الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إنْ لَمْ يَخَفْ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ ذَوِي الِابْتِدَاعِ وَالظُّلْمِ (مِنْ الْعُصَاةِ) بَلْ يُكْتَفَى حِينَئِذٍ بِبُغْضِ الْقَلْبِ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إظْهَارُ الْبُغْضِ لَهُمْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِهِ بَلْ اللَّازِمُ التَّعَطُّفُ عَلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ، وَقَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ لَكِنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ مَا إذَا لَمْ يُفِدْ الْإِظْهَارُ فِي دَفْعِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا إذَا أَفَادَ فَإِظْهَارُ الْبُغْضِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ. انْتَهَى.
(تَتِمَّةٌ) : عِنْدَ اجْتِمَاعِ الصَّلَاحِ وَالْفِسْقِ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ فَأَمَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فَتَجِبُ مِنْ جِهَةِ طَاعَتِهِ وَتُبْغِضُ مِنْ جِهَةِ فِسْقِهِ لَكِنْ تُبَالِغُ فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ كَمَا تُبَالِغُ فِي تَمَحُّضِهِ ثُمَّ إظْهَارُ الْبُغْضِ إمَّا بِالْقَوْلِ فَبِتَرْكِ مُكَالَمَتِهِ مَرَّةً وَالِاسْتِخْفَافِ وَالتَّغْلِيظِ أُخْرَى، وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَلَا يُسِيءُ مَرَّةً وَيَسْعَى فِي إسَاءَتِهِ أُخْرَى، وَأَمَّا دَرَجَاتُ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ بِهَفْوَةٍ فَالْأَوْلَى السَّتْرُ وَالْإِغْمَاضُ، وَإِنْ بِإِصْرَارِ صَغِيرَةٍ أَوْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ فَإِنْ مُتَعَدِّيَةً فَيُنْكِرُ عَلَى قَدْرِ ارْتِدَاعِهِ، وَعَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ، وَإِنْ مُتَعَدِّيَةً إلَيْك فَقَطْ فَالْأَوْلَى الْعَفْوُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى زِيَادَةِ ضَلَالِهِ، وَإِنْ عَظِيمَةً كَمَا تَرَكَ الصِّدِّيقُ الْأَعْظَمُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَقَةَ مِسْطَحٍ حِينَ تَكَلَّمَ فِي الْإِفْكِ ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِإِعَادَةِ نَفَقَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} [النور: 22] الْآيَةَ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةٍ عليه الصلاة والسلام، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْبُغْضِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِحَسَبِ مَرْتَبَةِ الِانْزِجَارِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَقَلُّهُ قَطْعُ الرِّفْقِ وَالْعَوْنِ، وَأَقْوَاهُ إفْسَادُ أَغْرَاضِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضٍ فِي الْغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ النَّظَرُ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا يَنْفَعُ مِنْهُ الْحَذَرُ لَكِنْ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ، وَقَطْعُ النَّفَقَةِ وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْعَاصِي بِحَيْثُ يَأْثَمُ مَنْ يَتْرُكُهُ قُلْت لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ الظَّاهِرِ تَحْتَ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يُغَلِّظُ الْقَوْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتَفِي بِالْإِعْرَاضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ فَهَذِهِ دَقَائِقُ دِينِيَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا طَرَائِقُ السَّالِكِينَ كَذَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.
[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]
(الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ) الشَّرْعِيِّينَ لَا الْمُتَفَلْسِفَةِ، الَّذِينَ صَرَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي التَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ بَلْ الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالنُّصْحِ وَالْعِظَةِ لَا إلَى التَّعْطِيلِ وَالْهَوَى لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْبُغْضُ لِذَاتِهِ أَوْ لِأَمْرٍ غَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْبُغْضُ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فَيَكْفُرُ فَلَا وَجْهَ
لِذِكْرِهِ هُنَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ، وَعَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي تَخْفِيفُ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ، وَعَنْ الْخِزَانَةِ مَنْ أَذَلَّ الْعُلَمَاءَ يُنْفَى مِنْ الْبَلَدِ بَعْدَ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ، وَعَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إهَانَةُ عُلَمَاءِ الدِّينِ كُفْرٌ، وَعَنْ الْمُحِيطِ إنْ شَتَمَ عَالِمًا فَقَدْ كَفَرَ فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَهَكَذَا، وَهَكَذَا وَدَعْوَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا نُقِلَ وَبَيْنَ الْغَضَبِ قَرِيبٌ إلَى التَّحَكُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الِاسْتِلْزَامِ غَايَةُ الْجَوَابِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَيَدَّعِي أَنَّ الْبُغْضَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لِغَيْرِ عِلْمِهِمْ لَكِنْ الْوِزْرُ فَوْقَ مَا لِلْغَيْرِ (وَالصَّالِحِينَ) الَّذِينَ صَرَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْوَالَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ (وَضِدُّهُ حُبُّهُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى) .
