المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أساليب الاستثناء: 1- المقصود بأسلوب الاستثناء لغة ونحوا، مع بيان أجزاء - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌ ‌أساليب الاستثناء: 1- المقصود بأسلوب الاستثناء لغة ونحوا، مع بيان أجزاء

‌أساليب الاستثناء:

1-

المقصود بأسلوب الاستثناء لغة ونحوا، مع بيان أجزاء جملته التي يتكون منها

2-

المقصود بالمصطلحات النحوية الأربعة "الكلام التام، الكلام الموجَب، المستثنى المتَّصِل، المستثنى المنقَطِع".

3-

المستثنى بعد الحرف "إلا" يتبع ما قبله أو ينصب بحسب أساليبه المختلفة.

4-

المستثنى بالاسمين "غير، سوى" مجرور دائما وتعرب الكلمتان إعراب ما بعد "إلا".

5-

المستثنى بالكلمات "خلا، عدا، حاشا" ينصب إذا اعتبرت أفعالا، ويجر إذا اعتبرت حروفا.

6-

مسألة تكرار "إلّا".

أسلوب الاستثناء وأجزاؤه:

ينصُرُ المواطنون بلادَهم إلا الخونة.

لا يشمتُ الناس في الضّعيف إلا اللؤماء.

يحترم الصادقون آراءَهم إلا الكذوب.

في حياتنا العادية الدارجة تتردد كلمات لها صلة بهذا الموضوع، إذ يقال حين محاباة شخص دون المجموعة بشيء ما "دا يا عمّ مستثنى من المجموعة" ويقصد بذلك أنه متفرد عنها لا يسري عليه ما يسري عليها، وأشهر العبارات بين المثقفين عن ذلك "الاستثناء يثبت القاعدة" على معنى أن لكل شيء شذوذه، وأن بعض الأشياء أو الناس قد تخرج عما هو مقرر لأمثالها، وذلك لا يخل بالقاعدة؛ لأنه طبيعي.

ص: 482

يقول اللغويون: الاستثناء في اللغة هو الإخراج مطلقا بالقول أو بالفعل فالطالب الذي يطلب منه عدم الاشتراك في الرحلة، فيترك زملاءه استثني من مجموعهم، وخرج عن زمرتهم.

أما لدى النحاة: فأسلوب الاستثناء هو الأسلوب الذي يتحقق فيه الإخراج بواسطة أداة من أدوات الاستثناء "إلا وأخواتها"، ففي المثال "ينصر المواطنون بلادهم إلا الخونة" هذا أسلوب استثناء متكامل، إذ خرج "الخونة" من "المواطنون" الذين ينصرون وطنهم بواسطة الأداة "إلا" وتتكون جملة الاستثناء المتكاملة من الأمور التالية:

المستثنى: هو الاسم الواقع بعد أدوات الاستثناء، ويحدد علميا بأنه الاسم المخرج من أمثاله الذين تقرر لهم حكم خاص في الجملة قبل أداة الاستثناء وهو في الأمثلة السابقة على التوالي "الخونة، اللؤماء، الكذوب".

أدوات الاستثناء: هي كلمات خاصة تستعمل في الجملة لتفيد إخراج ما بعدها من حكم ما قبلها، وهي بالتحديد "إلا، غير، سوى، خلا، عدا، حاشا" وهناك أداتان أخريان "ليس، لا يكون" وقد مر ذكرها في النواسخ.

المستثنى منه: ويقع قبل أدوات الاستثناء، ويحدد علميا بأنه الاسم العام الذي ينسب له الحكم في الجملة ومنه يكون إخراج المستثنى، وهو في الأمثلة السابقة على التوالي "المواطنون، الناس، الصادقون".

الحكم: هو المعنى الذي ينسب للمستثنى منه -إثباتا أو نفيا- بحيث يكون إخراج المستثنى من المستثنى منه إخراجا من هذا الحكم في الوقت نفسه وهو في الأمثلة السابقة مستفاد من "ينصر، لا يشمت، يحترم".

ص: 483

وهنا ينبغي التنبه إلى أمرين:

الأول: أن أدوات الاستثناء ليست حروفا كلها، بل منها حروف وأسماء وأفعال، كما سيأتي.

الثاني: أن المستثنى ليس منصوبا دائما، بل يكون منصوبا ومرفوعا ومجرورا، كما سيأتي بالتفصيل.

