الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَيَّ فَرْوٌ فَنَظَرْت فِيهِ فَلَمْ أُمَيِّزْ بَيْنَ شَعْرِهِ وَبَيْنَ الْقَمْلِ) لِكَثْرَتِهِ وَتَدَاخُلِهِ (فَسَرَّنِي ذَلِكَ) لِاسْتِلْزَامِهِ حَقَارَةَ النَّفْسِ وَعَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَى الرَّوْنَقِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ اهْتِمَامِ السَّلَفِ بِالْكِبْرِ أَيْ بِاحْتِرَازِهِ فَبَعْضُ الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَعْضُهَا الْتِزَامًا (وَعَنْهُ) أَيْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ (مَا سُرِرْت بِشَيْءٍ كَسُرُورِي فِي يَوْمٍ كُنْت جَالِسًا فَجَاءَ إنْسَانٌ وَبَالَ عَلَيَّ) وَجْهُ السُّرُورِ اسْتِلْزَامُ حَقَارَةِ نَفْسِهِ وَالْحَقَارَةُ إنَّمَا هِيَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَفِيهِ إيذَانٌ بِرُتْبَةِ النَّفْسِ وَعِظَتِهِ لِلنَّفْسِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا يَا نَفْسِي هَلْ عَرَفْت مَقَامَك وَمَنْزِلَتَك فَلَا تَتَكَبَّرِي فِي شَيْءٍ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْحَصْرَيْنِ مِنْ الْمُنَافَاةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَا عَلَى الْإِضَافِيِّ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ حَصْرِ السُّرُورِ بِأَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَبِالْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ (وَقِيلَ مَنْ رَأَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْ فِرْعَوْنَ) الَّذِي حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْهُ ذَمًّا (فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ) قَالُوا لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ فِرْعَوْنَ إنَّمَا صَدَرَ بِقَضَائِهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَخِذْلَانِهِ وَمَا صَدَرَ مِنْك إنَّمَا صَدَرَ بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى وَلَمْ تَكُنْ أَنْتَ مُحَصِّلًا مُؤَثِّرًا فِيمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ (وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ) أَقُولُ وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا الْبَحْثُ عَلَيْهِ فِي الرَّابِعِ مِنْ الرِّيَاءِ
(وَقَوْلُ الشِّبْلِيِّ) عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ (ذُلِّي) عِنْدَ أَنْفُسِي (عَطَّلَ ذُلَّ الْيَهُودِ) الَّذِي ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِ لِقُوَّتِهِ فِيهِمْ وَكَثْرَتِهِ قِيلَ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ سُلْطَانٌ وَلَا أَمِيرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكُفَّارِ قَالُوا لِأَنَّ ذَمَّ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ فِي الْقُرْآنِ أَبْلَغُ مِنْ ذَمِّ النَّصَارَى (وَ) قَوْلُ (أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ لَوْ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يَضَعُونِي كَاتِّضَاعِي عِنْدَ نَفْسِي مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ) لِكَوْنِ ضَعَتِي غَايَةً فِي الْكَمَالِ بِحَيْثُ لَا ضِعَةَ فَوْقَهَا وَدَلَالَةُ ذَلِكَ مُطَابَقَةٌ عَلَى الضَّعَةِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ الْكِبْرِ إنَّمَا هِيَ بِالِالْتِزَامِ.
ثُمَّ إنَّمَا أَكْثَرَ السَّلَفُ اهْتِمَامَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ لِقُوَّةِ غَائِلَتِهِمَا وَكَثْرَةِ مَضَرَّتِهِمَا كَحَبْطِ الْأَعْمَالِ وَالنِّزَاعِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ (وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ تَيَقَّنَ) نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا التَّيَقُّنُ عَلَى اصْطِلَاحِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْقَلْبِ (بِأَنَّ نَفْسَهُ أَعْدَى عَدُوِّهِ) وَلِهَذَا شُرِعَ الصَّوْمُ لِقَهْرِهَا وَصَارَتْ الْمُجَادَلَةُ وَالْمُجَاهَدَةُ مَعَهَا أَفْضَلَ الطَّاعَاتِ (لَمْ يَسْتَبْعِدْ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ لَهَا) أَيْ لِلنَّفْسِ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَعْدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ قَالَ سَهْلٌ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِثْلِ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَعَنْ الْجُنَيْدِ هِيَ الدَّاعِيَةُ إلَى الْمَهَالِكِ الْمُعْنِيَةُ لِلْأَعْدَاءِ الْمُتَّبِعَةُ لِلْهَوَى الْمُنْهَمَّةُ بِأَصْنَافِ الْأَسْوَاءِ.
وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ» وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ غَوَائِلِ النَّفْسِ (وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَهَا) لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ لِدَسَائِسِهَا (أَصْدَقَ أَصْدِقَائِهِ فَيُعِدُّهُ) أَيْ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ لِنَفْسِهِ (مُمْتَنِعًا وَمُحَالًا) إذَا صَدَقَ الصَّدِيقُ لَا يَرْضَى وَلَا يُسَرُّ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ لِصَدِيقِهِ بَلْ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَفْصٍ مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ يُخَالِفْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَمْ يَجُرَّهَا إلَى مَكْرُوهِهَا فِي سَائِرِ أَيَّامِهِ كَانَ مَغْرُورًا وَمَنْ نَظَرَ إلَيْهَا بِاسْتِحْسَانِ شَيْءٍ فَقَدْ أَهْلَكَهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ لِعَاقِلٍ الرِّضَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ يَقُولُ - {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]-.
[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]
[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]
(الصِّنْفُ الثَّانِي) مِنْ التِّسْعَةِ (فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ) يَحْفَظُهُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي
(وَعِظَمِ جُرْمِهِ) اللِّسَانُ عُضْوٌ صَغِيرٌ جِرْمُهُ، كَبِيرٌ جُرْمُهُ (إجْمَالًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [ق: 18] أَيْ مَلَكٌ يَرْقُبُ عَمَلَهُ {عَتِيدٌ} [ق: 18] مُعِدٌّ حَاضِرٌ لِكِتَابَةِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ الْمُرَادُ جِنْسُ الرَّقِيبِ وَالْعَتِيدِ وَإِلَّا فَفِي الْحَدِيثِ «كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كَتَبَهَا مَلَكُ الْيَمِينِ عَشْرًا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ دَعْهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أَوْ يَسْتَغْفِرُ» فَإِذَا كَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ مَكْتُوبًا فِي دِيوَانِهِ مُقَرَّرًا عِنْدَ حُضُورِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاللَّازِمُ لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ لِئَلَّا يَعْتَرِيَهُ الْخَجْلَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الْحَرَامِ قِيلَ يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ وَقِيلَ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَقِيلَ يَجْتَنِبَانِهِ عِنْدَ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ.
نَقَلَ عَنْ الْعُيُونِ (ت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَسْتَكْفِي) أَيْ تَطْلُبُ الْكِفَايَةَ وَالِانْدِفَاعَ مِنْ شَرِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ تُكَفِّرُ اللِّسَانَ أَيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ وَالتَّكْفِيرُ هُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ الْإِنْسَانُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ قَرِيبًا إلَى الرُّكُوعِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يُرِيدُ تَعْظِيمَ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (اللِّسَانَ فَتَقُولُ) أَيْ الْأَعْضَاءُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُمْكِنٍ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَوَاقِعٌ وَالتَّأْوِيلُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قِيلَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا أَوْ مَجَازًا بِلِسَانِ الْحَالِ (اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِينَا) أَيْ فِي حِفْظِ حُقُوقِنَا (فَإِنَّمَا نَحْنُ بِك) إنَّمَا اسْتِقَامَتُنَا عَلَى نَهْجِ الشَّرْعِ وَانْحِرَافُنَا عَنْهُ مُلَابِسٌ وَمُرْتَبِطٌ بِاسْتِقَامَتِك عَلَيْهِ وَاعْوِجَاجِك عَنْهُ (إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ.
وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْأَثَرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلْبِ لَا اللِّسَانِ فَلَعَلَّهُ أَصَابَ مَنْ قَالَ هُنَا الْمُرَادُ بِاللِّسَانِ هُنَا الْقُوَّةُ النَّاطِقَةُ وَلِذَا كَانَ اسْتِقَامَةُ الْأَعْضَاءِ وَاعْوِجَاجُهَا تَابِعَةً لَهُ لِأَنَّهَا تَخْدِمُهُ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَانْقِيَادِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللِّسَانَ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ النُّطْقِ الَّذِي بِهِ الِاسْتِقَامَةُ وَالِاعْوِجَاجُ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا وَرَدَ الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ (حَدّ) أَحْمَدُ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» بِالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالتَّجَنُّبِ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ طَوَارِقِ الْغَفَلَاتِ وَتَرْكِ اللَّذَائِذِ وَالشَّهَوَاتِ وَعَدَمِ الِانْهِمَاكِ فِي الْغَرَضِ الْفَانِي مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّاتِ «وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» أَيْ لَا تُعْلَمُ اسْتِقَامَةُ قَلْبِهِ إلَّا بِاسْتِقَامَةِ لِسَانِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْأَثَرِ إلَى الْمُؤَثِّرِ فَعَدَمُ اسْتِقَامَةِ اللِّسَانِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ أَمِيرٌ وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ مَأْمُورٌ يَعْمَلُ عَلَى نَهْجِ أَمْرِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ اسْتِقَامَةُ اللِّسَانِ فِي اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ بَلْ الْأَمْرُ عَلَى عَكْسٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا رَسَخَ فِي
اللِّسَانِ قَدْ يَعُودُ إلَى الْقَلْبِ كَمَا قَالُوا فِي الذِّكْرِ فَقَدْ يَنْقَادُ الْقَلْبُ لِمَا يَتَعَوَّدُ عَلَيْهِ اللِّسَانُ.
(ططص) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ» لُبِّهِ وَكَمَالِهِ «حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ» كَالشَّيْءِ الْمَحْفُوظِ فِي الْخَزِينَةِ بِأَنْ لَا يُظْهِرَهُ بِلَا احْتِيَاجٍ سِيَّمَا عَنْ أَعْرَاضِ الْخَلْقِ وَاعْتِرَاضِ الْخَالِقِ.
قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ يَجْعَلُ فَمَه خِزَانَةً لِلِسَانِهِ فَلَا يَفْتَحُهُ إلَّا بِمِفْتَاحِ إذْنِ اللَّهِ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يَخْزُنُ لِسَانَهُ مِمَّا كَانَ بَاطِلًا لَغْوًا عَاطِلًا فَيَخْزُنُهُ مِنْ الْبَاطِنِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَمِنْ اللَّغْوِ وَالْهَذَيَانِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُبَاحِ خَوْفَ الْعِقَابِ ثُمَّ قَالَ وَاللِّسَانُ أَشْبَهُ الْأَعْضَاءِ بِالْقَلْبِ لِسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ فَإِذَا خَفَّ بِنُطْقِهِ بِطَبْعِهِ وَسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ أُورِثَ الْقَلْبُ سَقَمًا وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَطْنُ وَالظَّاهِرُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا يَسْتَقِيمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» .
(طب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إلَى طُولِ سِجْنٍ» أَيْ إلَى الْمَوْتِ «مِنْ لِسَانٍ» لِكِبَرِ جُرْمِهِ مَعَ صِغَرِ حَجْمِهِ وَكَثْرَةِ جِنَايَتِهِ وَصُعُوبَةِ حِفْظِهِ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَإِنَّ الْجَرِيمَةَ عَلَى قَدْرِ الْجُرْمِ وَرُوِيَ أَنَّ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ وَأَكْتَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ اجْتَمَعَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمْ وَجَدْت فِي بَنِي آدَمَ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَالَ مَا أَصَبْته ثَمَانِيَةُ آلَافِ عَيْبٍ وَوَجَدْت خَصْلَةً إنْ اسْتَعْمَلَهَا سَتَرَتْ الْعُيُوبَ كُلَّهَا أَعْنِي حِفْظَ اللِّسَانِ وَرُوِيَ عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ مَنْ أَصْوَنُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ قَالَ أَمْلَكَهُمْ لِلِّسَانِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ بَابَيْنِ وَجَعَلَ لِلِّسَانِ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ فَالشَّفَتَانِ مِصْرَاعَانِ وَالْأَسْنَانُ مِصْرَاعَانِ (شَيْخُ هق) أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ فَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» لِزِيَادَةِ تَمْكِينِ خَاطِرِهِمْ لِقُوَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَإِلَّا فَعِلْمُهُمْ مُقْتَبَسٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ السُّؤَالُ مَعَ عِلْمِ السَّائِلِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اسْتِفَادَةُ النَّبِيِّ مِنْ الْأُمَّةِ خُصُوصًا فِي الشَّرْعِيَّاتِ «قَالَ فَسَكَتُوا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ» لِعَدَمِ سَبْقِيَّةِ سَمَاعِهِمْ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَلَا دَخْلَ فِيهِ لِلرَّأْيِ «قَالَ عليه الصلاة والسلام هُوَ» أَيْ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ «حِفْظُ اللِّسَانِ» مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ خَيْرٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَحْفَظَ كَلَامَكَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ وَهُوَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا لَوْ سَكَتَّ عَنْهُ لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ حَالًا أَوْ مَآلًا كَمَا حَكَيْت لِقَوْمٍ أَسْفَارَك وَمَا رَأَيْت فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَتِلَالٍ وَأَنْهَارٍ وَالْبِلَادَ وَأَحْوَالَهَا فَإِنَّك فِي ذَلِكَ مُضَيِّعٌ أَوْقَاتَك وَأَوْقَاتَ الْمُسْتَمِعِينَ وَمُحَاسَبٌ عَلَى عَمَلِ لِسَانِك وَإِنْ مَزَجْت بِحِكَايَاتِكَ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَتَزْكِيَةَ نَفْسٍ فَأَنْتَ آثِمٌ وَكَذَا صَاحِبُك، مَثَلًا إذَا سَأَلْت رَجُلًا أَنْتَ صَائِمٌ فَإِنْ سَكَتَ تَأَذَّيْت وَإِنْ قَالَ لَا كَذَبَ وَإِنْ قَالَ نَعَمْ اسْتَبْدَلَ سِرَّ عَمَلِهِ جَهْرًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ وَأَيْضًا يَلْزَمُ التَّوَقِّي عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ حِفْظَ اللِّسَانَ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إذْ هُوَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَنْظَرُ الرَّبِّ فَلَا يَنْبَغِي لِلتُّرْجُمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَيَسْتَحِقُّ الْمُعَاتَبَةَ (ت «عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الثَّقَفِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ» مِنْ النَّارِ وَمِنْ النَّدَامَةِ يَوْمَ الْبَوَارِ «قَالَ»
- عليه الصلاة والسلام «قُلْ» بِلِسَانِك أَوْ بِقَلْبِك أَوْ بِحَالِك وَشُهُودِك وَعِيَانِك يَعْنِي جَدِّدْ إيمَانَك بِاَللَّهِ ذِكْرًا بِقَلْبِك وَنُطْقًا بِلِسَانِك بِأَنْ تَسْتَحْضِرَ جَمِيعَ مَعَانِي الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ «رَبِّي اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ» قِيلَ الِاسْتِقَامَةُ امْتِثَالُ كُلِّ مَأْمُورٍ وَتَجَنُّبُ كُلِّ مَنْهِيٍّ وَقِيلَ الْمُتَابَعَةُ لِلسُّنَنِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ التَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الْمُرْضِيَةِ وَقِيلَ الِاتِّبَاعُ مَعَ تَرْكِ الِابْتِدَاعِ وَقِيلَ حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى أَخْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَهِيَ دَرَجَةٌ بِهَا كَمَالُ الْأُمُورِ وَتَمَامُهَا وَبِوُجُودِهَا حُصُولُ الْخَيْرَاتِ وَنِظَامِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُطِيقُهَا إلَّا الْأَكَابِرُ لِأَنَّهَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَعْهُودَاتِ وَمُفَارَقَةُ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت: 30]- وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ «قُلْت» أَيْ سُفْيَانُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ» مِمَّا يُهْلِكُنِي «فَأَخَذَ عليه الصلاة والسلام بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا» فَهُوَ أَشَدُّ مَا يُخَافُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ احْفَظْ عَلَيْك لِسَانَك» الْحَدِيثَ (ط عَنْ أَسْلَمَ) مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَخَلَ يَوْمًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ) مَقْلُوبُ يَجْذِبُ لِسَانَهُ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ.
(فَقَالَ عُمَرُ لَهُ مَهْ) أَيْ اُكْفُفْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (غَفَرَ اللَّهُ لَك) لِاهْتِمَامِك بِهَذَا الشَّأْنِ (فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) مَوَاضِعَ الْهَلَاكِ وَفِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالنُّطْقِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَضَعُ حَجَرًا فِي فِيهِ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَلَامِ بِمَا لَا يُهِمُّ وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام إنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ فِضَّةٍ فَالصَّمْتُ مِنْ ذَهَبٍ.
(خ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَضَمَّنَ لِي» تَكَفَّلَ تَفَعَّلَ مِنْ التَّكَلُّفِ «مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» مِنْ الْفَرْجِ «وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ» أَيْ اللِّسَانِ «تَضَمَّنْت لَهُ بِالْجَنَّةِ» اللَّحْي بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ تَضَمَّنْت بِالْجَنَّةِ إمَّا بِالشَّفَاعَةِ أَوْ لِوُثُوقِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ حِفْظَهُمَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ لِعِلْمِهِ عليه الصلاة والسلام بِالرَّابِطَةِ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ (وَحِفْظُ اللِّسَانِ) عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْبَغِي (لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِالِاحْتِرَازِ عَنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ) لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ مَلَامُهُ وَقِيلَ مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ السَّقَطَ مَا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا نَفْعَ فَإِنْ لَغْوًا لَا إثْمَ فِيهِ حُوسِبَ عَلَى تَضْيِيعِ عُمْرِهِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ بِصَرْفِ نِعْمَةِ اللِّسَانِ عَنْ الذِّكْرِ إلَى الْهَذَيَانِ وَقَلَّمَا سَلِمَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مَا يُوجِبُ الْآثَامَ فَتَصِيرُ النَّارُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْجَنَّةِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا تَبْسُطَنَّ لِسَانَك فَيُفْسِدَ عَلَيْك شَأْنَك وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ رُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي دَعْنِي وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى رَجُلٍ مِكْثَارٍ فَقَالَ يَا هَذَا وَيْحَك إنَّمَا تُمْلِي كِتَابًا إلَى رَبِّك يُقْرَأُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ وَأَنْتَ عَطْشَانُ عُرْيَانُ جَوْعَانُ فَانْظُرْ مَاذَا تُمْلِي وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ
لِتَحْفَظْ لِسَانَك إنَّ اللِّسَانَ
…
سَرِيعٌ إلَى الْمَرْءِ فِي قَتْلِهِ
وَإِنَّ اللِّسَانَ دَلِيلُ الْفُؤَا
…
دِ يَدُلُّ الرَّجُلَ عَلَى عَقْلِهِ
