الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ سُوءُ ظَنٍّ بِمُسْلِمٍ وَهُوَ حَرَامٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَيَقَّنَ كَذِبَهُ فِي عُذْرِهِ (يَكُونُ قَبُولُهُ عَفْوًا وَهُوَ) أَيْ الْعَفْوُ (لَيْسَ بِوَاجِبٍ) بَلْ مَنْدُوبٌ - {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]- بَلْ يَجُوزُ الِانْتِصَارُ وَالْعَفْوُ أَوْلَى لَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ مُحِقًّا كَانَ أَوْ مُبْطِلًا كَمَا أُشِيرَ آنِفًا بِالرِّوَايَتَيْنِ يُشِيرُ إلَى عُمُومِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ فَافْهَمْ.
[الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ]
(الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ وَيُقَالُ هُوَ مَقْلُوبُ السَّفْرِ تَقُولُ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا أَضَاءَ وَالتَّأْوِيلُ مِنْ الْأَوْلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُمَا وَقِيلَ مُتَّحِدَانِ وَأَنْكَرَ وَقَالَ الرَّاغِبُ التَّفْسِيرُ أَعَمُّ وَكَثُرَ فِي الْأَلْفَاظِ وَمِفْرَادَتِهَا وَكَثُرَ التَّأْوِيلُ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ وَقِيلَ التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُحْتَمِلٍ إلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ التَّفْسِيرُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ هَذَا وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّأْوِيلُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ الثَّعْلَبِيُّ التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إمَّا حَقِيقَةً وَمَجَازًا كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ بِالطَّرِيقِ وَالصَّيِّبِ بِالْمَطَرِ وَالتَّأْوِيلُ تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ مَأْخُوذًا مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَالتَّأْوِيلُ إخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ وَالتَّفْسِيرُ إخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ مِنْ الرَّصَدِ يُقَالُ رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ وَالْمِرْصَادُ مِفْعَالٌ مِنْهُ وَتَأْوِيلُهُ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغَفْلَةِ عَنْ الْإِلَهِيَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرُ إمَّا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ أَوْ فِي حَيِّزٍ بَيِّنٍ بِشَرْحِهِ نَحْوُ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] .
وَأَمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189] وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَيُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًّا وَمَرَّةً خَاصًّا نَحْوُ الْكُفْرِ الْمُسْتَعْمَلِ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِي تَعَالَى خَاصَّةً وَالْإِيمَانِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْجِدَةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُودِ وَقِيلَ يَتَعَلَّقُ التَّفْسِيرُ بِالرِّوَايَةِ وَالتَّأْوِيلُ بِالدِّرَايَةِ وَزِيَادَةُ تَفْصِيلِهِ فِي الْإِتْقَانِ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَأَوَائِلِ تَفْسِيرِ الْعُيُونِ وَأَمَّا التَّفْسِيرُ بِالرَّأْيِ فَهُوَ التَّكَلُّمُ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا بَصِيرَةٍ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَأَسَالِيبِ كَلَامِهِمْ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَكَلَامِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَقَالَ {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] .
