الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْتِزَامَ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَعَ وُجُودِ مَا لَزِمَ وَمُقْتَضَى عَدَمِ الْجَوَازِ وُجُوبُ الِاسْتِرْدَادِ أَوْ التَّضْمِينِ عِنْدَ الْإِهْلَاكِ سِيَّمَا الْغُرَمَاءُ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ التَّصَدُّقُ فَأَوْلَى عَدَمُ جَوَازِ هِبَتِهِ سِيَّمَا لِنَحْوِ، وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ لَكِنْ لَمْ أَقِفْ.
(وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْجُمْهُورُ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَ) صِحَّةِ (عَقْلِهِ حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْإِضَاقَةِ) مِنْ الضِّيقِ وَالْمُضَايَقَةِ (وَلَا عِيَالَ لَهُ أَوْ لَهُ عِيَالٌ يَصْبِرُونَ أَيْضًا فَهُوَ) أَيْ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ (جَائِزٌ) كَمَا «تَصَدَّقَ الصِّدِّيقُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَحَسَّنَهُ عليه الصلاة والسلام» وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا مَعَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا، وَعَلَانِيَةً حَتَّى تَخَلَّلَ بِالْعَبَاءِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَجِئْ فِي الْمَرْفُوعِ (فَإِنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ) تَحْرِيمًا مَعَ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ قَالَ فِي قَاضِي خَانْ رَجُلٌ مُحْتَاجٌ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي مَعَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ.
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ) أَيْ التَّصَدُّقُ (مَرْدُودٌ) غَيْرُ نَافِذٍ أَوْ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (وَرُوِيَ) أَيْ مَرْدُودِيَّتُهُ (عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَكِنْ يُخَالِفُ مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الْإِنْسَانُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا، وَعَلَيْهِ دُيُونُ إلَخْ (فَظَهَرَ) مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّ السَّرَفَ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا) كَمَا فِي غَيْرِهَا (إذَا كَانَ مَدْيُونًا، وَلَا يَفِي مَا فَضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ لِدَيْنِهِ أَوْ كَانَ ذَا عِيَالٍ لَا يَصْبِرُونَ) عَلَى شَدَائِدِ الْفَاقَةِ (وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ كِفَايَةً) فَيُفْضِي إلَى السُّؤَالِ وَدَوْرِ الْأَبْوَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا» كَذَا نُقِلَ عَنْ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ فَفُهِمَ أَنَّ الْكِفَايَةَ هَذَا الْخَمْسُونَ (أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَا يَثِقُ بِنَفْسِهِ الصَّبْرَ عَلَى الْإِضَاقَةِ) أَيْ مُضَايَقَةِ الْفَقْرِ.
[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]
(الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ) : (فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، وَقَلْعِيٌّ (الْأَوَّلُ عِلْمِيٌّ وَهُوَ مَعْرِفَةُ غَوَائِلِهِ السَّابِقَةِ) مِنْ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهَا (وَاسْتِمَاعُ مَا ذَكَرْنَا) فِي ذَمِّهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ (وَالتَّأَمُّلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا (وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى التَّذَكُّرِ) حَتَّى يَنْقَلِعَ مِنْهُ.
(وَالثَّانِي عَمَلِيٌّ، وَهُوَ التَّكَلُّفُ فِي الْإِمْسَاكِ) إذَا كَانَ طَبْعُهُ عَلَى الْجُودِ (وَنَصْبُ رَقِيبٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْأَحِبَّاءِ وَالْأَقَارِبِ (يُعَاتِبُهُ) فِيمَا أَسْرَفَ (وَيُذَكِّرُهُ آفَاتِ الْإِسْرَافِ.
وَالثَّالِثُ قَلْعِيٌّ) يَقْلَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ
(وَهُوَ) أَيْ الْقَلَعِيُّ (مَعْرِفَةُ أَسْبَابِهِ ثُمَّ إزَالَتُهَا) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ إذَا زَالَ زَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْمَرَّةِ (وَهِيَ) أَيْ الْأَسْبَابُ (سِتَّةٌ) سَفَهٌ وَجَهْلٌ وَرِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَكَسَلٌ وَبَطَالَةٌ وَضَعْفُ نَفْسٍ وَضَعْفُ دِينٍ (الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْغَالِبُ) فِي السَّبَبِيَّةِ (السَّفَهُ، وَهُوَ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَهُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ وَخِفَّتُهُ وَسَخَافَتُهُ) السَّخِيفُ ضِدُّ الثَّخِينِ (وَرَكَاكَتُهُ) مِنْ رَكَّ يَرِكُّ رَكَاكَةً أَيْ ضَعُفَ فِي عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ.
اعْلَمْ أَنَّ السَّفَهَ هُوَ النُّقْصَانُ فِي الْعَقْلِ كَيْفًا وَضِدُّهُ الرُّشْدُ، وَالْبَلَادَةُ نُقْصَانٌ فِيهِ كَمًّا وَضِدُّهُ الذَّكَاءُ وَالْغَبَاوَةُ الْبُطْءُ، وَعَدَمُ السُّرْعَةِ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطْلُوبِ بِدُونِ النُّقْصَانِ فِي الْكُمِّ وَالْكَيْفِ وَضِدُّهَا الْفَطِنَةُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (وَضِدُّهُ الرُّشْدُ وَهُوَ قُوَّةُ الْعَقْلِ وَبُلُوغُهُ كَمَالَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الْمَنْسُوبَةَ إلَيْكُمْ تَصَرُّفًا وَإِلَيْهِمْ مِلْكًا (ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] أَيْ أَبْصَرْتُمْ رُشْدًا {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] أَعْطُوهَا إلَيْهِمْ لِرَفْعِ الْحَجْرِ بِزَوَالِ السَّفَهِ (وَأَكْثَرُ السَّفَهِ طَبِيعِيٌّ) يُخَالِفُهُ عَدُّ الْأُصُولِيِّينَ السَّفَهَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ قَالَ فِي الْمِرْآةِ فَإِنَّ السَّفِيهَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مُوجَبِ الْعَقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ فَلَا يَكُونُ سَمَاوِيًّا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّبِيعِيَّ سَمَاوِيٌّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الطَّبِيعِيِّ الْمَبْدَأُ وَمِنْ الِاكْتِسَابِ الْأَثَرُ (وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يُقَوِّيهِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى كَثْرَةِ الْإِسْرَافِ) بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى مَا هُوَ طَبِيعَةٌ لَهُ مَا يُقَوِّيهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا يُقَوِّيهِ (تَمَلُّكُ الْمَالِ بِغَيْرِ كَسْبٍ وَتَعَبٍ) كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ كُلْفَةَ الْكَسْبِ، وَإِتْعَابَ التَّحْصِيلِ تُصَعِّبُ الْإِنْفَاقَ وَالْإِهْدَارَ وَتُذَكِّرُ فَوَائِدَ الْمَالِ وَمَنَافِعَهُ (وَحَثُّ جُلَسَائِهِ) إيَّاهُ فَمِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمَفْعُولُ مَتْرُوكٌ (عَلَى الْإِنْفَاقِ وَتَنْفِيرُهُمْ) إيَّاهُ (عَنْ الْإِمْسَاكِ لِيَأْكُلُوا مَالَهُ) عِنْدَ تَبْذِيرِهِ (وَيَأْخُذُوهُ فَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ جَلِيسِ السُّوءِ) كَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا مُنْتِنَةً» قَوْلُهُ يُحْذِيَكَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُعْطِيك قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ تُؤْذِي مُجَالَسَتُهُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مَنْ تَنْفَعُ مُجَالَسَتُهُ فِيهِمَا، وَفِيهِ إيذَانُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ وَحِلِّ بَيْعِهِ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ
تَجَنَّبْ قَرِينَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ
…
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَلَازِمْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاتْرُكْ مِرَاءَهُ
…
تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ
؛ وَلِلَّهِ فِي عَرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ
…
وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ
(وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِسْرَافِ يَكْثُرُ) وُجُودُهُ (فِي أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْعَبُونَ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهَا فَيُضَيِّعُونَهَا فِي سَفَاهَتِهِمْ كَالتُّجَّارِ، وَأَهْلِ الْمَنَاصِبِ (وَقَدْ يَحْصُلُ السَّفَهُ أَوْ يَزِيدُ بِرِعَايَةِ النَّاسِ لَهُ وَبِتَعْظِيمِهِمْ إيَّاهُ وَتَغْرِيرِهِمْ) أَيْ مُخَادَعَتِهِمْ لَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِيَنَالُوا مِنْهُ وَيُقَالُ غَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا هَذَا إنْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَإِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ نَصْرَتِهِمْ لَهُ
وَتَعْظِيمِهِمْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ التَّعْزِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9] النُّصْرَةُ وَالتَّعْظِيمُ، وَإِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَزَاءَيْنِ أَيْ إجْلَالِهِمْ لَهُ، وَهَيْبَتِهِمْ لِمَقَامِهِ (وَثَنَائِهِمْ) أَيْ مَدْحِهِمْ لَهُ (كَمَا فِي أَوْلَادِ الْكُبَرَاءِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمَشَايِخِ) الْمَشْهُورِينَ بِالْوَعْظِ أَوْ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فِي أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ نَعَمْ إنَّ أَوْلَادَ الْكُبَرَاءِ مَجْبُولَةٌ بِنَحْوِ التَّعْظِيمِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ (وَنَحْوِهِمْ) مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَأَرْبَابِ الْوَجَاهَةِ.
(وَالثَّانِي) مِنْ أَسْبَابِ السَّفَهِ (الْجَهْلُ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ أَوْ بِبَعْضِ أَصْنَافِهِ) أَيْ الْإِسْرَافِ (فَلَا يَظُنُّهُ) أَيْ لَا يَعْتَقِدُ مَا فَعَلَهُ (سَرَفًا) حَتَّى يَجْتَنِبَهُ (بَلْ يَظُنُّهُ سَخَاءً) مَمْدُوحًا (لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي بَذْلِ غَيْرِ الْوَاجِبِ) ، وَإِنْ افْتَرَقَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَفِي مُسْتَحِقِّهِ (أَوْ) الْجَهْلُ (بِحُرْمَتِهِ وَضَرَرِهِ.
وَالثَّالِثُ: الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِفُ لِنَيْلِ الثَّنَاءِ مِنْ النَّاسِ وَمَدْحِهِمْ.
(وَالرَّابِعُ: الْكَسَلُ) أَيْ الْفُتُورُ، وَعَدَمُ النَّشَاطِ فِي الْخَيْرِ وَالتَّقَاعُدُ عَنْ تَحْصِيلِ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَطْلُبُ حُصُولَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ بِالْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ (وَالْبَطَالَةُ) أَيْ تَرْكُ الْعَمَلِ لِمُجَرَّدِ الْحُضُورِ وَالرَّاحَةِ (وَالْخَامِسُ ضَعْفُ النَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ) لَا الْخَوَاصُّ (حَيَاءً) فَإِنَّ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ مَمْدُوحٌ وَمِنْ الْإِيمَانِ كَمَنْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي مَعْصِيَةٍ بِنَاءً عَلَى إنْفَاقِ الْغَيْرِ عِنْدَهُ فِيهَا فَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ لِضَعْفِهَا وَعَدَمِ قُوتِهَا بَلْ رُبَّمَا يَسْتَدِينُ لِذَلِكَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ لَعَلَّ لَيْسَ مِنْهُ بَذْلُهُ خَوْفًا عَلَى عِرْضِهِ وَنَفْسِهِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ إعْطَاءُ شَيْءٍ لِمَنْ يَخَافُ هَجْوَهُ جَائِزٌ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْكُلُ بِمَا سَبَقَ وَصَرَّحَ فِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا وَالرَّجُلُ إذَا كَانَ مُطْرِبًا مُغَنِّيًا إنْ أُعْطِيَ بِغَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ رُدَّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ إذْ مَا يُبَاحُ أَخْذُهُ يُبَاحُ إعْطَاؤُهُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ مِنْ قَوْلِهِ كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّامِرِ فَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَوْ نَقُولُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَتَقُولُ إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ قِيَاسٍ، وَلَوْ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَا يَجُوزُ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (وَالسَّادِسُ ضَعْفُ الدِّينِ فَلَا يَهْتَمُّ لَهُ) إلَى الْإِسْرَافِ لِضَعْفِ دِيَانَتِهِ مَعَ عِلْمِهِ مَفْسَدَتَهُ.
(وَعِلَاجُهُ) أَيْ الْإِسْرَافُ (أَمَّا السَّفَهُ الطَّبِيعِيُّ) مِنْهُ (فَزَوَالُهُ عَسِيرٌ جِدًّا) فَتَذَكَّرْ مَا سَبَقَ فَتَأَمَّلْ فِيهِ (فَلِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ إيتَاءِ الْمَالِ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ بِقَوْلِهِ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5](وَأَمَرَ بِحَجْرِهِ) بِقَوْلِهِ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: 282] الْآيَةَ - هَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ دُونَ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا حَجْرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُخَاطَبٌ فَتَصَرُّفُهُ صَادِرٌ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافٌ إلَى مَحَلِّهِ؛ وَلِذَا يُخَاطَبُ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ وَيُحْبَسُ فِي دُيُونِ الْعِبَادِ وَيَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّ ضَرَرَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَالِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لَا يُحْجَرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقٍ
(فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ) لَعَلَّ الْأَكْثَرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَقْوَالِ السَّائِرِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ الْإِمَامَيْنِ ذَهَبَا إلَى الْحَجْرِ، وَأَبَا حَنِيفَةَ إلَى عَدَمِهِ لَكِنْ قَالُوا إنْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ يُخَيَّرُ وَيَعْمَلُ بِمَا أَفْضَى إلَيْهِ رَأْيُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَيَخْتَارُ قَوْلَهُمَا لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ فَعَلَى هَذَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ نَفْعًا كَثِيرًا، وَأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكُثْرِ فَافْهَمْ.
(ذَهَبُوا إلَى وُجُوبِ حَجْرِ السَّفِيهِ الْمُسْرِفِ) عَلَى الْقَاضِي (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْحَجْرَ (إهْدَارٌ لِلْآدَمِيَّةِ) فَضَرَرُ السَّفَهِ بَالِغٌ لِمَرْتَبَةٍ تُهْدِرُ آدَمِيَّةَ الْآدَمِيِّ (وَإِلْحَاقٌ بِالْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ) الَّتِي لَا شُعُورَ لَهَا بَلْ (وَ) إلْحَاقٌ (بِالْجَمَادَاتِ) ، وَأَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ تَصَرُّفَاتِهَا أَوْ كَوْنِ تَصَرُّفِهِ كَعَدَمِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُتَوَهَّمُ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي إلْحَاقِ الْجَمَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمَادَاتِ لَيْسَ لَهُمْ حَرَكَاتٌ اخْتِيَارِيَّةٌ وَالسَّفِيهُ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ قَبِلَ الْعِلَاجَ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ قَبُولُ الْعِلَاجِ (فَبِالْمَنْعِ عَنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ) الَّذِينَ يُحَرِّضُونَهُ وَيُغْرُونَهُ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَيُنَفِّرُونَهُ مِنْ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ الْمُقَارِنَ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي.
وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصُّحْبَةُ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ نَظْمٌ
يَا ربد بدتر بود ازماربد
…
بِحَقِّ ذَات ياك اللَّهِ الصَّمَدِ
يَا ربد آردتر سِوَى جَحِيمٍ
…
يَا رينكوكيرنا يَأْبَى نعيم
(وَبِإِلْزَامِهِ مُجَالَسَةَ الْعُقَلَاءِ) الَّذِينَ اسْتَعْمَلُوا عُقُولَهُمْ بِمَوَاضِعِهَا لَعَلَّهُمْ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرِيُّونَ (وَالْحُكَمَاءِ) لَعَلَّهُمْ الْمُتَصَوِّفَةُ الْمُتَشَرِّعُونَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا رَزَقَهُ خَلِيلًا صَالِحًا إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» ، وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تَحَبَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّبَاعُدِ عَنْهُمْ وَالْتَمِسُوا رِضَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَخَطِهِمْ قَالُوا يَا رُوحَ اللَّهِ فَمَنْ نُجَالِسُ قَالَ جَالِسُوا مَنْ تُذَكِّرُكُمْ رُؤْيَتُهُ وَمَنْ يَزِيدُ فِي عَمَلِكُمْ كَلَامُهُ وَمَنْ يُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي وَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ إنْ عَرَضَتْ لَك حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك، وَإِنْ صَحِبْته زَانَك أَيْ حَفِظَك، وَإِنْ قَعَدَ بِك مَانَك أَيْ حَمَلَ مُؤْنَتَك اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك بِخَيْرٍ مَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً سَدَّهَا اصْحَبْ مَنْ إذَا سَأَلْته أَعْطَاك، وَإِنْ سَكَتَ ابْتَدَاك، وَإِنْ نَزَلَتْ بِك نَازِلَةٌ وَاسَاك أَيْ جَعَلَك كَنَفْسِهِ اصْحَبْ مَنْ إذَا قُلْت صَدَّقَ قَوْلَك، وَإِنْ حَاوَلْت أَمْرًا آمَرَكَ، وَإِنْ تَنَازَعْتُمَا آثَرَك، وَإِنَّ أَخَاك الْحَقَّ مَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك.
(وَإِسْمَاعِهِ مَا وَرَدَ فِي آفَاتِ الْإِسْرَافِ) كَمَا مَرَّ (وَحَمْلِهِ عَلَى تَكَلُّفِ الْإِمْسَاكِ) الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْحَمْلُ (بِالْعِتَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَمَّا الْجَهْلُ فَيُزَالُ بِالتَّعَلُّمِ) لِزَوَالِ الْمُسَبَّبِ بِزَوَالِ السَّبَبِ.
(وَعِلَاجُ الرِّيَاءِ سَبَقَ، وَأَمَّا الْكَسَلُ وَالْبَطَالَةُ) الْمَذْكُورَانِ (وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فَمَذْمُومٌ جِدًّا وَحَسْبُك فِيهِ) أَيْ يَكْفِيك فِي ذَمِّهِ (قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَإِذَا قَصُرَ نَفْعُ الْإِنْسَانِ عَلَى سَعْيِهِ فَمَنْ لَا سَعْيَ لَهُ لَا نَفْعَ لَهُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا مِنْهُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ مِنْ عَمَلِ الْغَيْرِ.
وَأَمَّا نَحْوُ الشَّفَاعَةِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فَقِيلَ إنَّهَا مِنْ سَعْيِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ، وَقِيلَ الْكُلُّ بِالسَّعْيِ لَكِنَّ أَسْبَابَ السَّعْيِ قَدْ تَكُونُ بِوَاسِطَةِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ فَيَدْعُو لَهُ وَيَتَصَدَّقُ وَكَذَا مَحَبَّةُ الصُّلَحَاءِ مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ سَعْيِهِ فِي خِدْمَةِ الدِّينِ أَقُولُ وَكَذَا النَّسَبُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ وَكَذَا الصَّلَاحُ، وَلَوْ لَمْ يُمَاثِلْ صَلَاحَ الْأَسْلَافِ كَمَا قَالُوا فِي مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» كَمَا فِي الْمَشَارِقِ وقَوْله تَعَالَى - سَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ - فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُتَسَبَّبٌ مِنْ سَعْيِهِ وَبِالْجُمْلَةِ الْمَحْذُورُ يَنْدَفِعُ بِتَعْمِيمِ السَّعْيِ إلَى مَا فِي الْجُمْلَةِ هَذَا لَكِنَّ الْإِشْكَالَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] بَاقٍ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْكُلِّ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَلَوْ بِنَوْعِ التَّحَمُّلِ.
(وَاسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ) أَيْ الْكَسَلِ (رَوَاهَا) فِي الِاسْتِعَاذَةِ (خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (، وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) الْقِيَاسُ تَقْدِيمُ الذَّكَرِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَائِشَةَ عَلَى أَنَسٍ فِي الْعِلْمِ وَالْفَقَاهَةِ، وَقُرْبِ النُّبُوَّةِ وَالشَّرَفِ وَالْفَضِيلَةِ قَدَّمَهَا فِي التَّرْتِيبِ فَأَمَّا عَنْ عَائِشَةَ فَعَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِرَمْزِ الشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ» إلَى آخِرِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْكَسَلُ التَّثَاقُلُ وَالتَّرَاخِي عَمَّا يَنْبَغِي مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْ هُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَاجِزُ مَعْذُورٌ وَالْكَسْلَانُ لَا وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ حَالَةٌ رَدِيئَةٌ، وَلَوْ مَعَ عُذْرٍ فَلِذَلِكَ تَعَوَّذَ مِنْهُ.
وَأَمَّا عَنْ أَنَسٍ فَكَمَا فِي الْجَامِعِ بِرَمْزِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ» إلَخْ عَنْ النَّوَوِيِّ الْكَسَلُ انْبِعَاثُ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ، وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ فِيهِ مَعَ إمْكَانِهِ.
(وَكَوْنُ مُقْتَضَاهُ هَلَاكَ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ) عِنْدَ التَّفْرِيطِ فِي أَمْرِهِمَا (وَكَوْنُهُ تَشَبُّهًا بِالْجَمَادِ) فِي عَدَمِ التَّحَرُّكِ وَكَمَالِ الْجُمُودِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَرَكَةٌ إرَادِيَّةٌ (وَ) كَوْنُهُ (إبْطَالًا لِلْحِكْمَةِ) مِنْ خَلْقِهِ تَعَالَى وُجُودَهُ لِيَعْبُدَهُ تَعَالَى أَوْ مِنْ خَلْقِهِ الْحَوَاسَّ لِيَصْرِفَهَا لِلْمَنَافِعِ الَّتِي تَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهَا.
(وَالْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ لِلْكَسَلِ مُجَالَسَةُ أَرْبَابِ الْجِدِّ وَالسَّعْيِ) فَإِنَّ الصُّحْبَةَ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةَ سَارِقَةٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ اسْتَكْثِرْ مِنْ الْإِخْوَانِ مَا قَدَرْت فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ قِيلَ
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ
…
فَإِنَّ الْقَرِينَ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً
…
وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّهُمْ حَتَّى تَنْعَكِسَ مِنْهُمْ أَحْوَالُهُ كَمَا قِيلَ وَمِنْ آثَارِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَعَدَّى مِنْ الْمَحْبُوبِ إلَى مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُنَاسِبَهُ، وَلَوْ مِنْ بُعْدٍ مِنْ مَحْبُوبِ مَحْبُوبِهِ وَمَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ حَتَّى مَنْزِلِهِ وَمَحَلَّتِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى قِيلَ إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَحَبَّ الْمُؤْمِنَ أَحَبَّ كَلْبَهُ وَيَنْبَغِي فِيمَنْ تُرِيدُ صُحْبَتَهُ خَمْسُ خِصَالٍ الْعَقْلُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَتَرْكُ الْفِسْقِ وَالِابْتِدَاعِ وَالْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا (وَمُجَانَبَةُ الْكَسَالَى وَالْبَطَّالِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28] لِئَلَّا يَسْرِيَ إلَيْهِ حَالُهُمْ قَالَ فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَأَنْشَدْت هَذَا الشَّعْرَ عِنْدِي
لَا تَصْحَبْ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ
…
كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى الْبَلِيدِ إلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ
…
كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ
وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ لَا تَصْحَبْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَكْتُمُ وَيَسْتُرُ عَيْبَك وَيَكُونُ مَعَك فِي النَّوَائِبِ وَيُؤْثِرُك فِي الرَّغَائِبِ وَيَنْشُرُ حَسَنَتَك وَيَطْوِي سَيِّئَتَك فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَلَا تَصْحَبْ إلَّا نَفْسَك (وَالضَّعْفُ يُعَالَجُ بِالتَّأَمُّلِ فِي أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقُّ، وَعَذَابَهُ أَشَدُّ) فَلَا تَدَعْ الطَّاعَةَ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» (وَمُجَالَسَةُ الْأَقْوِيَاءِ) فِي عَمَلِ الطَّاعَةِ (وَذَوِي الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ) قَالَ فِي الْحِكَمِ الْعَطَائِيَّةِ فِي بَابِ الصُّحْبَةِ لَا تَصْحَبْ مِنْ لَا يُنْهِضُك حَالُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَقَالُهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: الصُّحْبَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الْقَوْمِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ، وَفَوَائِدُ وَالْحَالُ هُنَاكَ كَوْنُ هِمَّتِهِ مُنْحَصِرَةً بِهِ تَعَالَى مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ وَحَصْرُ الْتِجَائِهِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِسْقَاطُ نَظَرِهِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَإِسْقَاطُ نَفْسِهِ مِنْ عَيْنِهِ فَلَا يُشَاهِدُ لَهَا فِعْلًا فَصُحْبَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَإِنْ قَلَّتْ عِبَادَتُهُ جَالِبَةٌ لِكُلِّ نَفْعٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ.
قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: لَا تُعَاشِرْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ تَزِيدُ عِنْدَهُ بِبِرٍّ وَتَنْقُصُ عِنْدَهُ بِإِثْمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُنْ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَمَعَ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ بِالْعِلْمِ وَمَعَ الْعَارِفِينَ كَيْفَ شِئْت، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَرُّ الْأَصْدِقَاءِ مَنْ أَحْوَجَك