(حَكَّ) الْحَاكِمُ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -)، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» سَيْرُهُ «عَلَى الصَّفَا» أَيْ الصَّخْرِ الْأَمْلَسِ، وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْبَابِ كَالْمَطَرِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِهَتْكِ الْأَسْبَابِ وَمُشَاهَدَةِ الْكُلِّ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ قِيلَ هُنَا عَنْ الرَّازِيّ السَّلَامَةُ عَلَى قَدْرِ نَفْيِ الشُّرَكَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22] وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرًا لَكِنَّهُ يَقُولُ قَوْلًا يَهْدِمُهُ كَإِضَافَةِ السَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ إلَى الْكَوَاكِبِ أَوْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ إلَى الدَّوَاءِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى الْعَبْدِ اسْتِقْلَالًا وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ كُلَّ ذَلِكَ لَكِنْ بِطَبْعِ الشَّهْوَةِ كَمَا أَشَارَ بِهِ بِقَوْلِهِ {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ.
وَحَاصِلُهُ الِالْتِفَاتُ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَالْبَشَرُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلِهَذَا السَّبَبِ تَضَرَّعَ الْأَنْبِيَاءُ فِي أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ الْأَسْبَابَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلِذَلِكَ الْخَفَاءُ عَجَزَ عَنْ وُقُوفِهِ أَوْحَدِيُّ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ الْعُلَمَاءُ الْمُجِدُّونَ فِي سُلُوكِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ كَدِّهِمْ فِي قَهْرِ النَّفْسِ إلَى أَنْ يُقْطَعَ طَمَعُ الْمَعَاصِي، وَإِلَى أَنْ تَكُونَ الطَّاعَاتُ طَبِيعَةً لَهُمْ تَمِيلُ نُفُوسُهُمْ إلَى لَذَّةِ الْقَبُولِ عِنْدَ الْخَلْقِ فَلَا يَخْلُونَ عَنْ الْإِخْبَارِ، وَإِظْهَارِ الْأَعْمَالِ أَوْ مَحَبَّةِ اطِّلَاعِ الْخَلْقِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِهِمْ أَوْ الْفَرَحِ بِمَحْمَدَةِ النَّاسِ، وَلَا يَقْنَعُونَ بِاطِّلَاعِ الْخَالِقِ وَمَحْمَدَتِهِ طَمَعًا فِي احْتِرَامِهِمْ، وَالنَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِدُعَاءِ أَحَدِهِمْ؛ وَلِقَائِهِ وَخِدْمَتِهِ وَالتَّوَاضُعِ لَهُ، وَهُوَ يَظُنُّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ حَيَاتَهُ بِاَللَّهِ وَبِعِبَادَتِهِ الْمَرَضِيَّةِ، وَإِنَّمَا حَيَاتُهُ بِهَذِهِ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَعْمَى عَنْ دَرْكِهَا إلَّا أُولُو الْعُقُولِ النَّافِذَةِ الْقَوِيَّةِ، وَيَرَى أَنَّهُ يُخْلِصُ فِي طَاعَاتِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ أُثْبِتَ اسْمُهُ فِي جَرِيدَةِ الْمُنَافِقِينَ كَذَا فِي الْفَيْضِ مُلَخَّصًا.
«فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ» قَالَ فِي الْفَيْضِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ مُتَلَاشٍ فِي الْأُمَّةِ لِفَضْلِ يَقِينِهِمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ خَطَرَ لَهُمْ فَهُوَ خُطُورٌ خَفِيٌّ لَا يُؤَثِّرُ فِي نُفُوسٍ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا بَلْ إذَا عَرَضَ لَهُمْ خَطَرَاتُ الْأَسْبَابِ رَدَّتْهَا صَلَابَةُ قُلُوبِهِمْ بِاَللَّهِ. انْتَهَى. «وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ» أَيْ ظُلْمِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ كَمَحَبَّةِ مَنْ قَتَلَ سَارِقًا لِقَتْلِهِ وَجَزَاؤُهُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا هُوَ الْقَطْعُ وَنَحْوُهُ. «وَ» أَنْ «تُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ» كَبُغْضِ مَنْ حَكَمَ عَلَى نَهْجِ الشَّرْعِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ «، وَهَلْ الدِّينُ إلَّا الْحُبُّ فِي اللَّهِ» أَيْ الْحُبُّ لِمَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَرْكِ مَنْهِيَّاتِهِ لَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَالُ الدِّينِ فَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الْحُبُّ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْمَشَارِقِ «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ» بِاسْتِلْذَاذِ الطَّاعَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فِي طَلَبِ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ» يَعْنِي لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِغَرَضِ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ حَتَّى تَكُونَ كَمَحَبَّةِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَمَحَبَّةِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ بِالدُّعَاءِ الصَّالِحِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا كَذَا فِي الْمَشَارِقِ الْحَدِيثَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ رِضَاهُ تَعَالَى عِنْدَ مَحَبَّةِ كُلِّ شَيْءٍ «وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» أَيْ الْبُغْضُ لِمَنْ يُبْغِضُهُ اللَّهُ لِارْتِكَابِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ مَا دِينُ الْإِسْلَامِ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعَلُّقِ بِمَحْبُوبٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ وَحْدَهُ مَحْبُوبَهُ وَمَعْبُودَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَبَّدَ قَلْبُهُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الشِّرْكُ الْمُبِينُ فَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ هُوَ الدِّينُ
«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] » هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الْفَيْضِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ الشِّرْكُ شِرْكَانِ ثُمَّ قَالَ وَالثَّانِي الشِّرْكُ فِي عِبَادَتِهِ، وَهُوَ أَخَفُّ، وَأَسْهَلُ فَإِنَّهُ مُوَحِّدٌ لَكِنَّهُ لَا يُخْلِصُ فِي مُعَامَلَتِهِ فَتَارَةً يَعْمَلُ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَتَارَةً لِطَلَبِ الدُّنْيَا وَالرِّفْعَةِ وَالْجَاهِ فَلِلَّهِ مِنْ عَمَلِهِ نَصِيبٌ؛ وَلِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ نَصِيبٌ؛ وَلِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَالرِّيَاءُ كُلُّهُ شِرْكٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. ثُمَّ وَجَدَ الدَّلَالَةَ بِالْحَدِيثِ أَمَّا عَلَى كَوْنِ الْمَطْلُوبِ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ «وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ» إذْ الْعِلْمُ وَالصَّلَاحُ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ عَلَى كَوْنِ الْمَطْلُوبِ الضِّدُّ الَّذِي هُوَ حُبُّهُمْ فِي اللَّهِ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ، وَهَلْ الدِّينُ إلَخْ لَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ التَّقْرِيبِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْعَدْلِ، وَلَفْظُ الْحُبِّ عَامَّانِ مَقْصُورُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِينَ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ تَخْصِيصِ الْمَطْلُوبِ بِالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بَلْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ هُوَ الْعُمُومُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ، وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
(د) (عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» لَفْظُ فِي هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ إشَارَةٌ إلَى الْإِخْلَاصِ أَيْ الْحُبُّ فِي جِهَتِهِ وَوَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] أَيْ فِي حَقِّنَا وَمِنْ أَجْلِنَا؛ وَلِوَجْهِنَا خَالِصًا فَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَا لِحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ كَالْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَذَا أَنْ يَكْرَهَهُ لِكُفْرِهِ، وَعِصْيَانِهِ لَا لِنَحْوِ إيذَائِهِ لَهُ. وَالْحَاصِلُ لَا تَكُونُ مُعَامَلَتُهُ مَعَ الْخَلْقِ إلَّا لِلَّهِ وَمِنْ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ بُغْضُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَأَعْدَاءِ الدِّينِ وَالْمُجَاهَدَةُ مَعَ النَّفْسِ بِحَسَبِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ وَجَازَتِهِ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ وَمَنْ تَدَبَّرَهُ وَقَفَ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ اللَّهِ، وَفَنَاءِ السَّالِكِ فِي اللَّهِ ثُمَّ إنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ.
