المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إن وأخواتها: 1- معاني الحروف الستة التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. 2- - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌إن وأخواتها: 1- معاني الحروف الستة التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. 2-

‌إن وأخواتها:

1-

معاني الحروف الستة التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر.

2-

ترتيب الجملة بعد هذه الحروف مع مقارنته بترتيبها مع "كان".

3-

كفها عن العمل وأثره في الإعراب ونوع الجملة بعدها.

4-

تخفيف النون المشددة للحروف الأربعة "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكنَّ".

5-

ما تختص به "إن" من الأحكام.

أ- دخول لام الابتداء في جملتها.

ب- كسر همزتها وفتحها وجواز الأمرين.

معاني الحروف الستة:

ينبغي أولا التنبه إلى أن هذه الحروف الستة: "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكنَّ، لَيْتَ، لَعَلَّ" ينصب المبتدأ بعدها ويرفع الخبر، وهي حروف لا أفعال، كما جاء في الأثر "إنّ البِرَّ شيءٌ هَيِّن: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن" فالمبتدأ وهو كلمة "البر" منصوب بعد "إن" والخبر وهو كلمة "شيء" مرفوع بعدها.

والمعاني التي ترد لها هذه الحروف الستة هي:

1-

إنّ

وتفيد التوكيد، ومعناه توكيد نسبة الخبر للاسم، حيث تفيد تثبيته في الذهن وتقويته، ويعبر عنها المعربون بقولهم:"إنَّ: حرف توكيد ناسخ ينصب الاسم ويرفع الخبر" تقول: "إنَّ العدلَ أساسُ النظام، وإن الرحمةَ أساسُ التَّعاطف".

ص: 284

2-

أنَّ

وتفيد تماما ما تفيده "إنَّ" المكسورة الهمزة، فهي أيضا للتوكيد، ويعبر عنها في الإعراب "أنّ: حرف توكيد ناسخ، ينصب الاسم ويرفع الخبر" لكن لا بد أن يسبقها كلام، تقول: "يساعدُ على النجاح أنَّ الهدفَ واضحَ ويحقِّق الهدفَ أنَّ العزيمةَ قويةٌ".

3-

كأنّ

وهي للتشبيه، فتفيد تشبيه معنى الاسم بالخبر، ويعبر عنها المعربون بقولهم:"حرف تشبيه ناسخ ينصب الاسم ويرفع الخبر" تقول: "كأنَّ الأرضَ كرةٌ" أو "كأنَّ الضبابَ سحابٌ".

4-

لكنَّ

وتفيد الاستدراك، ومعناه التعقيب على كلام سابق يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه، تقول:"قد يكونُ الطريقُ شاقًّا، لكنَّ الانتصارَ ممتعٌ".

5-

ليت

وتفيد التمني، ومعناه: طلب الأمر المستحيل حدوثه أو المتعذر حصوله عادة، ويعبر عنها المعربون بقولهم:"ليت: حرف تمنٍّ ناسخ، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر" تقول: "ليت الإنسانَ يكشفُ غايتَه قبل طريقه" أو "ليت السلم يعم الأرض"، ومن ذلك قول أبي العتاهية:

ألا ليت الشبابَ يعودُ يومًا

فأخبره بما فَعَلَ المشيب1

1 الشاهد في البيت: أن "ليت" أفادت التمني، وطلب الأمر المستحيل فلن يعود الشباب بعد المشيب أبدًا.

ص: 285

6-

لعلّ

تفيد معنى التوقع، وقد يكون التوقع للأمر المحبوب، فيسمى "الرجاء" وهذا أكثر ما تستعمل له "لعلَّ" وقد يكون التوقع للأمر المكروه فيسمى "الإشفاق" وذلك كقول الفلاح:"لعلَّ المحصولَ وفيرٌ لكنْ لعلَّ السعرَ رخيصٌ".

ترتيب الجملة بعد هذه الحروف:

إنّ التَّعَفُّفَ ثروةُ الفقير. "الترتيب على الأصل، أسلوب صحيح".

إنَّ ثروةُ الفقير التَّعَفُّفَ. "الخبر متوسط، أسلوب خطأ".

