المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ظنَّ وأخواتها: 1- الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين "معانيها، شواهدها، - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌ظنَّ وأخواتها: 1- الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين "معانيها، شواهدها،

‌ظنَّ وأخواتها:

1-

الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين "معانيها، شواهدها، صورها"

2-

المقصود بالمصطلحات النحوية الثلاثة "الإعمال، الإلغاء، التعليق"

3-

إجراء القول مجرى الظن

الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر:

لاحظ الأمثلة الآتية:

علمتُ الصدقَ منجيًا.

ووجدتُ الكذبَ مهلكًا.

وأظن ذلك بدهِيًّا.

في الأمثلة السابقة: الأصل في الجمل أنها مكونة من مبتدأ وخبر، هما على التوالي في الأمثلة "الصدق منج، الكذب مهلك، ذلك بدهيّ" ثم دخلت عليها الأفعال الناسخة "علم، وجد، أظن" بعد أن استوفت فاعلها فنصب -في كل مثال- المبتدأ مفعولا أولا، والخبر مفعولا ثانيا.

وينبغي التعرف على هذه الأفعال ومعانيها إجمالا وتفصيلا مع إيراد بعض الشواهد لها من الكلام العربي.

تنقسم أفعال الباب كلها إلى قسمين رئيسين "أفعال القلوب" و"أفعال التصيير والتحويل" وإليك تفصيل الحديث في هذين النوعين:

ص: 317

أولا: أفعال القلوب:

ويقصد بها ما يدل على معنى يعود إلى قلب الإنسان مثل "العلم والظن" وهذه الأفعال صنفان:

الصنف الأول: أفعال اليقين:

وهي التي تقيد التحقق من نسبة الخبر للاسم، كقولك:"علمتُ اللهَ موجودًا" فنسبة الوجود لله أمر محقق باستخدام الفعل "علم"، وأهم هذه الأفعال ستة هي "رَأى، عَلِمَ، وَجَدَ، دَرَى، ألْفَى، تَعَلَّم بمعنى اعْلَمْ".

1-

رأى: من رؤية القلب لا من رؤية البصر، فهي التي تفيد العلم لا المشاهدة فإن الأخيرة تنصب مفعولا واحدًا فقط، ومثال "رأى" العلمية قول خداش بن زهير:

رأيتُ اللهَ أكبرَ كُلِّ شيءٍ

محاولةً وأكثرَهم جُنُودا1

2-

عَلِمَ: كقول الشاعر:

علمتُكَ الباذِلَ المعروف فانبعثتْ

إليك بِي وَاجِفَاتُ الشَّوْقِ والأملِ2

1 الشاهد: في "رأيت الله أكبر كل شيء" فإن "رأى" بمعنى "علم" تنصب مفعولين، وأولهما كلمة "الله" وثانيهما كلمة "أكبر".

2 واجفات: جاء في القاموس: وجف بمعنى اضطرب، الواجف المضطرب ومن لوازم الاضطراب الاهتزاز، فالمقصود بواجفات الشوق والأمل: هزات الشوق والأمل.

الشاهد: في "علمتك الباذل المعروف" فإن "علم" ينصب مفعولين الأول ضمير المخاطب، والثاني "الباذل".

ص: 318

3-

وَجدَ: كقول القرآن: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} 1.

4-

دَرَى: كقولك: "دريتُ الخبرَ صحيحًا".

5-

ألفَى: بمعنى "وجد، علم" كقول القرآن: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} 2.

6-

تَعَلَّمْ: بمعنى "اعْلَمْ" وهو ملازم للأمر -وسيأتي ذلك- كقول رياد بن سيَّارَ:

تَعَلَّمْ شِفاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّها

فبالغْ بلُطفٍ في التَّحَيُّلِ والمَكْرِ3

الصنف الثاني: أفعال الرجحان:

وهي التي تفيد التردد بين نسبة الخبر للاسم وعدم نسبته له، وإن كان الأرجح نسبته له، وذلك "كالظن والزعم" ونحو ذلك، تقول: "اليومَ أظن

1 من الآية 30 سورة المزمل.

