المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التوكيد: 1- المقصود بالتوكيد في اللغة وعند النحاة. 2- التوكيد اللفظي: معناه، - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌التوكيد: 1- المقصود بالتوكيد في اللغة وعند النحاة. 2- التوكيد اللفظي: معناه،

‌التوكيد:

1-

المقصود بالتوكيد في اللغة وعند النحاة.

2-

التوكيد اللفظي: معناه، والفرق بينه وبين التكرار.

3-

التوكيد المعنوي: معناه، وألفاظه هي:"النفس والعين، كلا وكلتا، كل وجميع، أجمع وما تفرع عنه".

4-

من مباحث التوكيد المهمة المسائل الآتية:

أ- توكيد الضمائر توكيدا لفظيا.

ب- توكيد الحروف توكيدا لفظيا.

ج- توكيد الضمير المرفوع المتصل باللفظين "النفس والعين".

د- توكيد النكرة توكيدا معنويا.

معنى التوكيد:

جاءت هذه الكلمة في اللغة على ثلاث صور هي "التوكيد" بالواو و"التأكيد" بالهمزة و "التاكيد" بتخفيف الهمزة إلى الألف، وأكثرها شهرة في الفصحى الأولى، ولذلك جاء في القاموس قوله:"التوكيد والتأكيد والأول أفصح" وإن كانت الثانية "التأكيد" أكثر استعمالا في حياتنا العادية الدارجة.

ومعنى "التوكيد" في اللغة: التثبيت والتقوية، ويستعمل في الحياة العادية الدارجة بهذا المعنى نفسه، ومن التعبيرات الشائعة بيننا "أنا متأكد من كلامي" بمعنى: متثبت منه مقتنع به، و"تأكدت منه أنه سيجيء" بمعنى تثبت، و"أكّدت عليه الكلام" بمعنى كررته عليه؛ تقوية له، وتثبيتًا في ذهنه.

ص: 586

هذا المعنى نفسه هو الذي روعي في استخدام النحاة للكلمة، إذ يقصدون بالتوكيد: استخدام طرق خاصة لتقوية الكلام السابق وتثبيته سواء بإعادة اللفظ نفسه أم استعمال كلمات خاصة؛ لتثبيت المعنى ودفع الشبه عنه، وذلك كقولنا:"النفاقُ غشٌّ غشٌّ" أو قولنا: "سنقاتل سنقاتل، ولن نستسلم" أو قولنا: "الجبانُ لا يستحق الحياةَ نفسَها".

وقد ورد التوكيد في اللغة -بالمعنى السابق- على صورتين: صورة التوكيد اللفظي، وصورة التوكيد المعنوي.

التوكيد اللفظي:

هو -كما جاء في قطر الندى- إعادة اللفظ الأول بعينه ا. هـ، ويقصد بذلك أن يعاد المؤكَّد نطقا ومعنى، بقصد التقرير أو خوف النسيان أو عدم الإصغاء أو عدم الاعتناء، وقد يكون هذا اللفظ المعاد اسما أو فعلا أو حرفا أو جملة.

- ففي الاسم تقول: "المروءةَ المروءةَ" و"النفاقَ النفاقَ" وقول الجندي لزميله "انتبه، فقد هاجمتْنا الطائراتُ الطائراتُ".

وما روي من قول الرسول: "أيّما امرأةٍ قاصرٍ أنكحتْ نفسها بغير إذْنِ وليِّها فنكاحُها باطلٌ باطلٌ".

- وفي الفعل نقول: "صَمَّمَ صَمَّمَ شعبُنا على تحرير أرضه بعد ما تَأَلَّمَ تَأَلَّمَ لضياعِها".

ومن ذلك قول الشاعر:

فأينَ إلى أيْنَ النجاةُ ببغلتي

أتَاك أتاك اللّاحقون احبس احبس1

1 اللاحقون: المطاردون، احبس احبس: اثبت اثبت، يقول ذلك لنفسه تشجيعا لها المعنى: أين أهرب ببلغتي لأنجو، لا سبيل لذلك، لقد أدركنا المطاردون ولن ينفع غير الثبات.

الشاهد: استخدم في الشطر الثاني توكيدا لفظيا لفعلين، الأول "أتاك أتاك" والثاني "احبس احبس".

ص: 587

- وفي الحرف ترد مثلا على من يسألك: "هل أنت منتبه؟ " فتقول: "نعم نعم أنا منتبه" وكثيرًا ما يسمع مثل هذا التعبير في تعليق المذيعين على الأخبار: "لا، لا يُهانُ شرفُنَا أو تُستذلُّ أرضُنا".

ومن ذلك قول جميل:

لا لا أبوحُ بحُبِّ بثْنَةَ إنّها

أخذت عليّ مَوَاثِقًا وعُهُودًا1

- وفي الجملة تعاد الجملة بألفاظها، وربما اقترنت الثانية بحرف من حروف العطف، وقد وردت كثيرا في اللغة، ومن ذلك:

قول القرآن {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 2.

وقول الرسول وقد بلغه نقض قريش للعهد: "واللهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، واللهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا".

1 أبوح: أفشي، المواثق: العهود.

يقول: حبها سر لن أبوح به، وقد عاهدتها على ذلك والعجيب أنه بذلك قد باح.

الشاهد: في "لا لا أبوح" فقد كرر الحرف "لا" مرتين، والثاني توكيد لفظي للأول.

2 الآيتان 4، 5 سورة "النبأ".

ص: 588

وفي خاتمة هذه الفكرة ينبغي التنبه للفرق بين أمرين كثيرا ما يختلطان هما: التوكيد اللفظي والتكرار.

فالتوكيد اللفظي -كما سبق- هو إعادة اللفظ بعينه، أي بنطقه ومعناه تماما.

أما التكرار: فهو إعادة اللفظ بنطقه وما يشبه معناه لا بمعناه نفسه، فالأول إذن شيء واحد، وقد استخدم له اللفظ مرتين، أما الثاني فهو شيء تكرر مرتين أو أكثر واستخدم له في كل مرة نفس اللفظ، فلنتأمل الآتي:

- دخل إلى المدرَّجِ طالبٌ طالبٌ.

أسلوب توكيد: لأن الطالب واحد وأعيد اللفظ.

- دخل الطلابُ للمدرَّجِ طالبًا طالبًا.

تكرار: لتعدد الطلبة وإن اتحد اللفظ.

- اقتحمَ موقعَ الأعداءِ جنديٌّ جنديٌّ.

توكيد: لأن الجندي واحد واللفظ هو المعاد.

سارت الكتيبة متراصّةً جنديًّا جنديًّا.

تكرار: لتعدد الجنود وإن اتحد اللفظ.

وعلى ذلك يفهم ما جاء في قطر الندى لابن هشام من قوله نصًّا:

"وليس من تأكيد الاسم قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 1 خلافا لكثير من النحويين؛ لأنه جاء في التفسير أن معناه: دكا بعد دكّ، وأن الدَّكَّ كرر عليها حتى صارت هباء منبثا، وأن معنى:{صَفّاً صَفّاً} أنه تنزل ملائكة من كل سماء

1 الآيتان 21، 22 من سورة "الفجر".

ص: 589

فيصطفون صفا بعد صفّ محدقين بالجن والإنس، وعلي هذا فليس الثاني فيه تأكيدًا للأول، بل المراد به التكرير، كما يقال:"علّمتُه الحسابَ بابًا بابًا"، وكذلك ليس من تأكيد الجملة قول المؤذن:"الله أكبر، الله أكبر" -خلافا لابن جني- لأن الثاني لم يؤتَ به لتأكيد الأول، بل لإنشاء تكبير ثانٍ، بخلاف قوله:"قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" فإن الجملة الثانية خبر ثانٍ جيء به لتأكيد الأول" ا. هـ.

التوكيد المعنوي:

في عبارة واحدة يمكن تحديد التوكيد المعنوي بأنه تثبيت معنى المتبوع بدفع الاحتمالات عنه ا. هـ.

فنحن نقول مثلا: "اجتمعَ الرؤساءُ العربُ أنفسُهم" فلو اقتصر الأمر على المؤكَّد لاحتمل الأمر أن الذين اجتمعوا هم مندوبوهم، فإذا ذكر لفظ التوكيد "أنفسهم" ارتفع ذلك الاحتمال.

ونحن نقول أيضا: "درسْنَا النحوَ كلَّه" فلو اقتصر على المؤكَّد "النحو" لاحتمل الأمر أن الذي درس معظمه أو أبواب منه، فحين يذكر لفظ التوكيد "كله" يرتفع ذلك الاحتمال.

