي:
أ- جمع التكسير: يصح في العامل معه التذكير والتأنيث
1 من الآية 57 من سورة يونس.
2 من الآية 73 من سورة الأعراف.
ب- جمع المؤنث السالم: يجب تأنيث العامل معه.
ج- جمع المذكر السالم: يجب تذكير العامل معه.
وفي هذه المسألة خلاف حاد حول "جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم" لا داعي لذكره هنا، ولك -إن شئت- العودة إليه في "أوضح المسالك لابن هشام".
الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول:
لاحظ الأمثلة التالية:
لاحت الفرصةُ فانتهزها الجسورُ.
الفرصةُ لاحت فالجسورُ انتهزها.
من أحكام الفاعل أن يأتي بعد عامله، ولا يتقدم عليه، فإن تقدم على العامل ترك وظيفة "الفاعل" إلى وظيفة أخرى هي "المبتدأ".
فالترتيب إذن بين الفعل والفاعل يجب أن يكون على الأصل، بأن يتقدم الفعل ويتأخر الفاعل، وإنما الترتيب الذي يحدث في الجملة يكون عن الطرف الأخير -المفعول- فهو الذي يترك موضعه ليتوسط أحيانا بين الفعل والفاعل أو ليتقدم عليهما معا، وذلك على التفصيل التالي:
أولا: توسط المفعول بين الفعل والفاعل.
وهذا أمر مباح في اللغة، وهو كثير جدا في النصوص العربية، تقول:"بلَّغ الرسالةَ الرسولُ" وتقول: "وَقَّرَ الكبيرَ الصغيرُ وعاونَ الصغيرَ الكبيرُ" ومن ذلك قول القرآن: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} 1.
1 من الآية 41 سورة القمر.
لكن، يصبح هذا التوسط أمرًا ضروريًّا في مسألتين:
الأولى: أن يتصل الفاعل بضمير يعود على المفعول.
لاحظ الأمثلة التالية:
أحبَّ الوطنَ أهلُه.
إذ يتعشقُ الأرضَ فلّاحوها.
ويحبُّ المصانعَ عمالُها.
ففي الأمثلة يجب أن يتأخر الفاعل عن المفعول، ولا يصح تقدمه.
- قال القرآن: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} 1.
- وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} 2.
فالترتيب في هذه الصورة يكون هكذا: الفعل + المفعول + الفاعل ولم ترد على الأصل إلا لغة الشعر، ومن ذلك قول سليط بن سعد
جزَى بنوه أبا الغَيْلانِ عن كِبَرٍ
…
وحسْنِ فعلٍ كما يُجْزَى سِنِمَّارُ3
الثانية: أن يكون الفاعل محصورا بطريقتَيْ "إنَّما، إلّا".
1 من الآية 124 سورة البقرة.
2 من الآية 52 سورة غافر.
3 أبا الغيلان: كنية رجل، سنمار: يقال: إنه رجل رومي بنى قصرا لملك الحيرة، فلما فرغ من بنائه ألقاه الملك من أعلى القصر فمات، لئلا يبني مثله لغيره، ويضرب بذلك المثل في سوء الجزاء.
الشاهد: في "جزى بنوه أبا الغيلان" إذ كان الواجب أن يكون الترتيب في هذه الجملة هكذا "جزى أبا الغيلان بنوه" لاتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول، لكنه جاء في البيت على الأصل توسعا في لغة الشعر، وفي الشطر الثاني "ما جفا قط إلا جبأ بطلا" مثل الشطر الأول.
لاحظ الأمثلة التالية:
- إنما يقدّسُ الحريةَ الأحرارُ.
- ولا يبغضُ الكرمَ إلا اللؤماء.
فالترتيب في هذه الصورة أيضًا يكون هكذا: الفعل + المفعول + الفاعل ومن ذلك قول القرآن: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} 1 ولم يرد الترتيب على الأصل مع "إلا" في غير لغة الشعر، ومن ذلك:
ما عابَ إلَّا لئيمٌ فِعلَ ذي كَرَمٍ
…
ولا جَفَا قطُّ إلا جُبَّأٌ بطلا2
ثانيا: تقدم المفعول على الفعل والفاعل
لاحظ الأمثلة الآتية:
الصدقَ التزمتُ والكذبَ اجتنبتُ.
الصراحةَ أحببتُ والغِشَّ كرهتُ.
في كل مثال من الأمثلة الأربعة السابقة تقدم المفعول على الفعل والفاعل جميعا، وهذا شائع في لسان العرب، ومن ذلك قول القرآن:{فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} 2.
1 من الآية 18 سورة فاطر.
2 جفا: من الجفوة، وهي الكراهية، جبأ: جبان.
يقول: لا يعيب الكريم إلا اللئيم، ولا يكره الشجاع إلا الجبان.
الشاهد: في الشطرين، الأول "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم" إذ كان من الواجب توسط المفعول وتأخر الفاعل؛ لأن الأخير محصور بالحرف "إلا" لكنه قدم الفاعل على الأصل توسعا في لغة الشعر، وفي الشطر الثاني "ما جفا قط إلا جبأ بطلا" ما يماثل الشطر الأول.
3 من الآية 87 سورة البقرة.
لكن يصبح هذا التقديم واجبا في ثلاث مسائل هي:
الأولى: أن يكون المفعول مما له صدارة الكلام.
لاحظ الأمثلة التالية:
أيّ الدراستين تحب النحو أم الأدب!!
وماذا اخترتَ لدراستك العليا منهما؟!
كلمة "أي" في المثال الأول، وكلمة "ماذا" في المثال الثاني، كل منهما مفعول مقدم -بل واجب التقديم- في المثالين؛ لأنهما من "أسماء الاستفهام" وأسماء الاستفهام لا ترد داخل الكلام، بل لها -كما يقول النحاة- صدارة الكلام، ومثلها أيضًا "أسماء الشرط".
الثانية: في مثل قول القرآن: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 1.
فكل من الكلمتين "اليتيم" و "السائل" مفعول مقدم، بل واجب التقديم.
جاء في أوضح المسالك تحديد هذه المسألة بقوله: أن يقع عامله بعد الفاء وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} و {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} بخلاف "أما اليوم فاضرب مزيدا" ا. هـ.
الثالثة: أن يكون المفعول ضميرا منفصلا، لو تأخر لوجب اتصاله كقول القرآن:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2 ولو تأخر، كانت الجملة "نَعْبُدُكَ" وهذا غير مراد، والمراد الانفصال.
1 الآيتان 8، 9 سورة الضحى.
2 الآية 5 سورة الفاتحة.