ثروةُ الفقيرِ إنَّ التَّعَفُّفَ. "تقدم الخبر، أسلوب خطأ".

الأصل أن تجيء جملة المبتدأ والخبر بعد هذه الحروف على الترتيب الأصلي هكذا "الحرف الناسخ + الاسم + الخبر" فلا يصح توسط الخبر بين هذه الحروف وبين الاسم، كما لا يصح أن يتقدم على الحروف الناسخة من باب أولى.

ولعل من الواضح هنا أن هناك فرقا بين ترتيب الجملة بعد هذه الحروف وبين ترتيبها مع "كان وأخواتها" فهنا لا يصح التصرف في الخبر بالتوسط أو التقدم، بل يبقى دائمًا متأخرًا عن الاسم، أما مع "كان وأخواتها" فيصح التصرف فيه بالتوسط أو التقدم، كما سبق شرحه.

جاء في قطر الندى: والفرق بينهما أن الأفعال أمكن في العمل من

ص: 286

الحروف، فكانت أحْمل؛ لأن يُتصرف في معمولها ا. هـ. وهذا تعليل لا قيمة له في دراسة اللغة، وإن كان يفيد في تثبيت الفكرة في الذهن؛ لأن الأساس في كل ذلك هو استعمال اللغة نفسها.

لكن، يستدرك على هذا ما إذا كان الخبر ظرفًا أو جارا ومجرورا -شبه جملة- فإنه يصح حينئذٍ توسطه بين هذه الحروف وبين الاسم، ومن ذلك العبارة المشهورة "إنّ من البَيَانِ لسحْرًا، وإنَّ من الشِّعرِ لحِكْمَةً" وقول القرآن: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} 1 وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} 2.

بل إن هذا الاستدراك يشمل أيضا معمول الخبر -وذلك بأن يكون اسما يشبه الفعل وله مفعول- حيث يصح أيضًا أن يتوسط بين هذه الحروف وبين الاسم والخبر، ومن ذلك ما أورده سيبويه من قول الشاعر:

فلا تَلْحَنِي فيها فإنّ بحبِّها

أخاك مصابُ القلبِ جَمُّ بَلَابِلُه3

1 الآيتان 5، 6 من سورة الشرح.

2 الآية 26 سورة النازعات.

3 لا تلحني: لا تؤنبني، جم بلابله: كثير أحزانه ووساوسه واضطرابه.

الشاهد: في "إن بحبها أخاك مصاب القلب" وأصل الجملة "إن أخاك مصاب القلب بحبها" فالجار والمجرور متعلق بكلمة "مصاب" اسم المفعول، فهو معمول له، وقد تقدم، فتوسط بين الحرف "إن" وبين الاسم والخبر، وهذا جائز في اللغة.

ص: 287

ففي هذا البيت اسم "إنّ" هو كلمة "أخاك" وخبرها "مصابُ" والجار والمجرور "بحبها" معمول للخبر؛ لأن الخبر اسم مفعول، وهذا الجار والمجرور قد توسط بين هذا الحرف وبين الاسم والخبر.

كفها عن العمل:

ينبغي أولا التنبه إلى أن هذه الحروف الناسخة ترد في الكلام العربي ولها مع جملتها الخاصيتان الآتيتان:

أ- أنها تدخل على الجملة الاسمية لا الجملة الفعلية

ب- أن الاسم بعدها منصوب والخبر مرفوع

تقول: "إن الاستقامةَ طريقُ النجاةِ، وإن الانحرافَ طريقُ الهلاك فليت الناس يفهمون" ويتحقق في هذه العبارة ما سبق ذكره من خواص هذه الحروف.

ومعنى الكف عن العمل: وجود حاجز بين هذه الحروف وبين الجملة التي تليها، يقف فاصلا بينهما هو "ما: الزائدة" ويترتب على وجوده زوال الخاصيتين السابقتين في جملة هذه الحروف، حينئذٍ:

أ- لا تختص بالجملة الاسمية، بل يصح أن يأتي بعدها أيضًا الجملة الفعلية.