المصطلحات النحوية الأربعة:

الكلام التام: هو -كما جاء في كتب النحو- ما كان المستثنى منه مذكورا فيه، كقولنا:"أخلص أهل المدينة للرسول إلا اليهود" وتقول: "ينامُ أهلُ القاهرةِ إلا رجالَ الأمن".

الكلام الموجب: هو ما لم يتقدمه في جملته نفي أو نهي أو استفهام كقولك: "سهرتُ الليلَ غير ساعة" فإن تقدمه نفي أو نهي أو استفهام سمي "كلاما غير موجب" كقولك: "لا يشمتُ الناسُ في الضعيفِ إلا اللؤماء" وأيضا "هل يهابُ الناسُ الأعداءَ إلا الجبناء".

المستثنى المتصل: يقصد به ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه بأن يكون المستثنى منه من وادٍ واحد، بحيث إذا لم يذكر المستثنى في الكلام كان معناه متضمنا في المستثنى منه، كقولك:"أدَّيتُ الصلواتِ في أوقاتِها إلا الفجر".

المستثنى المنقطع: يقصد به أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، على معنى أن المستثنى والمستثنى منه ليسا من صنف واحد، بحيث إذا ذكر المستثنى منه، ثم ذكر المستثنى بعده، كان وروده على الذهن غريبا، كقولنا:"يتحمَّلُ الرجالُ مَشَاقَّ الحياةِ إلا المرأة وتتحمَّلُ النساءُ تربيةَ الأطفالِ إلا الرجل".

ص: 484

ويمثل النحاة لذلك بمثال يجسد الفكرة ويقربها وهو "شَرِبَ الخيلُ إلا حمارا" فمن الواضح أن "الحمار" ليس من جنس الخيول.

بعد هذه المقدمة الضرورية لمعرفة جملة الاستثناء وما يطلق عليها من مصطلحات نحوية ندرس أدوات الاستثناء متوالية من حيث كيفية ورود كل منها في الكلام العربي، وأحكام المستثنى مع كل منها رفعا ونصبا وجرًّا.

الاستثناء بالحرف "إلا":

يجب التنبه إلى أن "إلا" حرف استثناء مبني، وليست فعلا ولا اسما وهي أشهر أداة من أدوات الاستثناء، والاسم الذي يقع بعدها يختلف الحكم عليه باختلاف الأسلوب الذي ترد فيه.

والجملة التي ترد فيها "إلا" في الكلام العربي تأتي على صور ثلاث تفصيلها في الآتي:

الصورة الأولى:

أورقت الأشجارُ إلا واحدةً.

تُمْتِعُنَا فصولُ العامِ إلا الصَّيفَ.

تحلو فتراتُ العمرِ إلا الشيخوخةَ.

أن ترد في كلام تام موجب، ومن البيِّن -بعد ما تقدم- أن المراد بهذه الصورة أن يكون المستثنى منه مذكورا والكلام خالٍ من النفي والنهي والاستفهام، وفي هذه الصورة يجب نصب المستثنى، كما ترى في الأمثلة السابقة من نصب الكلمات "واحدة، الصيف، الشيخوخة" وجوبا، ومن ذلك قول القرآن:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} 1 {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ

1 من الآية 249 سورة البقرة.

ص: 485

كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ} 1 وقول الشاعر:

لكلِّ داءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ به

إلّا الحماقةَ أعْيَتْ من يُدَاوِيها2

الصورة الثانية:

لا تُرى الكواكبُ بالعين المجردة إلا القمر.

لا تُرى النجومُ بالعين المجردة إلا القمر.

ما بقيتْ فرصُ الحريةِ إلّا القتال.

ما بقيتْ المساعي السّلميةُ إلا القتال.

أن يكون الكلام تاما غير موجب، بأن يكون المستثنى منه مذكورا في الكلام، وتقدمه نفي أو نهي أو استفهام، وفي هذه الصورة تفصيل كما يلي:

أولا: إذا كان الاستثناء متصلا -بأن كان المستثنى من جنس المستثنى منه- صح في المستثنى أمران:

أ- الإتباع للمستثنى منه في إعرابه رفعا ونصبا وجرا، فيعرب -على الرأي الراجح- بدلا منه، بدل بعض من كل، والبدل كما سيأتي أحد التوابع.

ب- النصب على الاستثناء، فيكون ما بعد "إلا" منصوبا كما في الصورة الأولى.

