الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى الْمُدَارَاةِ، وَأَلْجَأَك إلَى الِاعْتِذَارِ. وَقِيلَ مَنْ جَلَسَ عَلَى دُكَّانِ الْعَطَّارِ لَمْ يَفْقِدْ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ (وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مُصَاحَبَةِ الْفُسَّاقِ) فَإِنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ اللَّهَ وَمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ لَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُ، وَلَا يُوثَقُ بِصَدَاقَتِهِ بَلْ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَعْرَاضِ، وَأَنَّ فِي صُحْبَتِهِمْ خَطَرَ سِرَايَةِ الْبِدْعَةِ وَالْفِسْقِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَطِيعَةِ فَكَيْفَ الصُّحْبَةُ (وَالْمُدَاهِنِينَ وَالضُّعَفَاءِ فِي الدِّينِ فَعَلَيْك بِالتَّشَمُّرِ وَالسَّعْيِ الْبَلِيغِ فِي إزَالَةِ صِفَةِ الْإِسْرَافِ فَإِنَّهُ خُلْقٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (ذَمِيمٌ قَبِيحٌ جِدًّا وَمَرَضٌ مُدْمِنٌ) أَيْ مُهْلِكٌ قَدْ لَا يُفَارِقُ مَنْ قَامَ بِهِ (عَسِيرُ الْعِلَاجِ) أَيْ قَوِيٌّ (إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَ اللَّهَ تَعَالَى بِتَوْفِيقِهِ فَإِنَّهُ مُيَسِّرٌ كُلَّ عَسِيرٍ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) .
[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]
(الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ) مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ (الْعَجَلَةُ)، وَهِيَ عَنْ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي ثَلَاثٌ: الْعَجَلَةُ فِي حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَنْ يُرِيدُ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَيُعَجِّلُ فِي حُصُولِهِ، وَفِي شُرُوعِ عَمَلٍ بِمُجَرَّدِ خُطُورِهِ فِي قَلْبِهِ بِلَا تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ لَهُ فِيهِ رُشْدًا وَصَلَاحًا أَوْ لَا كَمَنْ يَرَى رَجُلًا يَقِفُ دَرَاهِمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَيُعَجِّلُ بِمِثْلِهِ بِلَا طَلَبٍ وَتَفْتِيشٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ. وَقِسْمٌ فِي إتْمَامِ الْعَمَلِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ حَقِّهِ كَمَنْ يَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ التِّلَاوَةِ فَيُعَجِّلُ فِي الْإِتْمَامِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ كُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ بِعَدَمِ رِعَايَةِ الْآدَابِ وَكَذَا التَّجْوِيدُ فِي الْقُرْآنِ، وَفَصَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَهِيَ) الْعَجَلَةُ (الْمَعْنَى الرَّاتِبُ) أَيْ الثَّابِتُ (فِي الْقَلْبِ الْبَاعِثُ عَلَى) إرَادَةِ (حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ أَوْ) الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ (دُونَ تَأَمُّلٍ وَاسْتِطْلَاعٍ وَنَظَرٍ بَالِغٍ) فِي عَاقِبَتِهِ (أَوْ) الْبَاعِثُ (عَلَى الْإِتْمَامِ بِدُونِ تَوْفِيَةِ كُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ) فَلِلْعَجَلَةِ أَقْسَامٌ مَذْكُورَةٌ.
(وَضِدُّ الْعَجَلَةِ مُطْلَقًا الْأَنَاةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يُقَالُ تَأَنَّيْت فِي هَذَا الْأَمْرِ أَيْ تَمَكَّثْت فِيهِ، وَلَمْ أُعَجِّلْ (وَضِدُّ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ (حُسْنُ الِانْتِظَارِ) أَيْ الِانْتِظَارُ بِارْتِيَاحٍ وَسَعَةِ خَاطِرٍ إلَى وَقْتِ حُصُولِهِ (وَضِدُّ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ (التَّوَقُّفُ وَالتَّثَبُّتُ) أَيْ التَّرَوِّي فِي ذَلِكَ (حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ رُشْدُهُ) فِي الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ (وَضِدُّهُ) أَيْ خَطَؤُهُ (وَضِدُّ الثَّالِثِ) ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى إتْمَامِ الشَّيْءِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الْأَجْزَاءِ حُقُوقَهَا (التَّأَنِّي وَالتُّؤَدَةُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَوْ فَسُكُونٍ مَشْيٌ ثَقِيلٌ يُقَالُ اتَّأَدَ فِي أَمْرِهِ إذَا تَرَفَّقَ، وَلَمْ يُعَجِّلْ فِيهِ (حَتَّى يُؤَدِّيَ لِكُلِّ جُزْءٍ حَقَّهُ) اللَّائِقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ وَنُقْصَانٍ.