وحول هذا المعنى السابق جاءت التعريفات النحوية التي سيقت لهذه الصورة من صور التوكيد، ومعظمها بألفاظ غامضة تؤدي في النهاية للتحديد السابق، ومن نماذجها:

يقول ابن عقيل: هو ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد أو توهم عدم إرادة الشمول.

ويقول ابن هشام: هو تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول.

ص: 590

ويقول الأشموني: التابع الرافع احتمال إرادة غير الظاهر.

ألفاظ التوكيد المعنوي:

يمكن أن تصنف ألفاظ التوكيد المعنوي التي استقرئت من استعمال اللغة في مجموعات أربع تتفق ألفاظ كل مجموعة منها من حيث الصفات التي تتصف بها حين تستعمل في التوكيد، وبيانها في الآتي:

المجموعة الأولى: النفس والعين:

تشترك هاتان الكلمتان حين استخدامهما للتوكيد في الصفات التالية:

أ- أنهما يستعملان للمفرد والمثنى والجمع، ويكون لفظهما مفردًا مع المفرد، ويجمعان على وزن "أفْعُل" مع المثنى والجمع كليهما.

ب- أن يضافا إلى ضمير يطابق المؤكَّد إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، تقول:"شاهدَ الصحابةُ الرسولَ نفسَه" و"تداركَ صَاحِباهُ أبو بكر وعمر أنْفُسُهما وَحْدَة المسلمين يوم السّقيفة" و"اغتيلَ ثلاثةٌ من الخلفاء الراشدين أعْيُنهم ظلما".

ج- إذا استدعى الموقف استعمال كلتا الكلمتين معا في تعبير واحد قدمت كلمة "النفس" على كلمة "العين" ولا يصح العكس، تقول "مَشَى رجالُ الأرض فوق القمرِ نفسِه عينِه" ويقال:"نزل الملائكةُ أنْفُسُهُم أعْيُنُهُم يُقاتلون مع المسلمين يوم بدر".

وهنا فكرة جانبية مهمة هي: أن الكلمتين "النفس والعين" قد تردان في اللغة مجرورتين بحرف الجر "الباء" وحينئذٍ تعتبر هذه الباء زائدة، تقول:"إنّ اليهودَ هم الخبثُ بنفسِه والحقدُ بعينِه"، ومن ذلك قول الشاعر:

هذا لَعَمْرُكمُ الصَّغارُ بعينِه

لا أمَّ لي إن كان ذاكَ ولا أبُ1

1 لعمركم: أسلوب قسم، الصغار: -بفتح الصاد- الأعمال التافهة الحقيرة.

الشاهد: في الشطر الأول، حيث دخلت الباء على لفظ التوكيد "عين" فهي حرف جر زائد جرت الكلمة لفظا، لكن الكلمة توكيد لكلمة "الصغار" الواقعة خبرا، فهي مرفوعة بالضمة المقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد.

ص: 591

المجموعة الثانية: كِلَا وكِلْتَا:

تستعمل الكلمة الأولى لتوكيد المثنى المذكر فقط، وتستعمل الكلمة الثانية لتوكيد المثنى المؤنث فقط، وحين استخدامها في التوكيد يتصل بهما ضمير مطابق للمؤكَّد، فيلحقان حينئذٍ بالمثنى في إعرابه -كما تقدم ذكره- تقول:"زرتُ صديقيَّ كِلَيهما" و"ذهبتُ مع زملائي في الرّحلتين كلْتَيهما".

المجموعة الثالثة: كل وجميع:

يرد هذان اللفظان حين استخدامها للتوكيد على الصفات التالية:

أ- أنهما يستعملان في اللغة للمفرد -ذي الأجزاء- والجمع، ولا يستعملان للمثنى.

ب- أن يُضافا إلى ضمير يطابق المؤكَّد إفرادا وجمعا وتذكيرا وتأنيثا تقول: "البلادُ العربية كلُّها متّحدةُ المشاعر، وإنْ اختلفتْ فيها النُّظُمُ والحكومات، والعربُ جميعُهم إخوةٌ، لغتُهم واحدةٌ، وتاريخهم واحد".