ففي المثال "لا تُرى الكواكبُ بالعين المجردة إلا القمر" يصح في كلمة "القمر" الإتباع للكلمة "الكواكب" بدلا منها، فترفع، كما يصح

1 من الآيتين 30، 31 سورة الحجر.

2 معنى البيت: لكل داء دواء يشفيه، والحماقة داء، لكن لا دواء لها.

الشاهد: في "لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة" فإن كلمة "الحماقة" مستثنى واجب النصب؛ لأنه ورد مع "إلا" في كلام تام موجب.

ص: 486

نطقها بالنصب على الاستثناء، ومثله أيضا "ما بقيتْ فرصُ الحريةِ إلا القتال" كلا الوجهين إذن جائز في المستثنى المتصل، لكن الأفصح في اللغة هو الإتباع، وعلى ذلك جاء نطق الحجازيين والتميميين، وأيدته قراءات القرآن.

- من القرآن: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} 1 قرئت"قليل" بالرفع والنصب.

- من القرآن: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} 2 قرئت "امرأتك" بالرفع والنصب.

قال ابن هشام: فإن كان متصلا، جاز في المستثنى وجهان، أحدهما -وهو الراجح- أن يعرف بإعراب المستثنى منه على أن يكون بدلا منه بدل بعض من كل، والثاني النصب على أصل الاستثناء، وهو عربي جيد والإتباع أجود منه ا. هـ.

ثانيا: إذا كان الاستثناء منقطعا، بأن كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فقد ورد عن العرب ما يلي:

أ- أهل الحجاز يلتزمون نصبه، ويصف النحاة هذه اللغة بأنها اللغة العليا.

ب- بنو تميم يرجحون نصبه، والإتباع لديهم جائز وهو أقل فصاحة ففي المثال "لا تُرَى النُّجٌومُ بالعين المجرَّدةِ إلا القمر" فإن المستثنى "القمر" ينصب وجوبا على لغة أهل الحجاز، وعلى لغة بني تميم الأفصح نصبه أيضا لكن يصح رفعه إتباعا لكلمة "النجوم" ومثله أيضا المثال "ما بقيت المساعِي السلميةُ إلا القتال".

1 من الآية 66 من سورة النساء.

2 من الآية 81 سورة هود.

ص: 487

ولكل من النطقين ما يؤيده من شواهد اللغة:

فقد وردت قراءات القرآن على لغة الحجازيين في التزام النصب في الآيتين:

- {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 1.

- {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2.

لكن ورد على لغة بني تميم شعر فصيح وفيه الإتباع، ومن ذلك قول الراجز:

يا ليتني وأنت يا لَمِيسُ

في بلدةٍ ليس بها أنيسُ

إلا اليَعافيرُ وإلّا الْعِيسُ3

ثالثا: هذا التفصيل السابق إنما هو في المستثنى المتأخر عن المستثنى منه أما إذا تقدم على المستثنى منه، فيجب نصبه سواء أكان متصلا أم منقطعا لا فرق بين الاثنين في ذلك، وقد أوردت معظم كتب النحو الشاهد التالي في مدح آل البيت، قال الكميت:

وما لِيَ إلّا آلَ أحمدَ شِيعَةٌ

وما لِيَ إلّا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ4

1 الآيتان 19، 20 سورة الليل.

2 من الآية 157 سورة النساء.

3 اليعافير: البقر الوحش، العيس: الإبل.

أمنية غريبة حبيبة: أن يكون مع حبيبته "لميس" في بلدة لا أحد فيها إلا البقر الوحش والإبل.

الشاهد: "ليس بها أنيس إلا اليعافير" فهذا كلام تام غير موجب منقطع وقد جاء المستثنى "اليعافير" بالرفع على الإتباع، وهذا جائز في لغة بني تميم.

4 الشاهد في هذا البيت: تقدم المستثنى على المستثنى منه في كلا الشطرين فيجب نصبه، وقد ورد منصوبا في الشطرين "ما لي إلا آل أحمد شيعة" وأيضا "ما لي إلا مذهب الحق مذهب".

ص: 488

بنصب كلمة "آل" في الشطر الأول، ونصب كلمة "مذهب" في الشطر الثاني.

الصورة الثالثة:

لا يكذبُ إلا الجبانُ.

فلا يعرف القويُّ إلا الصراحةَ.

ولا يتحدّثُ إلا بالصدقِ.