2 من الآية 69 سورة الصافات.

3 اعلم أن النفس الحرة يريحها قهر عدوها، فاسلك لذلك كل ما تقدر عليه من وسائل المكر والحيلة.

الشاهد: في الشطر الأول "تعلم شفاء النفس قهر عدوها" فإن الفعل "تعلم" بمعنى "اعلم" ينصب مفعولين، الأول "شفاء النفس" والثاني "قهر عدوها".

ص: 319

الجوَّ باردا وأحسبُ المطرَ منهمرا" وأهم هذه الأفعال سبعة "ظَنَّ، حَسِبَ، خَالَ، زَعَمَ، عَدَّ، حَجَا، هَبْ، بمعنى: افْرِض".

1-

ظَنَّ: كقولك "أظنُّ الفوزَ مؤكدًا مع أنَّ الجهدَ شاقٌّ".

2-

حَسِبَ: كقول لبيد:

حسبتُ التُّقَى والجودَ خيرَ تجارةٍ

ربَاحًا إذا ما المرءُ أصبح ثَاقِلا1

3-

خَالَ: بمعنى "ظنَّ" ومضارعه "يخَالُ" بخلاف "خَالَ" بمعنى "سَاسَ ورَعَى" فمضارعه "يخُولُ" وليس مما نحن فيه، ومن شواهد الناصب للمفعولين:

إخالُكَ إن لم تغضُض الطَّرْفَ ذَا هوى

يَسُومُك ما لا يُستطاعُ من الوَجْدِ2

1 الناقل: الميت، فالبدن خفيف ما دام به الروح، فإذا خرج الروح ثقل.

يقول: حين يموت المرء فخير ما يربحه من دنياه التقى والجود، هكذا حسب لبيد.

الشاهد: في الشطر الأول "حسبت التقى والجود خير تجارة" فإن الفعل "حسب" من أفعال الرجحان ينصب مفعولين، الأول "التقى والجود" والثاني "خير تجارة".

2 إخال: مضارع "خال" للمتكلم، وينطق بكسر الهمزة وفتحها، تغضض الطرف: تصرف النظر عن الحسان ومفاتنهن، يسومك: يكلفك ويحملك.

يقول: إذا لم تصرف عينيك عن الحسان، فأظن أنك ستقع في الحب، وحينئذٍ تتحمل من تباريحه وجدا فوق الطاقة.

الشاهد: "إخالك ذا هوى" فإن "إخال" من أفعال الرجحان ينصب المفعولين، الأول ضمير المخاطب، والثاني "ذا هوى".

ص: 320

4-

زَعَمَ: كقولك "زعم الجاحدون القرآنَ كلامَ البشَر".

5-

عَدَّ: بمعنى "ظن وحسب" لا بمعنى "ذكر مقدار الأعداد" تقول "عددتُ الصداقةَ وفاءً فخانني الصَّديق" فهذه تنصب المفعولين بخلاف "عددت ما معي من النقود" بمعنى "أحصيته" فلا تنصب إلا مفعولا واحدا، ومن شواهد الناصبة للمفعولين قول النعمان بن بشير:

فلا تعدُد المولَى شريكَك في الغنى

ولكنَّما المولى شريكُك في العُدْمِ1

6-

حَجَا: بمعنى "ظن وحسب" أيضًا لا بمعنى "غلب في المحاجاة" وهي الجدل، تقول:"حجوتُ العهدَ ثقةً، فضَاعتْ الثقة" فهذه تنصب مفعولين، بخلاف "حجوتُ المجادِلَ" بمعنى "أفحمته وغلبته" فإنها تنصب مفعولا واحدا.