ج- قال ابن هشام عن الكلمة "جميع" والتوكيد "بجميع" غريب، ومنه قول امرأة ترقص ابنها:

فدَاك حيُّ خَوْلَانْ

جميعُهم وهَمْدان

وكلُّ آل قحطان

والأقرمون عدنان1

د- مثل "كلّ" كلمة "عامّة" وقد ذكرها سيبويه، تقول:"حضر المدعوّون عامتُهم" وجاء في "ابن عقيل"، وقلّ من ذكرها من النحويين.

1 خولان: بسكون الواو، وهمدان بسكون الميم، وقحطان وعدنان أسماء لقبائل عربية، فابنها أعز عليها وأعلى من كل هذه القبائل، وهذا طبيعي.

الشاهد: حيث جاء "جميع" توكيدا لكلمة "حي" الواقعة خبرا أو فاعلا، وذلك -فيما رأى ابن هشام- غريب؛ لأن لفظ "جميع" لديه لا يكاد يستعمل وحده للتوكيد.

ص: 592

وعلي ذلك يفهم ما جاء في أوضح المسالك نصا قال: وليس منه -أي التوكيد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 خلافا لمن وهم، ولا قراءة بعضهم:"إِنَّا كُلًّا فِيهَاْ"2 خلافا للفراء والزمخشري، بل "جميعًا" حال و "كلًّا" بدل. ا. هـ.

فمن البيّن أن الآيتين لم تكونا من باب التوكيد؛ لأن اللفظين "جميع، كل" لم يضافا فيهما إلى الضمير، فخرجا من هذا الباب إلى أبواب أخرى في الإعراب.

المجموعة الرابعة: أجْمَع وما تفرع عنه:

يقصد بما تفرع عنه: "جمعاء " للمفردة المؤنثة و "أجمعون" لجماعة الذكور و "جُمَع" لجماعة الإناث.

ومن الصفات التي تأتي عليها هذه الألفاظ حين التوكيد بها ما يلي:

أ- أنها تستعمل لتوكيد المفرد والجمع فقط فلا تستعمل في المثنى.

ب- أنها لا تتصل بضمير يعود على المؤكد، بل يكتفى بصيغها -المفردة والمجموعة- عن هذا الضمير، بخلاف "كل، جميع" حيث تبقى على صورة واحدة وتوجه للمؤكَّد بواسطة الضمير.

ج- أن الغالب في هذه الصيغ أن تستعمل"لزيادة التوكيد" أو بعبارة أخرى "لتوكيد التّوكيد" وذلك بأن ترد بعد لفظ "كل" في الكلام.

1 من الآية 29 سورة البقرة.

2 من الآية 48 سورة غافر.

ص: 593

تقول: "قَرّبتْ أجهزةُ الإعلامِ العالَمَ كلَّهُ أجْمَعَ" ومن ذلك قول القرآن: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 1.

وربما استعملت هذه الكلمات وحدها دون لفظ "كل" وهذا قليل في اللغة، ومع ذلك فقد ورد في نصوص صحيحة فصيحة، ومن ذلك:

- قول القرآن حكاية عن إبليس: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2.

- قول الرسول: "إذا صلى الإمامُ جالسًا فصَلُّوا جلوسا أجمعون".

توكيد الضمائر لفظيًّا:

سبق أن الضمائر نوعان: مستترة وبارزة، وأن النوع الأخير صنفان:

منفصلة ومتصلة، وينبغي أن نتبين الطريقة التي يؤكد بها كل من هذه الضمائر توكيدا لفظيا في الآتي:

أ- الضمائر المستترة: وتؤكد بالضمير البارز المنفصل، فتقول:"أجِبْ أنتَ يا غافلُ دعوة الحق" أو "أَأَلْهُو أنا والحياة جَادّةٌ!! ".

ب- الضمائر البارزة المنفصلة: وهذه أيضا تؤكد بضمير بارز منفصل مناسب، فتقول مثلا مشيرا للمجرم:"أنت أنت القاتلُ" ومن ذلك ما كان يقوله جماعة الرافضة في شوارع الكوفة مشيرين لعَلِيّ: "أنت أنت اللهُ" فأمر بهم، فحرقوا بالنار.

ومن ذلك قول الشاعر:

1 من الآية 30 سورة الحجر.

2 الآية 82 سورة ص.