(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) هَذَا شُرُوعٌ فِي إثْبَاتِ مَذْمُومِيَّةِ الْعَجَلَةِ مُطْلَقًا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَتَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ وَالذَّمَّ يَقْتَضِيَانِ قُبْحَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
{خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] الْآيَةَ) قَالَ الْإِمَامُ الرَّاغِبُ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْعَجَلَةُ طَلَبُ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَعَنْ تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ الْعَجَلُ الطِّينُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ فَقِيلَ فَحِينَئِذٍ لَا تَقْرِيبَ لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ التَّقْرِيبِ عِنْدَ إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ فَلَيْسَ {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37] فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ كَانَتْ الْعَجَلَةُ طَبْعًا غَرِيزِيًّا فَمَا مَعْنَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقْلِ الِاخْتِيَارِيِّ؟ . أُجِيبَ أَنَّ الْعَائِقَ كُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ أَكْمَلَ فَافْهَمْ (وَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: 114] الْآيَةَ) .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: 11] عَنْ الْمُبَرِّدِ مِنْ شَأْنِهِ الْعَجَلَةُ، وَقِيلَ أَيْ تَعْجِيلٌ فِي الْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ كُنْ، وَقِيلَ عَلَى الْقَلْبِ بِمَعْنَى خُلِقَ الْعَجَلُ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعَنْ بَعْضٍ خُلِقَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَحَقِيقَتُهُ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يُكْثِرُ الشَّيْءَ خُلِقْتَ مِنْهُ، وَقِيلَ مِنْ أَخْلَاقِ الشَّيْطَانِ الْعَجَلَةُ وَالطَّيْشُ وَالْإِنْسَانُ بِطَبْعِهِ عَجُولٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ الْعَقْلَ، وَأَرْشَدَهُ إلَى التَّثَبُّتِ وَالتَّأَنِّي فَمَنْ اسْتَعْمَلَ عَقْلَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْخُلُقَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَقَدْ فَارَقَ الشَّيْطَانَ فِي الطِّبَاعِ. وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ» أَيْ التَّثَبُّتُ فِي الْأُمُورِ «وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ» .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّمَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهَا خِفَّةٌ وَطَيْشٌ وَحِدَّةٌ فِي الْعَبْدِ تَمْنَعُهُ مِنْ التَّثَبُّتِ وَالْوَقَارِ وَالْحِلْمِ وَتُوجِبُ وَضْعَ الشَّيْءِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَجْلُبُ الشُّرُورَ وَتَمْنَعُ الْخُيُورَ، وَعَنْ الْغَزَالِيِّ الْعَجَلَةُ فِعْلُ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْأَلْيَقِ. فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْعَجَلَةِ قُلْت لِتَكُونَ الْعَجَلَةُ مَطِيَّةً فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ فَإِذَا جَمَحَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَبَسَهَا بِزِمَامِ الْعَقْلِ.
وَعَنْ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي خَمْسٍ فَإِنَّهَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام إطْعَامُ الضَّيْفِ وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرُهَا الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا.
(ت) (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّمْتُ الْحَسَنُ» أَيْ الْهَيْئَةُ الْمَرْضِيَّةُ وَالسَّمْتُ الطَّرِيقُ وَالْقَصْدُ وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ «وَالتُّؤَدَةُ» التَّأَنِّي وَالتَّثَبُّتُ وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ، وَقِيلَ التَّرَفُّقُ وَالتَّمَهُّلُ فِي الْأُمُورِ «وَالِاقْتِصَادُ» بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ هَذِهِ الْخِصَالُ مِنْ شَمَائِلِ أَهْلِ النُّبُوَّةِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ فَضَائِلِهِمْ فَاقْتَدُوا بِهِمْ فِيهَا وَتَابِعُوهُمْ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَمْرَ النُّبُوَّةِ لَا يَتِمُّ بِدُونِهَا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ التَّقَادِيرِ مِمَّا لَا يُهْتَدَى إلَى تَعَيُّنِهَا إلَّا بِنُورِ الْوَحْيِ فَمَعْرِفَةُ مِثْلِهَا بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مَسْدُودَةٌ ثُمَّ الْعَجَلَةُ إنَّمَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِعَوَاقِبِهَا.
وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ فِي الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]- وَكَانَ الْبُوشَنْجِيُّ فِي الْخَلَاءِ
فَدَعَا خَادِمَهُ فَقَالَ انْزِعْ قَمِيصِي، وَأَعْطِهِ فُلَانًا فَقَالَ هَلَّا صَبَرْت حَتَّى تَخْرُجَ قَالَ خَطَرَ لِي بَذْلُهُ، وَلَا آمَنُ عَلَى نَفْسِي التَّغَيُّرَ (وَآفَةُ الْعَجَلَةِ الْأُولَى) هِيَ إرَادَةُ حُصُولِ الْمَرَامِ بِسُرْعَةٍ (الْفُتُورُ) أَيْ السُّكُونُ وَالضَّعْفُ (وَالِانْقِطَاعُ عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ، وَعَدَمُ حُصُولِ الْمَرَامِ بِأَنْ يَقْصِدَ مَثَلًا مَنْزِلَةً فِي الْخَيْرِ وَيُعَجِّلَ فِي حُصُولِهَا فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ فَإِمَّا أَنْ يَفْتُرَ) مِنْ الْفُتُورِ (وَيَيْأَسَ) مِنْ الْيَأْسِ (أَوْ يَغْلُوَ) مِنْ الْغُلُوِّ التَّجَاوُزُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ (فِي الْجَهْدِ) أَيْ الْمَشَقَّةِ (وَأَتْعَبَ النَّفْسَ) قِيلَ الْأَوْلَى وَتُتْعِبُ (فَيَنْقَطِعَ) ، وَلَا يَنَالَ مَا يَتَمَنَّاهُ (فَإِنَّ الْمَنْبَت) اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ الْمُنْقَطِعُ عَنْ السَّفَرِ بِسَبَبِ حَمْلِ دَابَّتِهِ عَلَى مَا لَا تُطِيقُهُ أَوْ السَّيْرِ عَلَيْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا بِدُونِ اسْتِرَاحَةٍ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (لَا أَرْضًا قَطَعَ) كَلِمَةُ لَا نَافِيَةٌ، وَأَرْضًا مَفْعُولُ قَطَعَ قُدِّمَ عَلَيْهِ أَيْ لَا قَطَعَ أَرْضًا بِالسَّيْرِ وَمَا وَصَلَ إلَى مَطْلُوبِهِ (وَلَا ظَهْرًا) أَيْ مَرْكَبًا (أَبْقَى) بَلْ أَهْلَكَهُ.
وَكَذَا النَّفْسُ مَطِيَّةُ الْعَمَلِ فَإِذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مَا لَا تُطِيقُهُ يَنْقَطِعُ عَنْ السَّيْرِ إلَى الْآخِرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّفْقِ وَالتَّدْرِيجِ كَيْ لَا يَضْعُفَ فَيَصِلَ إلَى الْمَقْصُودِ (أَوْ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى فِي حَاجَةٍ وَيَسْتَعْجِلُ الْإِجَابَةَ فَلَا يَجِدُهَا) أَيْ لَا تَحْصُلُ الْإِجَابَةُ بِسُرْعَةٍ (فَيَتْرُكُ الدُّعَاءَ) حُمْقًا
(فَيُحْرَمُ مَقْصُودُهُ) مِنْ أَدَاءِ عِبَادَتِهِ وَحُصُولِ طَلَبِهِ الْمُعَلَّقِ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى بِدُعَائِهِ لَوْ دَامَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمَصَابِيحِ «يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْت قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يَسْتَجِبْ فَيَتَحَسَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَلَا يَمَلَّ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ
لَا تَعْجَلَنَّ لِأَمْرٍ أَنْتَ طَالِبُهُ
…
فَقَلَّمَا يُدْرِكُ الْمَطْلُوبَ ذُو الْعَجَلِ
فَذُو التَّأَنِّي مُصِيبٌ فِي مَقَاصِدِهِ
…
وَذُو التَّعَجُّلِ لَا يَخْلُو عَنْ الزَّلَلِ
(وَالْآفَةُ الثَّانِيَةُ) أَيْ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ بِدُونِ التَّأَمُّلِ (فَوْتُ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ يُنَافِي التَّقْوَى وَالْوَرَعَ (لِأَنَّ أَصْلَهُ) أَيْ الْوَرَعِ (النَّظَرُ الْبَالِغُ) الْكَامِلُ (وَالْبَحْثُ التَّامُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ بِصَدَدِهِ) حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَحْتَرِزَ عَمَّا يَلْزَمُ احْتِرَازُهُ وَيَفْعَلَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ إذْ قَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ مَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ فَضْلًا عَمَّا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ.
(وَ) الْآفَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا (إصَابَةُ مَكْرُوهٍ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَجِّلَ فِي شُرُوعِ أَمْرٍ فِيهِ ضَرَرٌ بِلَا تَأَمُّلٍ أَوْ كَانَ) أَيْ، وَقَعَ (فِي بَلِيَّةٍ) مِثْلَ الْمَرَضِ أَوْ الظُّلْمِ (فَلَا يَتَحَمَّلُهَا) لِصُعُوبَتِهَا (فَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ) بِبَلَاءٍ أَشَدَّ مِمَّا هُوَ فِيهِ (فَيُسْتَجَابُ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: 11] أَيْ يَسْأَلُ اللَّهَ عِنْدَ غَضَبِهِ الشَّرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِ، الْآيَةَ. {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: 11] ؛ وَلِهَذَا يُسَارِعُ إلَى مَا لَا يَعْلَمُ خَيْرِيَّتَهُ بِالْفِكْرَةِ الْأُولَى الْمُسَمَّاةِ بِنَظَرِ الْحَمْقَاءِ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ لَا يَجْتَرِئُونَ بِلَا تَأَمُّلٍ فِي الْعَوَاقِبِ. حُكِيَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي تَعَلَّمْت الْحِكْمَةَ مِنْ الْعُمْيَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ قَبْلَ الْفَحْصِ فَإِنَّ فِيهِ تَمْكِينًا يَضَعُونَ وَيَمْشُونَ، وَإِلَّا فَيَتْرُكُونَ وَيَطْلُبُونَ جِهَةً أُخْرَى فِيهَا تَمْكِينٌ فَلِذَا لَا أَفْعَلُ شَيْئًا بِلَا تَأَمُّلِ مَا فِيهِ، وَفِي عَاقِبَتِهِ (أَوْ) إصَابَةُ مَكْرُوهٍ (لِغَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِنَفْسِهِ (بِأَنْ يَظْلِمَهُ مَثَلًا إنْسَانٌ فَيُعَجِّلَ) لِصَدَاقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ (فِي الِانْتِقَامِ وَالِانْتِصَارِ لَهُ) بِدُونِ تَأَمُّلٍ فِي كَوْنِ الْعَفْوِ أَفْضَلَ مِنْهُ فَيُصِيبُ الْغَيْرَ بِمَكْرُوهٍ (أَوْ يَدْعُو) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْهَلَاكِ (فَيُسْتَجَابُ) فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ قَدْ يَنْدَمُ عَلَيْهِ (وَرُبَّمَا يَتَجَاوَزُ) فِي الِانْتِقَامِ وَالدُّعَاءِ (عَنْ الْحَدِّ فَيَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ) فِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ الدُّعَاءَ عَلَى شَخْصٍ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَصْلًا أَوْ اسْتَحَقَّ بِمَا دُونَ دَعَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ بَلْ قَدْ يُرَدُّ عَلَى نَفْسِ الدَّاعِي فَيَنْعَكِسُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ إنَّمَا يَكُونُ مِثْلَهَا وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلِ مَا اُعْتُدِيَ بِهِ عَلَيْهِ (وَ) آفَتُهَا أَيْضًا (خَوْفُ فَوْتِ النِّيَّةِ) وَالْأَعْمَالُ إنَّمَا تَكُونُ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ مَسْبُوقَةٌ بِالْقَصْدِ أَلْبَتَّةَ وَدَعْوَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ هُنَا تَحَكُّمٌ كَيْفَ؟
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ النِّيَّةَ هُوَ الْقَصْدُ نَعَمْ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ هِيَ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ
نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا فَيُمْكِنُ فَرْقُهُمَا. (وَالْإِخْلَاصِ وَالْآفَةُ الثَّالِثَةُ) أَيْ عَدَمُ إجْزَاءِ الْعَمَلِ (نُقْصَانُ الْعَمَلِ بَلْ بُطْلَانُهُ) لِانْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ (بِفَوْتِ آدَابِهِ وَسُنَنِهِ بَلْ بِفَوْتِ وَاجِبَاتِهِ) فَالْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي (وَفَرَائِضِهِ) فَالْمُرَادُ مِنْ الْبُطْلَانِ مَا يَعُمُّ الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ لَا الْأَصْلَ فَقَطْ كَمَا تُوُهِّمَ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ كَلِمَةُ بَلْ فِي الْمَقَامَيْنِ فَافْهَمْ (مَثَلًا مَنْ عَجَّلَ فِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَرُبَّمَا يَفُوتُ مِنْهُ تَثْلِيثُ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ يُغَيِّرُ الْأَذْكَارَ وَيَنْقُلُهَا مِنْ مَحَالِّهَا فَيَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا) كَأَنْ يُسَبِّحَ تَسْبِيحَةً رَاكِعًا ثُمَّ يُثَلِّثَ قَائِمًا ثُمَّ يَقُولَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ هَاوِيًا لِلسُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرَ عِنْدَ السُّجُودِ فَتَحْصُلَ الْأَذْكَارُ فِي غَيْرِ مَحَالِّهَا (وَرُبَّمَا يُخَالِفُ الْإِمَامَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بِالسَّبْقِ وَالتَّقَدُّمِ) كَأَنْ يَرْفَعَ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فَيَسْبِقَهُ بِالتَّأْخِيرِ هَذَا قَدْ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِبُطْلَانِ الْعَمَلِ، وَقَدْ لَا يَفْسُدُ بَلْ يُكْرَهُ فَيَكُونُ مِثَالًا لِلنُّقْصَانِ كَمَا قَبْلَهُ (وَرُبَّمَا يَفُوتُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) فَلَعَلَّهُ مِمَّا دَعَا إلَى بُطْلَانِ الْعَمَلِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إذْ التَّعْدِيلُ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَاجِبٌ عِنْدَهُمَا.
(وَالتَّجْوِيدُ) أَيْ أَدَاءُ الْحُرُوفِ حَقُّهَا، وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ
وَالْأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لَازِمُ
…
مَنْ لَمْ يُجَوِّدْ الْقُرْآنَ آثِمُ
لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إنْ غَيَّرَ اللَّحْنُ الْكَلِمَةَ وَالْمَعْنَى تَفْسُدُ، وَإِلَّا فَتُكْرَهُ قَالَ فِي قَاضِي خَانْ: وَلَوْ قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْكَلِمَةَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا عُرِفَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ مِنْ مَسَائِلِ زَلَّةِ الْقَارِئِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ، وَهِيَ الْيَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْوَاوُ، لَا تَغَيُّرَ إلَّا إذَا فَحُشَ ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَرِهُوا ذَلِكَ وَكَرِهُوا الِاسْتِمَاعَ أَيْضًا (وَيَقَعُ) لِلْعَجَلَةِ (زَلَّةٌ) بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ الْمَرَّةُ مِنْ الزَّلَلِ (مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ) الظَّاهِرُ مَا ذَكَرُوا فِي زَلَّةِ الْقَارِئِ فَمَا مُثِّلَ بِنَحْوِ الْقَهْقَهَةِ لَيْسَ بِحَسَنٍ (وَلَا تَظُنِّنَّ أَنَّ الْأَنَاةَ) أَيْ التَّأَنِّي الْمَحْمُودَ (بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ وَالتَّسْوِيفِ) بِعَمَلِهَا، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ رَجَاءَ أَنْ يُفْعَلَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَحْمُودَيْنِ؛ وَلِذَا قَالَ (وَهُوَ) أَيْ التَّأْخِيرُ وَالتَّسْوِيفُ بِتَأْوِيلِ الْمُسَمَّى بِهِمَا.
(الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ)(فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ جِدًّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ) لَعَلَّهُ قَيْدٌ وُقُوعِيٌّ، وَإِلَّا فَطُولُ أَمَلٍ مَذْمُومٌ أَيْضًا، وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَنْ يُعْرَفَ وُصُولُهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ أُعْطِيَ لَهُ عِبَادَةٌ فَلَوْ تَرَكَ عِبَادَةَ وَقْتٍ مَا فَأَيْنَ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلِلْوَقْتِ الْآخَرِ أَيْضًا وَظِيفَةُ عِبَادَةٍ، وَأَنَّ عِبَادَةَ الشَّابِّ أَفْضَلُ مِنْ الشَّيْخِ فَتَفْوِيتُ الْأَفْضَلِ
سِيَّمَا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يَخْلُو عَنْ الذَّمِّ.
لَكِنْ يَرِدُ هُنَا إشْكَالٌ أُصُولِيٌّ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ هُنَا مَا يَعُمُّ تَسْوِيفَ الْفَضَائِلِ لَا تَسْوِيفَ الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ، وَالذَّمُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُرَادَ هُنَا غَيْرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَوْ مَجَازًا وَيَدُلُّ عَلَى مَذْمُومِيَّتِهِ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَكَ الْمُسَوِّفُونَ» (وَضِدُّهُ) أَيْ التَّسْوِيفِ (الْمُسَارَعَةُ وَالْمُبَادَرَةُ) هِيَ الْعَجَلَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ (وَالْمُسَابَقَةُ) إلَى الطَّاعَةِ كَالْأَوَّلِينَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ التَّعْرِيفَ بِالضِّدِّ، وَهُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ كَثِيرًا قَالُوا الْأَشْيَاءُ تَنْكَشِفُ بِالْأَضْدَادِ؛ وَلِهَذَا عَدَّهُ أَهْلُ الْمِيزَانِ مِنْ الرَّسْمِ النَّاقِصِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي مَدْحِ مَنْ يُسَارِعُ إلَى مُطْلَقِ الْخَيْرَاتِ {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [آل عمران: 114] فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُسَارَعَةُ مَمْدُوحَةً فَكَانَ ضِدُّهَا، وَهُوَ التَّسْوِيفُ مَذْمُومًا {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] أَيْ إلَى سَبَبِهَا مِنْ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ (الْآيَةَ) أَيْ كَمِّلْ الْآيَةَ أَيْ {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ آخِرَهَا لَيْسَ لَهُ نَفْعٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي دَلَالَةٍ أَصْلًا بَلْ الدَّلَالَةُ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ قَوْلِهِ {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133] ثُمَّ قِيلَ: وَالْأَصْلُ سَارِعُوا إلَى التَّوْبَةِ فَوُضِعَتْ الْمَغْفِرَةُ مَوْضِعَهَا تَطْمِينًا لِقُلُوبِ الْعُصَاةِ وَتَنْشِيطًا لَهُمْ إلَى التَّوْبَةِ.
