الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَدْعُوَ إلَى تَكْثِيرِ الْحَلِفِ) الْمُخِلِّ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ (أَوْ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْيَمِينِ) لِأَنَّ السَّلَفَ إذَا أَبَوْا مِنْهَا صَادِقِينَ لِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ الْخَوْفُ مِنْ مُدَاخَلَةِ الْحَلِفِ كَاذِبًا كَمَا قَالَ (لِيَخَافَ النَّاسُ مِنْ الْغَمُوسِ أَشَدَّ الْخَوْفِ أَوْ نَحْوَهَا) مِمَّا يَكُونُ بَاعِثًا إلَى الْإِبَاءِ مِثْلَ الِاحْتِيَاطِ وَالِالْتِبَاسِ
[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]
(الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ) وَكَذَا الشَّفَاعَةُ وَالِاسْتِشْفَاعُ وَنَحْوُهُمَا سُؤَالُ أَمْرِ الْفَتْوَى وَتَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ وَالْوِصَايَةِ (فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ كَسُؤَالِ الْمَالِ) قِيلَ لَكِنَّهُ أَدْنَى مِنْ سُؤَالِ الْمَالِ فِي الْحُرْمَةِ وَقَالَ مَكْحُولٌ لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ ضَرْبِ عُنُقِي لَاخْتَرْت ضَرْبَ عُنُقِي عَلَى الْقَضَاءِ قِيلَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْخَطِيبِ (خ م عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ «مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ» أَيْ سُؤَالٍ «أُعِنْت عَلَيْهَا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْضًا أَيْ أَعَانَك اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْإِمَارَةِ وَحَفِظَك مِنْ الْإِثْمِ فِيهَا لِأَنَّ عَمَلَك يَكُونُ لِطَاعَةِ الْإِمَامِ وَطَاعَةُ الْإِمَامِ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ يُطِعْ اللَّهَ يُعِنْهُ «وَإِنْ أَنْتَ أُعْطِيتهَا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ «عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا» بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْكَافُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ خُلِيت يَعْنِي لَا يُعِينُك اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا لِأَنَّك حَرَصْت عَلَى الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ فَلَا يَكُونُ عَمَلُك لِلَّهِ فَلَمْ يُعِنْكَ فَلَا تَتَحَصَّلُ رِعَايَةُ حُقُوقِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ بَحْرٌ عَمِيقٌ يَحْتَاجُ إلَى تَوْفِيقٍ وَيَدْخُلُ فِي الْإِمَارَةِ الْقَضَاءُ وَالْحِسْبَةُ وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْرِيجِ أَبِي دَاوُد «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ يَنَالُهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ» لِأَنَّ الْعَدْلَ إعَانَةٌ مِنْهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ نَالَهُ بِالطَّلَبِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُعَانُ بِسَبَبِ طَلَبِهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ الْعَدْلُ إذَا وَلِيَ أَوْ يُحْمَلُ الطَّلَبُ هُنَا عَلَى الْقَصْدِ وَهُنَاكَ عَلَى التَّوْلِيَةِ أَقُولُ لَعَلَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِعَانَةِ فِي الْجَمِيعِ أَوْ الْأَكْثَرِ وَمَا غَلَبَ عَدْلُهُ فِي الْقَلِيلِ أَوْ لَفْظُ مِنْ لَيْسَ قَطْعِيًّا فِي الْعُمُومِ وَلَوْ جُعِلَ مَوْصُولًا أَوْ مَوْصُوفًا لَاتَّضَحَ الْأَمْرُ زِيَادَةَ اتِّضَاحٍ (د ت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ابْتَغَى» طَلَبَ «الْقَضَاءِ وَسَأَلَ فِيهِ» فِي حَقِّهِ «شُفَعَاءَ» يَشْفَعُونَ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ «وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ» وَمَنْ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ أَعْدَى عَدُوِّهِ وَتَرَكَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَعَوْنَهُ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ رِعَايَةُ حُقُوقِ الْقَضَاءِ وَإِجْرَاءُ الشَّرْعِ كَمَا يَنْبَغِي وَقَدْ وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ لَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَإِنْ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي تُقَرِّبُنِي إلَى الشَّرِّ وَتُبَاعِدُنِي عَنْ الْخَيْرِ «وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» أَيْ يُلْهِمُهُ السَّدَادَ وَيُوَفِّقُهُ لِلصَّوَابِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلِيهِ إلَّا بِإِكْرَاهٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى الشُّرُوعِ فِيهِ إلَّا بِالْإِكْرَاهِ وَفِي الْإِكْرَاهِ قَمْعُ هَوَى
النَّفْسِ وَحِينَئِذٍ يُسَدَّدُ إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: 55] وَعَنْ سُلَيْمَانَ عَلَى نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص: 35] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّرِيعَةَ السَّابِقَةَ الْمَحْكِيَّةَ لَنَا إنَّمَا تَكُونُ شَرِيعَةً لَنَا إذَا لَمْ تُنْكَرْ
وَمِثْلُ مَا ذَكَرَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إنْكَارًا لَنَا أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ لِعِصْمَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ الْقَضَاءَ بِلَا طَلَبٍ ثُمَّ تَرَكَهُ مُدَّةً ثُمَّ دَخَلَهُ ثَانِيًا قَالَ وَعِنْدَ الْقَضَاءِ كَانَ لِي مُنَاسَبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُنْت أَرَاهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَتَرَكْت لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ عليه الصلاة والسلام فَقُطِعَتْ الْمُنَاسَبَةُ الْأُولَى بِالْكُلِّيَّةِ فَدَخَلْت مَرَّةً أُخْرَى فَرَأَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَكْت الْقَضَاءَ لِيَزِيدَ قُرْبَى وَكَانَ خِلَافُهُ فَقَالَ الْمُنَاسَبَةُ عِنْدَ الْقَضَاءِ أَزْيَدُ مِمَّا عِنْدَ التَّرْكِ لِأَنَّ عِنْدَ الْقَضَاءِ تَشْتَغِلُ بِإِصْلَاحِ نَفْسِك وَإِصْلَاحِ أُمَّتِي وَعِنْدَ التَّرْكِ تَشْتَغِلُ بِنَفْسِك فَقَطْ كَمَا فِي الشَّقَائِقِ وَيَشْكُلُ أَيْضًا بِعَدَمِ قَبُولِ الْإِمَامِ رحمه الله بَعْدَ الْإِكْرَاهِ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْقَبُولُ لِتَسْدِيدِ الْمِلْكِ وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ أَحْضَرَ الْمَنْصُورُ الْإِمَامَ إلَى بَغْدَادَ وَطُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَهَرَبَ فَحَكَمَ بِحَبْسِهِ وَضَرْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ حَتَّى ضُرِبَ مِائَةً وَعَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَلَمَّا تَتَابَعَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا فَمَاتَ مَحْبُوسًا مَبْطُونًا قِيلَ فَلَمَّا أَبَى دَسُّوا إلَيْهِ السُّمَّ فَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْنِهِ لِلزِّحَامِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي السِّجْنِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ أَوْ السُّمِّ وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهُ سُقِيَ السُّمَّ ثُمَّ ضُرِبَ مَصْلُوبًا حَتَّى يَتَفَرَّقَ السُّمُّ وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ السُّمِّ قِيلَ دَسُّوا إلَيْهِ السُّمَّ وَلَمْ يَعْرِفْهُ
وَقِيلَ أُكْرِهَ فَامْتَنَعَ وَقَالَ أَعْلَمُ مَا فِيهِ وَلَا أُعِينُ عَلَى نَفْسِي فَطُرِحَ وَصُبَّ فِي فَمِهِ فَلَمَّا أَحَسَّ بِمَوْتِهِ سَجَدَ فَمَاتَ سَاجِدًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى لِلْإِمَامِ مِثْلُهُ مَعَ ابْنِ أَبِي هُبَيْرَةَ مَرَّةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْمَرْوَانِيَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُولَى قَضَاءَ الْكُوفَةِ فَأَبَى فَحَبَسَهُ وَضُرِبَ سِيَاطًا عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى انْتَفَخَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَقَالَ ضَرْبَةٌ فِي الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ مَقَامِعِ الْحَدِيدِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ أُشَاوِرُ أَصْحَابِي فَأَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ فَهَرَبَ إلَى مَكَّةَ إلَى الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ فَجَاءَ زَمَنُ الْخَلِيفَةِ الْمَنْصُورِ فَأَكْرَهَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْدِيدَ الْمَلَكِ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ وَاحْتِرَازَ الْإِمَامِ مَقَامُ التَّقْوَى بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ تَسْدِيدِ الْمَلَكِ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ إذْ إلْقَاءُ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ لَعَلَّ لَهُ سَبَبًا خَفِيًّا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ دَعَا الْإِمَامَ وَالثَّوْرِيَّ وَشَرِيكًا وَمِسْعَرًا فَقَالَ الْإِمَامُ أَمَّا أَنَا فَأَحْتَالُ وَالثَّوْرِيُّ يَهْرُبُ وَمِسْعَرٌ يَتَجَنَّنُ وَأَمَّا شَرِيكٌ فَلَا آمَنُ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَكَانَ الْجُنْدِيُّ يَذْهَبُ بِهِمْ قَالَ سُفْيَانُ أُرِيدُ الْبَزَّازَ فَتَوَارَى بِالْحَائِطِ فَإِذَا سَفِينَةٌ مَمْلُوءَةٌ بِالشَّوْكِ فَقَالَ لِلْمَلَّاحِ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَنِي أَرَادَ الْقَضَاءَ فَسَتَرُوهُ تَحْتَ الشَّوْكِ وَأَمَّا مِسْعَرٌ فَقَالَ لِلْخَلِيفَةِ كَيْفَ دَوَابُّك وَغِلْمَانُك فَتَرَكُوهُ وَقَالُوا إنَّهُ مَجْنُونٌ قَالَ يَا شَيْخُ مَا أَنْتَ قَالَ أَخْرِجُوهُ فَإِنَّهُ مُخْتَلُّ الْعَقْلِ
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ بَزَّازٌ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يُرْضُونَ بِي فَتَرَكَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَمَّا شَرِيكٌ فَقَالَ غَالِبُ حَالِي النِّسْيَانُ قَالَ نُطْعِمُك اللُّبَانَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْك النِّسْيَانُ قَالَ لِي خِفَّةً فَبِالْآخِرَةِ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ ثُمَّ عَزَلُوهُ لِمُمَاشَاتِهِ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ (فَمِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ الْقَضَاءِ بِالِاخْتِيَارِ) وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَهُ وَإِنْ جَازَ بِالْإِكْرَاهِ كَمَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَزَّازِيِّ لَا يَجُوزُ الطَّلَبُ بِحَالٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَوْ كُلِّفَ بِلَا طَلَبٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا مَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْخَصَّافِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَلِذَا ضُرِبَ الْإِمَامُ أَيَّامًا وَقُيِّدَ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَامْتَنَعَ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ) بِلَا كَرَاهَةٍ إنْ أَهْلًا كَأَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا فَمَعَ الْكَرَاهَةِ (رُخْصَةً إنْ كَانَ بِلَا سُؤَالٍ) بِلِسَانِهِ (وَلَا طَلَبٍ) بِقَلْبِهِ (وَلَا شَفَاعَةٍ) مِنْ الْغَيْرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى
أَنَّ التَّقْلِيدَ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكَ عَزِيمَةٌ وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَحَامَى مِنْهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ أَصْلَحُ دِينًا وَدُنْيَا وَفِي الْهِدَايَةِ الدُّخُولُ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ» وَعَنْ مَسْرُوقٍ لَأَنْ أَقْضِيَ يَوْمًا وَاحِدًا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَنَةٍ أَغْزُوهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَالْعَزِيمَةُ تَرْكُهُ) فَلَعَلَّهُ يُخْطِئُ ظَنُّهُ فَلَا يُوَافِقُ لَهُ أَوْ لَا يُعِينُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ كَذَا نُقِلَ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ إنَّ مَرْتَبَةَ الْقَضَاءِ شَرِيفَةٌ وَمَنْزِلَتَهُ رَفِيعَةٌ لِمَنْ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَحَكَمَ عَلَى عِلْمٍ بِغَيْرِ هَوًى وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَفِيهِ أَيْضًا قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَضَى مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُمَا فِي النَّارِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ اجْتَهَدَ فِي الْحَقِّ عَلَى عِلْمٍ فَأَخْطَأَ فَلَيْسَ فِي النَّارِ بَلْ يُؤْجَرُ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَضَاءَ مِنْ النِّعَمِ الَّتِي يُبَاحُ الْحَسَدُ عَلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَيْنِ رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيَعْمَلُ بِهَا» وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ أَبَوَيْهَا هَلْ تَدْرُونَ مَنْ السَّابِقُونَ إلَى ظِلِّ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ الَّذِينَ إذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوا بَذَلُوهُ وَإِذَا حَكَمُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَكَمُوا كَحُكْمِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى يَمِينِ الْعَرْشِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَأَنْ أَقْضِيَ يَوْمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِينَ عَامًا وَمُرَادُهُ إذَا قَضَى يَوْمًا بِالْحَقِّ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِينَ سَنَةً فَلِذَلِكَ كَانَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] فَأَيُّ شَيْءٍ أَشْرَفُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَمَّ اللَّهُ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَ {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] وَمَا فِيهِ تَخْوِيفٌ وَوَعِيدٌ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ قُضَاةِ الْجَوْرِ وَالْجُهَّالِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاء فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» فَقَدْ أَوْرَدَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي مَعْرِضِ التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ وَقَالَ بَعْضٌ دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ الْقَضَاءِ وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ لِأَنَّهُ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ مَنْ قَضَى بِالْحَقِّ إذْ جَعَلَهُ ذَبِيحَ الْحَقِّ امْتِحَانًا لِتَعْظِيمِ الْمَثُوبَةِ امْتِنَانًا فَالْقَاضِي لَمَّا اسْتَسْلَمَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَبَرَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ فِي خُصُومَاتِهِمْ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ حَتَّى قَادَهُمْ عَلَى أَمْرِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ الْعَدْلِ وَكَفَّهُمْ عَنْ دَوَاعِي الْهَوَى وَالْعِنَادِ جُعِلَ ذَبِيحَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَلَغَ بِهِ حَالَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ الْجَنَّةُ وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَمُعَاذًا وَمَعْقِلًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الْقَضَاءَ فَنِعْمَ الذَّابِحُ وَنِعْمَ الْمَذْبُوحُونَ.
وَالْجَوْرُ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْيَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ رَجُلٌ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ» وَعَنْ بَعْضٍ: الْقَضَاءُ مِحْنَةٌ وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ أَوْ التَّخْلِيصِ كَمَا فِي حَدِيثِ «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرٍ سِكِّينٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ ذُبِحَ بِالسِّكِّينِ» وَعَنْ بَعْضٍ شِعَارُ الْمُتَّقِينَ الْبُعْدُ وَالْهَرَبُ مِنْهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَغَيْرِهِمَا لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الضَّعْفَ وَعَدَمَ الْعِصْمَةِ مِنْ خَطَرِهِ.
كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْعَزِيمَةُ أَيْ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى تَرْكُهُ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمَيْلِ لِلصَّدِيقِ عَنْ الْعَدُوِّ وَالتَّشَوُّقِ إلَى أَغْرَاضِ الِانْتِقَامِ فِي أَدْرَاجِ الْأَحْكَامِ وَالسَّلَامَةُ عَنْهُمَا مُعْتَذِرَةٌ وَقَدْ قِيلَ لَا خَيْرَ فِيمَنْ يَرَى
نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ لَا يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا فَهُرُوبُ مِثْلِهِ وَاجِبٌ وَطَلَبُهُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكَ عَزِيمَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ اسْتَقْضَى ابْنُ وَهْبٍ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَتَجَانَنَ وَكَانَ يَخْرِقُ ثِيَابَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ لَوْ قَبِلْت وَعَدَلْت لَكَانَ خَيْرًا فَقَالَ يَا هَذَا أَوَعَقْلُك هَذَا أَوَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ «الْقُضَاةُ يُحْشَرُونَ مَعَ السَّلَاطِينِ وَالْعُلَمَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» وَلَمَّا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الضَّرْبِ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فَسَوَّغَهُ الْإِمَامُ الثَّانِي وَقَالَ لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْت النَّاسَ فَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً لَكُنْت أَقْدَرَ عَلَيْهِ فَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا فَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ بَعْدَهُ انْتَهَى.
(وَكَذَا الْإِمَارَةُ) أَيْ حُكْمُ الْإِمَارَةِ كَحُكْمِ الْقَضَاءِ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَرُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ تَرْكِهِ عَزِيمَةً (أَنَّهُمَا ثَقِيلَانِ جِدًّا قَلَّمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِمَا) كَمَا عَرَفْت آنِفًا أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا إذَا خَلَا عَنْ الْعَوَارِضِ وَالْمَوَانِعِ وَطَبْعُ الْقَضَاءِ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَطَلَبُ الْقَضَاءِ إمَّا وَاجِبٌ إنْ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ وَانْحَصَرَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِمَّا مُبَاحٌ إنْ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ فَيَجُوزُ لِسَدِّ خَلَّتِهِ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ إنْ هُنَاكَ عَالِمٌ خَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى النَّاسِ فَأَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُشْهِرَهُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ وَيُفْتِيَ الْمُسْتَرْشِدَ وَإِمَّا مَكْرُوهٌ إنْ لِلِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ وَإِمَّا حَرَامٌ إنْ جَاهِلًا أَوْ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُوجِبُ فِسْقَهُ أَوْ مُرِيدَ انْتِقَامٍ أَوْ رِشْوَةٍ.
(د ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» أَيْ كَأَلَمِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ فِي الشِّدَّةِ وَالِامْتِدَادِ لِمَا فِي الْحُكُومَةِ مِنْ الْخَطَرِ أَوْ ذُبِحَ بِحَيْثُ لَا يَرَى ذَابِحَهُ أَوْ التَّوْلِيَةُ إهْلَاكٌ لَا بِآلَةٍ مَحْسُوسَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَشَوَّقَ إلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُمِيتَ جَمِيعَ دَوَاعِيهِ الْخَبِيثَةِ وَشَهَوَاتِهِ الرَّدِيئَةِ فَمَذْبُوحٌ بِغَيْرِ سِكِّينٍ فَمُرَغَّبٌ فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَمَا قَبْلَهُ مَحْذُورٌ عَنْهُ.