وَقَالَ عُمَرُ لِلْأَحْنَفِ يَا أَحْنَفُ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ وَلَدَ أَبُو سُفْيَانَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ كَانُوا عُقَلَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ قَدْ وَلَدَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فَكَانَ فِيهِمْ الْعَاقِلُ وَالْأَحْمَقُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ (وَمُلَازَمَةِ الصَّمْتِ) فَإِنَّ مَنْ صَمَتَ نَجَا وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْلَمَ فَلْيَلْزَمْ الصَّمْتَ (إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ (بَعْدَ التَّأَمُّلِ) إنْ فِيهِ نَجَاةٌ أَوْ هَلَاكٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُتَكَلِّمٍ أَنْ يَتَأَمَّلَ فَيَتَكَلَّمَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِسَانُ الْمُؤْمِنِ وَرَاءَ قَلْبِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ تَدَبَّرَهُ بِقَلْبِهِ ثُمَّ أَمْضَاهُ بِلِسَانِهِ وَإِنَّ لِسَانَ الْمُنَافِقِ أَمَامَ قَلْبِهِ فَإِذَا هَمَّ بِشَيْءٍ أَمْضَاهُ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُ بِقَلْبِهِ» قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي لِسَانِهِ (وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ كَثُرَ عَقْلُهُ قَلَّ كَلَامُهُ وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ قَلَّ عَقْلُهُ وَفِي الشِّرْعَةِ أَفْضَلُ خِصَالِ الْمُؤْمِنِ الصَّمْتُ وَأَنَّهُ إذَا قُسِمَتْ الْعَافِيَةُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ يَكُونُ عُشْرُهَا فِي النُّطْقِ وَالْبَاقِي فِي الصَّمْتِ
(ت. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ» إيمَانًا كَامِلًا «بِاَللَّهِ» تَعَالَى «وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا» يُثَابُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا يُرِيدُ التَّكَلُّمَ بِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهَا أَتَى بِهِ «أَوْ لِيَصْمُتْ» عَمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ حَتَّى عَنْ الْمُبَاحِ لِإِفْضَائِهِ إلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ وَلِأَنَّهُ ضَيَاعُ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ «وَمِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَأَفَادَ الْخَبَرُ أَنَّ قَوْلَ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْ الصَّمْتِ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ قَوْلِ الْخَيْرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ آفَاتِ اللِّسَانِ أَسْرَعُ الْآفَاتِ لِلْإِنْسَانِ وَأَعْظَمُهَا فِي الْهَلَاكِ وَالْخُسْرَانِ فَالْأَصْلُ مُلَازَمَةُ الصَّمْتِ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَالْحُصُولُ عَلَى الْخَيْرَاتِ فَحِينَئِذٍ يُخْرِجُ تِلْكَ الْكَلِمَةَ مَخْطُومَةً وَمَذْمُومَةً وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ الْقَوْلَ كُلَّهُ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ أَوْ آيِلٌ إلَى أَحَدِهِمَا فَدَخَلَ فِي الْخَيْرِ كُلُّ مَطْلُوبٍ فَرْضًا أَوْ نَدْبًا أَوْ غَيْرَهُ فِي غَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الْعَمِيمَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ جَمِيعَ أَحْكَامَ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ الْجَوَارِحِ عَمَلًا كَذَا فِي الْفَيْضِ.
(ت. عَنْ ابْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ» يَعْنِي بِغَيْرِ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ «فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ» 98 أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِزِيَادَةِ التَّمَكُّنِ فِي الْخَاطِرِ وَتَنْبِيهًا عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ «قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ» بِمَعْنَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلذِّكْرِ وَالْوَعْظِ وَالنُّصْحِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْحُزْنِ وَالشَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ «وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْقَاسِي الْقَلْبِ» لِأَنَّ مَنْ كَانَ قَلْبُهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَ بَعِيدًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا نَسْلَخُهُ عَنْ جَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ وَفَقْدِهَا مِنْ قَلْبِهِ فَيَكُونُ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَلْبُ فَاعِلُ الْقَاسِي لِكَوْنِهِ صِلَةَ الـ
(طص) الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ (شَيْخُ) وَأَبُو الشَّيْخِ (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ
وَعَلَيْك بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ فِي طَاعَتِهِ تَعَالَى فَدَخَلَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ فِي طَاعَتِهِ تَعَالَى سِيَّمَا تَخْلِيَةُ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْجِهَادُ الْأَصْغَرُ مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى الْمُجَاهَدَةَ مَعَ النَّفْسِ الْجِهَادَ الْأَكْبَرَ حِينَ رُجُوعِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِقَوْلِهِ «رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» مِنْ الْمُبَارِقِ «فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ» تَعَبُّدُهُمْ الْمَخْصُوصُ بِهِمْ «وَعَلَيْك بِذِكْرِ اللَّهِ» تَعَالَى مُطْلَقًا مَا يُذْكَرُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ مَآلًا لِحَدِيثِ «مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ ذَكَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِلِسَانِهِ، وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ نَسِيَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ، وَأَيْضًا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَإِنْ قَلَّتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَتِلَاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ كَثُرَتْ» الْحَدِيثَ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ: هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الذِّكْرِ طَاعَةُ اللَّهِ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَتَجَنُّبِ نَهْيِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ هَذَا يُعْلِمُك بِأَنَّ أَصْلَ الذِّكْرِ إجَابَةُ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ اللَّوَازِمُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي مِثْلِهِ يَتَبَادَرُ مَا بِاللِّسَانِ سِيَّمَا نَحْوُ التَّهْلِيلِ «وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فَإِنَّهَا» أَيْ التِّلَاوَةَ «نُورٌ لَك فِي الْأَرْضِ» لِمَا فِي التِّلَاوَةِ مِنْ جَلَاءِ الصُّدُورِ أَوْ يَهْدِيَك إلَى الْحَقِّ كَالنُّورِ «وَذِكْرٌ لَك فِي السَّمَاءِ» أَيْ سَبَبُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِيمَا بَيْنَهُمْ «وَاخْزُنْ لِسَانَك» أَيْ احْبِسْهُ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالِاسْتِشْهَادُ مِنْ الْحَدِيثِ «إلَّا مِنْ خَيْرٍ» تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ كَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ «فَإِنَّك بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ» لِأَنَّ اللِّسَانَ أَعْظَمُ آلَةِ الشَّيْطَانِ فِي اسْتِغْوَاءِ الْإِنْسَانِ فَمَنْ أَطْلَقَ عَذَّبَهُ اللِّسَانُ وَأَهْمَلَهُ مُرْخِيَّ الْعِنَانِ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ سَاقَهُ إلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ وَلَا يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يُنَجِّي مِنْ شَرِّ اللِّسَانِ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِلِجَامِ الشَّرْعِ فَلَا يُطْلَقُ إلَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَكُفُّ عَنْ كُلِّ مَا يَخْشَى غَائِلَتَهُ فِي عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْعَلَاءِ هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ الْهَيْتَمِيُّ وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ وُثِّقَ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ (طِبّ. عَنْ أَبِي وَائِلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ أَكْثَرُ خَطَإِ ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ» لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْأَعْضَاءِ عَمَلًا وَأَصْغَرُهَا جِرْمًا وَأَعْظَمُهَا زَلَلًا لِأَنَّهُ صَغِيرٌ جِرْمُهُ عَظِيمٌ جُرْمُهُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَشْغَلُهُ فِيمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعٌ أُخْرَوِيٌّ لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ وَجَازَفَ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَتَكْثُرَ ذُنُوبُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» .
وَفِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ «مَاتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلَا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ أَوْ يُخِلُّ بِمَا يَعْنِيهِ» وَالْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ عَدَّهُ الْقَوْمُ مِنْ الْأَغْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي التَّدَاوِي مِنْهَا مِنْ الْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ وَعِلَاجُهُ أَنْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّ وَقْتَك أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْك فَتَشْغَلَهُ بِأَعَزِّهَا وَهُوَ الذِّكْرُ وَفِي ذِكْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَا تُكَفِّرُ عَنْ صَاحِبِهَا بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْمَصَائِبِ قَالَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ ارْتَقَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصَّفَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَاسْكُتْ عَنْ الشَّرِّ تَسْلَمْ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ فَذَكَرَهُ انْتَهَى وَقِيلَ لِسَانُك أَسَدُك إنْ أَطْلَقْته يَفْتَرِسْك.
(ت. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ» الْوَاحِدَةِ «لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا» يَعْنِي لَا يَظُنُّ كَوْنَهَا ذَنْبًا وَلَا مُؤَاخَذَةَ - {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]- «يَهْوِي بِهَا» يَسْقُطُ بِسَبَبِهَا (سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ دَائِمًا أَوْ سَنَةً «فِي النَّارِ» لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَوْزَارِ الَّتِي لَيْسَ عِنْدَ الْعَاقِلِ الْمِسْكَيْنِ مِنْهَا إشْعَارٌ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ أَشْكَالِ الْكَلَامِ قَبْلَ نُطْقِهِ مِنْ فَمِهِ فَمَا كَانَ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ وَإِظْهَارِ صِفَاتِ الْمَدْحِ وَنَحْوِهِ تَجَنَّبَهُ وَمَنْ آمَنَ بِهَذَا الْخَبَرِ حَقَّ إيمَانِهِ اتَّقَى اللَّهَ فِي لِسَانِهِ وَقَلَّلَ كَلَامَهُ حَسَبَ إمْكَانِهِ سِيَّمَا فِيمَا يُنْهَى عَنْ الْكَلَامِ فِيهِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ اللِّسَانُ إنَّمَا خُلِقَ لَك لِتُكْثِرَ بِهِ ذِكْرَ اللَّهِ وَتِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَتُرْشِدَ بِهِ الْخَلْقَ إلَى طَرِيقِهِ أَوْ تُظْهِرَ بِهِ مَا فِي ضَمِيرِك مِنْ حَاجَاتِ دِينِك وَدُنْيَاك فَإِذَا اسْتَعْمَلْته لِغَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ فَقَدْ كَفَرْت نِعْمَةَ اللَّهِ فِيهِ وَهُوَ أَغْلَبُ أَعْضَائِك وَلَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ فَاسْتَظْهِرْ بِغَايَةِ قُوَّتِك حَتَّى لَا يَكُبَّك فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمَ الْكَلِمَةَ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا لِيُضْحِكَ بِهَا الْقَوْمَ» أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يُضْحِكَهُمْ «وَإِنَّهُ لَيَقَعَ بِهَا أَبْعَدَ مِنْ السَّمَاءِ» أَيْ يَقَعُ فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فَعَلَى الْعَاقِلِ ضَبْطُ جَوَارِحِهِ فَإِنَّهَا رَعَايَاهُ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36]- وَإِنَّ مِنْ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي عَدَدًا وَأَيْسَرِهَا وُقُوعًا آثَامَ اللِّسَانِ إذْ آفَاتُهُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]-.
(تَنْبِيهٌ)
أَخَذَ الشَّافِعِيُّ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ اعْتِيَادَ حِكَايَاتٍ تُضْحِكُ أَوْ فِعْلَ خَيَالَاتٍ كَذَلِكَ رَادٌّ لِلشَّهَادَةِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَآخَرُونَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَخَصَّهُ بَعْضٌ بِمَا يُؤْذِي الْغَيْرَ كُلُّهُ مِنْ الْفَيْضِ
(دُنْيَا. عَنْ أَمَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الرَّجُلَ لَيَدْنُو» يَقْرَبُ «مِنْ الْجَنَّةِ» بِالطَّاعَاتِ وَجْهُ التَّأْكِيدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْبَادِ الْعَادِيِّ الْعَقْلِيِّ «حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا قِيدُ» قَدْرَ «رُمْحٍ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ» الْوَاحِدَةِ الْقَبِيحَةِ شَرْعًا «فَيَتَبَاعَدُ مِنْهَا» أَيْ مِنْ الْجَنَّةِ «أَبْعَدَ مِنْ صَنْعَاءَ» بِالْمَدِّ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ فِي الْيَمَنِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَبِغَيْرِ مَدٍّ بَلْدَةٌ بِالشَّامِ مِقْدَارَ خَمْسِينَ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ (نُعَيْمٌ) أَبُو نُعَيْمٍ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ» أَيْ زَلَّتُهُ سَبَقَ قَرِيبًا تَفْصِيلٌ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ جَعَلْت عَلَى نَفْسِي بِكُلِّ كَلِمَةٍ فِيمَا لَا يَعْنِي صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَسَهُلَ ذَلِكَ فَجَعَلْت لِكُلِّ كَلِمَةٍ صَوْمَ يَوْمٍ فَسَهُلَ عَلَيَّ فَلَمْ أَنْتَهِ حَتَّى جَعَلْت عَلَى نَفْسِي بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَصَدُّقًا بِدِرْهَمٍ فَصَعُبَ عَلَيَّ فَانْتَهَيْت (زَ) الْبَزَّازُ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُوبَى» تَأْنِيثُ أَطْيَبَ أَيْ رَاحَةٌ وَطِيبُ عَيْشٍ لَعَلَّك سَمِعْت تَفْصِيلَ مَعْنَاهَا لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَحَادِيثُ تَفْسِيرٍ لِمَعْنَاهَا نَحْوَ «طُوبَى: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ
مِنْ أَكْمَامِهَا» جَمْعُ كُمٍّ وِعَاءُ الطَّلْعِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هِيَ شَجَرَةٌ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَفِي كُلِّ دَارٍ وَغَرْفَةٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى لَوْنًا وَلَا زَهْرَةً إلَّا وَفِيهَا مِنْهَا إلَّا السَّوَادَ وَلَا يَخْلُقُ اللَّهُ فَاكِهَةً وَلَا ثَمَرَةً إلَّا وَفِيهَا مِنْهَا يَنْبُعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ الْكَافُورُ وَالسَّلْسَبِيلُ كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تُظِلُّ أُمَّةً عَلَيْهَا مَلَكٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَنَحْوُ «طُوبَى شَجَرَةٌ غَرَسَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ تُنْبِتُ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَأَنَّ أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ لِطُولِهَا» .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَشَجَرَةُ طُوبَى هَذِهِ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29] وَحَكَى الْأَصَمُّ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فِي دَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي دَارِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهَا غُصْنٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ " مُتَهَدِّلَةٌ " أَيْ مُتَدَلِّيَةٌ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ قُرَّةَ يَرْفَعُهُ: «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهَا تَفَتَّقِي لِعَبْدِي فَتُفَتَّقُ لَهُ عَنْ الْخَيْلِ بِسُرُوجِهَا وَلُجُمِهَا وَعَنْ الْإِبِلِ بِأَزِمَّتِهَا وَعَمَّا شَاءَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَمَا مِنْ الْجَنَّةِ أَهْلٌ إلَّا وَغُصْنٌ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مُتَدَلٍّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَدَلَّتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا مَا شَاءُوا» وَنَحْوُ: «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَعْلَمُ طُولَهَا إلَّا اللَّهُ فَيَسِيرُ الرَّاكِبُ تَحْتَ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا وَرَقُهَا الْحُلَلُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّيْرُ كَأَمْثَالِ الْبَخْتِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا يَجِيءُ الطَّيْرُ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قَدِيدًا وَشِوَاءً ثُمَّ يَطِيرُ» . كُلُّ الشَّرْحِ مِنْ الْفَيْضِ مُلَخَّصًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفَاسِيرَ لِلَفْظِ طُوبَى الْمُخَالَفَةَ لِمَا ذُكِرَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ النُّصُوصِ إلَّا إذَا وَقَعَ مَقَامَ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ نَحْوِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي كَوْنَهُ مِنْ تَأْوِيلِ مَعْنَى الْحَدِيثِ «لِمَنْ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلَامِهِ» بِأَنْ تَرَكَ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَسْلَمُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْخُسْرَانِ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ
يَا كَثِيرَ الْفُضُولِ قَصِّرْ قَلِيلًا
…
قَدْ فَرَشْت الْفُضُولَ طُولًا طَوِيلًا
كَمْ مِنْ الْقُبْحِ قَدْ أَخَذْت بِحَظٍّ
…
فَاسْكُتْ الْآنَ إنْ أَرَدْت جَمِيلًا
وَفِي الْجَامِعِ «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ» «وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ» وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا إلَى الْبِدْعَةِ وَفِيهِ أَيْضًا «طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ» لِأَنَّ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ السَّلَامَةَ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَمُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ، وَالنُّطْقُ بِلَا حَاجَةٍ إمَّا مَحْظُورٌ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِمَّا مُبَاحٌ فَإِشْغَالُ الْكِرَامِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ «وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ» بِاعْتِزَالِ النَّاسِ «وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ» (دُنْيَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) قِيلَ هُوَ مُرْسَلٌ (أَنَّهُ قَالَ «تَكَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ الْكَلَامَ فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام» إنْكَارًا لَهُ «كَمْ دُونَ» قُدَّامَ «لِسَانِك مِنْ حِجَابٍ قَالَ شَفَتَايَ وَأَسْنَانِي فَقَالَ أَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ» الْحِجَابِ اسْتِفْهَامٌ لِلتَّوْبِيخِ «مَا يَرُدُّ كَلَامَك» أَيْ يَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِهِ كَأَنَّهُ مَنَعَ الْحُكْمَ أَيْ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِحُجَّةٍ فَيَقْتَرِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ لِزِيَادَةِ الِاعْتِنَاءِ لَكِنْ يَشْكُلُ إنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ الْكَثِيرُ خَيْرًا فَمَنْعُهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْكَثِيرِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ خَيْرًا مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَلَوْ قَلِيلًا نَعَمْ الْمَنْعُ فِي الْكَثْرَةِ آكَدُ وَيَجُوزُ أَنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ خَيْرًا لَيْسَ بِأَدَبٍ عِنْدَ حُضُورِ الْكَلَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطِيلُ الصَّمْتَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَقَفَ سَاعَةً يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَفِي الشِّرْعَةِ مَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ فَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْرَتَهُ وَفِي الْحَدِيثِ «الصَّمْتُ حِكْمَةٌ» نَافِعٌ يَمْنَعُ مِنْ الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ أَوْ مِنْ رَدِيءِ الْكَلَامِ وَمَا لَا يُعْنِي يُثْمِرُ حِكْمَةً فِي قَلْبِ الصَّامِتِ يَنْطِقُ عَنْهَا وَيَنْتَفِعُ بِهَا " وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ " قَلَّ مَنْ يَصْمُتُ عَمَّا لَا يُعْنِيهِ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِمَّا يَشِينُهُ وَيُؤْذِيهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
وَأَيْضًا الصَّمْتُ أَرْفَعُ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْخَطَايَا مِنْ اللِّسَانِ.
قَالَ وَهْبٌ أَجْمَعَ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْحِكْمَةِ الصَّمْتُ وَقَالَ الْفُضَيْلُ لَا حَجَّ