ب- لا ينصب بعدها الاسم ولا يرفع الخبر، بل تعود الجملة ثانية إلى أصلها "مبتدأ وخبر" تقول:"إنما الحقُّ قوةٌ من الله" وتقول: "إنَّما يُحقُّ اللهُ الحقَّ ويُبطلُ الباطل" ففي الجملة الأولى كفت "إن" بالحرف "ما"

ص: 288

وبعدها جملة اسمية من باب المبتدأ والخبر، وفي الجملة الثانية كفت "إن" بالحرف "ما" وبعدها جملة فعلية، ويطلق على الكلمتين معا "إنما" عبارة نحوية هي "كافة ومكفوفة" ومثل ذلك أيضًا أخواتها "أنّما، كأنّما، لكنّما، ليتما".

- جاء في القرآن: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 1.

- جاء في القرآن عن المنافقين: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} 2.

هذا الحكم السابق ينطبق على كل هذه الحروف الناسخة ما عدا الحرف "ليت".

جاء في قطر الندى: ويستثنى منها "ليت" فإنها تكون باقية مع "ما" على اختصاصها بالجملة الاسمية، فلا يقال:"ليتما قام زيد" فلذلك أبقوا عملها وأجازوا فيها الإهمال حملا على أخواتها ا. هـ.

- وقد جاء على ذلك قول النابغة الذبياني يصف امرأة بقوة البصر:

قالتْ ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فَقدِ2

1 من الآية 111 سورة الكهف.

2 من الآية 6 من سورة الأنفال.

3 أو نصفه بمعنى: ونصفه، فقد: قد يكفي.

الأمنية التي تضمنها هذا البيت أن يكون لها هذا الحمام ونصفه مضافا إلى حمامتها، فيكفيها، وحدة البصر -فيما يقال- تمثلت في أنها عرفت عدد الحمام وهو طائر، وهو 66، فقد تمنته ونصفه 33 وحمامتها، فيكمل العدد مائة الشاهد في "ليتما هذا الحمام" فقد رويت كلمة "الحمام" بالرفع على أن "ما" كافة، وبالنصب على أن "ما" زائدة فقط.

ص: 289

وقد ورد هذا البيت بروايتين لكلمة "الحمام" حيث شكلت بالضم أو الفتح، فقد رواها الرواة مرفوعة ومنصوبة، وتوجيه الروايتين نحويا كما يلي:

التوجيه الأول: أن الحرف "ليت" قد كف عن العمل بالحرف "ما" واسم الإشارة مبتدأ وكلمة "الحمام" بالرفع بدل منه، والجار والمجرور بعده خبر.

التوجيه الثاني:

أن الحرف "ليت" لم يكف عن العمل بالحرف "ما" فاسم الإشارة بعد اسمه في محل نصب، وكلمة "الحمام" بدل من المنصوب فهي منصوبة، والجار والمجرور خبر "ليت"، فكلتا الروايتين قد وردتا عن العلماء، وكلا التوجيهين صحيح نحويًّا.

تخفيف النون المشدّدة لما جاءت في آخره:

الذي في آخره النون المشددة أربعة أحرف هي: "إنَّ، أنَّ، لكنَّ، كأنَّ" وتخفيف النون معناه: أن ينطق بها نون واحدة ساكنة، فتصير هذه الحروف:"إنْ، أنْ، لكنْ، كأنْ".

على أنه يجب أن يراعى أن هذه الحروف يصدق عليها تلك الصفة -المخففة من الثقيلة- إذا وردت في جملة يدل السياق على أنها كانت في الأصل

ص: 290

ثقيلة، بحيث إذا قدر هذا الأصل ذهنيا -تشديد النون- كانت الجملة من باب النواسخ.

فمثلا قول القرآن: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 1 فالحرف "أن" هنا مخفف من الثقيل، وأصله "أن"، إذ يتيح لنا التقدير الذهني أن نقول: إن الأصل "علم أنه سيكون منكم مرضى" وهذه جملة من باب النواسخ ولا مراء، ثم خففت "أنّ" فجاءت الكلمة كما وردت عليه في الآية.

أما إذا لم يصح هذا التقدير، فإن الحروف لا تكون مخففة من غيرها، بل تكون أصيلة في استعمالها، ولا علاقة للجملة معها بباب النواسخ بل يكون الحرف "إن" للشرط، والحرف "أن" مصدري ونصب للمضارع والحرف"لكن" للعطف، أما "كأن" فتكون مكونة من حرفين، إحداهما الكاف والآخر "أنْ".

وخلاصة هذه الفكرة -قبل الحديث عن هذه الحروف- ما يلي:

أ- أنها تكون مخففة من الثقيلة إذا صح تقدير جملة أصلية لها تكون هي مشددة فيها، والجملة من باب النواسخ.

ب- إذا لم يصح هذا التقدير، فإنها تكون أصيلة في شكلها المخفف فلا تكون من باب النواسخ، بل لكل منها أبواب أخرى تنسب إليها كالشرط أو نواصب المضارع أو العطف أو غيرها.

على أنه ينبغي أن نتذكر مرة أخرى أن الحروف الناسخة ذات خاصيتين مع الجملة بعدها هما:

أ- أنها تدخل على الجملة الاسمية لا الفعلية.

1 من الآية 20 سورة المزمل.

ص: 291

ب- أنها تنصب الاسم وترفع الخبر

إذا عرف ذلك كله، واستعملت الحروف الأربعة "إنّ، أنّ، كأنّ، لكنّ" مخففة من الثقيلة -بتطبيق التصور الذهني السابق- فكيف تستعمل مع الجملة التي وردت فيها من حيث بقاء الخاصيتين السابقتين أو تركهما؟ يجب أن نتناول بالتفصيل هذه الحروف الأربعة المشددة النون حين تخفف مصطحبين معنا التصور الذهني السابق، وأيضًا ما لها من خواص قبل التخفيف.

الحرف: إنْ

هو "إنْ" المخففة من "إنّ" المشدّدة النون، وحين تخفف يصح معها الآتي:

- مراعاة الأصل قبل التخفيف، فتبقى لها خواص الحروف الناسخة من دخولها على الجملة الاسمية ونصب الاسم ورفع الخبر.

- كما يصح أيضًا صرف النظر عن هذا الأصل، فتزول خواصها جميعًا فيصح حينئذٍ دخولها على كلتا الجملتين الفعلية والاسمية، كما أنه لا ينصب بعدها الاسم ويرفع الخبر في الجملة الاسمية، وتعرب "إن" على أنها حرف مهمل، لا موضع له من الإعراب، فلنلاحظ الأمثلة:

إنْ قلبَ الإنسانِ موضعُ سرِّه. "بعدها جملة اسمية، عاملة".

إنْ لسانُه لدليلٌ على ما في قلبه. "بعدها جملة اسمية، مهملة".

ويوزن بهذين وإنْ كان لغافلًا عن ذلك. "بعدها جملة فعلية، مهملة".

ص: 292

وتوضيح ما سبق أن الجملة التي ترد فيها "إنْ" المخففة تكون واحدة مما يلي:

أ- تأتي مع جملة اسمية، ويراعى أصلها المشدد، فينصب الاسم ويرفع الخبر -كما كان الأمر وهي مشددة- تقول:"إنْ الوقتَ ثمينٌ جدًّا للجادِّين وإنْه رخيصٌ جدًّا للغافلين"، ويكون الدليل على أنها مخففة من الثقيلة نصب الاسم ورفع الخبر.

ب- تأتي مع جملة اسمية، ولا يراعى الأصل، فتكون حرفًا مهملا لا محل له من الإعراب، وحينئذٍ تعود الجملة الاسمية إلى أصلها -باب المبتدأ الخبر- ويدخل على خبر المبتدأ معها لام تسمى "اللَّام الفَارِقَة" تكون هي الدليل في الجملة على أنّ "إنْ" مخففة من الثقيلة، فلا تختلط بغيرها من أنواعها الأخرى، تقول "إنْ النفسُ لأمارةٌ بالسوء، وإنْ المؤمنُ لقادرٌ على السيطرةِ عليها بالإرادة".

ج- تأتي مع جملة فعلية، وهي حينئذٍ مهملة، غاية الأمر أن هذه الجملة الفعلية بعدها غالبا ما تكون مصدّرة بفعل ناسخ "كان وأخواتها، كاد وأخواتها، ظن وأخواتها".

- من القرآن: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} 1.