قُلْنَا مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ، وَأَوْلِيَاءَهُ وَمِنْ شَرْطِ مَحَبَّتِهِ إيَّاهُمْ أَنْ يَقْفُوَ أَثَرَهُمْ وَيُطِيعَ أَمْرَهُمْ قَالَ الْقَائِلُ
تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
…
هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّك صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ
…
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
وَكَذَا مِنْ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ بُغْضُ أَعْدَائِهِ وَبَذْلُ جُهْدِهِ فِي مُجَاهَدَتِهِمْ قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَعْدَاءٌ يُبْغِضُهُمْ فِي اللَّهِ كَمَا لَهُ أَصْدِقَاءٌ يُحِبُّهُمْ فِي اللَّهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَمِنْ حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
«أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَك فِي ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل، وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ» مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ «مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك» مِنْ الْمَكَارِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، «وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا» كَلِمَةً تَجْمَعُ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ «أَوْ تَصْمُتَ» أَيْ تَسْكُت، وَالْمَقْصُودُ ائْتِلَافُ الْقُلُوبِ وَانْتِظَامُ الْأَحْوَالِ.
(حَدّ) أَحْمَدُ (طب عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ» حَقِيقَتَهُ وَحَلَاوَتَهُ «حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ لِلَّهِ» أَيْ: اسْتَحَقَّ
أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ تَعَالَى عَنْ الْمَصَابِيحِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْته يَقُولُ «إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ وَمَقْعَدِهِمْ مِنْ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ فَقَالَ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى وَقَبَائِلَ شَتَّى لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلَا دَنَانِيرُ يَتَبَاذَلُونَ بِهَا يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ قُدَّامَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَفْزَعُ النَّاسُ، وَلَا يَفْزَعُونَ يَخَافُ النَّاسُ، وَلَا يَخَافُونَ» .
(طط) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الْإِيمَانِ» أَيْ مِنْ شُعَبِهِ وَثَمَرَاتِهِ «أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ رَجُلًا لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى» لَا لِغَرَضٍ غَيْرِهِ فَلِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ «مِنْ غَيْرِ مَالٍ أَعْطَاهُ» صِفَةٌ لِرَجُلٍ «فَذَلِكَ» الْحُبُّ «الْإِيمَانُ» كَأَنَّهُ حَقِيقَتُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَقْوَى فُرُوعِهِ كَحَدِيثِ «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» وَحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» .
عَنْ الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَحَبَّةُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَصِّلَةُ لِحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَشُوبَةٍ بِالْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْحُظُوظِ الْبَشَرِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ وَالْإِحْيَاءِ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى عَمُودٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي رَأْسِ الْعَمُودِ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ يُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يُضِيءُ حُسْنُهُمْ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ انْطَلِقُوا بِنَا نَنْظُرُ إلَى الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ فَيُضِيءُ حُسْنُهُمْ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ لِلدُّنْيَا عَلَيْهِمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ مَكْتُوبٌ عَلَى جِبَاهِهِمْ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ» .
(خ م عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ» لَمْ أَقِفْ) أَيْ لَمْ أَعْرِفْ «إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ» فِي عَمَلِ الصَّلَاحِ لِقُصُورِهِ فِي الْعَمَلِ كَعَمَلِهِمْ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» بِمُرَافَقَتِهِ وَزِيَارَتِهِ أَوْ فِي بَعْضِ مَرَاتِبِهِ لَا فِي جَمِيعِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلَوْ لَمْ يَقْتَدِ أَصْلًا لَا يَلْحَقُ أَصْلًا إذْ عَدَمُ ذَلِكَ الِاقْتِدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمَحَبَّةِ، وَعَلَى كَذِبِ دَعْوَاهُ وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ «أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَتَى يَوْمًا، وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ فَسُئِلَ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ مَا بِي مِنْ وَجَعٍ غَيْرَ أَنِّي إذَا لَمْ أَرَك اشْتَقْتُ إلَيْك وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاك ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ فَخِفْتُ أَنْ لَا أَرَاك هُنَاكَ؛ لِأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّك مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي إنْ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلٍ دُونَ مَنْزِلِك، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ لَا أَرَاك أَبَدًا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] » .