7-

هَبْ: بمعنى "افرِضْ" ومعناها بالنسبة للمخاطب: افرضْ مرجحا نسبة الخبر للاسم، كقولك "هَبْ قولَك صحيحا فما الرأي!! " وهذه تنصب مفعولين، بخلاف "هَبْ" بمعنى "أعْطِ" كقولك "هبْ مالا للفقراء"

1 لا تعدد: لا تحسب، المولى: من معانيه الصديق والحليف، العدم: الفقر.

يقول: ليس الصديق صديق اليسر والغنى، بل الصديق الحق صديق العسر والفقر.

الشاهد: في الشطر الأول "لا تعدد المولى شريكك في الغنى" فإن "تعدد" مضارع "عد" بمعنى "حسب" وهي من أفعال الرجحان تنصب مفعولين الأول "المولى" والثاني "شريك".

ص: 321

فهذه تنصب مفعولا واحدا، ومن شواهد التي تنصب مفعولين قول عقبة بن هبيرة الأسدي يخاطب معاوية:

فهبْها أمَّةً هلكتْ ضَيَاعًا

يزيدُ أميرُها وأبو يزيدِ1

ثانيا: أفعال التعبير والتحويل:

وهي التي تفيد تحول معنى الاسم إلى معنى الخبر، تقول:"صيَّرَ النجَّارُ الخشَبَ كرسيًّا وجعلَ الصائغُ الذهبَ قِلادةً"، فمن البيّن أن الخشب قد تحول -بالصنعة- إلى كرسي، وأن الذهب قد تحول -بمهارة الصائغ- إلى قلادة، وأهم أفعال التصيير والتحويل سبعة هي "صَيَّرَ، جَعَلَ، اتَّخَذَ، تَخِذَ، رَدَّ، تَركَ، وَهَبَ".

1-

صيَّرَ: كقولك: "صيرتُ الصّدقَ عادةً لي".

2-

جَعَلَ: بمعنى "صيّر" كقولك لصديق مريض: "جعلني الله فداءك" ومن ذلك قول القرآن: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} 2.

3-

اتَّخَذَ: بمعنى "صيّر" أيضًا، كقولك:"اتخذْتُ الضّميرَ هاديًا في سلوكي واتخذتُ العقلَ مرشدًا في تفكيري" ومن ذلك قول القرآن: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3.

1 هب بمعنى "افرض" وهي في البيت نصبت مفعولين، الأول "ضمير الغائبة" والثاني كلمة "أمة".

2 الآية 23 سورة الفرقان.

3 من الآية 125 سورة النساء.

ص: 322

4-

تَخِذَ: بفتح التاء وكسر الخاء، وبذلك قرئت الآية:{قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 1.

5-

رَدَّ: بمعنى "حوّل" كما رُوِيَ من قول عبد الله بن الزبير:

رَمَى الحِدْثانُ نسوةَ آلِ حربٍ

بمقْدارٍ سَمَدْنَ له سُمُودَا

فردَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضًا

ورَدَّ وجوهَهنَّ البيضَ سودَا2

6-

تَرَكَ: بمعنى "صيَّر" والمقصود بذلك أنه صار على صفة الخبر، ثم ترك بعد ذلك وصرف النظر عنه.

كقول أحد بني مرة يعتب على ابنه العاقّ:

وربّيْتُهُ حتى إذا ما تركتُه

أخا القومِ واستغْنى عن المسْحِ شاربُه

فلما رآني أُبصرُ الشخصَ أشخُصًا

قريبا وذا الشَّخصَ البعيدَ أقارِبُه

تغمَّط حقي باطلًا ولَوَى يدي

لَوَى يدَهُ اللهُ الذي هو غالبُه3

1 من الآية 77 سورة الكهف.

2 الحدثان بكسر الحاء وسكون الدال: نوازل الدهر ونوائبه، المقدار: حادث القدر غير المنتظر، سمدن: وقفن متحيرات حزينات.

الشاهد: في البيت الأخير كله، حيث استعملت "رد" من أفعال التصيير والتحويل، فنصبت في كلتا الشطرتين مفعولين.

