المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نصب الفعل المضارع: - النحو المصفى - الكتاب

[محمد عيد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية:

- ‌الكلمة والكلام:

- ‌‌‌الإعرابوالبناء

- ‌الإعراب

- ‌مدخل

- ‌جمع المذكر السالم:

- ‌جمع المؤنث السالم

- ‌الأفعال الخمسة:

- ‌المضارع المعتل الآخر:

- ‌الإعراب الظاهر والمقدر:

- ‌البناء

- ‌مدخل

- ‌البناء في الأسماء:

- ‌البناء في الأفعال:

- ‌البناء في الحروف:

- ‌المحل الإعرابي للكلمات المبنية:

- ‌تدريبات:

- ‌‌‌النكرةوالمعرفة

- ‌النكرة

- ‌المعرفة

- ‌مدخل

- ‌الضمير:

- ‌العَلَم:

- ‌أسماء الإشارة:

- ‌أسماء الموصول:

- ‌المعرَّف بالألف واللام:

- ‌المضاف إلى المعرفة:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الأسمية:

- ‌المبتدأ والخبر:

- ‌نواسخ المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌كان وأخواتها:

- ‌الحروف النافية الناسخة:

- ‌كاد وأخواتها: أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها:

- ‌لا النافية للجنس:

- ‌ظنَّ وأخواتها:

- ‌أعلم وأرى وأخواتهما:

- ‌تدريبات:

- ‌الجملة الفعلية

- ‌مباحثها الأصلية

- ‌مدخل

- ‌إعراب الفعل المضارع

- ‌مدخل

- ‌رفع الفعل المضارع:

- ‌نصب الفعل المضارع:

- ‌جزم الفعل المضارع:

- ‌الفاعل:

- ‌نائب الفاعل:

- ‌أساليب المدح والذم:

- ‌المفاعيل الخمسة:

- ‌المفعول به:

- ‌المفعول المطلق:

- ‌ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه:

- ‌المفعول لأجله:

- ‌المفعول معه:

- ‌الحال:

- ‌التمييز:

- ‌أساليب الاستثناء:

- ‌ما ألحق بالجملة الفعلية:

- ‌النداء على الأصل:

- ‌أسلوب الاستغاثة:

- ‌أسلوب النُّدْبة:

- ‌أسلوب الترخيم:

- ‌تدريبات:

- ‌ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية

- ‌مدخل

- ‌حروف الجر:

- ‌الإضافة:

- ‌أساليب التعجب السماعية والقياسية:

- ‌التوابع الخمسة

- ‌مدخل

- ‌النعت

- ‌التوكيد:

- ‌عطف البيان:

- ‌عطف النسق:

- ‌البدل:

- ‌عمل الأفعال في الجملة:

- ‌الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال:

- ‌اسم الفعل:

- ‌المصدر:

- ‌اسم الفاعل:

- ‌أمثلة المبالغة:

- ‌اسم المفعول:

- ‌الصفة المشبهة:

- ‌اسم التفضيل:

- ‌تدريبات:

- ‌دراسة لأبواب خاصة النحو:

- ‌الاشتغال:

- ‌التنازع:

- ‌الحكاية:

- ‌العدد:

- ‌كنايات العدد:

الفصل: ‌نصب الفعل المضارع:

‌نصب الفعل المضارع:

1-

الحروف الأصلية لنصب المضارع "أن، لَنْ، إِذَنْ، كَيْ"

2-

ينصب المضارع "بأن" مضمرة وجوبا بعد الحروف الخمسة الآتية:

أ- حرفان للجر هما "لام الجحود، حتى".

ب- ثلاثة حروف للعطف هي "أو، فاء السببيّة، واو المعيّة".

3-

ينصب المضارع "بأن" مضمرة جوازا في الجملة التي يتحقق فيها ما يلي:

أ- وقوع الفعل بعد أحد حروف العطف الأربعة "الواو، الفاء، ثم، أو".

ب- أن يسبق حرف العطف في الجملة باسم محض "المصدر غالبا".

4-

ينصب المضارع "بأن" مضمرة شذوذا في غير ما سبق مما سمع عن العرب.

الحروف الأصلية لنصب المضارع:

الحرف الأول "أنْ":

لاحظ الأمثلة التالية:

أرسلتُ إليه خطابا أن احضر. "مفسرة".

بلغ القائدُ إشارةً أن أطلقُوا الرصاص. "مفسرة".

لمّا أن ناداني الواجبُ أجَبْت. "زائدة".

وأقسمُ أنْ لو طُلبتْ نفسي لقدّمتُها راضيا. "زائدة".

ص: 352

علمتُ أنْ ستسافرُ اليوم. "مخففة من الثقيلة".

وكنت أظن أنْ ستبقَى معنا أياما. "مخففة من الثقيلة".

من الضَّارِّ أنْ تُعَاشِرَ متبلّدَ الإحساس. "مصدرية".

ومن المفيد أنْ تصاحب الذَّكيّ اليقظ. "مصدرية".

تستعمل "أنْ" في اللغة العربية استعمالات أربعة بحسب الجملة التي ترد فيها.

الاستعمال الأول: المفسّرة:

وهذه لا تنصب المضارع، وإنما تكون مثل الحرف "أي" تماما، فهي حرف تفسير لا موضع له من الإعراب.

وتأتي "أن" مفسرة إذا جاءت في الكلام بعد "ما فيه معنى القول دون حروفه" مثل "أرسل، أوحى، أشار، كتب، عرف" تقول: "كتبتُ إلى صديقي أنْ سأزوره قريبًا، وعرَّفته أن سأمكثُ أياما معه".

قال القرآن: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} 1.

الاستعمال الثاني: الزائدة:

وهي تلك التي تقع حشوا في الكلام، ولا يختل الكلام مع حذفها وإن كانت تفيد توكيده، وهذه لا شأن لها بنصب المضارع، وإنما هي حرف زائد لا محل له من الإعراب.

وتأتي زائدة في المواضع التالية:

1 من الآية 27 سورة المؤمنون.

ص: 353

1-

إذا جاءت بعد "لمّا، الحينيَّة" كقول القرآن: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} 1.

2-

إذا جاءت بين القسم وأداة الشرط "لو" مثل "أحلفُ بالله أن لو غضبتُ ما ظَلَمْتُ" ومن ذلك قول المسيب بن علس:

فأقسمُ أن لو التقينا وأنتُمُ

لكان لكم يومٌ من الشّرِّ مُظْلِمُ2

3-

أن تقع بين حرف الجر "الكاف" ومجرورها، تقول:"بدا السرابُ في الصحراء كأنْ سحابٍ".

الاستعمال الثالث: المخففة من الثقيلة:

معنى "المخففة من الثقيلة" أن أصلها "أن" الناسخة التي تنصب الاسم وترفع الخبر ولكن خفقت نونها فأصبحت نونا واحدة ساكنة.

وتكون "أنْ" مخففة من الثقيلة إذا سبقها في الكلام ما يفيد اليقين أو الظن فيأتي الفعل بعدها مرفوعًا، ويفصل منها بأحد الحروف التالية "السين، سوف، النفي، قد، لو"3 تقول: "عملتُ أنْ ستبذلُ غايةَ جهدك بعد ما ظننتُ أنْ لا تقدّرُ مسئوليتك" ومن ذلك قول القرآن:

{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 4.

1 من الآية 96 من سورة يوسف.

2 الشاهد في الشطر الأول "أقسم أن لو التقينا" فإن الحرف "أن" زائد بين القسم وأداة الشرط "لو".

3 راجع باب "إن وأخواتها" في موضوع "تخفيف نونها".

4 من الآية 20 من سورة المزمل.

ص: 354

"وحسبوا أَلا تكونُ"1 في قراءة رفع تكون.

قال ابن هشام عن الواقعة بعد الظن: يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة فيكون حكمها -كما ذكرنا- ويجوز أن تكون ناصبة وهو الأرجح في القياس والأكثر في كلامهم، ولهذا أجمعوا على النصب في قوله تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} واختلفوا في قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فقرئ بالوجهين ا. هـ.

ومعنى ذلك باختصار: أن "أنْ" الواقعة بعد اليقين مخففة من الثقيلة دون توجيه آخر، أما الواقعة بعد الظن فيصح أن تكون مخففة من الثقيلة وأن تكون ناصبة للمضارع، وستأتي.

الاستعمال الرابع: المصدرية الناصبة للمضارع:

وهي غير ما سبق من استعمالات "أن" الثلاثة.

- يقول أحد الشعراء المعاصرين:

أريدُ أنْ أعشَقَ أنْ ألمَسَ الـ

ـأعماقَ أن ألمسَ أعماقي

أن أعبدَ الله كما لم أكن

أعبدُه في عمري الباقي

بي ظمأٌ بي ظمأٌ قاتلٌ

فأين يَنبوعُك يا ساقي2

ويقال عنها في الإعراب "حرف مصدري ونصب" فهي حرف مصدري

1 من الآية 71 من سورة المائدة.

2 من قصيدة بعنوان "النهر الظامئ" للشاعر المعاصر "محمد الفيتوري" وقد سيقت الأبيات للتمثيل لا الاستشهاد.

وموضع التمثيل: استعمال" أن" مصدرية ناصبة للأفعال "أعشق، ألمس، أعبد" على التوالي.

ص: 355

تؤول مع ما بعدها بمصدر يشغل الوظائف النحوية المختلفة، وهي حرف نصب لأنها تنصب الفعل المضارع.

لكن ورد من الشعر المجهول القائل:

يا صاحبيَّ فَدَتْ نفسي نفوسكما

وحيثما كنتُما لاقيتُما رشدا

إن تَقْضِيَا حاجةً لي خفّ محملُها

تَسْتَوْجِبَا منَّة عندي لها ويدا

أن تقرآن على أسماءَ ويحكُما

منّي السّلامَ وأن لا تُشعرا أحدا1

وقد أثار البيت الأخير مناقشات حادة، إذ جاء الفعل "تقرآن" مرفوعا بعد "أن" وهذا ما دعا إلى القول بأن الحرف "أن" يهمل، فلا ينصب الفعل المضارع.

والحق أنه لا داعي لكل ذلك، فهذه لغة الشعر، ويؤيد ذلك الشطر الثاني من البيت، إذ استخدمت فيه "أن" ناصبة للمضارع، وهذا يناقض إهمالها، إذ لا يعقل أن يستخدم الشاعر لغات متعددة لحرف واحد وفي بيت شعري واحد.

الحرف الثاني: لَنْ:

لاحظ الأمثلة الآتية:

1 يدعو صاحبيه، ثم يدعو لهما بطول العمر والرشاد؛ ليعطفهما إليه ويقول: إن لي حاجة خفيفة الحمل عظيمة النفع، وإن تؤدياها تصنعا بي معروفا لا أنساه، حاجتي أن تبلغا سلامي وأشواقي إلى حبيبتي "أسماء" سرًّا ودون أن يشعر أحد.

الشاهد: في "أن تقرآن" حيث جاء الفعل مرفوعا بعد "أن" مما حمل بعض النحاة على القول بأنها مهملة، والرأي أن ثبوت النون اقتضته لغة الشعر، بدليل أنه حذف معها النون في الشطر الثاني في قوله:"أن لا تشعرا أحدا".

ص: 356

لن أخونَ العهد ولن أقصّرَ في الواجب.

ولن أكذبَ ولن أغشَّ ولن أخادعَ.

يعبر المعربون عن الحرف "لن" بقولهم "لن: حرف نفي ونصب واستقبال" فهي تفيد النفي، وينصب المضارع بعدها، ويصير معناه خالصا للمستقبل بعد أن كان صالحا بدلالته على الحال والمستقبل، وإلى هنا اتفق النحاة والمعربون في شأن "لن".

أما أن هذا الحرف يفيد تأبيد النفي، بمعنى أنك إذا قلت لن أخطئ في حق غيري فمعناه أنك لن تخطئ أبدا، فيبدو أن الاستعمال العربي لا يؤيده، ولنتأمل الاستعمال القرآني:

- ما جاء على لسان مريم: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} 1 "النفي مقيد باليوم فهو غير مؤبد".

- ما جاء عن الكفار والموت {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} 2 "كلمة: أبدا أفادت التأبيد، لا: "لن".

وأما أن هذا الحرف يقيد تأكيد النفي، فإذا قلت:"لن أنافِقَ القَوِيَّ ولن أحتقِرَ الضّعِيفَ" فهو أقوى في النفي من قولك: "لا أنافِقُ القَوِيَّ ولا أحتقِرُ الضعيفَ" فإن المتأمل للاستعمال العربي يتأكد لديه أنه لا مزية للحرف "لن" على غيره من أدوات النفي في إفادة المعنى.

والخلاصة أن الحرف "لن" يفيد النفي والنصب والاستقبال، وما عدا ذلك لا يؤيده الاستعمال.

1 من الآية 26 من سورة مريم.

2 من الآية 95 من سورة البقرة.

ص: 357

الحرف الثالث: إذن:

لاحظ المحادثة التالية:

- سألتقي بك الليلةَ في الرابعة مساء.

- إذن نذهبَ معًا للنزهة.

- ولعلك تذكرُ حفل الكلية في الثَّامنةِ مساء.

- إذن نتوجهَ إليه بعد ذلك.

يقول المعربون: "إذن: حرف جواب وجزاء" فهي بذلك تأتي في جواب كلام سابق، وهي أيضا تفيد المكافأة في هذا الجواب، أما أنها تفيد الجواب فهذا أمر لازم لها لا يتخلف عنها، وأما أنها تفيد الجزاء فليس أمرا دائما والمحادثة السابقة لا جزاء فيها، لكن في المحادثة التالية:

- سأنتبهُ للأسَاتذةِ وأذاكرُ بفهْم.

- إذن تتفوَّقَ.

ففي هذه المحادثة تتضح المكافأة وهي "التفوق" فهي هنا حقا حرف جواب وجزاء، وسواء أفادت الجواب فقط أم الجواب والجزاء، فإنها تنصب الفعل المضارع بعدها، بشرط أن يتوافر لجملتها الصفات التالية:

أ- أن تقع "إذن" في أول جملة الجواب، فلا يتقدمها شيء غيرها فإن وقعت حشوا لم تنصب المضارع، بل يرفع، كما يعلق رئيس العمال في أحد المصانع على حسن سير العمل بقوله:"العمل إذن يتقدَّمُ بسرعة، والعمالُ إذن يؤدّون واجباتهم بإخلاص".

ب- أن يكون الفعل بعدها مستقبلا، أي خلص معناه للمستقبل

ص: 358

فلا يدل على الحال، فإن دل على الحال لم ينصب المضارع، بل يرفع، كما يبدو في المحادثة التالية:

- نزل الفريقان أرضَ الملعبِ وبدأت المباراة.

- إذن يلعبان مباراةً شائقة.

ج- أن تتصل "إذن" بالفعل بعدها، فلا يفصل بينهما فاصل، كما هو واضح في الأمثلة السابقة، فإن فصل بينهما فاصل رفع الفعل بعدها ولنتأمل ما يلي:

- أتَمَنَّى أن تُثَقِّفَ نفسك بقراءتِك الذاتية.

- إذن -في الإجازة الصيفية- أحقِّقُ هذه الأمنية.

- وقد استثني من الشرط الأخير "الفصل بالقسم" حيث ينصب الفعل المضارع مع الفصل به، وأشهر ما ورد شاهدا لذلك قول حسان بن ثابت:

إذَنْ واللهِ نرميَهم بحربٍ

تُشِيبُ الطفلَ من قبلِ المشيبِ1

الحرف الرابع: كَيْ

تأتي "كي" في اللغة بالاستعمالات الآتية:

الاستعمال الأول: حرف مصدري ونصب

لاحظ من الأمثلة ما يلي:

- جئتُ لكي أطمئنَّ عليك.

- وأحضرتُ الطبيب لكي يراك.

1 الشاهد: قوله "إذن والله نرميهم" فقد نصب الفعل "نرمي" بالحرف "إذن" مع الفصل بالقسم "والله".

ص: 359

فالحرف "كي" في هذا الاستعمال "مصدري ونصب" مثل "أن" الناصبة للمضارع تماما، وإنما تكون كذلك إذا تقدم عليها حرف الجر "اللام" ومن ذلك قول القرآن:{لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} 1.

الاستعمال الثاني: حرف تعليل وجر:

لاحظ من الأمثلة ما يلي:

دعوتُ الله كيما أنْ يُسَاعِدَنِي.

ورجوتُه كيما أنْ يرعاني.

فالحرف "كي" هنا حرف تعليل وجر -مثل اللام تماما- وإنما تكون كذلك إذا فصل بينها وبين الفعل "أن: المصدرية".

وقد ورد على هذا الاستعمال قول جميل:

فقالتْ أكلَّ الناسِ أصبحتَ مانحًا

لسانَك كيما أنْ تَغُرَّ وتَخْدعا2

الاستعمال الثالث: حرف مصدري ونصب -أو- تعليل وجر "وجهان":

لاحظ من الأمثلة ما يلي:

1 الآية 23 من سورة الحديد.

2 مانحا: معطيا.

تعاتبه على حديثه مع الأخريات، إذ يكلمهن بكلام معسول يغرهن ويخدعهن.

الشاهد: في "كيما أن تغر وتخدعا" فإن "كي" حرف جر، لتوسط "أن" بينها وبين الفعل.

ص: 360

- الاستقامةُ عاملٌ مهمٌّ كي يتحقَّقَ الأمل.

- والانحرافُ عاملٌ مدمّرٌ لكيما أنْ تتعثَّرَ الحياة.

وفي هذا الاستعمال يصح في الحرف "كي" الوجهان، أن تكون مصدرية وأن تكون تعليلية، وإنما تكون كذلك إذا خلت مما يجذبها للمصدرية أو التعليلية، أو إذا تنازعها ما تكون به مصدرية وتعليلية، ويأتي ذلك كما يلي:

1-

إذا لم يتقدم عليها "اللام" ولم تأت بعدها "أن" المصدرية، حيث تستعمل وحدها في الجملة، كقول القرآن عن المال:{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فيصح توجيه "كي" مصدرية أو تعليلية.

2-

أن يتقدم عليها "اللام" وتتأخر عنها "أن" فاللام تقتضيها مصدرية ووجود "أن" يقتضيها تعليلية، حينئذٍ يصلح توجيهها على أنها مصدرية أو تعليلية كما في المثال السابق "الانحرافُ عاملٌ مدمّرٌ لكيما أنْ تتعثّرَ الحياة".

إضمار "أن" وجوبا

هكذا يرى جمهور النحاة: تضمر "أن" وجوبا، فهي لم تظهر أبدا ومع ذلك فهي مقدرة بعد حرفين من حروف الجر، وثلاثة من حروف العطف، ففي الأمثلة:

لولا الجامعةُ ما كنت لأتثقَّفَ علميًّا أو لأتهذَّبَ اجتماعيًّا.

وإنني لأبذلُ غايةَ الجَهْدِ حتى أحققَ الغايتين معا.

الأفعال "أتثقف، أتهذب، أحقق" على التوالي منصوبة "بأنْ" مضمرة وجوبا، أي مضمرة دائما ولا تظهر أبدا.

ص: 361

والذي دعا إلى هذا التقدير الغريب أمر ذهني هو "الرغبة في اطّراد القواعد" وتوضيح ذلك فيما نحن بصدده أن إضمار "أن" -كما سنعرف بالتفصيل- يأتي بعد حرفين للجر هما "لام الجحود، حتى" وبعد ثلاثة للعطف هي "أوْ، فاء السببيبة، واو المعية" فإذا جاء المضارع منصوبا بعد الأولى يجب أن تبقى حروف جر، ويبحث له عن حرف نصبه هو "أن" المضمرة، وإذا جاء منصوبا بعد الأخيرة، يجب أن تبقى حروف عطف ويبحث له عن ناصب هو "أن" المضمرة.

ذلك منطقهم!! وهو منطق متكلف، ومن السهل نقضه، إذ إن استعمال هذه الحروف مع الأفعال المنصوبة يختلف عن استعمالها حروف جر أو عطف مع غيرها، فلماذا يفرض استعمال على استعمال!! ولماذا لا تكون مع الأفعال المنصوبة حروف نصب مثل الحرف "أن" تماما!! لعل ذلك كان وجهة نظر الكوفيين ومن يعتد بهم من النحاة -كابن مضاء- الذين قالوا بما يقرب من هذا الرأي السابق.

وعلى كل حال، فسنتناول هذه الحروف الخمسة، واحدا بعد الآخر على أساس أن "أنْ" مضمرة بعدها متابعة لجمهور النحاة.

الحرف الأول: لام الجحود "لام التعليل، لام العاقبة":

لاحظ الأمثلة التالية:

غداة الهزيمةِ لم يكنْ هناك عربيٌّ ليقْبَلَ العارَ

وما كان أحدٌ ليتوقّعَ أن يحدُثَ ما حَدث. "لام الجحود".

لكن اليهود بيَّتُوا الغدرَ ليُفاجئونا. "التعليل".

ص: 362

فهاجموا مواقعَ الطيرانِ لينتصروا انتصارًا رخيصًا مُذهِلا. "العاقبة".

لام الجحود: الجحود معناه: شده الإنكار والرفض، ومن ذلك ما يقال:"جحد الكفار الإسلام" أي: أي رفضوه أشدّ الرفض، ولام الجحود تفيد النفي المؤكد.

وتحدد نحويا بأنها هي التي تقع بعد "مَا كَانَ" أو بعد "لم يَكُنْ".

ومن البيّن أن "ما كان" نفي، وأيضا "لم يكن" نفي، فتأتي اللام بعد ذلك مفيدة تأكيد النفي، كقولك:"لم أكن منافقًا لأكذِبَ وما كنت نَمَّامًا لأفسِدَ ما بين الناس" ومن ذلك قول القرآن:

- {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} 1.

- {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} 2.

وهذه اللام تضمر "أن" بعدها وجوبا، فالفعل منصوب "بأن المضمرة" هذا.. وتستعمل اللام أيضًا مع المضارع الاستعمالين الآتيين:

لام التعليل: وهي التي يكون ما بعدها سببا فيما قبلها، إذ تفيد أن ما قبلها يترتب على ما بعدها، كقولنا:"جاهد الرسولُ ليُسلمَ النَّاس، ورفض الطغاةُ ليعاندوه" ومن ذلك قول القرآن:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} 3.

1 من الآية 137 من سورة النساء.

2 من الآية 33 من سورة الأنفال.

3 الآية الأولى من سورة الفتح.

ص: 363

- {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1.

لام العاقبة: وتسمى أيضا "لام الصّيرورة" و "لام المآل" وهي التي يكون ما بعدها غير متوقع بالنسبة لما قبلها، فهو أمر مفاجئ لم يكن منتظرا كالمثال السابق "هاجمت إسرائيلُ لتنتصرَ انتصارا رخيصا مذهلا" فالانتصار -بهذا الوصف- كان مفاجأة بالنسبة للهجوم، ومن ذلك قول القرآن عن موسى:

- {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} .

والفعل بعد اللامين الأخيرتين -لام التعليل والعاقبة- ينصب "بأن" مضمرة جوازا.

قال النحاة: لأنه يمكن النطق بها بعد هذين الحرفين بخلاف لام الجحود.

لكن ينبغي التنبه إلى استدراك على إضمار "أن" مع لام التعليل، هذا الاستدراك توضحه الأمثلة التالية:

بكَّرتُ في اليقظة لئلَّا أتاخرَ في النَّوم. "ظهرت "أنْ" بعد اللام".

وجئتُ سريعا لئلَّا يفوتَ الموعد. "ظهرت "أنْ" بعد اللام".

وملخص هذا الاستدراك: أنه إذا توسط بين لام التعليل والفعل المضارع حرف "لا" فإنه يجب إظهار "أن" ولا يصح إضمارها.

ومن ذلك قول القرآن:

- {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 2.

1 من الآية 44 من سورة النحل.

2 من الآية 165 من سورة النساء.

ص: 364

الحرف الثاني: حتّى:

ينبغي درس ما يتعلق بهذا الحرف من ناحيتين:

الأولى: استعمالات "حتى" في الكلام العربي

الثانية: "حتى" حين ينصب بعدها المضارع

الناحية الأولى: "حتى" في الكلام العربي

تجيء في اللغة كما يلي:

أولا: حرف جر:

- سنجاهدُ حتى الرمقِ الأخير.

- وسنحرّرُ أرضَنا حتى آخرِ شبرٍ فيها.

فهي في ذلك حرف جر مثل "إلى" ولها شروط خاصة ستأتي في مكانها في باب "حروف الجر".

ثانيا: حرف عطف:

لاحظ الأمثلة التالية:

- وَسِعَ قلبُ الرّسولِ كلَّ النَّاسِ حتّى العصاةَ.

- وشمِلَ عدلُ عمرَ الرّعية حتى الظلمةَ.

فهي هنا حرف عطف، وما بعدها تابع لما قبلها، ولها صفات خاصة ستأتي في مكانها في باب "عطف النسق".

ثالثا: حرف ابتداء:

لاحظ الأمثلة التالية:

- راقتْ سهرةُ الليلة حتّى السّهادُ شائقٌ.

ص: 365

- وطالتْ سهرَتُنا حتى انصرفنا في الفجر.

- وكان الكونُ ساكِنًا حتى يتجاوَبُ فيه الصمتُ.

ففي هذه الأمثلة جميعا وقع بعد الحرف "حتّى" جملة اسمية أو جملة فعلية، فعلها ماض أو مضارع مرفوع، فهي في كل ذلك حرف ابتداء.

هذا وقد وقفت كتب النحو عند المضارع المرفوع بعد "حتى" -في باب إعراب المضارع- فوضعوا من شروطه ما تلخصه العبارة الآتية "أن يكون ما قبلها سببا فيما بعدها، وأن يكون المقصود بالفعل المضارع بعدها الزمن الحالي بالنسبة للمتكلم".

وبالتطبيق على المثال السابق يتضح أن الفعل في "يتجاوبُ فيه الصمت" سببه "سكون الكون" وأن هذا الفعل صاحب ما قبله، فهو يحدث معه، وهو أيضًا صاحب وقت المتكلم به، إذ نطقت هذه الجملة بعد سهرة شائقة بين أصدقاء خرجوا بعدها يجوبون الشوارع في صمت الفجر.

هذا ويمثل النحاة للفعل المضارع المرفوع بمثال مشهور هو "مرِض زيد حتى لا يرجونه".

رابعا: ما ينصب بعدها المضارع:

لاحظ الأمثلة التالية:

يناقشُ القاضي الأدلة حتى تظهر الحقيقة.

1 إعراب: مرض زيد حتى لا يرجونه:

مرض: فعل ماض مبني على الفتح، زيد: فاعل مرفوع بالضمة، حتى حرف ابتداء، لا: حرف نفي، يرجونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وواو الجماعة فاعل، وضمير الغائب مفعول به مبني على الضم في محل نصب.

ص: 366

- وكلُّ إنسانٍ بريءٌ حتى تثبت إدانَتُه.

وكلُّ متّهمٍ تحت الشك حتى تبرأ سَاحَتُه.

في هذه الأمثلة ينصب الفعل بعد "حتى" باعتبارها حرف جر والفعل منصوب "بأنْ" مضمرة على ما هو رأي جمهور النحاة، أو باعتبار "حتى" حرفا ينصب المضارع على ما هو رأي الكوفيين، وقد اشترط لنصب المضارع بعدها شرط مهم تلخصه العبارة التالية "أن يكون الفعل الذي بعدها مستقبلا بالنسبة لما قبلها، سواء أكان مسببا عنه أم لا".

وبتأمل الأمثلة السابقة يتضح فيها جميعا أن ما بعد "حتى" مستقبل بالنسبة لما قبلها، وربما يكون مستقبلا أيضا بالنسبة للمتكلم، مما يحدده ظروف النطق بها.

ومن شواهد هذا الاستعمال الرابع ما يلي:

- قول القرآن: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1.

- قول القرآن: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} 2.

الناحية الثانية معاني "حتى" مع نصب المضارع.

تأمل الأمثلة التالية:

1 من الآية 187 سورة البقرة.

2 الآية 91 سورة طه.

ص: 367

سأسهرُ الليلَ حتى يطلعَ الصباح "بمعنى: إلى".

وسأصابرُ السّفيه حتى يفارِقَ "بمعنى: إلى".

سأعملُ بجدٍّ حتى أتفوَّقَ "بمعنى: كي".

وأؤدي الواجبَ حتى أرضي ضميري "بمعنى: كي".

الحرف "حتى" الذي ينصب بعده المضارع يأتي بالمعاني الآتية:

أ- بمعنى "إلى" إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، كما هو واضح في المثالين الأولين، ومن ذلك ما يمثل به النحاة من قولهم:"لأسيرَنَّ حتى تطلُعَ الشمس".

ب- بمعنى "كي" إذا كان ما قبلها سببا فيما بعدها، كما هو واضح في المثالين الأخيرين، ومن ذلك ما يمثل به النحاة من قولهم:"أسْلِمْ حتى تدخُلَ الجنة".

ج- قد تصلح للمعنيين السابقين جميعا إذا كان الظرف اللغوي الذي ورد فيه الكلام صالحا لهما.

الحرف الثالث: أوْ:

لاحظ الأمثلة الآتية:

أتقنُ عملي بإخلاصٍ أو أرضِيَ ضميري. "بمعنى إلى".

وأناضِلُ ضدَّ الزَّيف أو تنجليَ الحقيقة. "بمعنى إلى".

لا أتركُ ما أقتنعُ به أو يثبتَ أنه خطأ. "بمعنى إلَّا".

وأصدِّقُ حديثَ النصحِ أو أحِسَّ غشه. "بمعنى إلَّا".

يأتي هذا الحرف في اللغة وبعده الفعل المضارع المنصوب، وفي هذه الحالة يكون له المعنيان التاليان:

ص: 368

أ- أن تكون بمعنى "إلى" إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، ويمثل له النحاة بقولهم:"لألْزَمَنَّك أو تقضيَني حقّي"، ومن ذلك قول الشاعر:

لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أو أدْرِكَ المنى

فما انقادت الآمالُ إلا لصابر1

ب- أن تكون بمعنى "إلا" إذا كان ما بعدها مستدركًا على ما قبلها، ويمثل له النحاة بقولهم:"لأقتلَنَّ الكافِرَ أو يُسْلِمَ"، ومن ذلك قول زياد الأعجم:

وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قومٍ

كسرتُ كُعوبَها أو تستقيما2

قال علماء النحو: إنها تعطف مصدرا مؤولا على مصدر متوهم، والمؤول يجيء من "أن" المضمرة والفعل بعدها، والمتوهم يتخيل مما قبلها.

الحرف الرابع: فاء السببية:

لاحظ الأمثلة الآتية:

هل نتعلمُ من الماضي فنعتبرَ في الحاضر!!

الحقيقة: أن بعضنا لا يتعلَّمُ منه فيقعَ في الخطأ.

فهلَّا أخذنا حِذْرَنا فنتجنَّبَ العَثَرات

1 الشاهد: في "أو أدرك المنى" إذ نصب المضارع بعد "أو" التي بمعنى "إلى".

2 غمزت: جاء في القاموس: غمزه: نخسه، والمقصود هنا أمسكت، قناة: رمح، الكعوب: المسافات بين كل عقدتين في الرمح.

يقول: إذا أردت أمرا فإما أن أحققه وإما أن أحطمه، كالرمح إذا أمسكته إما أن يستقيم أو ينكسر.

الشاهد: في "أو تستقيما" حيث نصب المضارع بعد "أو" التي بمعني "إلا".

ص: 369

اسمها "فاء السبيبة" لأن ما بعدها يترتب على ما قبلها، أو بعبارة أقرب يتسبب عما قبلها، كما هو ملاحظ من أن "الاعتبار في الحاضر" يترتب على "التعلم من الماضي" في المثال الأول، وكذلك "الوقوع في الخطأ" الذي يترتب على "عدم التعلم من الماضي" وهكذا.

وهذه الفاء يأتي المضارع بعدها منصوبا -على الرأي الشائع- بأن مضمرة وجوبا، وإنما يكون ذلك إذا سبقها ما يلي:

أ- الطلب بأنواعه المختلفة "الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام، العرض، التحضيض، التمني، الرجاء".

ب- النفي.

ومما ورد شاهدا لذلك ما يلي:

- قول القرآن عن أهل النار: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} 1.

- قول القرآن: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} 2.

- قول الشاعر:

ربِّ وَفِّقني فلا أعدِلَ عن

سَنَنِ السَّاعين في خيرِ سَنَن2

1 من الآية 36 من سورة فاطر.

2 من الآية 73 من سورة النساء.

3 سنن: جمع سنة، وهي السيرة والطريقة.

الشاهد: في الشطر الأول "رب وفقني فلا أعدل" فقد نصب الفعل "أعدل" بعد فاء السببية، وقد سبقها للدعاء.

ص: 370

- قول الآخر:

هل تعرفون لبَانَاتي فأرجُوَ أنْ

تُقْضَى فيرتدَّ بعضُ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ1

وهكذا بقية أنواع الطلب وصور النفي.

الحرف الخامس: واو المعية:

لاحظ الأمثلة الآتية:

الإنسانُ الذكيُّ لا يعتدي على الناس ويأخُذَ حِذْرَه منهم.

فلا تُسَالِم النَّاسَ وتأمنهم، فإنّ ذلكَ بَلاهَة.

تسمى "واو المعية" ومعناها: مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وعلامتها أن يصح وضع كلمة "مع" مكانها، ولا يختل المعنى.

هذه الواو ينصب المضارع بعدها -على ما هو الشائع- بأن مضمرة وجوبا في المواضع نفسها التي ترد فيها فاء السببية، وهي جمل النفي والطلب ومما ورد لذلك الشواهد الآتية:

- من القرآن: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 2.

- قول الحطيئة:

1 لباناتي: جمع لبانة، وهي الرغبة النهمة.

الشاهد: في "هل تعرفون لباناتي فأرجو" فقد نصب الفعل "أرجو" بعد فاء السببية، وقد تقدم عليه الاستفهام.

2 الآية 142 من سورة آل عمران.

ص: 371

ألَمْ أكُ جارَكم ويكونَ بيني

وبينكم المودَّةُ والإخاءُ1

- قول أبي الأسود:

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَه

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم2

وهكذا بقية أنواع الطلب وصور النفي.

إضمار "أنْ" جوازا:

لاحظ الأمثلة الآتية:

لولا الضميرُ فيزجُرَ العُصَاةَ لتمادَوا في الشر.

ولولا الحربُ ويرتدعَ الطّغاةُ لعمَّتْ الفوضى.

ومن دلائلِ الإيمانِ مجاهدةُ المرءِ نفسَه أو يحاولَ هذه المجاهدة.

ومن المفيد في الحياة استقامة خلق الإنسان ثم يداوم على ذلك.

في الأمثلة السابقة أفعال مضارعة منصوبة هي على التوالي "يزجر، يرتدع، يحاول، يداوم" وبمعاودة النظر لهذه الجمل يتضح الآتي:

أ- أن الفعل قد جاء بعد أحد حروف العطف الأربعة "الواو، الفاء، أو، ثم".

ب- أنه قد سبقه اسم معطوف عليه هو على التوالي في الأمثلة "الضمير، الحرب، مجاهدة، استقامة".

1 الشاهد: في "ألم أك جاركم ويكون" حيث نصب الفعل "يكون" بعد واو المعية، وقد تقدم عليه الاستفهام.

2 الشاهد: في الشطر الأول "لا تنه عن خلق وتأتي مثله" فإن الفعل "تأتي" منصوب بعد "واو المعية" وقد سبقه النهي، وسيأتي ذكر هذا البيت مرة أخرى في المفعول معه.

ص: 372

قال النحاة: ولا بد أن يكون هذا الاسم -المعطوف عليه- خالصا من التأويل بالفعل ا. هـ.

ومعنى هذا أنه لا يصح وضع الفعل موضعه، وغالبا ما يكون مصدرًا أو اسم ذات.

وبناء على ذلك: فالفعل المضارع الذي يرد بعد أحد حروف العطف الأربعة السابق ذكرها، ويتقدم عليه الاسم الخالص معطوفا عليه، هذا المضارع ينصب -على ما هو الشائع- بأن مضمرة جوازًا، ويصحّ إظهارها في الكلام ومن ذلك الشواهد التالية:

- قول القرآن: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} 1.

- قول ميسون بنت بَحْدَل زوج معاوية تشكو حياة الترف:

ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقرّ عيني

أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفوف2

- قول أنس بن مدركة الخثعمي:

إني وقَتْلِي سُلَيْكًا ثم أعْقِلَهُ

كالثور يُضربُ لما عافت البقرُ3

1 الآية 51 من سورة الشورى.

2 الشفوف: الثياب الرقيقة.

الشاهد: في الشطر الأول "لبس عباءة وتقر عيني" فقد نصب الفعل "تقر" بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف، وسبقه اسم خالص وهو المصدر "لبس".

3 سليك: وهو سليك بن السلكة من صعاليك الشعراء، وقد قتله الشاعر في قصة تروى، أعقله: أدفع ديته، والبيت يضرب مثلا لكل موقف يضرب فيه القوي، فيخاف الضعيف.

الشاهد: في "قتلي سليكا ثم أعقله" فقد نصب الفعل المضارع "أعقل" بأن مضمرة جوازا بعد "ثم" وسبقه معطوف عليه هو "قتل" وهو اسم خالص من التأويل بالفعل.

ص: 373

إضمار "أنْ" شذوذا:

سبق عرض الحروف التي يرد المضارع منصوبا بعدها، وأن ذلك النصب في الرأي الشائع، بأن مضمرة وجوبا أو جوازا.

أما ما ورد من العبارات منصوبا فيه المضارع من غير المواضع السابقة فيقتصر فيه على السماع من العرب، ويعتبر منصوبا "بأن مضمرة شذوذًا" ومن ذلك:

- قول العرب في المثل "تسمعَ بالْمُعَيدِيِّ خيرٌ من أن تراه" تقديره: أن تسمع.

- قول العرب في المثل" خذ اللصَّ قبل يأخذَك" تقديره: أن يأخذك.

- قول العرب "مُرْه يحفرَها" تقديره: أن يحفرها.

- قول طرفة بن العبد:

ألا أيهذا الزَّاجري أحضُرَ الوغى

وأنْ أشْهَدَ اللذاتِ هل أنت مُخْلِدِي1

تقديره "أن أحضر الوغى"

ويبدو -إن لم يجانبني التوفيق- أن من رَوَوْا هذه العبارات النثرية عن العرب قد أخطئوا السماع، فسقط الحرف "أنْ" من النطق في الرواية ثم درست كذلك، أما البيت الشعري وأمثاله، فقد سقط منه "أنْ" لإقامة الوزن ضرورة.

1 الشاهد: في "أحضر الوغى" فقد نصب المضارع "أحضر" بأن مضمرة شذوذا، والرأي أنها حذفت لإقامة الوزن، بدليل ذكرها في الشطر الثاني حين اتسع سياق الكلام للشاعر.

ص: 374