(د ت عَنْ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ» «بِرَأْيِهِ» بِمَا سَنَحَ فِي ذِهْنِهِ وَخَطَرَ بِبَالِهِ مِنْ غَيْرِ دِرَايَةٍ بِالْأُصُولِ وَلَا خِبْرَةٍ بِالْمَنْقُولِ «فَأَصَابَ» أَيْ
فَوَافَقَ هَوَاهُ الصَّوَابَ دُونَ نَظَرٍ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَمُرَاجَعَةِ الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وُقُوفٌ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ وَوُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَمُجْمَلٍ وَمُفَصَّلٍ وَعَامٍّ وَخَاصٍّ وَعِلْمٍ بِأَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَاتِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهَا وَتَعَرُّفٍ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ «فَقَدْ أَخْطَأَ» فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ وَشَهَادَتُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُ أَمَّا مَنْ قَالَ فِيهِ بِالدَّلِيلِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ تَأْوِيلٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَمَّا لَمْ يَتَفَطَّنْ بَعْضُ النَّاسِ لِإِدْرَاكِ هَذَا الْمَعْنَى بِالنَّظَرِ إلَى مُطَابِقَتِهِ لِلْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْخَطَأِ بِالنَّظَرِ إلَى إقْدَامِهِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فَلَا تَنَافِيَ تَتِمَّةُ الْحَدِيثِ «وَمَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَأَخْطَأَ فَقَدْ كَفَرَ» كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ الْقُصَّاصَ يَنْقُلُونَ الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَآثِمٌ بِنَقْلِهِ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ هُوَ بِهَذَا الْوَصْفِ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا مِنْ الْكُتُبِ وَلَوْ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ مَا لَمْ يَقْرَأْ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ عِنْدَهُ مَرْوِيًّا وَلَوْ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِ الرِّوَايَاتِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْضُوعَاتٍ عَلَى الْقَارِئِ وَأَقُولُ تَفْصِيلُهُ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْحَدِيثِ.
(فَائِدَةٌ) ادَّعَى ابْنُ جُزْءٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ آيَةً أَوْ يَقْرَأَهَا مَا لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا لَكِنْ الظَّاهِرُ عَدَمُهُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ مُتَلَقًّى وَالْحَدِيثَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ التَّلْبِيسُ وَالْخَلْطُ.
(فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ) الْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْقِرَاءَةِ وَالْإِفَادَةِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجْزِهِ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُ الْأَغْبِيَاءُ.
(فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ) لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجَازَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْأَهْلِيَّةَ تَجِبُ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْإِتْقَانِ.
(ت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ» أَيْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ أَوْ مَنْ قَالَ فِي مُشْكِلِهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ «فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ نُزُلًا فِيهَا حَيْثُ نَصَبَ نَفْسَهُ صَاحِبَ وَحْيٍ يَقُولُ مَا شَاءَ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْمَنْهِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رَأْيٌ وَإِلَيْهِ مَيْلٌ مِنْ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ فَيَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِهِ مُحْتَجًّا بِهِ لِغَرَضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَوًى لَمْ يَلُحْ لَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهَذَا يَكُونُ تَارَةً مَعَ الْعِلْمِ كَمَنْ يَحْتَجُّ مِنْهُ بِآيَاتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ بِدْعَتِهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إلَى مَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَيُرَجِّحُهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ فَيَكُونُ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَتَارَةً يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنْ الْقُرْآنِ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ كَمَنْ يَدْعُو إلَى مُجَاهِدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي بِقَوْلِهِ {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] وَيُشِيرُ إلَى قَلْبِهِ وَيُومِئُ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ وَهَذَا يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْوُعَّاظِ فِي الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَتَرْغِيبًا لِلسَّامِعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، الثَّانِيَ أَنْ يَتَسَارَعَ إلَى تَفْسِيرِهِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ بِغَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ يَتَعَلَّقُ بِغَرَائِبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمُجْمَلَةِ وَالِاخْتِصَاصِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَمَنْ لَمْ يُحَكِّمْ ظَاهِرَ التَّفْسِيرِ وَبَادَرَ إلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ كَثُرَ غَلَطُهُ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَالنَّقْلُ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا
أَوَّلًا ثُمَّ هَذِهِ تَسْتَتْبِعُ التَّفْهِيمَ وَالِاسْتِنْبَاطَ وَلَا مَطْمَعَ فِي الْوُصُولِ إلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إحْكَامِ الظَّاهِرِ انْتَهَى.
ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا فِيهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ الْكُوفِيُّ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الْفَيْضِ
(وَفِي رِوَايَةٍ) لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي» لَا تُحَدِّثُوا عَنِّي «إلَّا مَا عَلِمْتُمْ» بِمَعْرِفَةِ صِحَّةِ النِّسْبَةِ إلَيَّ وَعَنْ الطِّيبِيِّ أَيْ احْذَرُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ عَنِّي أَوْ احْذَرُوا مِنْ الْحَدِيثِ عَنِّي لَكِنْ لَا تَحْذَرُوا مِمَّا تَعْلَمُونَهُ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ عُرْفًا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ فِعْلِهِمْ أَوْ تَقْرِيرِهِمْ وَقَدْ يُخَصُّ بِمَا يُرْفَعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ وَأَهْلُهُ النَّقَلَةُ الْمُعْتَنُونَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ «فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لَهُ مَحَلًّا فِيهَا لِيَنْزِلَ فِيهِ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ أَوْ دُعَاءٌ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فَالتَّبَوُّأُ اتِّخَاذُ الْمَنْزِلِ، وَالْمَقْعَدُ مَحَلُّ الْقُعُودِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْأَمْرُ لِلتَّهَكُّمِ وَالتَّغْلِيظِ إذْ لَوْ قَالَ مَقْعَدُهُ فِي النَّارِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَةِ وَالْعَظَائِمِ الْمُهْلِكَةِ لِإِضْرَارِهِ بِالدِّينِ وَإِفْسَادِ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَعُمُومُ الْخَبَرِ يَشْمَلُ الْكَذِبَ فِي غَيْرِ الدِّينِ وَمَنْ خَصَّهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَذَا فِي الْفَيْضِ (وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْرَةٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَوُجُوهِ اسْتِعْمَالَاتِهَا فِي نَحْوِ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَمُجْمَلٍ وَغَيْرِهَا مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ وَمُتَعَلِّقَاتِ التَّفْسِيرِ وَقَوَانِينِ التَّأْوِيلِ كَذَا فِي الْفَيْضِ
أَقُولُ تَفْصِيلَةُ مَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لَعَلَّهُ مِنْ الْإِتْقَانِ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ لِمَنْ جَمَعَ الْعُلُومَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُفَسِّرُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ:
الْأَوَّلُ: اللُّغَةُ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْقُرْآنِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْيَسِيرِ.
الثَّانِي: النَّحْوُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ.
الثَّالِثُ: الصَّرْفُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْرِفَةَ الْأَبْنِيَةِ وَالصِّيَغِ.
الرَّابِعُ: الِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إذَا اُشْتُقَّ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنْ السِّيَاحَةِ أَوْ الْمَسْحِ.
الْخَامِسُ: الْمَعَانِي.
السَّادِسُ: الْبَيَانُ.
السَّابِعُ: الْبَدِيعُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْأَوَّلِ تَوْفِيَةُ خَوَاصِّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ حَقَّهَا مِنْ الْمَقَامِ وَبِالثَّانِي مِنْ حَيْثُ تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ زِيَادَةِ الدَّلَالَةِ وَنُقْصَانِهَا وَبِالثَّالِثِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلَامِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُلُومُ الْبَلَاغَةِ الَّتِي مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ قَالَ السَّكَّاكِيُّ فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ تَعَاطَى التَّفْسِيرَ وَهُوَ فِيهِمَا أَيْ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ رَاجِلٌ وَأَمَّا الْبَدِيعُ فَمِنْ جِهَاتِ الْحُسْنِ.
الثَّامِنُ: عِلْمُ الْقِرَاءَةِ إذْ بِهِ يَتَرَجَّحُ بَعْضُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى بَعْضٍ
التَّاسِعُ: أُصُولُ الدِّينِ إذْ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا يَجُوزُ ظَاهِرُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَيَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ.
الْعَاشِرُ: أُصُولُ الْفِقْهِ إذْ بِهِ يُعْرَفُ وَجْهُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ إذْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَعْنَى إلَّا بِهَا.
الثَّانِيَ عَشَرَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِيَعْلَمَ الْمُحْكَمَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْفِقْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ كَمَا أُشِيرَ فِي حَدِيثِ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَهَذِهِ هِيَ الْعُلُومُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعَاطِي التَّفْسِيرِ بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَنْ فَسَّرَ كَانَ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قُلْت وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَشْكِلَ عِلْمَ الْمَوْهِبَةِ اغْتِرَارًا بِمَا سَمِعْت مِنْ أَقْوَالِ الْمُنْكَرِينَ فَتَأَمَّلْ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَحَدِيثَ «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَّا أَنَّ الزَّمَانَ لَمَّا خَلَا عَنْ الْعِلْمِ وَذَوِيهِ وَعَنْ الْعِرْفَانِ وَمُنْتَحِلِيهِ وَبَارَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَسَدَ سُوقُ الْقَوْلِ الْفَصْلِ تَرَأَّسَ الْجُهَّالُ وَأَكْثَرُوا الْقِيلَ وَالْقَالَ وَلَكِنْ لِلْحُرُوبِ رِجَالٌ وَلِلثَّرِيدِ رِجَالٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا
«فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» الْمُعَدَّةِ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ طَابَقَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ فَقَدْ ارْتَكَبَ أَمْرًا فَظِيعًا وَاقْتَحَمَ هَوْلًا شَنِيعًا حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ وَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَصَابَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمِنْ الطَّامَّاتِ صَرْفُ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ عَنْ ظَاهِرِهَا إلَى أُمُورٍ لَمْ تَسْبِقْ مِنْهَا إلَى الْإِفْهَامِ كَدَأْبِ الْبَاطِنِيَّةِ فَإِنَّ الصَّرْفَ عَنْ مُقْتَضَى ظَوَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ فِيهِ بِالنَّقْلِ عَنْ الشَّارِعِ وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ حَرَامٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ قَالَ فِي الْمِفْتَاحِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ جُمْلَةُ مَا يَحْصُلُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: التَّفْسِيرُ بِلَا تَحْصِيلِ آلَاتِهِ مِنْ الْعُلُومِ.
الثَّانِي: تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
الثَّالِثُ: التَّفْسِيرُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَذْهَبَ أَصْلًا وَالتَّفْسِيرَ تَابِعًا لَهُ فَيَرُدُّهُ إلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا.
الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ كَذَا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
الْخَامِسُ: التَّفْسِيرُ بِالْهَوَى ثُمَّ أَقُولُ قَالَ فِي الْفَيْضِ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ الَّذِي هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ نَعَمْ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمِمَّنْ جَرَى فِي تَضْعِيفِ رِوَايَتِهِ التِّرْمِذِيُّ وَالصَّدْرُ الْمُنَاوِيُّ انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ مَا فِي الْوَسِيلَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ خَاصَّتِهِ اجْتِمَاعُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ فِيهِ إلَى تَمَامِ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَوَائِلِ مَوْضُوعَاتِ عَلِيٍّ الْقَارِيّ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَلْيُتَأَمَّلْ (اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ) أَيْ فِي التَّفْسِيرِ (عَلَى الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَسْمُوعَ مِنْهُ (أَقَلُّ قَلِيلٍ) كَتَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَحْتَجَّ أَحَدٌ بِالْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الْمَسْمُوعِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاجْتِهَادِ وَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) قِيلَ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ (فِي الْبُسْتَانِ النَّهْيُ إنَّمَا وَرَدَ) بِالنِّسْبَةِ (إلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا) بِالنِّسْبَةِ (إلَى جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] عُدُولٌ عَنْ الْحَقِّ كَالْمُبْتَدِعَةِ {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] فَيَتَعَلَّقُونَ بِظَاهِرِهِ أَوْ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] طَلَبَ أَنْ يُفْتَنُوا النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّشْكِيكِ وَالتَّلْبِيسِ وَمُنَاقَضَةِ الْمُحْكَمِ بِالْمُتَشَابِهِ {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] وَطَلَبَ أَنْ يُؤَوِّلُوهُ عَلَى مَا يَشْتَهُونَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إلَى الِاتِّبَاعِ مَجْمُوعَ الطَّلَبَيْنِ أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ
وَالْأَوَّلُ يُنَاسِبُ الْمُعَانِدَ وَالثَّانِي يُلَائِمُ الْجَاهِلَ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران: 7] الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7]{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] الَّذِينَ ثَبَتُوا وَتَمَكَّنُوا فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجَلَالَةِ فَمَنْ وَقَفَ مَنَعَ التَّأْوِيلَ وَمِنْ وَصَلَ أَجَازَهُ كَمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَا مِنْ الرَّاسِخِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ سَبَقَ يَقُولُونَ آمَنَّا خَبَرُ الرَّاسِخُونَ عَلَى الثَّانِي وَحَالٌ وَاسْتِئْنَافٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ (الْآيَةَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّفْسِيرُ) فِي غَيْرِ الْمَسْمُوعِ (لَا يَكُونُ حُجَّةً بَالِغَةً) إلَى دَرَجَةِ الْكَمَالِ فِي الْحُجِّيَّةِ لِأَنَّ مَا فَسَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَلُّ قَلِيلٍ
(فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لِمَنْ يَعْرِفُ لُغَاتِ الْعَرَبِ) كَمَعَانِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ كَمَا بِمَتْنِ اللُّغَةِ وَسَائِرِ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ (وَعَرَفَ شَأْنَ النُّزُولِ) أَيْ قَالَ فِي الْإِتْقَانِ زَعَمَ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ كَمَعْرِفَةِ وُجُوهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ وَتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى كَوْنَ الْعِبْرَةِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَالْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا وَقَدْ عَرَفْت تَفْصِيلَهُ (أَنْ يُفَسِّرَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ التَّفْسِيرِ لِكُلِّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَسَبَبَ النُّزُولِ لِأَيِّ آيَةٍ سِوَى الْمُتَشَابِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ لِمَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ وَاضِحَةً كَأَقْسَامِ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الظُّهُورُ وَأَمَّا مَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ خَفِيَّةً كَأَقْسَامِهِ مِنْ حَيْثُ الْخَفَاءُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ وَيَخْتَصُّ بِالْمُجْتَهِدِ (وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ وَلَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ) فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ مَعْرِفَتِهَا بِالْوَجْهِ الْوَاحِدِ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إلَّا مِقْدَارَ مَا سَمِعَ) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ (فَيَكُونُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْهُ (عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ) مِمَّنْ يَعْرِفُ لَعَلَّ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ التَّفَاسِيرِ (لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ انْتَهَى أَقُولُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَحْمَلِ النَّهْيِ) الْوَارِدِ فِي حَقِّ مَنْ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ (مَنْ لَمْ يَعْرِفْ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَمَوَاضِعَ الْإِجْمَاعِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ كَالْعَالِمِ الْعَامِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ رَأْيِ مَنْ قَلَّدَهُ (وَعَقَائِدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيُفَسِّرُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْخَطَأِ) لِجَهْلِهِ بِمَا ذُكِرَ (فَلَا يُفِيدُ مُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ وُجُوهِ اللُّغَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إلَخْ
وَأَنَا أَقُولُ لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ الْبَالِغَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ فِي الْمِفْتَاحِ اعْلَمْ أَنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ كُنْهِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَعِلْمِ الْغُيُوبِ.
وَالثَّانِي: مَا أَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نَبِيَّهُ مِنْ أَسْرَارِ الْكِتَابِ وَاخْتَصَّهُ بِهِ وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ وَأَوَائِلُ السُّوَرِ قِيلَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَقِيلَ مِنْ الْأَوَّلِ.
وَالثَّالِثُ: عَلَّمَهُ نَبِيَّهُ وَأَمَرَهُ بِتَعْلِيمِهِ وَهَذَا قِسْمَانِ مَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ السَّمْعِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأَحْوَالِ حَشْرِ الْمَعَادِ وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَكَذَا فُنُونُ الْبَلَاغَةِ وَضُرُوبُ الْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمُ وَالْإِشَارَاتُ