3 استغنى عن المسح شاربه، المقصود: أنه شب وقام بشئونه وحده، أبصر الشخص أشخصًا: كناية عن ضعف البصر، وأيضًا "ذا الشخص البعيد أقاربه"، فهو لا يرى البعيد إلا بالقرب منه، ويرى القريب مهتزا أمام عينيه فكأنه كثير، تغمط حقي: أضاعه واحتقره يقول: ربيته حتى استغنى بنفسه، وصار له شأن بين قومه، فلما كبرت وضعف بصري، أضاع حقي، وأهانني، ومنه لله!! والله قوي يعاقبه على عقوقه وجهله.

الشاهد: قوله "تركته أخا القوم" فإن الفعل "ترك" بمعنى "صير" ينصب مفعولين، أولهما "ضمير الغائب" وثانيهما "أخا القوم".

ص: 323

7-

وَهَبَ: بمعنى "جعل" ويذكر شاهدًا لذلك العبارةُ المشهورة "وَهَبَنِي اللهُ فداك" بمعنى "جعلني الله فداك" وهذا الفعل ملازم للماضي.

صورها، تصرفها:

لاحظ ما يلي:

- ظن، يظُنُّ، ظُنَّ، ظنَّا، ظانّ، مظنون.

- علم، يعْلم، اعلمْ، علْمًا، عالم، معلوم.

الأفعال التي تنصب مفعولين جميعًا -سواء في ذلك أفعال القلوب بنوعيها: اليقين والرجحان، أم أفعال التصيير والتحويل- تتصرف تصرفًا كاملًا فيأتي منها الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وفائدة ذلك نحويًّا أن كل ما تصرف منها ينصب معه المفعولان أيضًا -تمامًا كما هو الشأن مع الماضي- تقول:"يعلمُ المؤمنُ لقاءَ الله حقًّا، أما الجاحدُ فظانٌّ الحياةَ عبثًا وزاعمٌ النشورَ خرافةً".

لكن يستثنى من هذا الحكم السابق ثلاثة أفعال جامدة لا تتصرف حين استعمالها في هذا الباب، وهي:

1-

تعلم: من أفعال اليقين، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الأمر.

ص: 324

2-

هَبْ: من أفعال الرجحان، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الأمر.

3-

وَهَبَ: من أفعال التصيير، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الماضي.

هذا، وينبغي في نهاية هذا العرض الذي طال للتعرف على هذه الأفعال التنبه للملاحظتين الآتيتين:

الأولى: "أن واسمها وخبرها" تأتي كثيرًا مع بعض هذه الأفعال فتسد مسدّ المفعولين، كقولك:"علمت أنَّ الحلمَ قوةٌ، ورأيت أنّ الحمقَ ضعفٌ"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:

فقلتُ تعلَّمْ أنّ للصّيدِ غِرَّةً

وإلا تُضيِّعْها فإنك قاتلُه1

فتكون "أن للصيد غرة" في محل نصب سدت مسد مفعولي "تعلَّمْ".

ومن ذلك أيضًا قول عبيد الله بن مسعود:

1 غرة: غفلة.

البيت صورة رائعة يمكن أن تكون مثلا، يقول:"إن للصيد غفلة، فإذا لم تضيعها ورميته، قتلته" وهذا المعنى يمكن قوله في كل موقف في الحياة "فيه تحين الفرصة واستغلالها".

الشاهد: في "تعلم أن للصيد غرة" فإن الفعل "تعلم" بمعنى "اعلم" من أفعال اليقين ينصب المفعولين، وقد سدت "أن واسمها وخبرها" مسدهما في قوله "أن للصيد غرة".

ص: 325

فذُقْ هجْرَها قد كُنتَ تزعمُ أنّه

رشادٌ ألا يا رُبّما كذبَ الزَّعْمُ1

فتكون "أنه رشاد" في محل نصب سدت مسد مفعولي "تزعم".

الثانية: جاء في شذور الذهب ما يلي نصًّا:

"ظن" بمعنى "اتَّهم" تتعدى لواحد، نحو قولك:"عُدِمَ لي مالٌ فظننتُ زيدًا" ومنه قول الله تعالى: "وما هو على الغيب بظنين" أي ما هو بمتهم على الغيب، وأما من قرأ بالضاد، فمعناه: ما هو بخيل، وكذلك "عَلِمَ" بمعنى "عَرَف" نحو:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} ، و "رأى" من "الرّأي"، كقولك:"رأى أبو حنيفةَ حِلَّ كذا أو حُرمتَه" و "حَجَا" بمعنى "قصد" نحو "حجوتُ بيتَ الله"، ومن "وَجَد" بمعنى "حزِن أو حقَد" فإنهما لا يتعديان بأنفسهما، بل تقول:"وَجَدْتُ على الميت" و"وَجَدْتُ على المسيء" ا. هـ.

ومضمون هذا النص باختصار: أن أفعال هذا الباب إذا خرجت عن المعاني العامة التي سبق ذكرها -لم تكن قلبية أو للتحويل- لا تكون من هذا الباب، فلا تنصب مفعولين، بل تكون -مما ورد في النص- كما يلي:

1-

ما ينصب واحدًا فقط، وذلك "ظن: بمعنى اتَّهم، عَلِمَ: بمعنى عرف، رأى، من الرّأي، حَجَا: بمعنى قصد".

1 يقول: كنت تزعم أن هواها هدى، وكثيرًا ما يكذب الزعم، لقد هجرتك، والهجر عذاب تذوقه الآن.

الشاهد: "تزعم أنه رشاد" فإن الفعل "تزعم" ينصب مفعولين، وقد سدت مسدهما "أن واسمها وخبرها" في "أنه رشاد".

ص: 326

2-

ما لا ينصب شيئا أصلا، وذلك "وجد: بمعنى حزن أو حقد".

الإعمال والإلغاء والتعليق:

هذه المصطلحات الثلاثة خاصة بأفعال القلوب المتصرفة ولا شأن لها بأفعال التصيير ولا بأفعال القلوب غير المتصرفة "هبْ، تعلَّمْ" فلنلاحظ الأمثلة الآتية:

- وجدتُ الخبرَ صادقًا.

إعمال.

- الخبر -وجدتُ- صادقٌ.

- والإشاعةُ كاذبةٌ علمتُ.

إلغاء.

- ما يدري القاضي أحكْمُه صوابٌ أم خطأ؟ لكنه مجتهد

- ولا يعلم الإنسانُ ما العاقبةُ عند الله؟ لكنه يعمل

تعليق.

الإعمال:

معناه وجوب نصب المفعولين، ويكون ذلك إذا تقدمت هذه الأفعال على المفعولين جميعًا، كالمثال السابق "وجدت الخبر صادقًا".

الإلغاء:

معناه إلغاء نصب المفعولين لفظًا وتقديرًا: فتعود الجملة مرة ثانية إلى باب المبتدأ والخبر -ويكون ذلك إذا توسطت هذه الأفعال بين المفعولين أو تأخرت عنهما، كالمثالين السابقين "الخبر، وجدت، صادق" و "الإشاعة كاذبة علمت"، ومن شواهد التوسط قول منازل بن ربيعة:

أبا لأراجيز يا بن اللُّؤم تُوعدُني

وفي الأراجيز خلْتُ اللؤمُ والخَورُ1

1 الأراجيز: جمع أرجوزة، وهي المنظومة من بحر الرجز، توعدني تتهددني، الخور: الضعف.

يسخر ممن هدده بشعر من بحر الرجز، مقررًا أن الرجز صنعة اللؤم والضعف.

الشاهد: في الشطر الثاني "في الأراجيز، خلت، اللؤم والخور" حيث توسطت "خلت" بين المفعولين، فعادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر؛ لأن الفعل قد ألغي بالتوسط، والجملة في الأصل هي "في الأراجيز اللؤم والخور".

ص: 327

ومن شواهد التأخير قول الشاعر:

القومُ في أثرِي ظننتُ فإن يكنْ

ما قد ظننتُ فقد ظفرتُ وخابُوا1

ومن ذلك أيضا قول أبي أسيدة الدّبيري يشكو رئيسي قبيلته اللذين يستأثران بالغنى ولا يفيدان القبيلة خيرا، وأنهما بهذا الغنى يتسلطان ويسودان:

وإنّ لنا شيخين لا ينفعاننا

غنيَّين لا يُجدي علينا غناهما

هما سيِّدانا يزعمان وإنما

يسودانِنَا إنْ أيسرَتْ غَنَمَاهما2

وهنا ينبغي التنبه إلى أن الإلغاء -مع التوسط والتأخير- جائز لا واجب

1 الشاهد: في "للقوم في أثري ظننت" فقد جاء الفعل "ظننت" متأخرا عن المفعولين، فألغي، وعادت جملة "القوم في أثري" إلى باب المبتدأ والخبر.

2 الشاهد: في البيت الثاني "هما سيدانا يزعمان" حيث تأخر الفعل "يزعم" عن المفعولين فألغي، وعادت جملة "هما سيدانا" إلى المبتدأ والخبر.

ص: 328

إذ يصح الإعمال، فتقول:"الخبرَ وجدتُ صادقًا" أو "الخبرَ صادقًا وجدتُ".

التعليق: معناه إبطال العمل في اللفظ دون التقدير، ويكون ذلك إذا اعترض بين هذه الأفعال وبين المفعولين ما له صدارة الكلام، حينئذٍ يمتنع تأثيرها لفظا، ويبقى تأثيرها في التقدير أو المحل، وهذا غريب!!

ومن أهم الأمور التي تعترض بين هذه الأفعال والجملة بعدها، فتؤدي إلى التعليق -بمعناه السابق- ما يتخلص في الآتي:

أ- أدوات الاستفهام، سواء أكانت حروفًا أم أسماء، كقول القرآن عن أهل الكهف:{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} 1 وقوله: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} 2.

ب- حروف النفي "ما، لا، إنْ" كقولنا في النصح: "اعْلمْ ما الكذبُ أسلوبُ الأقوياء" وكذلك "أظنُّ لا الكذبُ مفيدٌ مرتكبَه ولا النّفاق".

ج- لام الابتداء الداخلة على المبتدأ، كقولنا "أعلمُ لَلحريَّةُ في حاجةٍ إلى مستوى راقٍ من النفوس".

د- لام القسم -أي اللام التي تأتي في جواب القسم- كقول لبيد:

ولقد علمتُ لتأتيَنَّ منيَّتي

إنّ المنايا لا تطيشُ سهامها3

1 من الآية 12 سورة الكهف.

2 من الآية 227 سورة الشعراء.

3 المنايا: جمع "منية" وهي الموت، لا تطيش سهامها: لا تخطئ والمقصود: أن الموت لا بد منه.

الشاهد: في "علمت لتأتين منيتي" فإن الفعل "علمت" معاق عن العمل بواسطة لام القسم في "لتأتين منيتي" فإن اللام الواقعة في أول هذه الجملة تسمى "لام جواب القسم" وأصل الكلام "والله لتأتين منيتي".

ص: 329

قال أصحاب صناعة النحو: والدليل على أن هذه الأفعال المعلّقة عاملة في التقدير أنه يعطف على الجملة بعدها بالنصب، ولولا أنها منصوبة تقديرًا ما صح هذا العطف، وذلك كقول كثير عزَّة:

وما كنت أدْرِي قبلَ عزَّةَ ما البُكَا

ولا مُوجِعَاتِ القلبِ حتَّى تولّتِ1

فجملة "ما البكا" مكونة من مبتدأ وخبر في محل نصب بالفعل المعلق "أدري" وكلمة "موجعات" معطوفة عليها، وهي منصوبة بالكسرة.