أن يكون الكلام غير تام وغير موجب، والمقصود بهذه الصورة إذن أن يكون الأسلوب خاليا من المستثنى منه، وأن يتقدمه نفي أو شبهه، كما ترى في الأمثلة السابقة.

في هذه الصورة تصبح "إلّا" ملغاة لا عمل لها، ويقول عنها النحاة في الإعراب:"إلا: أداة استثناء ملغاة لا عمل لها" ويعرب الاسم الذي بعدها بحسب ما يقضي به نظام الجملة، فإن احتاجت إلى فاعل أو نائب فاعل رفع وإن احتاجت لاسم منصوب نصب، وإن احتاجت لاسم مجرور جاء مجرورا ففي المثال:"لن يفيدَ إلا النضالُ" كلمة "النضال" فاعل مرفوع، وفي الجملة "هل يخسر اللاجِئُ إلا خيمتَه" كلمة "الخيمة" منصوبة مفعول به، وفي الجملة "لا تُنْصِتَ إلا للكلامِ المفيد" الفعل لازم، فاحتاج إلى جار ومجرور هو "للكلام".

وينبغي الإشارة هنا إلى أمرين مهمين:

الأول: أن النحاة يطلقون على هذه الصورة -غير التام وغير الموجب- أحد مصطلحين "الاستثناء المفرغ، أو الاستثناء الناقص" ولكل من التسميتين تسويغه لديهم، فهو استثناء مفرّغ -كما يقول ابن هشام- لأن ما قبلها قد تفرغ

ص: 489

للعمل فيما بعدها، وهو استثناء ناقص؛ لأن جملة الاستثناء نقصت ركنا مهما من أركانها هو "المستثنى منه".

الثاني: أن العلامة التي تُعرف بها هذه الصورة من الاستثناء أن تحذف "إلا" مع حرف النفي أو شبهه ويبقى الكلام سليما والجملة متكاملة، فتقول مثلا في:"لن يفيد إلا النضال" تقول: "يفيد النضال" وهكذا.

المستثنى بالاسمين "غير وسوى":

ينبغي التنبه إلى أن الكلمتين "غير، سوى" من الأسماء المعربة والأولى معربة بحركات ظاهرة، والثانية معربة بحركات مقدرة؛ لأنها اسم مقصور.

ويتلخص رأي النحاة في أساليب الاستثناء بهما في العبارتين التاليتين:

أ- المستثنى مجرور بهما دائما بالإضافة إليهما.

ب- الكلمتان "غير، سوى" اسمان معربان، وحكمهما في الإعراب حكم الاسم الواقع بعد "إلا" بحسب أساليبه المختلفة التي سبق شرحها.

فلنتأمل الأمثلة الآتية:

- أشرقت الشمسُ كلَّ ساعاتِ النَّهارِ غيرَ ساعةٍ.

- أضاءتْ مصابيحُ الشارعِ سوى مصباحٍ.

تام وموجب.

- ما وَطِئ القمرَ بشرٌ غير بضعةِ رجالٍ.

- ما فازَ الكَسَالَى سوى المُجِدِّ.

تام وغير موجب.

- ما فازَ سوى المجِدِّ.

- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة} .

مفرغ.

ص: 490

في الأمثلة السابقة جاء المستثنى بعد الكلمتين "غير، سوى" مجرورا دائما بالإضافة إليهما، أما الكلمتان أنفسهما "غير، سوى" فقد خضعتا في الإعراب لما يخضع له الاسم الواقع بعد "إلا" ففي الكلام التام الموجب يجب نصبهما على الاستثناء، وفي الكلام التام غير الموجب يتبعان ما قبلهما أو ينصبان بحسب نوع المستثنى متصلا أو منقطعا وما ورد من اختلاف النطق بين الحجازيين والتميميين، وفي الاستثناء المفرغ يعربان بحسب ما يقتضيه سياق الكلام قبلهما، ويمكن تطبيق هذا الفهم على هاتين الكلمتين في الأمثلة السابقة.

وقد ورد من شواهد الاستثناء المفرغ مع كلمة "سوى" قول الفَنْد الزِّمَّاني:

فلما صرَّحَ الشَّرُّ

وأمسى وهْوَ عُريانُ

ولم يبقَ سوى العُدوا

نِ دِنَّاهم كما دَانُوا

وقول أبي دهبل الجمحي:

أأتركُ لَيْلَى ليس بيني وبينها

سوى ليلةٍ إنِّي إذنْ لصبورُ2

1 صرح الشر: بان وظهر، وهو عريان: كناية عن ظهوره أيضا، العدوان: الظلم، دناهم كما دانوا: عاقبناهم بما يعاقبونا به.

