الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَارِيَّ تَبَعٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَضْعِ ثُمَّ قِيلَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مُنَيْعٍ وَالدَّيْلَمِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ مُعَاذٍ وَبَعْدَ أَخْذِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ انْتَهَى لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا بَنَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ كَلَامَهُ عَلَى كَوْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَذَّابًا فَلَا يَخْلُو عَنْ الْوَجْهِ فِي جَعْلِهِ مِنْ الْمَوْضُوعِ نَعَمْ إنَّ لَهُ شَاهِدًا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ كَانُوا يَقُولُونَ مَنْ رَمَى أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَبْتَلِيَهُ اللَّهُ بِهِ
[الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ]
(الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ) عَلَى وَزْنِ دِرَايَةٍ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ (م عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا» قِيلَ أَيْ زَمَنَ الِاعْتِدَادِ بِتَوْبَتِهَا وَإِلَّا فَالتَّوْبَةُ حِينَ الْمُعَايَنَةِ وَالِاحْتِضَارِ لَا أَثَرَ لَهَا لَعَلَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ التُّورْبَشْتِيِّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ حُضُورِ مَوْتِهَا لِأَنَّ شَرْطَ التَّوْبَةِ عِنْدَ أَمَلِ الْبَقَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ انْتَهَى أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا «تُقَامُ» أَيْ تُحْشَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُقَامُ حَقِيقَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ وَالْمَوْقِفِ جَزَاءً عَلَى قِيَامِهَا فِي النِّيَاحَةِ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ» قَمِيصٌ «مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ» قَمِيصٌ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ «مِنْ جَرَبٍ» أَيْ يَصِيرُ جِلْدُهَا أَجْرَبَ حَتَّى يَكُونَ جِلْدُهَا كَقَمِيصٍ عَلَى أَعْضَائِهَا فَيَشْتَمِلُ عَلَى لَذْعِ الْقَطِرَانِ وَحُرْقَتِهِ وَإِسْرَاعِ النَّارِ فِي الْجِلْدِ وَاللَّوْنِ وَالْوَحْشِ وَنَتْنُ الرِّيحِ جَزَاءً وِفَاقًا فَخُصَّتْ بِذَلِكَ الدِّرْعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجْرَحُ بِكَلِمَاتِهَا الْمُؤَنَّقَةِ قَلْبَ الْمُصَابِ ثُمَّ هَذَا الْوَعِيدُ هُنَا مُطْلَقٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مُقَيَّدٌ بِالْمَشِيئَةِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْقَيْدِ فَائِدَةٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ لَعَلَّ هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْحَنَفِيُّ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَتِهِ فَيَصِحُّ عِنْدَنَا أَيْضًا
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ هَذِهِ النَّوَائِحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَّانِ لِأَهْلِ جَهَنَّمَ صَفٌّ عَنْ يَمِينِهِمْ وَصَفٌّ عَنْ يَسَارِهِمْ يَنُحْنَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَرْدِ الْأَكْبَادِ لِلسُّيُوطِيِّ (م أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَتَانِ» مِنْ الْخِصَالِ «فِي» بَعْضِ «النَّاسِ هُمَا» مُبْتَدَأٌ ثَانٍ «بِهِمْ» أَيْ فِيهِمْ «كُفْرٌ» كُفْرَانُ نِعْمَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا أَوْ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ أَوْ الِاتِّسَاعِ أَوْ مِنْ - أَعْمَالِ الْكُفَّارِ لَا مِنْ خِصَالِ الْأَبْرَارِ «الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ» .
وَالْوُقُوعُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ بِهِ نَحْوُ الْقَدْحِ فِي نَسَبٍ ثَبَتَ بِظَاهِرِ الشَّرْعِ وَقِيلَ بِحَمْلِ آبَائِهِ عَلَى آبَاءِ غَيْرِهِ «وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»
وَلَوْ بِغَيْرِ بُكَاءٍ وَلَا شَقِّ جَيْبٍ خِلَافًا لِعِيَاضٍ وَهِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ طَعَنَ فِي نَسَبِ غَيْرِهِ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ سَلَامَةِ نَسَبِهِ مِنْ الطَّعْنِ وَمَنْ نَاحَ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ وَهُوَ الْمُحْيِي وَالْمُمِيتُ وَفِيهِ أَنَّ هَاتَيْنِ كَبِيرَةٌ وَبِهِ صَرَّحَ الذَّهَبِيُّ كَابْنِ الْقَيِّمِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَلَاءِ عَنْ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالنِّيَاحَةُ حَرَامٌ وَالْمَعْدُودُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَنْ كَبِيرٍ الْحَلَبِيِّ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَجَعَ مِنْ دَفْنِ أَنْصَارِيٍّ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ وَوَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُوكُ أَيْ يَمْضُغُ لُقْمَةً فِي فِيهِ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ وَضْعِ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ النِّيَاحَةِ (اتِّخَاذُ الطَّعَامِ وَالضِّيَافَةِ لِلْمَيِّتِ) لِلنِّيَاحَةِ لَا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِشُغْلِهِمْ بِمَوْتِ قَرِيبِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يُشْرَعُ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ (حدمج) رُوِيَ (عَنْ) أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ (جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ) وَكَذَا نُقِلَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ لِيُشْبِعَهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» كَذَا نُقِلَ عَنْ الْجَلَاءِ.
وَفِي الْجَامِعِ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» أَيْ عَنْ صُنْعِ الطَّعَامِ لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِذُهُولِهِمْ عَنْ حَالِهِمْ بِحُزْنِهِمْ عَلَى مَيِّتِهِمْ وَهَذَا قَالَهُ لِنِسَائِهِ لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ وَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِهِ فَطَحَنَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعِيرًا ثُمَّ آدَمَتْهُ بِزَيْتٍ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا ثُمَّ أَرْسَلُوهُ إلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَيِّتِ التَّصَدُّقُ بِالْفَاضِلِ أَوْ إهْدَاؤُهُ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الِاجْتِمَاعُ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتُهُمْ الطَّعَامَ وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ وَنَحْوٌ مِنْهُ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْطَنِعُهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِلتَّرَحُّمِ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَيَنْهَى كُلُّ إنْسَانٍ أَهْلَهُ عَنْ الْحُضُورِ لِمِثْلِ هَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قِيلَ لَهُ أَلَيْسَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا» إلَخْ قَالَ لَمْ يَكُونُوا اتَّخَذُوا إنَّمَا اتَّخَذَهُ لَهُمْ فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ فَمَنْ أَبَاحَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَأَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا يُسَنُّ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْمَوْتِ فَقَطْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَقَدْ فَصَلْنَاهُ فِي جَلَاءِ الْقُلُوبِ)