الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نائب الفاعل:
1-
وصف جملة النائب عن الفاعل وصفا إجماليا.
2-
توضيح مفصل لما يتعلق بجملة النائب عن الفاعل ويشمل:
أ- الأغراض التي يحذف لأجلها الفاعل.
ب- ما ينوب عن الفاعل.
ج- شكل الفعل المبني للمجهول.
3-
ما ورد من الأفعال مبنيا للمجهول دائما.
جملة النائب عن الفاعل إجمالا:
لاحظ الأمثلة التالية:
أ- مبني للمعلوم. ب- مبني للمجهول.
يُرَاعِي القاضي جانبَ الحق. يُرَاعَى جانبُ الحق
ويَبْحَثُ عن الحقيقة بين الكذب. ويُبْحَثُ عن الحقيقة بين الكذب.
فَيَحْكُمُ على المتهمِ بالعدل. فَيُحْكَمُ على المتهم بالعدل.
جملة النائب عن الفاعل هي: كلمة جملة حذف منها الفاعل لغرض من الأغراض، وأقيم مقامه، مع تغيير شكل الفعل للمبني للمجهول ا. هـ.
فجملة النائب عن الفاعل تتكون مما يلي تفصيلا:
أ- أنه يحذف منها الفاعل كما هو واضح في الأمثلة، بحذف كلمة "القاضي" في المثال الأول، ومما يعود عليه من الضمائر في الجملتين التاليتين.
ب- إقامة غير الفاعل مقام الفاعل، كما هو واضح في الأمثلة في "جانب، عن الحقيقة، على المتهم".
ج- يغير شكل الفعل ليطلق عليه حينئذٍ أنه مبني للمجهول، مثل "يُرَاعَى، يُبْحَثُ، يُحْكَمُ".
وهذه الأمور الثلاثة السابقة في حاجة إلى تفصيل لكل منها.
أغراض حذف الفاعل:
الحق أن جملتي الفاعل والنائب مختلفتان تماما في المعنى والاستعمال، مثلا "رَاعَى المؤمنُ ضميرَه" تختلف عن "رُوعِيَ الضميرُ" من حيث المعنى ومن حيث الاستعمال.
لكن النحاة ربطوا بين الجملتين ذهنيا، فجعلوا جملة النائب عن الفاعل محولة عن جملة الفاعل، أو بعبارة أوضح: اعتبروا جملة الفاعل هي الأصل، وأن الفاعل قد حذف منها، فراحوا يبحثون عن أسباب حذفه.
ولو اقتصر على الاستعمال بالتفريق بين الجملتين، لما كان هناك داعٍ بالمرة للبحث عن الفاعل المحذوف.
ومع ذلك فإن هذا البحث عن الفاعل المفقود إنما هو مبحث أسلوبي يهتم به دارس البلاغة، ولا يهم كثيرا دارس النحو.
لذلك، فإنه ينبغي التعرف على أسباب غياب الفاعل بصورة موجزة فيما يلي:
أ- أن يكون الفاعل مجهولا جهلا تاما للمتكلم، فهو لا يعرفه، بل يعرف آثار فعله فقط، كأن نسمع "يُشاع كذا وكذا" إذا لم يعلم صاحب الإشاعة، وكذلك ما يأتي في كتب الحديث: "رُوِيَ الحديث الديني
…
" دون أن يعرف الراوي ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "سُرِقَ المتاعُ" إذا لم يعلم السارق.
وربما تعمد المتكلم تجاهل الفاعل قصدا -مع أنه يعرفه- بهدف التعمية على المخاطب تحقيقا لمصلحته الشخصية أو مصلحة الفاعل وسلامته، كقول شخص لآخر "نُقِل إلَيَّ ذمُّك لي" أو قوله "يقال عنك كذا وكذا" فلا شك أن هناك شخصا قد نقل الكلام إلى المتكلم -وهو يعرفه- وكذلك لا شك أن هناك شخصا قد تحدث عن المخاطب بما يقول المتكلم -وهو يعرفه- لكنه تحقيقا لسلامة الناقل أو القائل أو تحقيقا لمصلحته الشخصية-كيلا يعاتب على ذلك- يرفض ذكر الفاعل في الكلام.
ب- أن يكون الفاعل معلوما تماما، بحيث يكون من العبث وفضول الكلام ذكره، كقولك لأحد المثقفين:"ألقِيَت القنبلةُ الذّرية على اليابان سنة 1945" أو قولك: "أوقِفت الحربُ العالمية الأولى سنة 1918" ومن ذلك قول القرآن: {خُلِقَ الْإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 1 فالخالق معلوم وهو الله.
ج- أن يصرف النظر عن الفاعل تمامًا؛ لأن الذهن متجه لغيره، فليس من المفيد علمه أو جهله، كقولك:"أعْلِنَتْ نتيجةُ الامتحان، فنجحت ونجح الزملاء" ويقال: "يُكرَم القريبُ لرحِمِه، ويُكرَمُ الغريبُ لوحدته".