ص: 594

فإيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فإنه

إلى الشَّر دعَّاءٌ وللشَّرِّ جالِبُ1

ج- الضمائر البارزة المتصلة: هذه أيضا تؤكد بضمير بارز متصل مرفوع فتقول "استَمعتُ أنا للنّصيحةِ منكَ أنتَ، فاتبعْتُها هي، فسعدت ونجحت" وعن هذه الصورة الأخيرة يقول ابن مالك:

ومُضْمَرُ الرفعِ الذي قد انفَصَلْ

أكِّدْْْ به كلَّ ضميرٍ اتَّصَلْ

والخلاصة: أن الضمير البارز المنفصل يأتي توكيدًا لفظيا لكل أنواع الضمائر مستترة أو بارزة ومتصلة أو منفصلة.

توكيد الحروف لفظيا:

هناك حروف يطلق عليها اسم "حروف الجواب"2، إذ يجاب بها عن كلام سابق غالبا ما يكون سؤالا، ومن أشهرها في العربية "نَعَمْ، لا، بَلَى" ويشبه الحرف "نعم" حروف أخرى استعملت في الفصحى هي "أَجَلْ، إي، جَيْرِ".

- هذه الحروف السابقة إذا أكدت تأكيدا لفظيا تعاد ألفاظها نفسها يقول لك السائل "هل تنبه العربُ لضرورةِ وَحْدَتِهم!! " فتجيب "نَعَمْ نَعَمْ تنبهوا لذلك" أو يقول السائل "هل استسلَم العربُ لنكسةٍ

1 تقدم ذكر هذا البيت ومعناه في باب "التحذير" ويستشهد به هنا على توكيد الضمير المنفصل "إياك" بضمير منفصل آخر مثله. فكرره في قوله "فإياك إياك".

2 حروف الجواب على ثلاثة أقسام

أ- ما يقع بعد الإيجاب والنفي "نعم، جير، أجل، إي" ويقصد بها تصديق المخبر أو إعلام المستخير أو إيعاد الطالب.

ب- ما يقع بعد الإيجاب فقط وهو "لا" ويقصد به إبطال ما أوجبه المتكلم.

ج- ما يقع بعد النفي فقط، وهو "بلى" ويقصد به إثبات المنفي السابق.

ص: 595

عارضةٍ في حياتهم؟ " فتجيب: "لا، لا، لم يستسلموا لذلك" ومن هذا ما مرّ من قول جميل:

لا لا أبوح بِحُبِّ بثْنَةَ إنها

أخذتْ عَلَيَّ مَوَاثِقًا وعُهُودا

فإذا كان الحرف من غير حروف الجواب وهي كثيرة، فإنه يؤكد لفظيا بطريقة خاصة هي: أن يعاد الحرف مرة أخرى لكن بشرط أن يتصل بحرف التوكيد ما اتصل بالحرف المؤكَّد، كقول المتهم أمام القاضي:"إنَّني إنَّني بريءٌ" وقوله وهو يحكي: "في حياتي في حياتي قصة مروعة".

وما ورد على غير ما سبق من الشواهد فهو نادر أو شاذ، ومن ذلك قول الشاعر:

إنَّ إنَّ الكريمَ يحْلُمُ ما لم

يَرَينْ مَنْ أجَارَهُ قد ضِيمَا1

وقول مسلم بن معبد وقد نهبت إبله في الصَّدَقة:

بكتْ إبلِي وحُقَّ لها البكاءُ

وفرَّقها المظالِمُ والعَدَاءُ

فَلَا واللهِ لا يُلْفَى لِمَا بي

ولا لِلِمَا بهمْ أبدًا دواءُ2

1 من أجاره: من حماه، قد ضيما: قد ظلم وأهين.

يقول: الإنسان الأبي الكريم يستعمل الأناة والرفق ما لم يظلم من في حماه فإذا ظلم ترك الرفق والأناة واستعمل القوة والشدة.

الشاهد: في "إن إن الكريم" حيث أكد الحرف "إن" بإعادة لفظه وهو من غير حروف الجواب، والتوكيد بهذه الطريقة شاذ، ولو جاء على الوجه الصحيح لقال:"إن الكريم، إن الكريم".

2 العداء -بفتح العين- هو العداوة، لا يلفى: لا يوجد.