- من القرآن: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 2.

1 من الآية 143 سورة البقرة.

2 من الآية 102 سورة الأعراف.

ص: 293

الحرف: أنْ

أيقن المتهمُ أن الحكمُ في صالحه.

بعد ظنِّه أنْ لن يبرأَ من التّهمةِ الكاذبة.

تكون "أنْ" مخففة من الثقيلة في جملة لها الصفات الثلاث التالية مجتمعة:

أ- أن يتقدم عليها ما يفيد اليقين أو الظن مثل "علم، أيقن، تأكّد، ظن، حسب، زعم".

ب- أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا، أي "الموضوع أو الحال أو الشأن أو القصة".

ج- أن يكون الخبر جملة اسمية دعائية، أو جملة فعلية، وهذه الأخيرة تصدر غالبا بأحد الأحرف "قد، السين، سوف، ما: النافية، لا: النافية، لو".

- جاء في القرآن: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1.

- قال الشاعر:

واعلمْ فعلمُ المرءِ ينفعُه

أنْ سوف يأتي كلُّ ما قُدِرَا2

1 من الآية 10 سورة يونس.

2 الشاهد: في "أن سوف يأتي كل ما قدرا" فإن "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، وخبرها الجملة الفعلية المصدرة بالحرف "سوف" وأصل الكلام "أنه سوف يأتي كل ما قدرا".

ص: 294

هذا الكلام السابق هو الأصل في تخفيف "أن" وقد خرج عن هذا الأصل بعض الشواهد أشهرها:

لقد علم الضيفُ والمُرْمِلُون

إذا اغبَرَّ أفْقٌ وهبّت شمَالا

بأنْك ربيعٌ وغيثٌ مريعٌ

وأنْك هناك تكون الثّمالا1

ففي البيت الثاني جاء الاسم ضميرًا مذكورا في "أنك" وكان الخبر مفردًا لا جملة، وهو "ربيع"، وقد وصف ابن هشام هذا النص وأشباهه بأنها خارجة عن الأصل، ووسمها أحيانا بأنها ضرورة شعرية، وأحيانا أخرى بأنها نادرة الاستعمال.

الحرف: كأنْ

يوم مات عمر، خيّم الصمتُ على الناس كأنْ الحياةُ متوقِّفَةٌ.

ثم انفجر الناس بالبكاء كأنْ لم يمتْ أحدٌ قبله.

جاء في شذور الذهب: وإذا كان الحرف المخفف "كأنْ" فيغلب لها ما وجب "لأن" ا. هـ.

1 المرملون: المعدمون: "الذين لا يجدون الطعام"،الشمال: بفتح الشين وكسرها: نوع من الرياح، غيث مريع: مطر مخصب ينبت بعده الزرع، الثمالا: الغياث.

تقول: لقد كنت في وقت الشدة والعوز تكرم الضيوف وتطعم المعدمين كأنك الربيع والمطر المفيد خيرا وعطاء.

الشاهد: في "أنك ربيع" حيث جاء اسم "أنْ" المخففة مذكورا، وكان حقه أن يحذف، وجاء خبرها مفردا، وكان حقه أن يكون جملة.

ص: 295

ومعنى ذلك أن الصفات التي ترد عليها جملتها هي غالبا الصفات التي سبقت في جملة "أنْ" المخففة، وتوضيحها كما يلي:

أ- أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا.

ب- أن خبرها يكون أيضا جملة اسمية أو فعلية، فإذا جاء من النوع الأخير -الفعلية- تصدر الجملة أحد الحرفين "قد، لم".

- جاء في القرآن: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} 1.

هذا هو الأصل في الحرف "كأنْ" المخفف من "كأنَّ" لكن خرج عن هذا الأصل بعض شواهد ورد فيها الاسم مذكورًا، والخبر مفردا لا جملة، ومن أشهرها ما أنشده سيبويه من قول الشاعر:

ويومًا تُوَافِينَا بوجهٍ مُقَسَّمِ

كأنْ ظبية تَعْطُو إلى وَارِقِ السَّلَم2

فقد رويت كلمة "ظبية" في هذا البيت بروايات ثلاث:

الأولى: بنصب "ظبيةً" على أنها اسم "كأن" والخبر محذوف وكلمة "ظبية" قد ذكرت في الكلام، فهي ليست ضمير شأن، وهذا خارج عن الأصل.