د- استقامة موسيقى الكلام -سواء كان سجعا أم شعرا- ومن أشهر ما يساق لذلك قولهم في الحكمة "من طَابَتْ سريرتُه، حُمِدَتْ سيرتُه".
وقول الشاعر:
وما المالُ والأهلون إلّا ودائع
…
ولا بدَّ يَومًا أن تُرَدَّ الودائع2
1 من الآية 37 سورة الأنبياء.
الشاهد: في البيت حذف الفاعل في "ترد الودائع" وأصلها "يرد الناس الودائع" وحذف الفاعل من الأسلوب الأخير لإقامة موسيقى البيت.
ينوب عن الفاعل -بعد حذفه- أحد شيئين مرتبين كما يلي:
الأول: المفعول به -إذا كان الفعل متعديا- كما هو واضح في القسم الأول من الأمثلة، ومن ذلك قول القرآن {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} .
وقول الشَّنْفرى:
وإن مُدّت الأيْدي إلى الزَّاد لم أكن
…
بأعجلهم إذ أجشَعُ القومِ أعجل
الثاني: الجار والمجرور أو الظرف أو المصدر -إذا كان الفعل لازما- كما هو واضح في القسم الثاني من الأمثلة ومن ذلك:
1 من الآية 44 سورة هود.
2 أجشع: الشديد الرغبة والنهم والطمع.
الشاهد: في قوله "مدت الأيدي" حيث ناب المفعول عن الفاعل؛ لأن الفعل متعد.
- قول القرآن: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} 1.
- وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2.
ويشترط في هذه الثلاثة -كما قال ابن مالك- أن تكون قابلة للنيابة عن الفاعل، بأن تكون مفيدة في استعمالها، ويتحقق هذا في الظرف والمصدر خاصة بأن يكون كل منهما "متصرفا، مختصا" كما في الأمثلة والشواهد السابقة "سيأتي فهم هذين المصطلحين في بابي: المفعول المطلق والظرف".
هذا هو أصل الموضوع، ينوب المفعول به أولا، فإن لم يوجد في الكلام مفعول به كان النائب واحدا من الأمور الثلاثة السابقة، وعلى ذلك رأي جمهور النحاة.
لكن بعض النحاة يرى أنه يصح أن ينوب واحد من هذه الثلاثة مع وجود المفعول به في الكلام، ويوردون لذلك بعض الشواهد، ومنها:
- قول جرير يهجو الفرزدق:
ولو ولدتْ قُفَيْرَةُ جَرْوَ كلبٍ
…
لَسُبَّ بذلك الجَرْوِ الكلابا3
- قول الآخر:
وإنما يُرْضِي المنيبُ رَبَّه
…
ما دام مَعْنِيًّا بذكْرٍ قلبَه4
1 من الآية 70 سورة الأنعام.
2 من الآية 13 سورة الحاقة.
3 الشاهد: في قوله "لسب بذلك الجرو الكلابا" حيث ناب عن الفاعل الجار والمجرور "بذلك الجرو" وترك المفعول "الكلابا" وهذا اتجاه لبعض النحاة.
4 المنيب، التائب، معنيا: المهتم.
الشاهد: في الشطر "ما دام معنيا بذكر قلبه" فإن "معنيا" اسم مفعول يجيء بعده النائب عن الفاعل مثل الفعل المبني للمجهول، وقد ناب عن الفاعل بعده الجار والمجرور "بذكر" وترك المفعول به منصوبا، وهو "قلبه" وهذا اتجاه لبعض النحاة.
هذان البيتان وأمثالهما موضع أخذ وردّ كثير بين النحاة حول هذه القضية مما لا داعي لذكره هنا.
شكل الفعل المبني للمجهول:
يحدث في شكل الفعل المبني للمجهول تغير على النحو التالي:
أولا: الفعل الماضي:
الأصل فيه أن يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، مثل "سُمِعَ، كُتِبَ، أُكْرِمَ، أُهِينَ" وهذا مطرد في كل الأفعال الماضية.
ويضاف لهذا الأصل أن الفعل إذا بدئ بتاء زائدة، وجب ضم الحرف الثاني منه أيضا، تقول:"تُعُلِّم، تُرُوِّي، تُنُودِيَ، تُرُوكِمَ، تُشُورِكَ".
فإذا بدئ الفعل الماضي بهمزة وصل، وجب ضم الحرف الثالث منه زيادة على ضم الأول، مثل "ابْتُدِئَ، انْتُصِرَ، اسْتُغْفِرَ، اسْتُبِيحَ".
