الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا حَتَّى قَلَّ فَهْمُ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَصَارَ حَامِلُ فِقْهٍ غَيْرَ فَقِيهٍ وَهُمْ أَتْبَاعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّعَ فَتَوَلَّدَتْ مِنْهُ الْأَهْوَاءُ وَالْبَغْضَاءُ وَالتَّبَاهِي فَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ الْعُلَمَاءُ
وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ فَوَجَّهُوا هِمَمَهُمْ إلَى الْبَحْثِ عَنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ وَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ صَفَاءُ الْقُلُوبِ وَالْإِخْلَاصُ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ وَهَذَا مَحْمُودٌ وَمَطْلُوبٌ اهـ مُلَخَّصًا قِيلَ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ مَجْهُولٌ وَعَنْ السَّاجِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي ضُعَفَاءِ الشَّامِ (بِخِلَافِ)(السُّؤَالِ عَنْهَا لِلتَّعَلُّمِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ اخْتِبَارِ أَذْهَانِهِمْ) كَامْتِحَانِ الْأُسْتَاذِ أَفْهَامَ التَّلَامِذَةِ (أَوْ تَشْحِيذِهَا) أَيْ تَحْصِيلِ الْحِدَةِ فِيهَا لَعَلَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي آخِرِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ لَمَّا جَلَسَ أَبُو يُوسُفَ لِلتَّدْرِيسِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَيْهِ رَجُلًا فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ خَمْسٍ مِنْهَا هَلْ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَرْضِ أَوْ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ بِالْفَرْضِ فَقَالَ أَخْطَأْت فَقَالَ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ أَخْطَأْت فَتَحَيَّرَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ الرَّجُلُ بِهِمَا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فَرْضٌ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ وَتَمَامُهَا فِيهِ وَمِنْهَا أَيْضًا أَلْغَازُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا فِي الْفَنِّ الرَّابِعِ مِنْ الْأَشْبَاهِ (أَوْ حَثِّهِمْ) وَإِغْرَائِهِمْ (عَلَى التَّأَمُّلِ) وَالسَّعْيِ فِي اكْتِسَابِ الْعُلُومِ (فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى فَهْمِ الْعِلْمِ وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَيُّ شَجَرَةٍ إذَا قُطِعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ فَوَقَعَ الْقَوْمُ فِي شَجَرَةِ الْبَادِيَةِ ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام هِيَ النَّخْلَةُ» وَأَيْضًا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ الْأَصْحَابُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَعْرِفُوهَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْبِقَ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ عليه الصلاة والسلام هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَذَكَرْت مَا وَقَعَ فِي نَفْسِي لِأَبِي فَقَالَ لَوْ قُلْته كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» فَوَجْهُ الشَّبَهِ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهَا كَالْإِنْسَانِ فِي اسْتِوَاءِ الْقَامَةِ وَأَنَّ لَهَا أَغْصَانًا كَجَوَارِحِ الْإِنْسَانِ وَأَنَّ لَهَا ثَمَرَةً حُلْوَةً كَالْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ لِلْإِنْسَانِ وَأَنَّهَا إذَا قُطِعَ رَأْسُهَا يَبِسَتْ كَالْإِنْسَانِ يَمُوتُ عِنْدَ قَطْعِ رَأْسِهِ
[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ]
(الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ)(م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ كَرْمٌ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى كَرِيمٍ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْعِنَبَ فِي شَجَرَتِهِ كَرْمًا لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ يَحْمِلُ شَارِبَهُ عَلَى الْكَرَمِ فَكَرِهَ عليه الصلاة والسلام هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لِئَلَّا يَتَذَكَّرُوا بِهِ الْخَمْرَ وَيَدْعُوَهُمْ حُسْنُ الِاسْمِ إلَى شُرْبِهِ «وَإِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَصَابِيحِ فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فَقَوْلُهُ الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ وَالْمَانِعُ مِنْ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرِهِ أَنَّهُ لَوْ سُمِّيَ بِالْكَرْمِ شَيْءٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَبَبًا وَمَبْدَأً لَهُ لَكِنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِهَذَا الِاسْمِ هُوَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ الْحَامِلُ عَلَى قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ الْقَوِيمَيْنِ لَا الْخَمْرُ الْمُؤَدِّي إلَى اخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَفَسَادِ الرَّأْيِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ (وَزَادَ د فِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ
(عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَلَكِنْ «قُولُوا الْعِنَبَ وَالْحَبَلَةَ» بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ وَقَدْ يُسَكَّنُ ثَانِيهِ هِيَ أَصْلُ شَجَرِ الْعِنَبِ فَدَلَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْكَرْمِ وَإِطْلَاقَهُ خَطَأٌ فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَعْلَامِ هُوَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الذَّاتُ وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ مَنْعِهِ إنَّمَا يُلَائِمُ كَوْنَهُ وَصْفًا
قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ اعْتَبَرُوا إيهَامَ اللَّفْظِ فِي الْمَنْقُولَاتِ لِمَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّةِ كَاسْمِ مُحَمَّدٍ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتَبَرُ إيهَامُهُ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ مِنْ كَثْرَةِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ كَمَا مَرَّ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ» إعْجَابًا بِنَفْسِهِ وَاعْتِنَاءً بِعِلْمِهِ أَوْ عَمَلِهِ وَاسْتِصْغَارًا لِشَأْنِ النَّاسِ وَازْدِرَاءً لِمَا هُمْ عَلَيْهِ لَا تَفَجُّعًا وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ «فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» بِالرَّفْعِ أَيْ أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا وَبِالْفَتْحِ أَيْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ مِنْ قِبَلَ نَفْسِهِ فَهُوَ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ لَا إنَّهُمْ هَلَكُوا حَقِيقَةً أَوْ فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ لِكَوْنِهِ قَنَّطَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَأَّسَهُمْ مِنْ غُفْرَانِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ لِخَلْقِ اللَّهِ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ وَقَهْرِهِ حَيْثُ رَأَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَرَأَى نَفْسَهُ نَاجِيًا وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُ الْغَيْرِ فَالْخَلْقُ يُدْرِكُونَ النَّجَاةَ بِتَعْظِيمِهِمْ إيَّاهُ فَهُمْ مُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ بِالدُّنُوِّ مِنْهُ وَهُوَ حَمُقَ إلَى اللَّهِ بِالتَّنَزُّهِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْهُمْ كَأَنَّهُ يَتَرَفَّعُ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ فَمَا أَجْدَرَهُ بِالْهَلَاكِ انْتَهَى كَذَا فِي الْفَيْضِ (هَذَا إذَا قَالَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ مُزْرِيًا) مُحَقِّرًا (بِغَيْرِهِ وَأَمَّا إذَا قَالَهُ وَهُوَ يَرَى نَفْسَهُ مَعَهُمْ وَهُوَ لِنَفْسِهِ أَشَدُّ احْتِقَارًا مِنْهُ) مِنْ احْتِقَارِهِ (لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - د عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» لِأَنَّ كَلِمَةَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَتُوهِمُ الشَّرِكَةَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَبْدِهِ بِخِلَافِ كَلِمَةِ ثُمَّ لِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَعَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَعُوذ بِاَللَّهِ وَبِك وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ بِك قَالُوا أَوْ يَقُولَ لَوْلَا اللَّهُ ثُمَّ فُلَانٌ لَفَعَلْت كَذَا وَلَا يَقُولُ لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ حِلْيَةِ الْأَبْرَارِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ مَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ وَعَدَمُ التَّسَاهُلِ فِي أَمْرِهَا كَمَا عَنْ الْمَوَاهِبِ
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) فِي فِقْهِ الْحَنَفِيِّ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (يُكْرَهُ) قِيلَ تَحْرِيمًا لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْكَمَالَ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ نَبِيِّك أَقُولُ وَكَذَا كُلُّ مَخْلُوقٍ) يُكْرَهُ الْقَسَمُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُلْكِ وَالْعَرْشِ وَالْأَوْلِيَاءِ (لِأَنَّهُ عَلَّلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) الْكَرَاهِيَةَ (بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ) وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي قَالَ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
أَنْ يَأْتِيَ بِهِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَقِيلَ لَوْ عَلَّلَ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَيْك حَقًّا بِمُقْتَضَى جَعْلِكَ لَهُمْ عَلَيْك حَقًّا فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ إبْهَامِ الشَّيْنِ وَيُقِرُّ بِهِ مَا قِيلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَسَمِ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ رُتْبَةً عَلِيَّةً وَحَقًّا عَلَيْهِ قَبُولُ شَفَاعَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَا بِحَسَبِ الذَّاتِ وَالْمُثْبَتَ بِحَسَبِ الْجَعْلِ
وَأَيْضًا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِاخْتِصَاصِ الْقَسَمِ بِهِ تَعَالَى وَكَذَا مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ جَعَلَ لَفْظَ الْحَقِّ مَصْدَرًا لَا صِفَةً مُشَبَّهَةً بِمَعْنَى حَقِيقَةِ رُسُلِك فَلَا مَنْعَ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْإِيهَامِ عَلَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ هُوَ الصِّفَةُ نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَسَاغٌ لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِحَقِّ نَبِيِّك الَّذِي نُبُوَّتُهُ حَقٌّ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ فَيُؤَوَّلُ إلَى نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّك» الْحَدِيثَ وَجَوَّزَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ نَحْوِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَلَيْك آمِينَ كَمَا فِي الْحِزْبِ الْأَعْظَمِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ الَّذِي الْتَزَمَ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِيهِ شَيْئًا غَيْرَ الْحَدِيثِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَوْرِدِهِ لَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِوُرُودِ مِثْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ فَتَأَمَّلْ (وَجَوَّزَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْ يَقُولَ بِحُرْمَةِ فُلَانٍ) وَفِي الْمُنْيَةِ وَفِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَقُولُ بَلْ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ إذَا سَأَلْتُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا فَأَسْأَلُوهُ بِي فَإِنِّي أَنَا الْوَاسِطَةُ الْآنَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ وَعَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَسَّلْ لِقَضَائِهَا بِالْغَزَالِيِّ وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ فِي الْكُتُبِ كَالْحِصْنِ الْحَصِينِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ أَوْ تَأْخِيرِهَا) قَالَ فِي الدُّرَرِ وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا الْأُولَى لِأَنَّهَا تُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ حَادِثًا وَعِزُّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَجْوِيزِهِمَا جَعْلُ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ قِيلَ إنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إنْكَارُهُ (وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ إيمَانِي كَإِيمَانِ جَبْرَائِيلَ وَلَكِنْ يَقُولُ آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ جَبْرَائِيلُ) لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بِحَسَبِ الْكَمِّ لَكِنْ يَقْبَلُ بِحَسَبِ الْكَيْفِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِيمَانُ جَبْرَائِيلَ أَقْوَى بِلَا شَكٍّ فَلَا وَجْهَ لِلتَّشْبِيهِ (وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَالْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِاسْمِهِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ (خ م عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي» لِأَنَّ فِي إطْلَاقِ الْخَبَاثَةِ عَلَيْهَا نَوْعُ تَشَاؤُمٍ «وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي» عَنْ الْقَامُوسِ لَقِسَتْ نَفْسُهُ إلَى الشَّيْءِ كَفَرِحَ نَازَعَتْهُ إلَيْهِ وَمِنْهُ غَثَتْ وَخَبُثَتْ وَعَنْ الْمُجْمَلِ لَقِسَتْ نَفْسُهُ مِنْ الشَّيْءِ غَثَتْ قِيلَ إنَّمَا كُرِهَ لَفْظُ خَبُثَتْ لِقُبْحِهِ وَلِئَلَّا يَنْسِبَ الْمُسْلِمُ الْخُبْثَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْوُرُودِ وَأَنَّ مَجْمُوعَ عِلَّتَيْهِ رَاجِعٌ إلَى وَاحِدٍ وَقِيلَ هَذَا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ إطْلَاقُهُ عَلَى خَبَاثَةِ النَّفْسِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ التَّشَاؤُمُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَيْضًا كَمَا تَرَى لَعَلَّ الْأَوْجَهَ أَنَّ الْخُبْثَ صَرِيحٌ فِي نِسْبَةِ الْخَبَاثَةِ إلَى النَّفْسِ وَاللَّقْسُ وَإِنْ كَانَ الْخُبْثُ مِنْ مَعَانِيهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَيَجْرِي فِي كُلِّ مَا فِيهِ فُحْشٌ وَخَبَاثَةٌ مُقَايَسَةً أَوْ دَلَالَةً (د عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ جَاشَتْ»
غَثَتْ «نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي»
قِيلَ وَجْهُ النَّهْيِ صِيَانَةُ اللِّسَانِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمَكَارِهِ وَمَا تَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ قِيلَ مَرَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى قَوْمٍ أَوْقَدُوا نَارًا فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الضَّوْءِ وَلَمْ يَقُلْ يَا أَهْلَ النَّارِ لِأَنَّهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ يَا أَهْلَ جَهَنَّمَ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَا أَكْبَرُ أَمْ أَنْتَ أَكْبَرُ فَقَالَ أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْبَرُ رُتْبَةً وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْك سِنًّا» وَلَمْ يَقُلْ أَنَا أَكْبَرُ مِنْك لِئَلَّا يُوهِمَ الْكِبَرَ فِي الْمَرْتَبَةِ إنَّمَا سَمَّى الْعَرَبُ الْفَلَاةَ مَفَازَةً وَالْعَطْشَانَ نَاهِلًا وَاللَّدِيغَ سَلِيمًا وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ لِلتَّفَاؤُلِ فَإِنَّ الْمَفَازَةَ هِيَ النَّجَاةُ وَالنَّاهِلَ هُوَ الرَّيَّانُ وَالسَّلِيمَ هُوَ ذُو السَّلَامَةِ (مج عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت» أَنْتَ «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ تَعَالَى عِدْلًا» بِالْكَسْرِ مِثْلًا وَمُعَادِلًا «قُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» مَعْمُولٌ لِلَفْظِ قُلْ؛ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَقْرَبُ إلَيْهِ قَوْلُ الْأَصْحَابِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ فِي فَرْقِهِمَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ قَوْلُ الْعَامَّةِ فِي الْأَكْثَرِ إنِّي أَعْلَمُ هَذَا مِنْ اللَّهِ وَمِنْك وَقَوْلُهُمْ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ اللَّهِ أَوَّلًا وَمِنْك وَقَوْلُهُمْ أَعْتَمِدُ فِي هَذَا عَلَى اللَّهِ أَوَّلًا وَعَلَيْك ثَانِيًا (خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ قِيلَ إنَّمَا كُرِهَ إذَا قَالَ بِطَرِيقِ التَّطَاوُلِ وَالتَّحْقِيرِ وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]
«وَلَا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَلَا رَبَّتِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ» وَغَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ عَاصِيَةَ) بِنْتِ عُمَرَ (إلَى جَمِيلَةَ) وَرُبَّمَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ فِي دِيَارِنَا فَيُغَيِّرُهُ عُلَمَاؤُنَا لَكِنَّ السَّابِقَ أَنَّهُ آسِيَةُ لَا عَاصِيَةُ فَلَا يُغَيَّرُ بَلْ يُتَفَاءَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَحَزْنٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ (إلَى سَهْلٍ) وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ (وَعَزِيزٍ) بِمُهْمَلَةِ وِزَاءَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْغَالِبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِاسْمِ اللَّهِ يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَلِيِّ وَالْكَبِيرِ وَالرَّشِيدِ وَالْبَدِيعِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَيُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَا يُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَتَلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّ الْعَتْلَ الْجَرُّ بِالْعُنْفِ وَالْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْمُؤْمِنُ
هَيِّنٌ لَيِّنٌ سَهْلٌ (وَشَيْطَانَ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَحَكَمٍ) لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى (وَغُرَابٍ) لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِعِزَّةِ النَّاسِ أَنْ يُشَارِكُوا طَيْرًا فِي الِاسْمِ وَهُوَ يُعَدُّ مِنْ الدَّنِيءِ بَلْ قَدْ يُتَشَاءَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْغُرُوبِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ فِي التَّفَاؤُلِ (وَشِهَابٍ) شُعْلَةِ نَارٍ (وَحَرْبٍ إلَى سِلْمٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (وَبَرَّةَ إلَى زَيْنَبَ فَقَالَ لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا كَرَاهَةُ كُلِّ اسْمٍ يُشْعِرُ بِالتَّزْكِيَةِ
(وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ) وَمِنْ هَذَا عُلِمَ كَرَاهَةُ كُلِّ اسْمٍ لَا يُسْتَحْسَنُ فِي التَّفَاؤُلِ لَعَلَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَمْعِيٌّ تَوْفِيقِيٌّ وَعِلَلُهُ قَاصِرَةٌ لَا مُتَعَدِّيَةٌ أَوْ وَارِدٌ عَلَى خِلَافِ قِيَاسٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَيَجْرِي أَكْثَرُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَسْمَاءِ الْمُرَخَّصَةِ وَالْمَأْذُونَةِ فَافْهَمْ (وَمُرَّةَ) مِنْ الْمَرَارَةِ (إلَى جُوَيْرِيَةَ) تَصْغِيرُ جَارِيَةٍ عَنْ الْمِصْبَاحِ أَصْلُ الْجَارِيَةِ السَّفِينَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرَيَانِهَا فِي الْبَحْرِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ الْجَارِيَةُ عَلَى التَّشْبِيهِ لِجَرَيَانِهَا مَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا وَالْأَصْلُ الشَّابَّةُ لِخِفَّتِهَا ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهِ حَتَّى سَمُّوا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَالْجَمْعُ الْجَوَارِي قِيلَ هُنَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمُرَّةَ إلَى جُوَيْرِيَةَ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ فَتَدَبَّرْ انْتَهَى لَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ تَصْغِيرَ جَارِيَةٍ لَيْسَ بِجُوَيْرِيَةَ بَلْ جُوَيْرَةُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ جُورِيَةُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ أَيْضًا (وَسَمَّى الْمَضْجَعَ) لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْكَسَلِ وَالْبَطَالَةِ (الْمُنْبَعِثَ) لِتَنَاسُبِ التَّضَادِّ (وَ) غَيَّرَ (أَرْضًا تُسَمَّى عَفْرَةَ) الْعَفْرَةُ تُرَابٌ أَوْ وَجْهُ أَرْضٍ أَوْ لَوْنُ تُرَابٍ عَلَى مَا قِيلَ (خَضِرَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى خَضِرَةَ أَرْضٍ ذَاتِ عُشْبٍ وَكَثْرَةِ نَبَاتٍ (شَعْبَ الضَّلَالِ إلَى شَعْبِ الْهُدَى) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَا لَفْظِ إلَى وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ غَيَّرَ (وَ) سَمَّى (بَنِي الزِّينَةَ بَنِي الرِّشْدَةَ وَبَنِي مُغْوِيَةَ) مِنْ غَوَى انْهَمَكَ فِي الضَّلَالِ خِلَافُ الرُّشْدِ (بَنِي رِشْدَةَ) إصَابَةُ الصَّوَابِ (وَ) سَمَّى (أَصْرَمَ) قَبِيلَةً كَالسَّوَابِقِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَالذَّهَابِ وَالشَّجَاعَةِ (زَرْعَةَ) وِزَانُ هَمْزَةٍ وَثَمَرَةٍ كَثِيرُ الزَّرْعِ قِيلَ إنَّمَا غَيَّرَ هَذِهِ الْأَسَامِيَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِمَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ كَمَا سَمِعْته آنِفًا لَعَلَّ الْأَصْلَ فِيهِ مَا فِي التتارخانية أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِاسْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُهُ وَلَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا تَكَلَّمُوا فِيهِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَالَ. انْتَهَى
(وَمَنَعَ عَنْ التَّكْنِيَةِ) مِنْ الْكُنْيَةِ (بِأَبِي الْحَكَمِ) قِيلَ لِأَنَّ الْحَكَمَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا وَالِدِيَّةَ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا سَمِعْت مِنْ التتارخانية يَصْلُحُ لِصِحَّتِهِ إذْ إطْلَاقُهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى يَكُونُ بِمَعْنًى غَيْرِ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْوَالِدِيَّةَ إنَّمَا تُمْنَعُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ لَهُ تَعَالَى وَالْكَلَامُ فِيمَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَالْأَشْبَهُ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا عَنْ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْت بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي» وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ وَفِي شَرْحِهِ عَنْ النَّوَوِيِّ يُسْتَحْسَنُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ إلَى حَسَنٍ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ قَالَ