ومن الطريف أن يذكر هنا ما قاله "ابن هشام" تعليقا على هذا المصطلح الأخير -التعليق- قال: سمّي ذلك تعليقًا؛ لأن العامل ملغى في اللفظ وعامل في المحل فهو عامل لا عامل؛ فسمي معلقا أخذا من المرأة المعلقة -التي أساء إليها زوجها فأهملها دون أن يطلقها، فلا هي مزوَّجة ولا هي مطلقة- ولهذا قال ابن الخشاب -أحد النحاة- لقد أجاد أهل هذه الصناعة في وضع هذا اللقب لهذا المعنى ا. هـ.

هذا، وقد أشكل على هذه المصطلحات السابقة البيتان الآتيان:

1 دلت كلمة "موجعات" على أن الفعل المعلق عامل في المحل لا في اللفظ فهي معطوفة على الجملة عنها الفعل وهي "ما البكا" ولولا أن هذه الجملة في محل نصب، ما نصبت كلمة "موجعات".

ص: 330

- قول زهير بن أبي سلمى:

أرجو وآمُلُ أن تدنو مَوَدَّتُها

وما إخَالُ لدينا منك تَنْوِيلُ1

فقد وردت جملة "لدينا منك تنويلُ" هكذا بالرفع، دون وجود ما يقتضي الإلغاء أو التعليق للفعل "إخَال".

- قول الشاعر:

كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خُلُقِي

أنِّي وَجَدْتُ مِلاكُ الشّيمةِ2 الأدبُ

فقد وردت جملة "ملاكُ الشيمة الأدبُ" هذا بالرفع، دون وجود ما يقتضي الإلغاء أو التعليق للفعل "وجد".

وقد خضع هذان البيتان لتخريج الصنعة النحوية كما يلي:

1 رجاء بلا تحقق.. إنه يرجو قرب مودتها، لكنها لا تنيله ذلك، هكذا يظن.

الشاهد: في الشطر الثاني "ما إخال لدينا منك تنويل" حيث وردت الجملة بعد الفعل "إخال" مرفوعة، وليس هناك ما يستوجب الإلغاء أو التعليق، والرد أن هذه الجملة في موضع المفعول الثاني، والمفعول الأول ضمير الشأن محذوف أو أن الجملة معلقة بلام ابتداء محذوفة.

2 الشيمة: الطبيعة والجبلة.

الشاهد: في الشطر الثاني "وجدت ملاك الشيمة الأدب" فقد جاءت الجملة بعد الفعل "وجدت" مرفوعة بدون إلغاء ولا تعليق، والرد مثل ما قيل عن البيت السابق مباشرة.

ص: 331

أولا: أن ذلك أسلوب إعمال: والمفعول الأول ضمير الشأن محذوف والجملة الاسمية المذكورة في محل نصب هي "المفعول الثاني" وتقدير الكلام "وما إخاله لدينا منك تنويل" و "وجدتُه لَمِلاكُ الشيمة الأدبُ".

ثانيا: أن ذلك أسلوب تعليق: والمعلّق محذوف وهو "لام الابتداء" والجملة في محل نصب بالفعل قبلها، وتقدير الكلام "وما إخال لَدَينا منك تنويل" و "وجدت لَمِلاكُ الشيمة الأدبُ".

إجراء القول مجرى الظن:

الأصل في مادة "ق، و، ل" أي "قال، يقول، قُلْ، قَوْل، قائل

إلخ" أنها تدل على الحديث بشيء مفيد ذكره القائل، وهذا الحديث المفيد أقله جملة، سواء أكانت اسمية أم فعلية.