فإذا كان الفعل الماضي أجوف مثل "سَامَ، لَامَ، نَامَ، قَالَ، رَامَ، بَاعَ، رادَ، لان" فقد ورد عن العرب في تشكيل فائه ونطق عينه، ثلاث لغات هي:
أ- كسر فاء الفعل فيكون حرف العلة ياء، وحينئذٍ فالنطق هو "سِيمَ، لِيمَ، نِيمَ، قِيلَ، رِيمَ، بِيعَ".
ب- ضم فاء الفعل فيكون حرف العلة واوا، وحينئذٍ فالنطق هو "سُومَ، لُومَ، نُومَ، قُولَ، رُومَ، بُوعَ" ومن ذلك ما ورد منسوبا لرؤبة من قوله:
لَيْتَ وهل ينفعُ شيئا ليتُ
…
لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فاشتريتُ1
ج- الإشمام: وهو -كما يقول ابن عقيل- الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر، ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ، ولا يظهر في الخط ا. هـ.
هذه اللغات الثلاث نطقت بين العرب، ونقلها عنهم النحاة، وكلها -في رأيهم- صحيحة فصيحة، وأن كان أفصحها هو اللغة الأولى، تليها الثانية ثم الأخيرة.
وهنا ينبغي فهم الملاحظات التالية:
- قرئت بعض الأفعال المبنية للمجهول في الآية: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} بالوجوه الثلاثة السابقة.
- إذا كان الفعل على وزن "افْتَعَلَ" أو "انْفَعَلَ" وهو أجوف مثل "اختار، اعتاد، انقاد، انجاب" فقد ورد في الحرف الذي قبل عينه اللغات الثلاثة السابقة حين يبنى للمجهول.
- إذا بني الفعل الثلاثي الأجوف للمجهول، وكان نائب الفاعل ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب مثل العبارتين "لامَنِي الجاهلون وجاءَنِي لَوْمُهم" أو "لَامَكَ الجاهلون وجَاءَكَ لَوْمُهم" حين تبنى الأفعال فيها للمجهول فيكون ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب هو نائب الفاعل، والأحسن حينئذٍ ما يلي:
أ- أن ينطق ما أصله واويًّا بالكسر أو الإشمام فقط منعا للخلط بينه وبين المبني للمعلوم، فيقال:"لِمْتَ، أو: لِمْتُ".
1 الشاهد: في "بوع" حيث بني الفعل الماضي الأجوف "باع" للمجهول وضم أوله وقلب حرف العلة واوا.
ب- أن ينطق ما أصله يَائيًّا بالضم أو الإشمام فقط منعا للخلط بينه وبين المبني للمعلوم، فيقال:"جُؤْتُ، جُؤْتَ".
ثانيا: الفعل المضارع:
يضم أوله ويفتح ما قبل آخره بلا تفصيل مثل "يُفْهَم، يُسْمَع، يُقَال، يُنْتَقَى، يُرْتَجَى، يُسْتَبَاح".
ثالثا: المرفوع بعد الوصف المشتق، لاحظ الأمثلة التالية:
إنّ الحقَّ عالٍ صوتُه. "كلمة: صوتُه، فاعل بعد كلمة: عالٍ".
وإن الباطلَ مهزومٌ صاحبه. "كلمة: صاحبه، نائب فاعل بعد: مهزوم".
هذه نقطة دقيقة، فإن المرفوع بعد الاسم المشتق الدال على الصفة الذي يطلق عليه "اسم المفعول" يكون نائب فاعل، كقولك:"هذا الإنسانُ محمودٌ سيرتُه" فإذا كان المرفوع بعد الوصف المشتق غير ذلك -كاسم الفاعل- رفع على أنه فاعل لا نائب فاعل، فنقول:"أبالغٌ المسافرُ غايتَه".
وأساس هذا الموضوع أن اسم المفعول يبنى صرفيا من الفعل المبني للمجهول وأما غيره من أسماء الصفات فتأتي من الفعل المبني للمعلوم، بدليل أنك لو وضعت في الجملة التي يردان فيها فعلا مناسبا بديلا عنهما، لجاء مبنيا للمجهول بدل اسم المفعول، ومبنيا للمعلوم بدل اسم الفاعل وأمثلة المبالغة واسم التفضيل والصفة المشبهة.
ما ورد من الأفعال مبنيا للمجهول دائما:
أورد كتاب "شذا العرف" ما يلي من هذه الأفعال:
"عُنِيَ" بمعنى: اهتم، "زُهِيَ" بمعنى: تكبَّر، "فُلِجَ" أصابه الفالج، "حُمَّ" أصيب بالحمى، "سُلَّ" أصابه السّل، "جُنَّ" ذهب عقله، "غُمَّ الهلال" احتجب، "أغْمِيَ عليه" غُشِيَ عليه، "شُدِهَ" تحير، "امتُقِعَ أو انْتُقِعَ لونه" تغير، والمرفوع بعدها فاعل لا نائب فاعل ا. هـ.