1 من الآية 24 سورة يونس.

2 بوجه مقسم: وجه وسيم جميل، تعطو: تمد عنقها، وارق السلم: شجر السلم المورق.

يقول: إنها تأتينا بوجه جميل وعنق طويل، كأنها ظبية تمد عنقها لتأكل ورق السلم.

الشاهد: رويت كلمة "ظبية" بروايات ثلاث، وهي موجهة بعد ذكر البيت.

ص: 296

الثانية: برفع كلمة "ظبيةٌ" على أن تكون خبر "كأنْ" واسمها ضمير الشأن محذوف، وإذا كانت خبرًا، فإنها ليست جملة بل مفردًا، وهذا أيضًا خارج عن الأصل.

الثالثة: بجر كلمة "ظبيةٍ" على اعتبار "أنْ" زائدة، وكلمة "ظبية" مجرورة بالكاف.

الحرف: لكنْ

حين يخفف هذا الحرف تنقطع علاقته بأصله "لكنَّ" تمامًا، ومعنى قطع علاقته بأصله زوال خواصه التي كانت له وهو مشدد، فلا يبقى اختصاصه بالجملة الاسمية، بل يدخل على الجملتين الاسمية والفعلية، وكذلك لا ينصب الاسم ولا يرفع الخبر في الجملة الاسمية، بل تعود الجملة مرة أخرى إلى باب المبتدأ والخبر.

أما الحرف "لكن" المخفف: فيكون حرف ابتداء غير ناسخ، سواء أكان مع الجملة الفعلية أم الاسمية، تقول:"الحياةُ غاليةٌ، لكنْ تهونُ في سبيل الحرية" وتقول: "الحياةُ غاليةٌ، لكنْ الهوانُ مذلةٌ".

ما تختص به "إنّ" من الأحكام:

اختصت "إن" من بين أخواتها بمسألتين مهمتين هما:

أ- دخول لام الابتداء في جملتها

ب- كسر همزتها أو فتحها أو جواز الأمرين

وإليك تفصيل القول في هاتين المسألتين:

ص: 297

لام الابتداء في جملة "إن" المكسورة:

لاحظ الأمثلة الآتية:

إنّ من الحِلْم لقوّة في بعض المواطن.

وإنّ من الحِلْمِ لضعفًا في مواطن أخرى.

فإنّ الحِلْمَ لَهُوَ العفوُ عن مقدرة.

يلاحظ في الأمثلة السابقة وجود لام في كل مثال منها، وذلك مع الكلمات "لقوة، لضعفا، لَهُوَ".

هذه اللام يطلق عليها علماء البلاغة "لام التوكيد" ويسميها النحاة "لام ابتداء، أو: اللام المزحلقة" ولكل من هذه التسميات الثلاث توجيه وجيه.

فهي "لام التوكيد" لأنها تفيد تثبيت الجملة وتقويتها في ذهن السامع وهي تستخدم مع ضرب خاص من ضروب الخبر، حيث يكون السامع منكرا وفي حاجة إلى تثبيت الخبر وتقويته له، وهذا معنى بلاغي سيفيدنا فيما نحن بصدده نحويًّا.

وهي "لام ابتداء" الأصل فيها أن تدخل على المبتدأ، فتأتي حينئذٍ في بداية الكلام، تقول:"لَلْحِلْمُ قوةٌ في بعض المواطن، ولَلتَّجَبُّرُ طغيان في بعضها الآخر"، فالأصل فيها أن تأتي مع المبتدأ مثل كلمة "الحلم" وكذلك كلمة "التَّجَبُّرُ" فإذا جاءت "إنَّ" مع العبارة السابقة، نطقت هكذا "إنَّ الحلمَ لقوةٌ في بعض المواطن وإنّ التّجبرَ لطغيانٌ في بعضها الآخر" وهذا يفسر السر في تسميتها "لام الابتداء" باعتبارها في الأصل كانت في المبتدأ.