أَقُولُ لَا يَخْفَى عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ تَقْرِيبٌ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهَا حُجَّةً فِي الْمَقَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَفْرُوضِ فِي الْمَقَامِ كَمَا عَرَفْت هُوَ الْعُمُومُ فَاعْرِفْهُ. (مج) ابْنُ مَاجَهْ (عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ» فِي الْخِطَابِ الشِّفَاهِيِّ إشَارَةٌ إلَى كَمَالِ عِلْمِهِ بِعِصْيَانِ الْعُصَاةِ قِيلَ، وَإِلَى عِلْمِهِ بِتَوْبَتِهِمْ، وَفِي كَلِمَةِ يَا تَنْبِيهٌ عَلَى بُعْدِهِمْ عَنْ سَاحَةِ قُرْبِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَمُبَادَرَةِ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا فِي إيثَارِ لَفْظِ النَّاسِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ آيَةٍ بِنَحْوِ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] مَكِّيَّةٌ لِغَلَبَةِ الْكُفَّارِ وَكُلُّ آيَةٍ بِنَحْوِ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] مَدَنِيَّةٌ لِكَثْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِكُلُّ هُوَ الْكَثْرَةُ لِتَخَلُّفِ ذَلِكَ بِبَعْضِ آيَةٍ «تُوبُوا إلَى اللَّهِ» أَيْ ارْجِعُوا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى طَاعَتِهِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا دُونَ مَا قِيلَ أَيْ بَادِرُوا إلَى التَّوْبَةِ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ تُوبُوا هُوَ مُطْلَقُ التَّوْبَةِ لَا مُسَارَعَتُهَا فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِإِحْدَى الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ كَالْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَدُونَ مَا قِيلَ أَيْضًا أَيْ ارْجِعُوا عَنْ ذُنُوبِكُمْ فَتَأَمَّلْ وَأَيْضًا فَانْتَظِرْ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى اللَّهِ أَيْ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ «قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا» .
كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «تُوبُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَاتَ يَنْقَطِعُ كُلُّ عِلْمِهِ» «وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ» بِلَا تَسْوِيفٍ، وَلَا تَأْخِيرٍ مَتَى أَمْكَنَكُمْ فِعْلُهَا «قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِمَا يُلْهِيكُمْ عَنْهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ وَبِالْجُمْلَةِ بِكُلِّ مَا يَمْنَعُ بَلْ يُوجِبُ الْكَسَلَ وَالْفُتُورَ «وَصِلُوا» أَمْرٌ مِنْ الْوَصْلِ «الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» بِذِكْرِ الْعَهْدِ الَّذِي أُخِذَ مِنْكُمْ فِي عَالَمِ الْمِيثَاقِ «بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ» تَعَالَى بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالسِّرِّ وَالْجَهْرِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَسَائِرِ الْحَالَاتِ إلَى أَنْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ «وَكَثِّرُوا الصَّدَقَةَ» الصِّيغَةُ لِتَكْثِيرِ الْفِعْلِ أَوْ الْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا «فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ» قِيلَ السِّرُّ فِي النَّوَافِلِ وَالْعَلَانِيَةُ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا «تُرْزَقُوا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَرْزُقُكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ يُسَهِّلُ لَكُمْ أَسْبَابَ الرِّزْقِ «وَتُنْصَرُوا» أَيْ يَنْصُرُكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَعْدَائِكُمْ «وَتُجْبَرُوا» مِنْ كَسْرِ الزَّمَانِ وَنَوَائِبِهِ.
(ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ تَنْتَظِرُونَ»
وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ هَلْ تَنْظُرُونَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا تُسَوِّفُوا وَبَادِرُوا بِهَا قَبْلَ وُقُوعِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَعْنِي لَا يَجِيءُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ إلَّا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّسْوِيفُ «إلَّا غِنًى مُطْغِيًا» يَكُونُ سَبَبًا لِلطُّغْيَانِ إمَّا لِعَدَمِ إعْطَاءِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا بَلْ نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الطُّغْيَانَ كُلِّيٌّ مُشَكِّكٌ يَتَفَاوَتُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَقَدْ قِيلَ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ أَوْ لِعَدَمِ جَهْدِ الطَّاعَاتِ وَدَوَامِهَا لَا سِيَّمَا حُضُورُ الْقَلْبِ وَالْخَشْيَةُ فِيهَا لِشَغْلِ الْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ بِالْأَمْوَالِ «أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا» ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْفَقِيرَ يَنْسَى طُرُقَ الْعِبَادَاتِ لِمُضَايَقَةِ الْمَعَاشِ «أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا» ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ وَيُفْسِدُ الْقُوَى الَّتِي هِيَ مَنْبَتُ الطَّاعَاتِ وَمَعْدِنُ الْحَسَنَاتِ بَلْ فَاعِلُ الْخَيْرَاتِ «أَوْ هَرَمًا» ضَعْفًا مِنْ الْكِبَرِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَمَنْ بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ وَمَنْ قَالَ هُوَ دَاءٌ طَبِيعِيٌّ لَا دَوَاءَ لَهُ أَبَدًا فَقَدْ بَعُدَ عَنْ مَرَامِ الْمَقَامِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ «مُفَنِّدًا» مِنْ الْفَنَدِ، وَهُوَ ضَعْفُ الرَّأْيِ مِنْ هَرَمٍ كَالْعَتَهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ لَا يُحْسِنُ «أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا» يُوجِبُ التَّجْهِيزَ كَالْكَفَنِ وَسَائِرِ دَوَاعِي الدَّفْنِ يُقَالُ جَهَزَ عَلَيْهِ إذَا أَعْجَلَ قَتْلَهُ «أَوْ الدَّجَّالَ» الْمَعْهُودَ الْمَعْرُوفَ بِكَوْنِهِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ الْفِتَنِ وَالْمَصَائِبِ الْمَانِعَةِ عَنْ الطَّاعَاتِ كَمَا قِيلَ إنَّ الْعَجَلَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَدَمَ التَّعْدِيلِ إنَّمَا ظَهَرَ وَأُبْدِعَ عِنْدَ فِتَنِ هُلَاكُو أَوْ تَيْمُورْ كُورْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ الصَّلَاةَ خَوْفًا مِنْ إدْرَاكِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ ثُمَّ صَارَ سُنَّةً سَيِّئَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَسَرَى عَلَى مَنْ رَآهُمْ، وَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ إمَّا اعْتِمَادًا عَلَى تَعْرِيفِهِ الْمُؤْذِنِ بِكَيْفِيَّةِ مَانِعِيَّتِهِ لِلطَّاعَةِ أَوْ لِقَوْلِهِ «وَالدَّجَّالُ شَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ» لَعَلَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى خُرُوجِهِ الْيَهُودُ كَمَا يَنْتَظِرُ النَّصَارَى إلَى نُزُولِ عِيسَى لَعَلَّ أَنَّ الْكُلَّ يَنْتَظِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَخْرُجُ «أَوْ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى» أَشَدُّ دَاهِيَةً هِيَ بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا «، وَأَمَرُّ» أَيْ أَشَدُّ مَرَارَةً مِمَّا فِي الدُّنْيَا وَأَصْعَبُ.
وَأَشْكَلُ بِقَوْلِ النُّحَاةِ إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُصَاغُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالْعُيُوبِ وَدُفِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْوَارِدَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ» أَقُولُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى ثُمَّ أَقُولُ حَاصِلُ الْحَدِيثِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ التَّسْوِيفَ لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِخَالٍ عَنْ مَوَانِعِ الْعِبَادَةِ فَالتَّسْوِيفُ لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُكَلَّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إمَّا غِنًى أَوْ فَقْرٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ هَرَمٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ مُقَارَنَةُ الدَّجَّالِ أَوْ السَّاعَةِ وَالْغِنَى مُطْغٍ وَالْفَقْرُ مُنْسٍ إلَخْ وَالْكُلُّ مُنَافٍ لِلْعِبَادَةِ وَمَا يُنَافِي الْعِبَادَةَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ فَالتَّسْوِيفُ لَا يَنْبَغِي لَهُ.
(دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (حك) الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ، وَهُوَ يَعِظُهُ اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ حَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك» أَيْ: اغْتَنِمْ مَا تَلْقَى نَفْعَهُ بَعْدَ مَوْتِك فَإِنَّ مَنْ مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَفَاتَهُ أَمَلُهُ وَحَقَّ نَدَمُهُ وَتَوَالَى هَمُّهُ «وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك» فَإِنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْعِبَادَةَ فَتَقْدُمَ الْمَعَادَ بِغَيْرِ زَادٍ «، وَفَرَاغَك» فِي هَذِهِ الدَّارِ «قَبْلَ شُغْلِك» بِأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ الَّتِي أَوَّلُ مَنَازِلِهَا الْقَبْرُ فَاغْتَنِمْ فُرْصَةَ الْإِمْكَانِ لَعَلَّك تَسْلَمُ مِنْ الْعَذَابِ وَالْهَوَانِ «وَشَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك» اغْتَنِمْ الطَّاعَةَ حَالَ قُدْرَتِك قَبْلَ هُجُومِ الْكِبَرِ فَتَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْبِ اللَّهِ