الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب النُّدْبة:
1-
المقصود بأسلوب الندبة كما يراه النحاة.
2-
الصور التي ترد عليها جملة الندبة في الاستعمال العربي.
- صاحت السيدة زينب رضي الله عنها بعد موقعة كربلاء: "وَا مُحَمَّدَاه، هذا الحسينُ بالعَراء، وبناتُكَ سَبَايَا، وذرّيّتُكَ مُقَتَّلَة، تَسفِي عليها الصَّبا".
- صاحت البسوس حين علمت بقتل ناقتها: وا ذُلَّاه يا بني بكر إنَّكم رِعَاع وضيفكم مُضاع.
- صاحت امرأة مسلمة أسيرة في وجه من أسروها من الروم: وا مُعْتَصِمَاه وا مُعْتَصِمَاه.
- من العبارات الشائعة: وا ثكلاه، وا إسلاماه، وا أُمَّاه، وا قلباه، وا رأساه، وا ظهراه، وا حسرتاه.
أسلوب الندبة:
جاء في القاموس المحيط: "ندب الميت، إذا بكى عليه وعدّد محاسنه"، فالبكاء على الميت والحديث عنه أثناء هذا البكاء يسمى "ندبًا له" وهذا المعنى هو الذي يشير إليه الشاعر بقوله:
رأيتُ رجالًا يكرهون بناتِهم
…
وفيهنَّ لا تُعْدَمْ نساءٌ صوالحُ
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى
…
نوادِبُ لا يَمْلَلْنهُ ونوائحُ
وحتى الآن نسمع في القرى عن "الندابة" وهي التي تغشى المآتم فتشعل قلوب النساء نارا، وتستدر دموعهن مدرارًا، بما تقوله عن الميت من كلام مؤثر ومثير.
أما أسلوب الندبة لدى النحاة فيحدده ابن هشام بقوله: المندوب هو المنادى المتفجَّع عليه أو المتوجَّع منه ا. هـ.
وأسلوب الندبة إذن هو الأسلوب الذي يشتمل على منادى متفجع عليه أو متوجع منه، والذي يستعمل له من حروف النداء هو:"وا" مطلقا أو "يا" إذا فهم من الأسلوب الندبة.
والمتفجع عليه عادة هو الميت حقيقة كما يقول الحزين لفقد أمه: "وا أماه" وقد يكون المتفجع عليه حيًّا، لكنه ينزل منزلة الميت، لأنه لم يقم بعمل كان من الواجب أن يقوم به، فيجعل حينئذٍ بمنزلة الميت، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نفسه وقد أخبر بجدب أصاب المسلمين:"وا عُمَرَاه، وا عُمَرَاه" يقول ذلك متفجعا على نفسه، فكأنه مفقود، وكما قالت المرأة المسلمة في أسر الروم:"وا معتصماه، وا معتصماه" تعتبره مفقودا، لأسرها وإهانتها من أعداء المسلمين وهو خليفة للمسلمين.
وأما المتوجع منه فقد يكون مكان الألم، كقولنا:"وا قلباه، وا ظهراه" وقد يكون المتوجع منه ما يثير الألم، كقولنا:"وا مصيبتاه، وا هزيمتاه".
صور جملة الندبة:
الصور التي ترد عليها جملة الندبة ثلاث مرتبة في الاستعمال العربي على الترتيب التالي:
الصورة الأولى: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلة به ألف الندبة التي تقتضي فتح ما قبلها، ثم تلي الألف هاء تسمى "هاء السكت" ساكنة حين الوقف ومتحركة حين الوصل! وذلك كقولنا:"وا رأسَاه، وا ذُلَّاه" وقول المتنبي:
وا حرَّ قلباه ممّن قَلبُه شبم
…
ومن بجسمِي وحَالِي عنده سَقَمُ1
الصورة الثانية: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلا به ألف الندبة دون هاء السكت، كقولنا:"وا رأسَا، وا ذلَّا" ومن ذلك قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز:
حُمّلْتَ أمرًا عظيما فاصْطَبَرْتَ له
…
وقمتَ فيه بأمرِ الله يا عُمَرَا2
وقول المجنون:
فوا كبِدا من حُبِّ من لا يحبُّني
…
ومن عَبَرَاتٍ ما لهنَّ فَنَاءُ3
الصورة الثالثة: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب المنادى فقط دون ألف أو هاء، وحينئذٍ يعامل المنادى المندوب معاملة المنادى
1 الشبم: "بكسر الباء" البارد، حالي: ما عليه الإنسان من خير وشر، ويقصد: النفس، السقم:"بفتح السين والقاف" المرض.
يندب حظه وقلبه، فقلبه حار متوقد، وقلب حبيبه بارد خامد، ويقول إنني سقيم النفس والجسد ولا أحد مثلي.
موضع التمثيل: قوله: "وا حر قلباه" حيث اتصل بآخر المندوب الألف وهاء السكت، وأصل العبارة "وا حر قلب".
2 أمرا عظيما: الخلافة وأمر المسلمين وأمانة الأمة، اصطبرت له: تحملت مشقة حمله.
الشاهد: في "يا عمرا" حيث أدخل على المندوب ألف الندبة في آخره دون الهاء.
3 العبرات: الدموع الحارة، ما لهن فناء: ما لهن انتهاء.
الشاهد: في "وا كبدا" فالمندوب مكان الألم "الكبد"، وقد لحق بآخره ألف الندبة فقط.
الأصلي تمامًا، فيبنى على الضم إذا كان مفردا، كقولنا:"وا محمدُ" وينصب إذا كان مضافًا، كقولنا:"وا أميرَ الشعراء" وما يمثل به النحاة من قولهم: "وا أميرَ المؤمنين".
هذه الصور -كما ترى- تختلف في استعمال المندوب من حيث اتصال الألف والهاء به أو اتصال الألف به فقط، أو تجرده منهما معا.
والصورة الأولى أكثر استعمالا، تليها الثانية في الكثرة والأخيرة أقلها ولعل السبب في ذلك أن المقام الذي يرد فيه هذا الأسلوب هو -كما سبق- مقام التفجع، والتوجع، فيحتاج لإطالة الصوت واتصال الأنين والصورة الأولى أنسب لذلك، تليها الثانية، ثم الثالثة.