يقول: إن إبلي نهبت ظلما، فهي تبكي لظلمها ومن حقها البكاء، كما أبكي أنا أيضا لذلك ومن حقي البكاء، وإني لأقسم أن ما بيني وبين من نهبوها لن ينتهي وجرحه لن يلتئم، فإنه لا دواء له.

الشاهد: في البيت الثاني "ولا للما بهم" حيث أكدت "لام الجر" وهي من غير حروف الجواب بإعادة لفظها فقط، وهذا شاذ.

ص: 596

توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس والعين:

هذه صورة خاصة من صور التوكيد المعنوي تجتمع فيها الصفتان التاليتان:

أ- أن يكون المؤكَّد ضميرا متصلا مرفوعا.

ب- أن يكون التوكيد من ألفاظ المجموعة الأولى وهي: "النَّفْس، العَيْن" حينئذٍ لا يصلح التوكيد المباشر بهذين اللفظين، بل لا بد أن يؤكد أولا الضمير المتصل بضمير منفصل، ثم يؤتى بعد ذلك بلفظ من هذين اللفظين "النفس، العين"، فلنلاحظ:

- قَاوِمُوا أنتم أنفسُكم عدوَّكم.

كلام صحيح؛ لوجود الضمير المنفصل.

- وتمسَّكُوا أنتم أعينُكم بحريتكم وأرضكم.

كلام صحيح؛ لوجود الضمير المنفصل.

- وتَلَاقَوْا أنفسُكم حَولَ رغبة الجهاد.

كلام خطأ؛ لعدم وجود الضمير المنفصل.

- وتجَمَّعُوا كلُّكم حولَ رايةِ الجهاد.

كلام صحيح؛ لأنه لا يشترط معه الضمير المنفصل.

توكيد النكرة توكيدًا معنويًّا:

لقد اشترط في مجموعات ألفاظ التوكيد المعنوي -كما سبق- أن تكون مضافة لضمير يعود للمؤكَّد، وما لا يضاف منها إلى ضمير -كالمجموعة الأخيرة- اعتبر -لدى النحاة- مضافا تقديرًا، ومعنى ذلك أن هذه الألفاظ من المعارف، ولكي تتطابق مع ما تؤكده يجب أيضا أن يكون معرفة مثلها.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إن الأصل في المؤكَّد أن يكون معرفة ولا يكون نكرة، وهذا اتجاه له أنصاره بين النحاة.

لكن.. هناك اتجاه آخر من رأيه أن النكرة يمكن أن تؤكَّد بشرط أن يتصف أسلوب توكيدها بالصفتين التاليتين:

ص: 597

أ- أن يكون المؤكَّد النكرة دالا على زمن محدود، بمعنى أنه موضوع لمدة لها ابتداء وانتهاء، مثل:"أسبوع، شهر، حول، سنة، عام، يوم".

ب- أن يكون التوكيد لفظ "كلّ، جميع" فقط.

وقد استند هذا الرأي الأخير على ورود ذلك في الشعر والنثر الفصيح ومن ذلك:

- قول عبد الله بن مسلم:

لكنه شَاقَهُ أنْ قِيلَ ذا رَجَبُ

يا ليتَ عِدَّةَ حَوْلٍ كلِّه رَجَبُ1

- قول عائشة عن رسول الله "ما صَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كلَّه إلّا رمضانَ".

ولورود ذلك في الشعر والنثر قَبِلَهُ من يُعتدّ بهم من النحاة بالصفتين السابقتين.

يقول ابن مالك:

وإنْ يُفِدْ تَوْكيدُ منْكورٍ قُبِلْ

وعن نُحاةِ البَصرة المنْعُ شَمِلْ

ويقول ابن هشام أيضا: وإذا لم يفد توكيد النكرة، لم يجز باتفاق وإن أفاد جاز عند الكوفيين، وهو الصحيح. ا. هـ.

1 شاقه: بعث الشوق في نفسه، فغمره السرور والفرح، ويبدو أنه كان يلاقي حبيبته في ذلك الشهر، لذلك تمنى أن يكون هذا الشهر مستغرقا العام كله، مجرد أمنية!!.

الشاهد: في "يا ليت عدة حول كله" حيث أكدت النكرة "حول" لأنها زمان محدود، ولأن لفظ التوكيد هو "كل" فالبيت مؤيد لمن أجازوا توكيد النكرة بالشرطين السابقين.

ص: 598