الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفعول المطلق:
1-
تمهيد صرفي: عن المصدر وأنواعه، وإفراده وتثنيته وجمعه.
2-
المقصود بالمفعول المطلق لدى النحاة، ومعرفة صوره في اللغة.
3-
ما ينوب عن المصدر في المفعول المطلق.
4-
حذف عامل المفعول المطلق جوازا ووجوبا.
لاحظ الأمثلة الآتية:
لَمَسَ الطبيبُ موضع الألم لَمْسًا رقيقًا. "مصدر أصلي".
ثم فحص المريض فحصًا دقيقًا. "مصدر أصلي".
لمس الطبيب موضع الألمِ مَلْمَسًا رقيقا. "مصدر ميمي".
ثم فحص المريض مَفْحَصًا دقيقا. "مصدر ميمي".
وبعد أن لقط لمرضه لَقْطَةً بالأشعة. "مصدر: اسم مرة".
أمره أنْ يشربَ الدواء جَرْعَةً كل يوم. "مصدر: اسم مرة".
وطلب منه طِلْبَةَ الحريصِ على مصلحته "مصدر: اسم هيئة".
أن يعيش مدّةً عيشة الراحة "مصدر: اسم هيئة".
يأتي المصدر في اللغة العربية على الصور التالية:
المصدر الأصلي: وهو الذي يدل على مطلق الحدث الموجود في الفعل المشتق منه، مثل:"لَمْس، فَحْص، شجاعة، اقتحام، عَمَل، جِدّ".
المصدر الميمي: هو الذي بدئ بميم زائدة ودل على الحدث، مثل:
"مَلْمَس، مفْحَص، مَوْعِد، مُرْتَقى، مُلْتقى، مُعْتَقَد" إذا جاءت في الجملة بمعني المصدر الأصلي، فتكون بمعنى "لَمْس، فَحْص، وَعْد، ارتِقَاء، الْتِقاء، اعْتِقَاد".
اسم المرة: هو الذي يدل على حصول الحدث مرة واحدة، مثل:"جَرْعَة، لَقْطَة، رَمْيَة، ابْتِسَامَة".
اسم الهيئة: هو الذي يدل على هيئة الحدث حين فعله، مثل "طِلْبَة، عِيْشَة، رِعْشَة، رِعْدَة".
هذه أنواع المصادر الأربعة، والثلاثة الأخيرة منها أنواع خاصة من المصدر، وكل هذه الأنواع تصاغ بطرق خاصة يرجع إليها في كتب الصرف.
المهم هنا أن يعلم أن "اسم المرة والهيئة والميمي" يصح تثنيتها وجمعها في رأي جمهور النحاة، فتقول:"رَمْيَتَيْ تماس، رمْيات التَّماسّ" وتقول: "جَرْعَتَيْن، جَرْعَات" وتقول: "رِعْدَتَيْن، رِعْدات" وتقول: "ضربت له موعدين أو مواعيد" أما المصدر الأصلي فحول تثنيته وجمعه كلام طويل وخلاف حاد لا داعي لذكره، والحق، فيما أظن، يتلخص في أن المصدر الأصلي يمكن تثنيته وجمعه في حالتين:
أ- إذا كان بالتاء في آخره، مثل:"تجربة، مُقابلة، مُهادنة" تقول: "تجربتين وتجارب" و "مقابلتين، ومقابلات" و "مهادنتين ومهادنات".
ب- إذا دل على التنوع مثل: "احتمال" تقول: "في هذا الموضوع احتمالان بل احتمالاتٌ" وكذلك "اتجاه" تقول: "يحتمل الرأي اتجاهين أو اتجاهات" ومن ذلك أيضًا "إجراء، إنشاء" حيث نسمع كثيرا "إجراءات، إنشاءات".
المفعول المطلق:
لاحظ الأمثلة التالية:
ابتهجتْ روحي برؤية البحر ابتهاجا.
وجعلتُ أتنفسُ الهواءَ تنفُّسًا عميقًا.
وفجأة هاج البحرُ هَيَجَانَ الغَاضِبِ.
وعلَت الأمواجُ ارتفاعًا.
جاء في قطر الندى: هو عبارة عن مصدر فضلة تسلط عليه عامل من لفظه أو معناه ا. هـ.
ومن ذلك تعرف الصفات التي تتوافر فيما يقع مفعولا مطلقا وهي:
أ- أن يكون مصدرا، أيّ نوع من المصادر السابقة.
ب- أن يكون فضلة، ويقصد بذلك ما يقع بعد تمام ركني الجملة الأساسيين "الفعل والفاعل، المبتدأ والخبر".
ج- أن يسبقه في الجملة فعل أو شبه فعل "كاسم الفاعل والمصدر" بحيث يكون هذا الفعل أو شبهه من لفظ المصدر مثل: "ابتهجت روحي ابتهاجًا" ومن ذلك قول القرآن: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 1 أو يكون من معناه فقط دون لفظه، مثل:"علت الأمواجُ ارتفاعا" وقولك: "فرحْتُ جذلًا".
1 من الآية 164 من سورة النساء.
ومن ذلك قول زيد الفوارس عن امرأة تشكو من زوجها:
تألَّى ابنُ أوسٍ حَلْفَةً لَيَرُدُّني
…
إلى نسوةٍ كأنَّهنَّ مَفَائِدُ1
الصورة اللغوية للمفعول المطلق:
يرد المفعول المطلق على الصور الثلاث التالية:
الصورة الأولى: المؤكد لعامله:
تلمعُ النجومُ في الليل لَمَعَانًا.
فتهْدي الناسَ في الظلمات هُدَى.
يقصد بهذه الصورة ما كان المصدر دالا على الحدث الذي يدل عليه العامل السابق في الجملة، فهو لا يفيد شيئا جديدا عليه، بل يفيد مجرد التوكيد له ومن هذا قول القرآن:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2.
الصورة الثانية: المبين للنوع:
تلمعُ النجومُ في السماء لمعانًا شديدا.
فتهدِي الناس في الظلمات هُدَى النَّجاة.
يلاحظ أن "اللمعان" في المثال الأول قد وصف بالشدة، إذ تبين لنا
1 تألى: حلف، مفائد: جمع: مفأد بكسر الميم وفتح الهمزة، وهي:
الخشبة التي تحرك بها النار في التنور، وعادة تكون سوداء قبيحة المنظر.
تقول: إنه حلف ليردني إلى بيته، وفيه ضرائر قبيح منظرهن، كريهة صحبتهن.
الشاهد: في "تألى ابن أوس حلفة" حيث نصب المفعول المطلق بفعل من معناه لا من لفظه.
2 من الآية 56 من سورة الأحزاب.
صفة اللمعان ونوعه، ويلاحظ أيضا أن "الهُدَى" في المثال الثاني قد أضيف إلى "النجاة" فبينت أيضا نوع الهدى وسمته، ويطلق على هذه الصورة اسم المفعول المطلق المبين للنوع، حيث يتضح المقصود منه بواسطة الوصف أو الإضافة غالبا.
الصورة الثالثة: المبين للعدد:
قَذَفَ اللاعبُ الكرةَ نحو الشِّباكِ قَذْفَةً مُحْكَمَةً.
فضربَها حارسُ المرمى ضربتين، فأبعدها عن مرماه.
يقصد بهذه الصورة أن يكون المصدر دالًّا على المرة، أو يكون مثنى أو مجموعا -كما ترى في الأمثلة- ومن ذلك قول القرآن:{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} 1.
ما ينوب عن المصدر في المفعول المطلق:
ينوب عن المصدر في المفعول المطلق أمور كثيرة، من أهمها الأمور الخمسة التالية:
1-
اللفظتان "كل، بعض" مضافتين للمصدر، تقول:"بعد أن نمتُ بعضَ النَّوْمِ أرِقْتُ كُلَّ الأرَقِ" ومن ذلك قول القرآن: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 2 وقول المجنون:
فيا لَيْلَ كَمْ من حَاجَةٍ لي مُهِمَّةُ
…
إذا جئتُكم باللّيلِ لم أدرِ ما هيا
خلِيليّ إلّا تبكيا لِيَ ألتمسْ
…
خليلًا إذا أنزفْتُ دمعي بَكَى ليا
فما أشْرُفُ الأيْفَاعَ إلّا صبابةً
…
ولا أنشد الأشعارَ إلّا تداويا
1 الآية 14 من سورة الحاقة.
2 من الآية 129 من سورة النساء.
وقد يجمعُ اللهُ الشَّتيتين بعد ما
…
يظنّان كلَّ الظّنِّ أن لا تلاقيا1
2-
أسماء الأعداد المضافة للمصدر أو المميزة به، مثل قولنا:"اعتدت إسرائيلُ على العرب ثلاثة اعتداءاتٍ، وأدانتها الأمم المتحدة خمسين إدانةً" ومن ذلك قول القرآن: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2.
3-
صفة المصدر إذا حذف وأقيمت مقامه، مثل قولك:"نمتُ كثيرا بعد أن سهرتُ طويلا".
4-
المصدر المرادف للفعل وليس من لفظه، مثل:"رجعْتُ القهْقرى" و "فرحْتُ جذلًا" و "كرهْتُه بُغْضًا".
5-
الضمير المتصل المنصوب العائد على مصدر سابق، كما جاء في القرآن:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} 3.
حذف عامل المفعول المطلق:
يحذف عامل المفعول المطلق جوازًا إذا دل عليه سياق الكلام كقولك في التهنئة بالحج: "حجًّا مبرورًا وذَنْبًا مغفورا" وكقولك لصديق قابلته: "مرْحَبًا بك".
1 هذه الأبيات من قصيدة للمجنون تسمى "المؤنسة"، الأيفاع: التلال، الشتيتين: البعيدين أشد البعد.
الشاهد في البيت الأخير: في "يظنان كل الظن" فإن كلمة "كل" نائب عن المفعول المطلق لإضافتها إلى "الظن".
2 من الآية 4 سورة النور.
3 من الآية 115 سورة المائدة.
لكن يصير هذا الحذف واجبًا في مواضع -أكثر فيها شراح الألفية- من أهمها:
1-
مصادر وردت في اللغة منصوبة دائما دون أن تستعمل معها أفعال أبدًا، مثل:"سُبحانَ اللهِ، معاذَ الله، وَيْحه، وَيْلَه، أيضًا".
2-
مصادر استعملت في اللغة في أسلوب الخبر منصوبة -دون أفعال- ودلت القرائن على أفعالها، كأن يقول من يحمد الله ويشكره:"حمدًا وشكرًا لا كفرا" وقول من يواسي نفسه: "صَبْرًا لا جزعًا".
3-
المصادر التي تدل على الطلب، بأن تكون خطابا من شخص لآخر يطلب منه شيئا بواسطة "الأمر، النهي، الاستفهام، الدعاء" ومن ذلك:
- قول أعشى همدان يصف بعض اللصوص:
يمرُّون بالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهم
…
ويَرْجِعْنَ من دارين بُجْرَ الحقَائبِ
على حين ألْهَى النَّاسَ جُلُّ أمورِهم
…
فَنَدْلًا زُرَيْقُ المالَ ندْلَ الثعالبِ1
- ما ورد عن العرب في التوبيخ من قولهم: "أتوانيًا وقد علاك المشيب".
1 الدهنا أو الدهناء: -كما جاء في القاموس- الفلاة وعين لتميم بنجد، عيابهم "العياب" هي أوعية الثياب كالجراب والحقيبة، دارين: مدينة بالبحرين بها سوق للتجارة، بجر الحقائب: حقائبهم ممتلئة مما سرقوه، ندلا: خطفا في سرعة وخفة كما هي عادة اللصوص، زريق: اسم واحد من اللصوص وربما كان اسما رمزيا.
يصف هؤلاء اللصوص: بأنهم يمرون "بالدهناء" وحقائبهم فارغة، ويعودون من "دارين" وحقائبهم ممتلئة، وأنهم حين يسرقون يستغلون انشغال الناس بأمورهم لينادي أحدهم الآخر فيقول له: يا زريق، اخطف المال في خفة كخفة الثعالب.
الشاهد: في "ندلا" فإنه مفعول بفعل محذوف وجوبا تقديره "اندل".
- ما ورد عن العرب من قولهم في الدعاء "سَقْيًا لك ورَعْيًا".
4-
المصادر التي تقع بعد "إمَّا: التفصيلية" منصوبة، كقول القرآن:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 1.
وقول الشاعر:
لأجْهَدَنَّ فإما رَدَّ واقعة
…
تُخْشَى وإمَّا بُلُوغَ السُّؤلِ والأمَلِ2
5-
أن يجيء المصدر "مكررًا، أو، محصورًا" وقد تقدمه "مبتدأ اسم ذات" وحين يقدر العامل المحذوف يكون خبرا عن هذا "المبتدأ" مثل "أهرامُ الجيزة دلالةً دلالةً على صبر الإنسان المصري وإيمانه، وإنَّما أبو الهول رمزًا للعقل والقوة" بنصب الكلمات "دلالةً، دلالةً، رمزًا".
6-
المصدر الذي يفهم معناه من جملة سابقة عليه، سواء أكان هذا الفهم نصا أم احتمالا، وقد مثل لذلك صاحب الألفية بالمثالين "له عليَّ ألفٌ اعترافًا" و "أنت ابني حقا".
7-
المصدر الذي يدل على معنى متجدد، ويحمل معني المشابهة -في قوة المشبه به- وتقدمته جملة كاملة فيها من ينسب له معنى المصدر -صاحب المصدر- وهو أسلوب كثير الاستعمال في مقام التهويل والتفخيم مثل:"كان لهذا الشعب الغاضب هديرٌ هديرَ الموج، وسمع له زئيرٌ زئيرَ الأسود، بل إن له إرادةً إرادةَ الله".
1 من الآية 4 من سورة محمد.
2 المعنى: لأبذلن غاية جهدي، ولن يذهب جهدي عبثا، لأني إما أن أدفع ما يخاف منه، وإما أن أبلغ ما أريده، وكلاهما مفيد.
الشاهد: في "إما رد واقعة" فإن "رد" مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا لوقوعه بعد "إما" التفصيلية، ومثله تماما "وإما بلوغ السؤل".