وَفِي الشِّرْعَةِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُوَاخِيَ مُوَاخَاةً إلَّا مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ، وَأَمَانَتِهِ وَصَلَاحِهِ وَتَقْوَاهُ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ بِعَمَلِهِ، وَفِي شَرْحِهِ قَالَ الْحَسَنُ لَا يَغُرُّنَّكُمْ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّك لَنْ تَلْحَقَ الْأَبْرَارَ إلَّا بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُحِبُّونَ أَنْبِيَاءَهُمْ، وَلَيْسُوا مَعَهُمْ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةٍ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ أَوْ كُلِّهَا لَا يَنْفَعُ ثُمَّ قَالَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ الْوَلِيَّ بِحُرْمَةِ وَلِيِّهِ وَيُلْحِقُهُ بِهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْ عَمَلِ وَلِيِّهِ شَيْئًا كَمَا يُلْحِقُ الذُّرِّيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى - {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]- قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ طَبْعًا، وَعَقْلًا وَجَزَاءً وَمَحَلًّا فَكُلُّ مُهْتَمٍّ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ، وَإِلَى أَهْلِهِ بِطَبْعِهِ، وَكُلُّ امْرِئٍ يَمِيلُ إلَى مُنَاسِبِهِ سَاءَ أَمْ سَخِطَ فَالرُّوحُ الْعَلَوِيَّةُ تَنْجَذِبُ إلَى الْأَعْلَى وَالنُّفُوسُ الدَّنِيَّةُ تَنْجَذِبُ إلَى الْأَسْفَلِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ فَلْيَنْظُرْ مَنْ صَحِبَهُ فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ فَهُوَ مَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنْ تَكَلَّمَ فَبِاَللَّهِ، وَإِنْ نَطَقَ فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ تَحَرَّكَ فَبِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِنْ سَكَتَ فَمَعَ اللَّهِ فَهُوَ بِاَللَّهِ؛ وَلِلَّهِ وَمَعَ اللَّهِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ، وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى مَحَبَّتَهُ ثُمَّ لَمْ يَحْفَظْ حُدُودَهُ فَلَيْسَ بِصَادِقٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَرُّبِ مَعَ قُلُوبِهِمْ.
قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَ فَرَحِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي ضِمْنِهِ حَثٌّ عَلَى حُبِّ الْأَخْيَارِ رَجَاءَ الْإِلْحَاقِ بِهِمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ وَالْخَلَاصِ مِنْ النَّارِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْجَبَّارِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْحُبِّ فِي اللَّهِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْ التَّبَاغُضِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ التَّحَابُبَ بَيْنَ الْكُفَّارِ يُنْتِجُ لَهُمْ الْمَعِيَّةَ فِي النَّارِ بِئْسَ الْقَرَارُ - {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 30]-.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ قُلْت لِشَيْخِنَا يَا سَيِّدِي إذَا ارْتَقَى الْوَلِيُّ إلَى مَرْتَبَةِ الْقُطْبِيَّةِ مَثَلًا هَلْ يَرْقَى بَعْضُ جَمَاعَتِهِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي أَبْنَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ فَتَبَسَّمَ وَحَسَّنَ رَجَائِي، وَقَالَ مَا لَا يُحَالُ كَشْفُهُ، وَفِي أَثْنَائِهِ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ قَالَ الْعَلَائِيُّ الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ وَمُتَوَاتِرٌ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ، وَعَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْكُلُّ عُصَارَةُ الْفَيْضِ ثُمَّ يُقِرُّ بِهِ قَوْله تَعَالَى - {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]-، وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ اصْحَبُوا مَعَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تُطِيقُوا فَاصْحَبُوا مَعَ مَنْ يَصْحَبُ مَعَ اللَّهِ لِتُوصِلَكُمْ بَرَكَاتُ صُحْبَتِهِمْ إلَى اللَّهِ، وَفِيهَا صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالْأَخْيَارِ، وَفِيهَا اصْطَحَبَ رَجُلَانِ مُدَّةً ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا