الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ الْغِشِّ أَوْ شُبْهَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ) الْمَرْمُوزِ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (خ م.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ»
إيمَانًا كَامِلًا مِنْ قَبِيلِ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ «حَتَّى يُحِبَّ» بِالنَّصْبِ فَجَارَّةٍ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ لَا عَاطِفَةٍ إذْ عَدَمُ الْإِيمَانِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمَحَبَّةِ «لِأَخِيهِ» مِنْ مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَمَنْ قَصَرَهُ عَلَى كَفِّ الْأَذِي فَقَدْ قَصَّرَ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ لِأَنَّهُ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ إذْ لَيْسَ نَحْوُهُ خَيْرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ وَالْخَيْرُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ تَعُمُّ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ وَتُخْرِجُ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمَحَبَّةُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَقَدْ يَكُونُ بِحَوَاسِّهِ كَحُسْنِ الصُّورَةِ أَوْ بِعَقْلِهِ إمَّا لِذَاتِهِ كَالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ أَوْ لِإِحْسَانِهِ كَجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَيْلُ الِاخْتِيَارِيُّ دُونَ الْقَهْرِيِّ.
مِنْ ذَلِكَ وَأَنْ يُبْغِضَ لِأَخِيهِ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ مِنْ السُّوءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ بُغْضَ نَقِيضِهِ وَذَلِكَ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّ كُلًّا مَجْبُولٌ عَلَى إيثَارِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَكْمُلُ إيمَانُ أَحَدٍ إلَّا نَادِرًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ لَا قَهْرِيٌّ وَاضْطِرَارِيٌّ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَثَرُ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ لَا أَصْلُهُ الَّذِي هُوَ إيجَابِيٌّ ثُمَّ ذِكْرُ الْأَخِ غَالِبِيٌّ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ الْإِسْلَامَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخُيُورِ وَالْأُجُورِ بَلْ مُطْلَقُ مَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي ذِمَّةِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إرَادَةُ الْأُخُوَّةِ الطِّينِيَّةِ بِمُسَامَحَةٍ يَسِيرَةٍ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ انْتِظَامُ أَحْوَالِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَالْجَرْيُ عَلَى قَانُونِ السَّدَادِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ خَيْرٍ كَانَ فِي غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلَى طَرِيقِ الْحَسَدِ فَحَرَامٌ وَإِنْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَافَسَةِ وَالْغِبْطَةِ بِأَنْ حَزِنَ فِي خَيْرٍ فَاقَ فِيهِ غَيْرَهُ عَلَى تَقْصِيرٍ مِنْهُ فَجَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» فَنَهْيٌ عَنْ الْحَسَدِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي الْفَيْضِ ثُمَّ قِيلَ عَنْ الرَّوْضَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله لَهُ شَرِيكٌ فِي التِّجَارَةِ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ فَخَرَجَ بِتِجَارَةٍ إلَى مِصْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْإِمَامُ سَبْعِينَ ثَوْبًا وَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ فِيهَا ثَوْبًا مَعِيبًا بِعَلَامَةِ كَذَا فَإِذَا بِعْته فَبَيِّنْ عَيْبَهُ فَعِنْدَ مَجِيءِ بِشْرٍ سُئِلَ مِنْهُ هَلْ بَيَّنْت ذَلِكَ الْعَيْبَ قَالَ بِشْرٌ نَسِيته فَتَصَدَّقَ الْإِمَامُ بِجَمِيعِ مَا أَصَابَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ وَكَانَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمِنْهُ النَّجْشُ الَّذِي هُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بِلَا إرَادَةِ الشِّرَاءِ لِمُجَرَّدِ تَحَرِّيك رَغْبَةِ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ وَمِنْهُ تَلَقِّي الْجَلْبِ إنْ ضَرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَمِنْهُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عِنْدَ الْقَحْطِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَمِنْهُ الِاحْتِكَارُ عِنْدَ تَضَرُّرِ أَهْلِ الْبَلَدِ.
[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]
(الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ وَهِيَ إيقَاعُ النَّاسِ فِي الِاضْطِرَابِ أَوْ الِاخْتِلَالِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ بِلَا فَائِدَةٍ دِينِيَّةٍ)
وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ فَسَادٌ
فِي الْأَرْضِ وَإِضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَزَيْغٌ وَإِلْحَادٌ فِي الدِّينِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْفِتْنَةُ كُلُّ مَا يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَكُلُّ مَا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَعَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ الْفِتْنَةُ قِسْمَانِ فِتْنَةُ الشُّبُهَاتِ وَفِتْنَةُ الشَّهَوَاتِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْعَبْدِ وَقَدْ يَنْفَرِدَانِ (كَأَنْ يُغْرِيَ) مِنْ الْإِغْرَاءِ (النَّاسَ عَلَى الْبَغْيِ) مِنْ الْبَاغِي فَقَوْلُهُ (وَالْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا اعْزِلُوهُ وَلَوْ ظَالِمًا لِكَوْنِهِ فِتْنَةً أَشَدَّ مِنْ الْقَتْلِ وَكَذَا الْمُعَاوَنَةُ لِقَوْمٍ مَظْلُومِينَ مِنْ جِهَتِهِ إذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُعَاوَنَةُ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ لَعَلَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأَخْذِ بِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا إذْ الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ الظَّالِمِ لِظُلْمِهِ يُفْضِي إلَى سَفْكِ دِمَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمُحَارَبَاتٍ وَمُقَاتَلَاتٍ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ ظُلْمِ السُّلْطَانِ (وَكَتَطْوِيلِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ) زِيَادَةً عَلَى السُّنَّةِ وَهِيَ الْفَجْرُ أَرْبَعُونَ آيَةً غَيْرُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَكَذَا فِي الظُّهْرِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى ثَلَاثُونَ آيَةً وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ عِشْرُونَ آيَةً غَيْرُهَا فَالزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ بِلَا رِضَا الْقَوْمِ وَمَعَهُ تَجُوزُ وَكَذَا النَّقْصُ مِنْهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَذَا لَا يَجُوزُ لِكُلِّ الْقَوْمِ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوا لِتَيَسُّرِ الْأَمْرِ طِوَالَ الْمُفَصَّلِ وَهِيَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَبَسَ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَى الْبُرُوجِ فِي أُخْرَى فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَأَوْسَاطَهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَهِيَ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى سُورَةِ وَالضُّحَى فِي رِوَايَةٍ وَإِلَى لَمْ يَكُنْ فِي أُخْرَى وَقِصَارَهُ فِي الْمَغْرِبِ وَهِيَ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْآخِرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا أَطَالَ الصَّلَاةَ فَشَكَا مِنْهُ «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ صَلَاتَهُ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا بِشَرْطِ عَدَمِ إخْلَالِ السُّنَّةِ وَقِيلَ بِأَنْ يَنْظُرَ مَا يَحْتَمِلُهُ أَضْعَفُ الْقَوْمِ فَيُصَلِّيَ بِحَسَبِهِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فَرُبَّ تَطْوِيلٍ بِقَوْمٍ تَخْفِيفٌ لِلْآخَرِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاخْتِصَارَ وَالنُّقْصَانَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ» .
«وَرَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» وَقَالَ «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» .
«فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ لِلتَّعْلِيمِ فَيَشْمَلُ أَيَّةَ صَلَاةٍ كَانَتْ فَإِذَا عَلِمَ عَدَمَ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُطَالُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَالِبِ لَا النَّادِرِ فَيُسَنُّ التَّخْفِيفُ مُطْلَقًا وَقَدْ قَالُوا لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ الْكُلِّيُّ بِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ الْجُزْئِيِّ وَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الْعَامِ بِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ الْخَاصِّ وَإِنَّ الْعِلَّةَ كَثِيرًا مَا تُؤَثِّرُ جِنْسَ الْحُكْمِ لَا فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ حَيْثُ قَدْ تَنْتَفِي الرُّخْصَةُ نَعَمْ إذَا أَمَّ بِقَوْمِ مَخْصُوصِينَ رَاضِينَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِمْ حَقٌّ لَهُ التَّطْوِيلُ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ وَيُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ إفْرَادُ التَّطْوِيلِ الْمُؤَدِّي إلَى نَحْوِ سَهْوٍ أَوْ فَوْتِ خُشُوعٍ وَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ وَالرِّفْقُ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَفِيهِ جَوَازُ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ وَالْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَكِنْ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَطْوِيلَهُمَا مُبْطِلٌ وَنَزَّلُوا الْخَبَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ الطَّوِيلَةِ انْتَهَى مَعَ زِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ
(وَكَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا لَا يَفْهَمُونَ مُرَادَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ فَيَقَعُونَ فِي الضَّلَالِ وَالِاخْتِلَالِ (فَلِذَا وَرَدَ «كَلِّمُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى تَخْرِيجِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَعُوا مَا يُنْكِرُونَ أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» مِنْ التَّكْذِيبِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ السَّامِعَ حِينَئِذٍ يَعْتَقِدُ اسْتِحَالَتَهُ فَيُكَذِّبُ وَلَا يَذْكُرُ الْمُتَشَابِهَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَالَ أَنَا اللَّهُ عُزِّرَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ وَيَنْبَغِي لِلْمُدَرِّسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ تِلْمِيذِهِ وَلَا يُجِيبُهُ بِمَا لَا يَتَحَمَّلُ حَالُهُ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ دَقَائِقِ الْعُلُومِ فَإِنْ كَانَ لَهُ اسْتِعْدَادُ فَهْمِ الْجَوَابِ أَجَابَ وَإِلَّا رَدَّ وَمَنْ شَرَعَ فِي حَقَائِقِ الْعُلُومِ ثُمَّ لَمْ يَبْرَعْ فِيهَا تَوَلَّدَتْ لَهُ الشُّبَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ فَيَعْظُمُ ضَرَرُهُ وَمِنْ هَذَا قِيلَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ نِصْفِ فَقِيهٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ وَنِصْفُ الْفَقِيهِ يَهْدِمُ الدِّينَ (أَوْ) كَأَنْ (لَا يَحْتَاطَ فِي التَّأَمُّلِ وَالْمُطَالَعَةِ فَيُخْطِئَ فِي فَهْمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ أَوْ الْحَدِيثِ (وَمِنْ الْكِتَابِ فَيَذْكُرَ) مِنْ التَّذَكُّرِ (لِلنَّاسِ) مَا لَا يَعْرِفُ بِكُنْهِهِ فَيُضِلَّهُمْ وَيُوقِعَ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ الْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ فِي زَمَانِنَا (أَوْ يَذْكُرَ وَيُفْتِيَ قَوْلًا مَهْجُورًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يُفْتَى بِالْأَقْوَالِ الْمَهْجُورَةِ لِجَرِّ مَنْفَعَتِهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِالرَّأْيِ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَأَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالْمُتَشَابِهَ وَوُجُوهَ الْكَلَامِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ صَوَابُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَضْرَ بْنَ يَحْيَى عَنْ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى نَضْرِ بْنِ يَحْيَى فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَالْأَوَّلِ فَمَلَّ الرَّجُلُ وَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا هَلْ بَقِيَ فِيهِ لِأَحَدٍ إشْكَالٌ (أَوْ ضَعِيفًا أَوْ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ) قِيلَ كَأَنْ يَقُولَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِلَا وَزْنٍ وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ لِأَنَّهُ نَصَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْوَزْنِيَّةِ فِيهَا فَلَا يَخْرُجَانِ عَنْهَا أَبَدًا وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ فَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ النَّاسُ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي زَمَانِنَا قَطْعًا بَلْ الْعَمَلُ بِالرِّوَايَةِ الْغَيْرِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ وَهِيَ خُرُوجُهُمَا عَنْ الْوَزْنِيَّةِ بِتَعَامُلِ النَّاسِ إلَى الْعَدَدِيَّةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً رِوَايَةً قَوِيَّةً دِرَايَةً فَالْقَوْلُ بِهَا أَلْزَمُ فِرَارًا مِنْ الْفِتْنَةِ (بَلْ يُنْكِرُونَهُ أَوْ يَتْرُكُونَ بِسَبَبِهِ طَاعَةً أُخْرَى كَمَنْ يَقُولُ لِأَهْلِ الْقُرَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ أَنَّ الْمُفْرَدَ يَلْحَقُ بِالْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ بَلْ الْأَكْثَرُ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ (وَالْعَجَائِزِ وَالْإِمَاءِ) أَمَّا الْإِمَاءُ فَلِخِدْمَةِ مَوْلَاهُنَّ وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَلِانْتِفَاءِ قَابِلِيَّةِ التَّعَلُّمِ بِكِبَرِ السِّنِّ بَلْ بِوُصُولِهِنَّ إلَى سِنِّ الِانْحِطَاطِ وَكَذَا الشُّيُوخُ بِالْمُقَايَسَةِ وَخَصَّهَا لِلْكَثْرَةِ فِيهِنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشُّيُوخِ
(لَا تَجُوزُ) مَقُولٌ لِقَوْلِ (الصَّلَاةُ بِدُونِ التَّجْوِيدِ وَهُمْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّجْوِيدِ) لِلُكْنَةِ أَلْسِنَتِهِمْ (أَوْ لَا يَتَعَلَّمُونَهُ) لِمُجَرَّدِ التَّسَاهُلِ (فَيَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ رَأْسًا) لَعَلَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْقَوْلَ لِمِثْلِهِمْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ (وَهِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ بِدُونِ تَجْوِيدٍ (جَائِزَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) إذْ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ قُرْبُ
الْمَخْرَجِ فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ " الْخَمْدُ لِلَّهِ " بِالْخَاءِ أَوْ بِالْهَاءِ وَنَحْوِهِمَا (وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ تَكَاسُلًا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَصْلًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَأَخْطَأَ أَوْ لَحَنَ أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا كَتَبَهُ الْمَلَكُ كَمَا أُنْزِلَ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ قَوَّمَهُ الْمَلَكُ وَلَا يُرْفَعُ إلَّا قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِئَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ قِرَاءَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَلَحَنَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّعَلُّمِ كَمَا مَرَّ (فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ أَصْلًا فَعَلَى الْوُعَّاظِ وَالْمُفْتِينَ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وَالسَّعْيِ وَالْكَسَلِ وَنَحْوِهَا) كَمَا يُقَالُ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَلِكُلِّ مَيْدَانٍ رِجَالٌ وَكَمَا قِيلَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ عُرْفَ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ كَمَا فُهِمَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ (فَيَتَكَلَّمُونَ بِالْأَصْلَحِ وَالْأَوْفَقِ لَهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ كَلَامُهُمْ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) إمَّا بِعَدَمِ الْفَهْمِ أَوْ بِعَدَمِ الْقَبُولِ أَوْ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِقَاعِدَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بَلْ اللَّائِقُ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَعْلِيمِ ضَرُورِيَّاتِهِمْ بِالرِّفْقِ وَالْكَلَامِ اللَّيِّنِ أَوْ الْغِلْظَةِ وَالتَّشْدِيدِ أَوْ بِإِعْلَامِ الْحَاكِمِ أَوْ الْوَلِيِّ عَلَى حِسَابِ حَالِهِمْ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ قَبُولِ سُوءِ الظَّنِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَطَبَائِعِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ (إذْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْمُنْكَرِ) تَعَنُّتًا وَتَعَصُّبًا قَالَ فِي النِّصَابِ يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَأْمُرَ فِي السِّرِّ إنْ اسْتَطَاعَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالنَّصِيحَةِ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَقَدْ شَانَهُ وَمَنْ وَعَظَهُ فِي السِّرِّ فَقَدْ زَانَهُ (أَوْ) يَكُونُ سَبَبًا (لِإِصَابَةِ مَكْرُوهٍ لِغَيْرِهِ) بِالْإِعْرَاضِ عِنَادًا (فَيَكُونُ) أَيْ الْغَيْرُ (آثِمًا نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَإِنْ قَلَّ يَقْبَلُهُ) بِإِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرِ (وَيَعْمَلُ بِهِ أَوْ إصَابَةُ مَكْرُوهٍ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ وَجِهَادٌ) بَلْ أَفْضَلُ كَمَا فِي حَدِيثِ «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ قَالَ كَلِمَةَ حَقٍّ عِنْدَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ فَقَتَلَهُ» وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ قَامَ إلَى