ص: 298

وتسمى أيضًا "اللام المزحلقة" لأنها في الأصل كانت مع المبتدأ وتفيد التوكيد -كما سبق شرحه- فلما دخلت "إنَّ" عليها، وهي أيضًا تفيد التوكيد -وكان من المكروه في الاستعمال العربي اجتماع أمرين يفيدان التوكيد في موضع واحد- زحلقت اللام عن موضعها إلى مواضع أخرى في الجملة الاسمية مع "إنّ" أهمها ثلاثة:

1-

خبر "إن" كقول القرآن: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

2-

اسم "إن" إذا تقدم عليه الخبر -يتقدم إذا كان شبه جملة كما سبق- ومن ذلك العبارة المشهورة -الحديث-: "إنّ من البَيَانِ لسحرًا وإنّ من الشعرِ لحكمةً".

3-

ضمير الفصل الذي يأتي بين المبتدأ والخبر المعرفتين، كقول القرآن:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 2.

همزة "إن":

"أنّ" المفتوحة الهمزة من حروف المصادر، بخلاف "إن" المكسورة الهمزة، ومعنى أن الأولى من حروف المصادر -كما سبق في باب المبتدأ- أنه يمكن استخلاص مصدر منها ومن جملتها معا يطلق عليه "المصدر المؤول" -وهذا المصدر المؤول -المتخيل- يعتبر كأنه كلمة موجودة فعلا- -وإن كان متخيلا- ويشغل الوظائف النحوية المختلفة، إذ يأتي مبتدأ وخبرا وفاعلا ومفعولا إلخ، فلنلاحظ ما يلي من الأمثلة:

1 آخر سورة الأنعام.

2 من الآية 62 آل عمران.

ص: 299

من سماتِ الجادّين أنّهم صامتون عادة. "المصدر المؤول تقديره "صمتُهم" وهو مبتدأ".

إذ يُسعدهم أنّهم عامِلون لا قوّالون "المصدر المؤول تقديره "عملُهم" وهو فاعل".

إذا علم ذلك، فإن الضابط الذي يُعرف به شكل همزة "إنّ" من حيث الكسر أو الفتح أو جواز الأمرين تلخصه العبارة "تفتح همزة "أنّ" في الكلام إذا صح استخلاص مصدر منها ومن جملتها لشغل الوظائف النحوية المختلفة، وتكسر الهمزة إذا لم يصح ذلك، ويجوز الأمران إن صح التأويل وتركه".

هذا الكلام السابق فهم مجمل ومفيد لمعرفة الأسلوب الذي ترد فيه الهمزة مفتوحة أو مكسورة أو جائزة الفتح والكسر، وهو بذلك -لمن يحسن تطبيقه- يغني عن حصر الفروع والجزئيات التي تندرج تحته، مما يتعب الذهن، ويشق على المبتدئ.

لكن، قد فصلت كتب النحو ذكر مواضع الكسر أو الفتح أو جواز الأمرين تفصيلا واسعا "راجع -إن شئت- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك فقد وفَّى هذا الموضوع بإفاضة" ونحن هنا نختار أهم مواضع الفتح والكسر وجواز الأمرين، بقصد المعاونة في توضيح الضابط العام السابق فقط.

أ- مواضع فتح الهمزة:

1-

أن يكون المصدر المؤول مبتدأ كقولنا: "من المفيد للإنسانِ أنَّه

ص: 300

يتذكرُ وينسى" ومن ذلك قول القرآن: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} 1.

2-

أن يكون المصدر المؤول خبرا كقولنا: "إحساسُ الخيرِ أنّ الحياةَ مضيئةٌ، وإحساسُ الشر أنّ الكونَ ظلامٌ".

3-

أن يكون المصدر المؤول فاعلا، كقولنا:"يسهِّلُ صعب الأعمال أنها محبوبةٌ، ويهون التعب فيها أن هدفَها شريفٌ".

4-

أن يكون المصدر المؤول نائب فاعل، كما يجيء في كتب الحديث "رُوِيَ أن الرسول قال كذا" وكقول القرآن:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} 2.

5-

أن يكون المصدر المؤول مفعولا، كقولك:"سمعتُ أنّ الخبرَ منشورٌ في الصحيفة، وأنه خبرٌ مؤثرٌ للغاية".

6-

أن يكون المصدر المؤول مجرورًا بالحروف أو الإضافة، كقولنا:"لا يخاف المجاهدُ الموتَ مع أنه صعبُ المذاق، فهو يموتُ على الحق لأنّ غايتَه نبيلةٌ وحقٌّ".

ب- من مواضع كسر الهمزة:

1-

أن تقع في أول الكلام، كقول القرآن:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} 3.

1 من الآية 29 سورة فصلت.

2 الآية الأولى من سورة الجن.

3 الآية الأولى من سورة الفتح.

ص: 301

وكذلك ما يأتي في أول جملة الصلة أو الصفة أو الحال أو جواب القسم مثل "ألا إنّ الإنسانَ لجهولٌ حيث يهملُ أمرًا إنه مفيدٌ له، ويصنع ما إنَّه ضار به" وكقولنا: "والله إن الدّينَ لحقٌّ وإن هدفَه سعادةُ النَّاس".

فمن البيّن أن ما بعد الحرف "ألا" جملة جديدة، وأن ما يقع في أول الصلة أو الصفة أو الحال أو القسم في أول جملة جديدة في ذاتها -وإن كان لها علاقة بما قبلها- فهذا كله يصدق عليه أنه بداية كلام جديد، فإذا جاءت "إن" في أوله كسرت همزتها.

2-

أن تقع بعد الكلمتين "حيث، إذ" وهما كلمتان تضافان للجمل بعدهما ولا تضافان للمفردات، فلا يصح إذن تقدير المصدر المفرد بعدهما ولذلك يجب كسر همزة "إن" حين تليهما، ليكون ما بعدهما جملة كاملة كقولنا:"من السذاجةِ أن تصطنعَ الحلم حيث إن الموقفَ جهلٌ، ومن المفيد اصطناعُ الحلمِ إذ إنّه الخلقُ المطلوب".

3-

أن تقع بعد القول، كقول إبراهيم "وقال:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} 1 وكقول عيسى في المهد: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} 2.

1 الآية 99 سورة الصافات.

2 الآيتان 30، 31 سورة مريم.

ص: 302

من مواضع جواز الأمرين:

يغلب ذلك بعد الأداتين الآتيتين:

1-

إذا "التي تفيد المفاجأة" كقولنا: "صحوْنا ذاتَ صباحٍ صيفا فإذا إنَّ البرْدَ شديدٌ" فيجوز هنا نطق همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة ومن ذلك ما أنشده سيبويه قال: سمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به:

وكنتُ أرَى زيدًا كما قيل سيِّدًا

إذا أنَّه عبدُ القَفَا واللَّهَازِمِ1

حيث روي هذا البيت بفتح همزة "إن" وكسرها.

2-

الفاء "التي تقع في جواب الشرط" كقولنا: "إن تحترم الزمنَ فإنَّك متحضرٌ وإن تَغْفَلْ عنه فإنك متخلف" حيث يصح في همزة "إنّ" في هذه العبارة الكسر والفتح، ومما جاء بالوجهين -كما أورده ابن عقيل- قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا

1 اللهازم: جمع "لهزمة" بكسر اللام والزاي، نهاية الحلق بجوار الصدر.

يقول: كنت أظن "زيدا" سيدا، فإذا به عبد خسيس، وضح ذلك من قفاه وحلقه، إذ يصفع على الأول، ويلكم في الثاني.

الشاهد: في "إذا أنه عبد القفا" حيث جاء "إن" بعد "إذا الفجائية" فروي بفتح همزة "أن" وكسرها.

ص: 303

بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1 قرئ "فإنه غفور رحيم" بالفتح والكسر للهمزة.

فكلا الوجهين جائز من الوجهة اللغوية -وجهة الاستعمال- حيث وردت النصوص مع هاتين الأداتين وبعدهما "إنَّ" مفتوحة أو مكسورة.

ووجهة الصناعة النحوية في ذلك أنه إذا كسرت الهمزة كانت الجملة تامة ولا حديث بعدها وإذا فتحت وجب أن تؤول بمصدر يكون مبتدأ وخبره محذوف أو العكس.

1 من الآية 54 من سورة الأنعام.

ص: 304