من أجل ذلك تفرد القول بصيغه المختلفة في النحو بحكم خاص هو أن مفعوله لا بد أن يكون جملة، ويطلق عليها نحويًّا "مَقُول القول" وربما جاء جملا متعددة ويطلق عليها جميعا أنها "مقول القول" أيضا، مثل "ممّا قال الرسول: الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ" ومثل "مما قاله أنس خادمه: خدمت النَّبي عشْر سنين فما قال لي أفٍّ قط".

هذا هو الأصل، لكن يخرج عن هذا الأصل استعمال خاص لهذه المادة حين تستعمل بمعنى "الظن" وبعبارة أوضح: حين تخرج عن معناها الأصلي الكثير الاستعمال الذي يعود إلى اللسان وهو "التحدث" إلى معنى

ص: 332

آخر يعود إلى القلب وهو "الظن" كما تسأل صديقك " أتقولُ العربَ مُتَّحدين بعد فُرْقَة؟؟ " ومعناه -كما هو واضح- "أتظن العربَ متحدين بعد فرقة؟ ".

ويبدو أن استعمالها في هذا المعنى الأخير إنما جاءها عن طريق ما يسمى "التضمين" وهو أن تحمل كلمة معنى كلمة أخرى، فتعامل معاملة تلك الكلمة الأخرى نحويا.

على كلّ، إذا جاء القول بمعنى الظن، فقد استعمل في اللغة -مع جملته- كما يلي:

أولا: أن يعامل باعتبار الأصل، فتكون الجملة بعده في محل نصب "مقول القول" كقولنا في المثال السابق:"أتقول: العرب متحدون بعد فرقة؟ ".

ثانيا: يجوز إلى جوار الوجه السابق أن يعامل باعتبار معناه الذي طرأ عليه وهو "الظن"، فينصب المبتدأ والخبر بعده مفعولين، وذلك على التفصيل التالي:

أ- قبيلة بني سُليم، روي عنها نطق المفعولين منصوبين مطلقا، ومعنى الإطلاق أنه لا شروط في صيغة القول نفسها ولا في الجملة التي ترد فيها فما دامت بمعنى "الظن" فإنه يصح نصب المفعولين، فعلى لغتهم يقال:"قُلتُ: الجوَّ دافئا فإذا به باردٌ" ويقال: "قل الخيرَ في جانب الله".

ب- معظم قبائل العرب لا ينصب في نطقها المبتدأ والخبر إلا في جملة اجتمع لها صفات أربع تجمعها العبارة التالية "أن يكون القول فعلا مضارعا للمخاطب، تقدم عليه استفهام، ولا فاصل بينه وبين الفعل إلا الظرف أو الجار والمجرور".

ص: 333

فإذا استوفى هذه الشروط صح فيه نصب المفعولين بالإضافة إلى اعتبار الأصل، وإلَّا فإنه يجب اعتبار الأصل فقط، ومن شواهد ذلك ما يلي:

- قول هدبة بن خشرم العذري:

متى تقولُ القلصَ الرَّوَاسِمَا

يُدْنِينَ أمَّ قاسمٍ وقاسما1

وهذا مستوف الشروط الأربعة.

- قول الشاعر:

أبعْدَ بُعْدٍ تقولُ الدَّارَ جامعة

شمْلِي بهم أم تقولُ البُعْدَ محتوما2

والشطر الأول مستوف الشروط -مع الفصل بالظرف- والشطر الثاني مستوف الشروط تمامًا.

1 القلص: الإبل الشابة، الرواسم: السريعة السير.

الشاهد: إجراء القول مجرى الظن في "تقول القلص الرواسما يدنين أم قاسم وقاسما" وقد استوفى الشروط، فنصب مفعولين، أولهما "القلص" وثانيهما الجملة الفعلية "يدنين".

2 أجرى في هذا البيت القول مجرى الظن في الشطر الأول "أبعد بعد تقول الدار جامعة" وقد استوفى الفعل الشروط، فنصب المفعولين، الأول "الدار" والثاني "جامعة" مع أنه فصل بين الفعل والاستفهام بالظرف "بعد".

ص: 334