يقول: حين أعلن الشر بيننا وبين أعدائنا، ولم يبق غيره، عاقبناهم كما يعاقبوننا، وظلمناهم كما يظلموننا.

الشاهد: في "لم يبق سوى العدوان" وردت "سوى" في كلام مفرغ فتعرب بحسب ما يقتضيه سياق الكلام، وسياق الكلام يقتضي أن تكون فاعلا للفعل قبلها، أما المستثنى "العدوان" فهو مجرور.

2 الشاهد: في "ليس بيني وبينها سوى ليلة" جاءت "سوى" في استثناء مفرغ، فهي اسم "ليس" مؤخر، إذ تعرب بحسب سياق الكلام.

ص: 491

المستثنى بالكلمات "خلا، عدا، حاشا":

سَيَفْنَى كلُّ شيءٍ في الحياةِ ما خلا وجهَ الله.

وكلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ ما حاشا الأنبياءَ.

ويغفرُ الله كلَّ الذنوبِ ما عدا الشّركَ بالله.

يرى النحاة أن هذه الكلمات الثلاث "خلا، عدا، حاشا" تستعمل أفعالا جامدة ماضية أو حروف جر، وهذا غريب!! إذ كيف تستعمل الكلمة الواحدة فعلا مرة وحرف جر مرة أخرى!.

لكن، يبدو أن لكلام النحاة توجيها صحيحا؛ لأنهم حين استقر أول الأساليب العربية التي ترد فيها هذه الكلمات، وجدوا أن الاسم بعدها يرد منصوبا أحيانا ومجرورا أحيانا أخرى، وفي حالة نصبه بعدها وجدوها تقبل بعض علامات الأفعال، مثل تاء التأنيث فيقال:"خلتْ، عدتْ" ومن ذلك العبارة المأثورة عند العرب من قولهم: "عدت القبيلةُ طورها" وهي لا تكون إلا مع الأفعال، بخلاف ما إذا ورد الاسم بعدها مجرورا فإنها لا تقبل هذه العلامات، فحكموا بأنها أفعال في الاستعمال الأول وحروف في الاستعمال الثاني.

والخلاصة أن الأسلوب الذي ترد فيه هذه الأدوات أفعالا يختلف عن الأسلوب الذي ترد فيه حروفا للجر، فلا غرابة إذن في قول النحاة ولا تناقض.

إذا تقرر ذلك فإن الذي يلخص أساليب الاستثناء بهذه الكلمات عبارة واحدة هي "إنما ينصب المستثنى بعدها إن قدرتها أفعالا، ويجر إن قدرتها

ص: 492

حروفا جارة للمستثنى" وتفصيل هذه العبارة المختصرة يتحقق في الصور الثلاث التالية:

الأولى: أن يتقدم على هذه الكلمات الثلاث "ما: المصدرية" فتكون أفعالا قطعا؛ لأن "ما المصدرية" لا تدخل إلا على الأفعال: وحينئذٍ يجب نصب المستثنى بعدها على أنه مفعول به لهذه الأفعال، كقولنا:"سيفنى كلُّ شيءٍ ما خلا وجهَ الله" وقولنا: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ ما حاشا الأنبياءَ".

ومن ذلك:

- قول لبيد:

ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ

وكلُّ نعيمٍ لَا مَحَالَةَ زائلُ1

- ما ينسب للرسول: "أسامة أحب الناس إليّ ما حاشا فاطمة"2.

الثانية: ألا يتقدم عليها "ما المصدرية" وتعتبر أفعالا، حينئذٍ ينصب المستثنى بعدها أيضًا على أنه مفعول به، فنقول:"سيفنى كلُّ شيءٍ خلا وجهَ الله" ونقول: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ حاشا الأنبياءَ".

الثالثة: ألا يتقدم عليها "ما المصدرية" وتعتبر حروفا للجر، حينئذٍ يجب جر المستثنى بعدها بها، تقول:"سيفْنَى كلُّ شيءٍ خلا وجهِ الله".

وتقول: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ حاشا الأنبياء".