وَقِيلَ إنَّ السِّكِّينَ يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَمَا بِغَيْرِ السِّكِّينِ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَوَبَالُ الْقَضَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ جَاهٌ وَبَاطِنَهُ هَلَاكٌ كَمَا فِي أَخِي جَلْبِي لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ ازْدَرَاهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ثُمَّ دَعَا بِمَجْلِسِهِ مَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ فَجَعَلَ الْحَلَّاقُ يَحْلِقُ بَعْضَ شَعْرِ ذَقَنِهِ فَعَطَسَ فَأَصَابَ حَلْقَهُ وَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا فِي قَضَاءِ الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي (حَدّ حب عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى» مِنْ كَمَالِ الْحِيرَةِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَشِدَّةِ الْهَوْلِ «أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَمَرَةٍ قَطُّ» يَعْنِي وَلَوْ فِي أَقَلَّ قَلِيلٍ عَنْ شَرْحِ الْخَطِيبِ
أَنَّهُ رُئِيَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اُكْتُبْ أَسَامِيَ أَصْحَابِك فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُمْ فَكَتَبَ فِي أَوَّلِ الْجَرِيدَةِ اسْمَ دَاوُد الطَّائِيِّ لِزُهْدِهِ وَفِي آخِرِ الْجَرِيدَةِ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْقَضَاءِ وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَانَ فِي بَلَدِنَا نَبَّاشٌ وَفِي الْبَلَدِ قَاضٍ صَالِحٌ نَاصِبٌ نَفْسَهُ لِتَنْفِيذِ مَرَاسِمِ النُّبُوَّةِ وَقَمْعِ مَرَاسِمِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ فَلَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ دَعَا النَّبَّاشَ وَقَالَ هَذَا قِيمَةُ كَفَنِي فَخُذْهُ الْآنَ وَلَا تَهْتِكُنِي فِي قَبْرِي فَأَخَذَهُ وَذَهَبَ فَلَمَّا مَاتَ الْقَاضِي أَرَادَ نَبْشَهُ فَمَنَعَتْهُ زَوْجَتُهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا فَلَمَّا حَفَرَ الْقَبْرَ وَدَخَلَ دَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ فَقَالَ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ لِلْآخَرِ شُمَّ رِجْلَيْهِ فَشَمَّهُمَا فَقَالَ لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ إنَّهُ لَمْ يَسْعَ فِي مَعْصِيَةٍ قَطُّ فَقَالَ لَهُ شُمَّ يَدَيْهِ فَقَالَ فِيهِمَا خَيْرٌ ثُمَّ قَالَ شُمَّ عَيْنَيْهِ فَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مُحَرَّمٍ قَطُّ فَقَالَ شُمَّ سَمْعَهُ فَشَمَّ أَحَدَ سَمْعَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا ثُمَّ شَمَّ السَّمْعَ الْآخَرَ فَوَقَفَ فَقَالَ مَا وَجَدْت قَالَ بَعْضَ نَتْنٍ فَقَالَ مِمَّ؟ قَالَ إنَّهُ أَصْغَى بِأَحَدِ سَمْعَيْهِ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ قَالَ فَانْفُخْ فِيهِ فَنَفَخَ نَفْخَةً فَامْتَلَأَ الْقَبْرُ نَارًا فَلَحِقَ بَصَرَ النَّبَّاشِ فَعَمِيَ فَإِذَا كَانَ حَالُ مِثْلِ هَذَا الْقَاضِي هَكَذَا فَكَيْفَ حَالُ مَنْ شَأْنُهُ إبْطَالُ الْحُقُوقِ وَأَخْذُ الرِّشَا وَعَدَمُ إحْقَاقِ الْحُقُوقِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ.
(طك عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنْ الْإِمَارَةِ وَمَا هِيَ» قَالَ عَوْفٌ «فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي» بِأَنْ أَقُولَ «وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ» بَاعِثَةٌ عَلَى لَوْمِ النَّاسِ وَتَعْيِيرِهِمْ «وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ» لَعَلَّهُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا «وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَنْ عَدَلَ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهَا تُحَرِّكُ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةَ وَتَغْلِبُ عَلَى النَّفْسِ حُبَّ الْجَاهِ وَلَذَّةَ الِاسْتِيلَاءِ وَنَفَاذَ الْأَمْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ مَلَاذِّ الدُّنْيَا فَإِذَا كَانَتْ مَحْبُوبَةً كَانَ الْوَالِي سَاعِيًا فِي حَظِّ نَفْسِهِ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَيَقْدُمُ عَلَى مَا يُرِيدُ وَإِنْ بَاطِلًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ تَعَالَى رَعِيَّتَهُ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمْ يَحْفَظْهَا بِنَصِيحَةٍ لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» .
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ» (وَكَيْفَ يَعْدِلُ مَعَ أَقْرَبِيهِ) كَالْأَوْلَادِ وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ وَعَظَ بَعْضٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَوْعِظَةً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إنَّهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ دَاوُد {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ» وَفِي نُسْخَةِ الْجَامِعِ بِلَا تَاءٍ «وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ» عِنْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهَا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَقْطَعُ عَنْهُ تِلْكَ اللَّذَائِذَ وَالْمَنَافِعَ وَتُبْقِي عَلَيْهِ الْحَسْرَةَ وَالتَّبِعَةَ فَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ وَالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْإِمَارَةُ
ضَرَبَ الْمُرْضِعَةَ مَثَلًا لِلْإِمَارَةِ الْمُوصِلَةِ صَاحِبَهَا إلَى الْمَنَافِعِ الْعَاجِلَةِ وَالْفَاطِمَةَ وَهِيَ الَّتِي انْقَطَعَ لَبَنُهَا مَثَلًا لِمُفَارَقَتِهِ عَنْهَا بِانْعِزَالٍ أَوْ مَوْتٍ وَالْقَصْدُ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَكَرَاهَةُ طَلَبِهَا شَبَّهَ الْإِمَارَةَ بِالْمُرْضِعَةِ وَانْقِطَاعَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الْعَزْلِ بِالْفَاطِمَةِ فَإِنَّهَا فِي الدُّنْيَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فِي الْيَدِ تَدِرُّ عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ الْعَاجِلَةَ فَإِذَا مَاتَ أَوْ فَاتَتْ حَصَلَ لِصَاحِبِهَا حَسْرَةٌ وَتَبِعَةٌ كَمَا لِلصَّبِيِّ حِينَ الْفَطْمِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ لِلَذَّةٍ تَتْبَعُهَا حَسَرَاتٌ.
وَعَنْ الطِّيبِيِّ نِعْمَ فِعْلٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ وَإِذَا كَانَ فَاعِلُهُ مُؤَنَّثًا جَازَ إلْحَاقُ تَاءِ التَّأْنِيثِ بِهِ وَتَرْكُهَا قَالَ فِي الْمُنَاوِيِّ فَإِنْ قُلْت هَلْ مِنْ لَطِيفَةٍ فِي تَرْكِ التَّاءِ مَعَ فِعْلِ الْمَدْحِ وَإِثْبَاتِهَا مَعَ الذَّمِّ أُجِيبَ بِأَنَّ إرْضَاعَهَا أَحَبُّ حَالَتَيْهَا لِلنَّفْسِ وَفِطَامَهَا أَشَقُّهُمَا وَالتَّأْنِيثُ أَخْفَضُ حَالَتَيْ الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ حَالَةَ التَّذْكِيرِ مَعَ الْحَالَةِ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ حَالَتَيْ الْوِلَايَةِ وَاسْتَعْمَلَ حَالَةَ التَّأْنِيثِ مَعَ الْحَالَةِ الشَّاقَّةِ عَلَى النَّفْسِ وَهِيَ حَالَةُ الْفِطَامِ عِنْدَ الْوِلَايَةِ لِمَكَانِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ انْتَهَى.
وَفِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ إنَّمَا لَمْ يُلْحِقْ التَّاءَ بِنِعْمَ لِأَنَّ الْمُرْضِعَةَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْإِمَارَةِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَنَّثَةً لَكِنْ تَأْنِيثُهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَأَلْحَقَهَا بِبِئْسَ نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْإِمَارَةِ ذَاهِبَةً وَفِيهِ أَنَّ مَا يَنَالُهُ الْأَمِيرُ مِنْ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ أَشَدُّ مِمَّا يَنَالُهُ مِنْ النَّعْمَاءِ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُلِمَّ بِلَذَّةٍ تَتْبَعُهَا حَسَرَاتٌ قَالَ فِي الْمَطَامِحِ وَكَذَا سَائِرُ الْوِلَايَاتِ وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الطَّلَبِ مُبَيَّنٌ فِي الْفُرُوعِ.
(حَدّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ» مِنْ الرِّجَالِ فَمَا فَوْقَهَا «إلَّا يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لِلْحِسَابِ «وَيَدُهُ مَغْلُولَةٌ» وَالْحَالُ أَنَّ يَدَهُ مَشْدُودَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ مَغْلُولًا يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ «لَا يَفُكُّهُ إلَّا الْعَدْلُ» يَعْنِي كُلَّ أَمِيرٍ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَشْدُودًا يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ إلَّا الْعَادِلَ وَآخِرُ الْحَدِيثِ أَوْ يُوبِقُهُ الْجِوَارُ يَعْنِي يُؤْتَى بِالْأَمِيرِ بِكُلِّ حَالٍ أَسِيرًا مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِهِ حَتَّى يُحَاسَبَ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ فِي الْحُكْمِ خَلَّصَهُ الْعَدْلُ وَإِنْ ظَلَمَ أَدْخُلهُ النَّارَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى وُلَاةِ الْجَوْرِ فَمَنْ ضَيَّعَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ أَوْ خَانَهُ ظَلَمَهُ فَقَدْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحْلِيلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ.
وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَيْسَ مِنْ وَالٍ وَلَا قَاضٍ إلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصِّرَاطِ ثُمَّ تَنْشُرُ الْمَلَائِكَةُ صَحِيفَةَ عَمَلِهِ مَعَ رَعِيَّتِهِ وَمَعَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ أَعَدَلَ أَمْ جَارَ فَيَقْرَؤُهَا عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا نَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ انْتَقَضَ بِهِ الصِّرَاطُ انْتِقَاضَةً صَارَ بَيْنَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ» وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي مُنْذُ اُبْتُلِيتُ بِالْقَضَاءِ مَا رُفِعَتْ إلَيَّ خُصُومَةٌ إلَّا قَدَّمْت فِي ذَلِكَ كِتَابَك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ فَسُنَّةَ رَسُولِك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ فَسُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ جَعَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله مَنْظَرَةً بَيْنِي وَبَيْنِك اللَّهُمَّ إنَّك كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى الْقَلْبَ إلَّا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ وَمَا تِلْكَ الْحَادِثَةُ قَالَ ادَّعَى نَصْرَانِيٌّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دَعْوَى فَلَمْ يُمْكِنِّي أَنْ آمُرَ الْخَلِيفَةَ بِالْقِيَامِ عَنْ مَجْلِسِهِ وَالْمُسَاوَاةِ مَعَ خَصْمِهِ لَكِنْ دَفَعْت النَّصْرَانِيَّ إلَى جَانِبِ الْبِسَاطِ بِقَدْرِ مَا أَمْكَنَنِي ثُمَّ سَمِعْت الْخُصُومَ قَبْلَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ انْتَهَى.
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا كَانَ زَمَانٌ يَكُونُ الْأَمِيرُ فِيهِ كَالْأَسَدِ وَالْحَاكِمُ فِيهِ كَالذِّئْبِ الْأَعَطِّ وَالتَّاجِرُ فِيهِ كَالْكَلْبِ الْهَرَّارِ وَالْمُؤْمِنُ بَيْنَهُمْ كَالشَّاةِ الْوَلْهَى بَيْنَ الْقَلْسَيْنِ لَيْسَ لَهَا مَأْوَى فَكَيْفَ حَالُ شَاةٍ بَيْنَ أَسَدٍ وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ»