المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثاني العلة الخفية والسبب الأصلي في ذم الإسراف] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٣

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي غَوَائِل الْبُخْل وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ حُبُّ الْمَالِ لِلْحَرَامِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي ذَمِّ الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ لِلْإِسْرَافِ فِي أَصْنَافِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْوَقَاحَةُ قِلَّةُ الْحَيَاءِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْجَزَعُ وَالشَّكْوَى]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ وَالتَّضَجُّرُ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ حُبُّ الْفَسَقَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْجُرْأَةُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحُزْنُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْخَوْفُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْمُدَاهَنَةُ]

- ‌[الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الْعِنَادُ وَمُكَابَرَةُ الْحَقِّ وَإِنْكَارُهُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ التَّمَرُّدُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الصَّلَفُ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْجَرْبَزَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ وَالْحَمَاقَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ الشَّرَهُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْخُمُودُ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَهُوَ سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّانِي مَا فِيهِ خَوْفُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّالِثُ الْخَطَأُ]

- ‌[الرَّابِعُ الْكَذِبُ]

- ‌[السَّادِسُ الْغِيبَةُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ النَّمِيمَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ]

- ‌[التَّاسِعُ اللَّعْنُ]

- ‌[الْعَاشِرُ السَّبُّ]

- ‌[الْحَادِي عَشَرَ الْفُحْشُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّعْيِيرُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ حُكْمُ الْمِرَاء]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ الْجِدَالُ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ]

- ‌[السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ لِلْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ]

- ‌[التَّغَنِّي بِمَعْنَى حُسْنِ الصَّوْتِ بِلَا لَحْنٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَإِسْقَاطِ حَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنُ]

- ‌[الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ الْمُحْدَثَةِ الْمُوَافِقَةِ لِعِلْمِ الْمُوسِيقَى]

- ‌[الِاسْتِغْنَاءُ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْأَشْعَارِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ]

- ‌[التَّاسِعَ عَشَرَ الْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ]

- ‌[الْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمَّنْ لَا حَقَّ فِيهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْعَوَامّ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّلَاثُونَ افْتِتَاحُ الْجَاهِلِ الْكَلَامَ]

- ‌[الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ التَّكَلُّمُ عِنْدَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ الْجِمَاعِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ وَالظَّالِمِ بِالْبَقَاءِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَضْعُ لَقَبِ سُوءٍ لِمُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَثْرَةُ الْحَلِفِ وَلَوْ عَلَى الصِّدْقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ طَلَبُ الْوِصَايَةِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ رَدُّ عُذْرِ أَخِيهِ وَعَدَمُ قَبُولِهِ]

- ‌[الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قَطْعُ كَلَامِ الْغَيْرِ وَحَدِيثِهِ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ]

الفصل: ‌[المبحث الثاني العلة الخفية والسبب الأصلي في ذم الإسراف]

لِلْأَصْغَرِ أَظْهَرُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَكْبَرِ لِلْأَصْغَرِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مَثَلًا كَالتَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُعَرَّفِ (إذْ عِلَّتُهَا) أَيْ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا (فِي الْحَقِيقَةِ) ؛ لِأَنَّهَا فِي الظَّاهِرِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ فِي الْمُبَايَعَاتِ لَكِنَّ الضَّيَاعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ) الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ (صُورَةً وَمَعْنًى مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا) يَشْكُلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعِلَّةُ تِلْكَ الصِّيَانَةَ يَتَحَقَّقُ مُطْلَقًا فَلَوْ قُيِّدَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ لَفُهِمَ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَعَبُّدِيٌّ.

وَ (الْأَوَّلُ) أَيْ اتِّحَادُ الصُّورَةِ (بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالثَّانِي) أَيْ الِاتِّحَادُ مَعْنًى (بِاتِّحَادِ الْقَدْرِ أَعْنِي الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ (فَقِيلَ الْعِلَّةُ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ تَيْسِيرًا) لِلنَّاسِ فِي الْفَهْمِ.

(فَغَوَائِلُ الْإِسْرَافِ) عَشَرٌ (مُشَارَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَفِرْعَوْنُ، وَقَوْمُ لُوطٍ، وَعَدَمُ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ) كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ (وَغَضَبُهُ عَلَيْهِ) قَبْلَ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 279] أَيْ إنْ لَمْ تَتْرُكُوا الزِّيَادَةَ، وَلَمْ تُقِرُّوا بِتَحْرِيمِ الرِّبَا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] إذْ الْحَرْبُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْبُغْضِ أَقُولُ فَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ فَغَوَائِلُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُجْعَلَ كَعَطْفِ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ، وَعَدَمُ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَازِمًا مِنْهُ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ (وَتَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ سَفِيهًا) قِيلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] (وَاسْتِحْقَاقُ الْعَذَابِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ يُوجِبُ ذَلِكَ (فِي الْآخِرَةِ، وَ) اسْتِحْقَاقُ (الذِّلَّةِ) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَالِاحْتِيَاجُ) إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ ذَهَابِ مَالِهِ (وَالنَّدَامَةُ فِي الدُّنْيَا) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَةِ.

[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي ذَمِّ الْإِسْرَاف]

(الْمَبْحَثُ الثَّانِي) . (فِي السِّرِّ) الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ (وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي مَذْمُومِيَّتِهِ هُوَ أَنَّ الْمَالَ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ) بِالصَّرْفِ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَحَاوِيجِ كَمَا فِي حَدِيثِ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَالِيَّةَ نَوْعٌ مُسْتَقِلٌّ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَةِ (إذْ بِهِ يَنْتَظِمُ الْمَعَاشُ وَالْمَعَادُ وَبِهِ صَلَاحُ الدَّارَيْنِ وَسَعَادَةُ الْحَيَاتَيْنِ) فِي الدُّنْيَا بِإِغْنَائِهِ الْخَلْقَ وَالْآخِرَةِ بِقُرْبِهِ مِنْ الْحَقِّ إذْ السُّؤَالُ إذْلَالُ النَّفْسِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ وَذَلِكَ فِي الذِّلَّةِ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ (وَبِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (يَحُجُّ) ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ (وَبِهِ يُجَاهِدُ الْكُفَّارَ) الَّذِي هُوَ سَنَامُ الدِّينِ وَيُعِزُّ بِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيُبْقِي شَرِيعَةَ اللَّهِ تَعَالَى الْوُثْقَى (وَبِهِ قِوَامُ الْبَدَنِ، وَقِيَامُهُ الَّذِي هُوَ مَطِيَّةُ الْفَضَائِلِ وَآلَةُ الطَّاعَاتِ) وَمَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الْعِبَادَةِ فَعِبَادَةٌ (إذْ بِهِ يَحْصُلُ الْغِذَاءُ وَاللِّبَاسُ وَالْمَسْكَنُ)

ص: 36

وَالْمَنْكَحُ وَضَرُورَاتُ الْمَعِيشَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْحَاجَاتِ إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ كَانَ الْقَلْبُ مُنْصَرِفًا إلَى تَدْبِيرِهَا فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلدِّينِ (وَبِهِ يُصَانُ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ) ، وَقَدْ عَرَفْت آنِفًا (وَبِهِ يُنَالُ دَرَجَاتُ الْمُتَصَدِّقِينَ) بَلْ يَلْحَقُ بِهِمْ الَّذِينَ لَهُمْ قُرْبَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ تَعَالَى (وَبِهِ يُوصَلُ الرَّحِمُ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْفَضَائِلِ (وَبِهِ يُدْفَعُ حَاجَاتُ الْفُقَرَاءِ) الْمُحْتَاجِينَ؛ وَلِقَضَاءِ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَوَائِدُ جَمَّةٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ (وَيَقْضِي دُيُونَهُمْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ عَوْنِ الْبِرِّ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (وَيُذْهِبُ هُمُومَهُمْ) الَّتِي تُهَيِّئُ لِلْوُصُولِ (وَغُمُومَهُمْ) الَّتِي قَدْ وَقَعَتْ وَمَنْ سَرَّ مُؤْمِنًا فَقَدْ سَرَّ اللَّهَ تَعَالَى (وَيُسَلِّي قُلُوبَهُمْ) مِنْ مُضَايَقَةِ الْفَقْرِ، وَأَفْكَارِ الدَّيْنِ وَمِنْ خَوْفِ نَفَقَةِ مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ (وَبِهِ يَحْصُلُ نَفْعُ النَّاسِ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ) الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ بَيْتٍ لِلَّهِ، وَإِعَانَةٌ لِلْخَلْقِ عَلَى أَفْضَلِ طَاعَاتِهِمْ، وَأَقْرَبِ قُرُبَاتِهِمْ وَقَدْ جَاءَ «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ» (وَالْمَدَارِسِ) ، وَإِنْ كَانَتْ بِدْعَةً لَكِنْ قَدْ عَرَفْت سَابِقًا مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ بَلْ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ لِإِعَانَتِهَا عَلَى أَفْضَلِهَا وَهُوَ الْعِلْمُ مُطْلَقًا (وَالرِّبَاطَاتِ) لِسُكْنَى الْفُقَرَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى، وَإِجْرَاءِ الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ (وَالْقَنَاطِرِ) عَلَى الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ (وَسَدِّ الثُّغُورِ) أَيْ مَوَاضِعِ الْمَخَافَةِ مِنْ هُجُومِ الْأَعْدَاءِ قِيلَ وَدَارِ الْمَرْضَى وَنَصْبِ الْجِبَابِ فِي الطُّرُقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْخَيْرَاتِ، وَهِيَ مِنْ الْخَيْرَاتِ الْمُؤَبَّدَةِ الدَّرَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُسْتَجْلِبَةِ لِبَرَكَةِ أَدْعِيَةِ الصَّالِحِينَ إلَى أَوْقَاتٍ مُتَمَادِيَةٍ وَنَاهِيك بِهِ خَيْرًا فَهَذِهِ جُمْلَةُ فَوَائِدِ الْمَالِ فِي الدِّينِ سِوَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ مِنْ الْخَلَاصِ مِنْ حَقَارَةِ الْفَقْرِ وَالْوُصُولِ إلَى الْعِزِّ وَالْمَجْدِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَكَثْرَةِ الْإِخْوَانِ وَالْأَعْوَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْوَقَارِ وَالْكَرَامَةِ فِي الْقُلُوبِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَالُ مِنْ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ أَوْصَافٌ مَادِحَةٌ لِلْمَالِ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْقُرْآنِ خَيْرًا، وَقَدْ عَلِمْت آفَاتِ الْمَالِ وَغَوَائِلَهُ قُلْت قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِبَيَانِ آفَاتِ الْمَالِ، وَفَوَائِدِهِ. اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ مِثْلُ حَيَّةٍ فِيهَا سُمٌّ وَتِرْيَاقٌ فَمَنْ عَرَفَ فَوَائِدَهَا وَغَوَائِلَهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ شَرِّهَا وَيَسْتَدِرَّ مِنْ خَيْرِهَا أَمَّا الْفَوَائِدُ فَإِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ؛ وَلِهَذَا يَتَهَالَكُونَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ إمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ أَوْ فِي الِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ كَالْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَنْكَحِ وَضَرُورَاتِ الْمَعِيشَةِ، وَإِنَّمَا حُظُوظُ الدُّنْيَا مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مِنْ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ.

الثَّانِي: مَا يَصْرِفُهُ إلَى النَّاسِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا الصَّدَقَةُ وَثَانِيهَا الْمُرُوءَةُ كَالضِّيَافَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِعَانَةِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الدِّينِيَّةِ إذْ بِهِ يَكْتَسِبُ الْإِخْوَانَ وَالْأَصْدِقَاءَ، وَصِفَةُ السَّخَاءِ وَالْجُودِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْفُتُوَّةِ فَفِيهَا مَثُوبَاتٌ أَيْضًا وَثَالِثُهَا وِقَايَةُ الْعِرْضِ كَدَفْعِ هَجْوِ الشَّاعِرِ أَوْ سَبِّ السُّفَهَاءِ، وَقَطْعِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَفَائِدَتُهَا دِينِيَّةٌ وَأُخْرَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ فِي وِقَايَةِ الْعِرْضِ مَنْعَ الْمُغْتَابِ وَدَفْعَ آفَةِ الِانْتِقَامِ وَرَابِعُهَا الِاسْتِخْدَامُ إذْ الْإِنْسَانُ لَوْ تَوَلَّى جَمِيعَ مَصَالِحِهِ لَضَاعَتْ أَوْقَاتُهُ كَشِرَاءِ الطَّعَامِ وَطَبْخِهِ وَكَنْسِ الْبَيْتِ حَتَّى نَسْخِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالٍ يَدْفَعُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْحَوَائِجِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ الْخَيْرُ لِلْعَامَّةِ كَبِنَاءِ نَحْوِ الْمَسَاجِدِ، وَهِيَ مِنْ الْخَيْرَاتِ الْمُؤَبَّدَةِ هَذِهِ هِيَ الدِّينِيَّةُ مَعَ مَا فِي الْمَالِ مِنْ الْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ مِنْ الْخَلَاصِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَحَقَارَةِ الْفَقْرِ وَالْوُصُولِ إلَى الْعِزِّ وَالْمَجْدِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَكَثْرَةِ الْإِخْوَانِ وَالْأَعْوَانِ وَالْكَرَامَةِ وَالْوَقَارِ، وَأَمَّا الْآفَاتُ فَإِمَّا دِينِيَّةٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَشْعَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ انْبَعَثَتْ دَاعِيَةُ الْمَعَاصِي فَإِنْ اقْتَحَمَ ذَلِكَ هَلَكَ، وَإِنْ صَبَرَ وَقَعَ فِي شِدَّةٍ.

الثَّانِي أَنَّهُ يَجُرُّ إلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ ثُمَّ يَأْلَفُهُ ثُمَّ يَجُرُّ الْبَعْضَ إلَى الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَكْفِيَهُ الْحَلَالُ فَيَقْتَحِمَ الشُّبُهَاتِ فَيَدْعُوَ إلَى الرِّبَا فَضْلًا عَنْ الشُّبُهَاتِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ تُؤْذِي.

الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يُلْهِيهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ خُسْرَانٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ

ص: 37

وَأَمَّا آفَاتُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَالْخَوْفُ وَالْحُزْنُ وَالْهَمُّ وَالتَّعَبُ فِي دَفْعِ الْحُسَّادِ وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَكَسْبِهَا فَإِذَنْ تِرْيَاقُ الْمَالِ أَخْذُ الْقُوتِ مِنْهُ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى الْخَيْرَاتِ وَمَا عَدَاهُ سَمُومٌ وَآفَاتٌ. انْتَهَى.

فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كَوْنَ الْمَالِ خَيْرًا مِنْ جِهَةٍ وَآفَةً مِنْ جِهَةٍ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَتَّصِفُ بِالضِّدَّيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْكَسْبَ لِأَجْلِ التَّصَدُّقِ) فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّانِي (أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ) لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ وَنَفْعَ ذَلِكَ قَاصِرٌ (وَبِهِ) أَيْ بِالْكَسْبِ لِذَلِكَ (يُحَصِّلُ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ) فِي الْجَنَّةِ (ت عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَعِلْمًا» نُقِلَ الْحَدِيثُ عَنْ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ لِلنَّوَوِيِّ، وَهُوَ «ثَلَاثٌ أُقْسِمَ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةٌ صَبَرَ عَلَيْهَا إلَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ مَسْأَلَةً إلَّا فَتَحَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى» إلَخْ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ (يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ) بِأَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ وَيُؤَدِّيَ حُقُوقَ مَالِهِ (وَيَصِلَ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (رَحِمَهُ) وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا (وَيَعْمَلَ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا) يُجَازَ بِهِ (بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ) الرَّفِيعَةِ فِي الْجَنَّةِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعِلْمِ وَجَوَّزَهُ لِفَضْلِهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَآخِرُ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا تَخَبَّطَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَمْ يَتَّقِ فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ مِنْهُ رَحِمَهُ وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» ثُمَّ إنَّ قَطْعَ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ قَدْ مَنَعَ بَعْضٌ مُطْلَقًا وَجَوَّزَ بَعْضٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ارْتِبَاطُ الْمَذْكُورِ لِلْمَتْرُوكِ نَعَمْ وَإِلَّا لَا، لَعَلَّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَافْهَمْ. وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ ظَاهِرٌ إذْ لَا أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْمَقَامِ الرَّفِيعِ.

(خ م عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَيْنِ» يَعْنِي لَا تَكُونُ الْغِبْطَةُ مَمْدُوحَةً إلَّا فِي حَقِّ رَجُلَيْنِ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمُحَرَّمُ بَلْ بِمَعْنَى الْغِبْطَةِ، وَهُوَ تَمَنِّي مِثْلِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزَّوَالِ عَنْهُ قِيلَ لَا بَأْسَ فِيهِ، وَقِيلَ مَرْضِيٌّ إذَا كَانَ الْمُتَمَنَّى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ الْمَالِ لِلْإِنْفَاقِ فِي الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ لِلْعَمَلِ وَالْإِرْشَادِ، وَعَنْ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْبَطَ إلَّا عَلَى هَذَيْنِ «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ» أَيْ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَدَوَامَ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَقِيلَ أَيْ الْعِلْمُ الْمَصْحُوبُ بِنَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَنُورِ السَّرِيرَةِ «فَهُوَ يَقْضِي بِهِ» بِمُقْتَضَاهُ «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ» بِفَتَحَاتٍ كَغَلَبَةٍ بِمَعْنَى إهْلَاكِهِ «فِي» طَرِيقِ «الْحَقِّ» فَمَا يَكُونُ مَحْسُودًا شَرْعًا لَا يَكُونُ إلَّا مَمْدُوحًا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ - {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]

ص: 38

خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ قَالَ الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَصَلَاحُهُ بِصَرْفِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ كَمَا فُصِّلَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا.

«وَدَعَا) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِأَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَكَانَ فِي آخِرِ دُعَائِهِ» الطَّوِيلِ كَمَا قِيلَ «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» فَلَوْلَا فَضْلُ الْمَالِ لَمَا دَعَا بِهِ وَالْحَدِيثُ قِيلَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَقِيلَ فِي مُسْلِمٍ فَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَعْزِ بِهِ إلَيْهِمَا أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَعَادَتِهِ فِي سَائِرِهِ لَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ وَكَانَ أَنَسٌ يَخْدُمُ لَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَعَاشَ مِائَةً وَسِتِّينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْعُمُرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ وَوُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِائَةٌ وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ كَذَا فِي الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ يَعْزِهِ إلَى كِتَابٍ لَكِنْ قَالَ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ فَإِمَّا ضَعِيفٌ أَوْ رِوَايَةٌ أُخْرَى قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَنَسٍ لِعِلْمِهِ عليه الصلاة والسلام بِنُورِ الْمُعْجِزَةِ أَمْنَهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. أَقُولُ الْأَصْلُ هُوَ الْعُمُومُ، وَالْخُصُوصُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَا يُرْتَكَبُ إلَّا بِضَرُورَةٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْبُسْتَانِ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَوْ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] ، وَإِلَّا لَمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا أَحْسَنَ الْغِنَى مَعَ التُّقَى» ؛ وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا أَكْرَمَكُمْ كَرَمُكُمْ وَشَرَّفَكُمْ غِنَاكُمْ، وَعَنْ بَعْضٍ

الْفَقْرُ فِي أَوْطَانِنَا غُرْبَةٌ

وَالْمَالُ فِي الْغُرْبَةِ أَوْطَانُ

، وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْغَنِيُّ التَّقِيُّ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَجْمَعُ الْمَالَ لِيَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ مِنْ حِلِّهِ وَيُخْرِجَ مِنْهُ حَقَّهُ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ، وَقِيلَ بِالثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] لِحَمْلِ الْمَالِ عَلَى الطُّغْيَانِ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 27] فَدَلَّ أَنَّ الْفُقَرَاءَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ؛ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْفَقْرُ وَالْجِهَادُ حِرْفَتِي وَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي» لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اللَّهُمَّ مَنْ أَحَبَّنِي فَارْزُقْهُ الْعَفَافَ وَالْكَفَافَ وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» .

وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ كَرِيمًا عِنْدَ اللَّهِ، وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَقْرُ مَشَقَّةُ الدُّنْيَا مَيْسَرَةُ الْآخِرَةِ؛ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ الْفَقْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغِنَى، وَلَكِنْ لَا عَيْبَ فِي الْغِنَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْنِيَاءُ كَثِيرًا فِي زَمَانِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا الْعَيْبُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ فِعْلِهِ خِلَافَ مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْفَقْرُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِ غَالِبِ أَمْوَالِهِمْ الْحَرَامَ أَوْ الشُّبْهَةَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

أَقُولُ قَدْ سَمِعْت مِرَارًا فَارْجِعْ لَكِنَّ قَوْلَهُ لِكَوْنِ غَالِبِ أَمْوَالِهِمْ إلَخْ خَارِجٌ عَنْ نَظَرِ الْمَقَامِ وَدَعْوَى عُمُومِ الْأَشْخَاصِ مُكَابَرَةٌ وَسُوءُ ظَنٍّ بِالْمُسْلِمِينَ وَبِالْجُمْلَةِ إنْ أُرِيدَ عُمُومُ الْأَفْرَادِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ يَعْنِي الِاسْتِقْرَاءَ التَّامَّ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، وَأَنَّ النَّاقِصَ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ وَدَعْوَى ظَنِّيَّةِ الْمَطْلُوبِ، وَأَنَّ الْفَرْدَ مُلْحَقٌ بِالْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ

ص: 39

وَإِنْ لَزِمَ الْخَصْمُ لَكِنْ لَا يُفِيدُ فِي مَقَامِ التَّحْقِيقِ فَتَأَمَّلْ.

«وَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِكَعْبٍ أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك» مِنْ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ كُلَّهُ لِمَعَاشِك وَلِخَلَاصِك مِنْ نَحْوِ ذُلِّ السُّؤَالِ (حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) لَمَّا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ، وَإِنَّ مِنْ قَبُولِ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ (وَكُلُّ هَذِهِ) الْأَحَادِيثِ (فِي) الْأَحَادِيثِ (الصِّحَاحِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَالَ خَيْرًا) فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ (وَامْتَنَّ عَلَى حَبِيبِهِ بِهِ حَيْثُ قَالَ {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ) الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِهِ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالُوا إنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ (وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ فِي هَذَا الزَّمَانِ سِلَاحٌ) يُدْفَعُ بِهِ شَرُّ الْأَعْدَاءِ وَيُعَانُ بِهِ الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّ بِالْمَالِ يُنْتَصَرُ عَلَى الْعَدُوِّ وَيُنْصَرُ دِينُ اللَّهِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إذْلَالِ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَقَمْعِ شَوْكَتِهِمْ وَبِهِ يُوقَعُ الْهَيْبَةُ (عَرْضُهُ) مَنْ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ.

(وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَطْلُبُ الْمَالَ) حَتَّى (يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ وَيَصُونَ) بِهِ ذُلَّ الْفَاقَةِ وَشَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ كَمَا قِيلَ الْعِلْمُ وَالْمَالُ يَسْتُرَانِ كُلَّ عَيْبٍ وَالْفَقْرُ وَالْجَهْلُ يَكْشِفَانِ كُلَّ عَيْبٍ.

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

أَلَمْ تَرَيَا أَنِّي مُقِيمٌ بِبَلْدَةٍ

مَرَاتِبُ أَهْلِ الْفَضْلِ فِيهَا مَجَاهِلُ

فَكَامِلُهُمْ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ نَاقِصٌ

وَنَاقِصُهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ كَامِلُ

(فَإِنْ مَاتَ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لِمَنْ بَعْدَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَافِظُ الصِّدِّيقُ الْحَنْبَلِيُّ مِنْ نُقَّادِ الْمُحَدِّثِينَ (مَتَى صَحَّ الْقَصْدُ) وَالنِّيَّةُ (فَجَمْعُ الْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) قِيلَ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ. أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ فَمَا لَمْ يَصِحَّ الْقَصْدُ لَا يَكُونُ الْغَنِيُّ شَاكِرًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتَاوَى هَلْ التَّقَاعُدُ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّفَرُّغُ لَهَا أَفْضَلُ أَوْ الِاكْتِسَابُ بِنِيَّةِ التَّصَدُّقِ (وَمَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْمَالِ وَالدُّنْيَا) الْمَذْكُورُ بَعْضُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَالسُّنَنِ وَكَلَامِ السَّلَفِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ هُوَ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ فَمَا وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِكَلَامِ السَّلَفِ؟ . قُلْنَا كَلَامُ السَّلَفِ إنَّمَا لَا يَصْلُحُ احْتِجَاجًا إذَا كَانَ اسْتِقْلَالًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي تَأْيِيدِ نَصٍّ فَلَا عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتِهَاءً لِأَخْذِهِ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً أَوْ عِنْدَ كَوْنِ الْمَطْلُوبِ ظَنِّيًّا قَدْ يُحْتَجُّ بِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْخَطَابِيَّةِ الْمَقْبُولَةِ كَمَا مَرَّ (رَاجِعٌ إلَى صِفَتِهِ الضَّارَّةِ، وَهِيَ) أَيْ الصِّفَةُ الضَّارَّةُ (الْإِطْغَاءُ) أَيْ جَعْلُ صَاحِبِهِ طَاغِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6]{أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7](وَالْإِنْسَاءُ) مِنْ النِّسْيَانِ لِغَلَبَةِ الْحُبِّ (وَالْإِلْهَاءُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

ص: 40