1 مر هذا البيت من قبل، وقد جاء هنا شاهدا في الاستثناء في "ما خلا الله".

تقدمت "ما: المصدرية" على الفعل "خلا" فنصب المستثنى بعده مفعولا به.

2 بحثت عن هذا الحديث -قدر جهدي- فلم أجده، وقد ساقه الأشموني بأسلوب الشك، وحوله كلام كثير.

ص: 493

تكرار "إلّا":

"المجموعة الأولى".

- اخضرت أشجار الحديقة إلا واحدة إلا أوراقها

- أثمرت أشجار الحديقة إلا شجرة برتقال وإلا شجرة ليمون.

"المجموعة الثانية".

- أثمرت أشجار الحديقة إلا شجرة برتقال إلا شجرة ليمون.

- ما نضجت الثمار في الحديقة إلا ثمرة برتقال إلا ثمرة ليمون.

- ما نضج من الثمار إلا ثمرة برتقال إلا ثمرة ليمون.

تأتي "إلا" مكررة، إذ يجيء بعد "إلا" الأولى واحدة أحرى أو اثنان أو أكثر، فيكون حكمها النحوي كالآتي:

أولا: أن يأتي بعد "إلا" المكررة ما يكون "بدلا" مما قبله، أو "معطوفا عطف نسق" على ما قبله، وحينئذٍ توجَّه الجملة نحويا كما يلي:

1-

تعامل "إلا" الأولى بحسب الأصل في صوره المختلفة التي سبقت دراستها، بل إنها لتتعين لذلك.

2-

تعتبر "إلّا" المكررة بعد الأولى "ملغاة" تفيد التوكيد فقط، ويعبر عنها في الإعراب "إلا: حرف توكيد ملغاة" وما بعدها بدل أو معطوف على ما قبله، كما ترى في مجموعة الأمثلة الأولى "راجعها وطبّق عليها ما فهمت".

ثانيا: أن تتكرر "إلا" ولا يكون ما بعدها "بدلا أو عطف نسق" وحينئذٍ يوجه حكمها النحوي كالآتي:

1-

تعامل "إلا" الأولى بحسب الأصل في صوره المختلفة التي سبقت دراستها، وجاء في "أوضح المسالك": إنها لا تتعين لذلك بل تترجح.

2-

تعتبر "إلا" المكررة عاملة، فينصب ما بعدها على الاستثناء واحدا أو أكثر "راجع مجموعة الأمثلة الثانية، وطبق عليها ما فهمت".

ص: 494

أساليب النداء:

تمهيد: النداء ونوع جملته:

النداء في اللغة معناه: دعوة المخاطب للانتباه والاستماع بأيّ لفظ كان.

والنداء لدى النحاة: الدعوة إلى الانتباه والاستماع بواسطة حروف خاصة يطلق عليها حروف النداء، وهي "يا: وأخواتها".

والمنادى: هو الذي وجهت له الدعوة من إنسان أو غيره من الأشياء إذا افترضت فيها الحياة والفهم.

لكن، لماذا اعتبرت جملة النداء ملحقة بالجملة الفعلية؟

لقد سبق أن الجملة في النحو إما اسمية أو فعلية، وجملة النداء تؤدي معنى كاملا، ولا تندرج تحت واحدة من هاتين الاثنتين، فإذا قلنا:"يا محمد" أدت هذه الجملة معنى كاملا، وليست فعلية ولا اسمية.

لذلك حاول النحاة قسرها على الدخول تحت الجملة الفعلية باعتبار المعنى إذ وجدوا أن "يا محمد" تساوي من حيث المعنى "أدعو محمدا" وما دامت بمعناها فهي مثلها، بل إن بعض النحاة اعتبر الحرف "يا" في الإعراب بمنزلة الفعل "أدعو" ودرس "ابن هشام" باب " النداء" في بعض كتبه بعد "المفعول به" مباشرة، فقال:"ومنه المنادى".

هذا الافتراض السابق يمكن مناقشته ونقضه، فإن الجملتين "يا محمد" و "أدعو محمدا" مختلفتان لفظيا كالآتي:

- يا محمد: أداة نداء + اسم بعدها.

- أدعو محمدا: فعل + فاعل مستتر + مفعول به.

فجملة النداء بالتحليل اللغوي مستقلة عن الجملة الفعلية، ولذلك آثرتُ دراستها "ملحقة بالجملة الفعلية".

ص: 495