الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا أَقْوَى دِرَايَةً لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِجَابَةُ لِمُنْكَرٍ (وَيُخَالِفُهُ) أَيْ مَا فِي التتارخانية (فِي الرَّدِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ انْتَهَى) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ (وَ) يُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي الرَّدِّ (مَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ رحمه الله) قِيلَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى دِرَايَةً أَقُولُ لِمَا عَرَفْت آنِفًا وَلِصِحَّةِ الْمُقَايَسَةِ عَلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَلِاتِّحَادِ دَلِيلِهِمَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يَكُونُ مُرَجِّحًا عِنْدَنَا نَعَمْ يُرَجِّحُ فِي الْمَسَائِلِ النَّقْلِيَّةِ بِقُوَّةِ الْقَائِلِ وَوَثَاقَتِهِ وَفَقَاهَتِهِ فَتَأَمَّلْ (بِخِلَافِ السَّلَامِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ اهـ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ وَالْقِرَاءَةُ جَهْرًا أَفْضَلُ إلَّا عِنْدَ الْمُشْتَغِلِ بِالْعَمَلِ أَوْ الْكَلَامِ، صَبِيٌّ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ افْتَتَحَ مَنْ عِنْدَهُ الْكَلَامَ أَوْ الْفِقْهَ أَوْ عَمَلَ الْكِتَابَةِ أَوْ الدُّنْيَا يَأْثَمُ لِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ وَإِنْ افْتَتَحَ الْكَلَامَ أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّبِيُّ الْقِرَاءَةَ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ وَمَنْ يَكْتُبُ الْفِقْهَ أَوْ يُكَرِّرُهُ وَعِنْدَهُ آخَرُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ بَلْ الْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ وَعْظٌ وَقِرَاءَةٌ فَاسْتِمَاعُ الْوَعْظِ أَوْلَى وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ جَهْرًا عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ وَاحِدٌ وَيَسْتَمِعَ الْبَاقُونَ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ وَاحِدًا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ عَلَى الْمَارِّينَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ إمَامٌ قَرَأَ مَعَ الْجَمَاعَةِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ وَشَهِدَ اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ جَهْرًا كُلَّ غَدَاةٍ قِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ. اهـ.
[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]
(الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ) فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ (بِلَا عُذْرٍ) كَالْمُعْتَكِفِ يَتَكَلَّمُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ اللَّازِمَةِ (فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ الْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى فِي الْمُرُورِ وَحُرْمَةِ الدُّخُولِ لِلْجُنُبِ وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَا الْمَسْجِدُ مَلْآنَ اهـ وَأَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَلَيْسَ لِلْفِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ قِيلَ ظَاهِرُ هَذَا جَوَازُ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الْجَبَّانَةِ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ لِأَجْلِ مَصَالِحِهِ وَفِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي يَمْنَعُ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا مَسْجِدًا وَلَوْ كَانَ فِيهَا مِحْرَابٌ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلتَّدْرِيسِ لَا لِلصَّلَاةِ
وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ (حب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ» الدُّنْيَوِيُّ «فِي مَسَاجِدِهِمْ» الْمَوْضُوعَةِ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى رَفَّعُوهَا عَنْ كَلَامِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَمَسَاكِنُ أَهْلِ الدِّينِ الْبَاطِلِ وَالْعِبَادَةِ الْبَاطِلَةِ فَكَيْفَ أَهْلُ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدِّينِ الْحَقِّ وَهُمْ يَقْرَءُونَ قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]«لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ» لَا يُرِيدُ بِهِمْ خَيْرًا وَلَا يَصْلُحُونَ لِمَقَامِ قُرْبِهِ وَمَشْهَدِ أُنْسِهِ فِي حَضْرَةِ قُدْسِهِ وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْخَيْبَةِ وَالْحِرْمَانِ وَالْإِهَانَةِ وَالْخُسْرَانِ وَعَنْ أَسْنَى الْمَقَاصِدِ لِابْنِ عَلْوَانَ الْحَمَوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَلَا وُضُوءَ لَهُمْ وَلَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا زَكَاةَ لَهُمْ وَلَا حَجَّ لَهُمْ وَلَا إيمَانَ
لَهُمْ وَهُمْ عَنْ اللَّهِ مُبْعَدُونَ قِيلَ وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي إذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ أَخَذُوا فِي جِهَازِهِمْ أَسْبَغُوا وُضُوءَهُمْ وَرَاحُوا إلَى مَسَاجِدِهِمْ وَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَوَلَّوْا ظُهُورَهُمْ إلَى مَحَارِيبِهِمْ يَخُوضُونَ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُمْ فَوَاَللَّهِ لَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تَقُولُ لَهُمْ اُسْكُتُوا يَا بُغَضَاءَ اللَّهِ اُسْكُتُوا يَا مُقَتَاءَ اللَّهِ اُسْكُتُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ اُسْكُتُوا فَعَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ فَإِذَا صَلَّوْا ضَرَبَتْ وُجُوهَهُمْ بِصَلَاتِهِمْ وَانْصَرَفُوا وَقَدْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّا نَأْتِي مِنْ دُورٍ شَتَّى فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَا كَانَ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ وَعْظٌ حَيْثُ يَقُولُ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلَمْ يَقُلْ إلَى ذِكْرِ الدُّنْيَا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّ الْجَلِيسَ فِي الْمَسْجِدِ جَلِيسُ اللَّهِ فَإِذَا وَقَرَّ اللَّهَ بِالسُّكُوتِ وَقَرَّهُ اللَّهُ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ وَمَنْ اسْتَهَانَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَلَامِ فِيهِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي جَهَنَّمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لَقَدْ قُلْت لِرَسُولِ اللَّهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً أَنْ يُرَخِّصَ فِي الْكَلَامِ فِي الْمَسْجِدِ فَمَا زَادَنِي فِيهِ إلَّا شِدَّةً - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ وَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا حِلَقًا ذِكْرُهُمْ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا لَا تُجَالِسُوهُمْ فَلَيْسَ لِلَّهِ بِهِمْ حَاجَةٌ» وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْمَسْجِدِ لَغْوٌ إلَّا لِثَلَاثٍ مُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرٍ أَوْ سَائِلٍ حَقًّا أَوْ مُعْطِيهِ وَرُوِيَ أَنَّ مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ ارْتَفَعَ إلَى السَّمَاءِ شَاكِيًا مِنْ أَهْلِهِ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ بِكَلَامِ الدُّنْيَا فَاسْتَقْبَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالُوا بُعِثْنَا بِإِهْلَاكِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْكُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَتْنِ فَمِ الْمُغْتَابِينَ وَالْقَائِلِينَ فِي الْمَسْجِدِ بِكَلَامِ الدُّنْيَا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى فِي مَسَاجِدِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صِنْفٍ فِي صَلَاةٍ لَهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نُورٌ سَاطِعٌ وَصِنْفٍ فِي ذِكْرٍ مَعْرُوجٍ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصِنْفٍ صَامِتٍ سَالِمٍ فَانْتَقَلَ ذَلِكَ فَصَارَتْ الْمَسَاجِدُ مَعَادِنَ خَوْضِهِمْ وَمَوَاطِنَ لَهْوِهِمْ يَتَفَكَّهُونَ فِيهَا بِالْغِيبَةِ وَيُفِيدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا النَّمِيمَةَ
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ قَائِمًا يُجَالِسُ اللَّهَ عز وجل فَمَا حَقُّهُ إلَّا خَيْرًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ ابْنِ عَلْوَانَ فِي أَسْنَى الْمَقَاصِدِ وَفِي الشِّرْعَةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَلَا يَحْتَرِفُ مِنْهَا وَوَرَدَ فِي الْأَثَرِ «الْحَدِيثُ فِي الْمَسَاجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ الْحَشِيشَ» كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَقِيلَ عَنْ الْخِزَانَةِ هَذَا فِي التَّقْوَى.
وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الِاشْتِغَالَ بِذَكَرِ اللَّهِ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ مِثْلِ هَذِهِ الْآثَارِ وَلِمَا وَقَعَ فِي نَحْوِ الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَيُمْنَعُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِي الْمَسَاجِدِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ النَّقْلِ يُرَجَّحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وَاَلَّذِي يَشْهَدُهُ النَّصُّ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ الدُّنْيَا فِي الْمَسْجِدِ أَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» فَعَنْ الصَّغَانِيِّ مَوْضُوعٌ وَعَنْ عَلِيٍّ الْقَارِيّ بَاطِلٌ مَعْنًى وَمَبْنًى (وَيَدْخُلُ فِيهِ) فِي الْكَلَامِ الدُّنْيَوِيِّ (الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) .
وَكَذَا سَائِرُ كُلِّ عَقْدٍ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ كَلَامِ الدُّنْيَا وَلَوْ بَيْعَ كُتُبٍ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَيُكْرَهُ الصِّنَاعَةُ فِيهِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَكِتَابَةٍ بِأَجْرٍ وَتَعْلِيمِ صِبْيَانٍ بِأَجْرٍ اهـ فَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْفَتْوَى بِأَجْرٍ أَوْ بِثَمَنٍ وَلَوْ لِلْمُعْتَكِفِ لَعَلَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَهَبَهَا الْمُفْتِي لِلْمُسْتَفْتِي بِلَا عَقْدِ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ ثُمَّ الْمُسْتَفْتِي يُعْطِيهِ شَيْئًا عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ وَأَمَّا تَجْوِيزُ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ بِلَا نَقْلٍ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ (لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ) لَا مُطْلَقًا بَلْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَحْوِ الطَّعَامِ وَفِي الدُّرَرِ رُخِّصَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَبَيْعٍ لِلْمُعْتَكِفِ وَلَكِنْ لَا يُحْضِرُ السِّلْعَةَ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ لِمَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهَةٍ وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَكَذَا كُلُّ مُؤْذٍ فِيهِ وَلَوْ بِلِسَانِهِ وَمِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكُلُّ عَقْدٍ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ إنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ فَتَأَمَّلْ.
فَإِنَّ ظَاهِرَ الدُّرَرِ مُطْلَقٌ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرَ الْأَشْبَاهِ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِمُسَاعِدَةِ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عِنْدَنَا فَالْبَيْعُ عِنْدَ إحْضَارِ السِّلْعَةِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَعِنْدَ عَدَمِهِ جَائِزٌ لِلْمُعْتَكِفِ دُونَ غَيْرِهِ فَشِرَاءُ الْمُعْتَكِفِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إنَّمَا يَجُوزُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قِيلَ وَهُوَ مُخْتَارُ قَاضِي خَانْ وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا
(وَ) يَدْخُلُ فِيهِ (إنْشَادُ الضَّالَّةِ) أَيْ طَلَبُهَا وَالسُّؤَالُ عَنْهَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ مَنْ وَجَدَ ضَالَّتِي فَأَعْطَانِيهَا فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ وَإِنْشَادُ الضَّالَّةِ وَالْأَشْعَارِ انْتَهَى فَمُحْتَاجٌ إلَى تَفْصِيلٍ لَا يَخْفَى (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ» بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ أَيْ يَطْلُبُ بِرَفْعِ صَوْتٍ «ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ» حَيَوَانًا ضَائِعًا فَفِي الْحَيَوَانِ يُقَالُ لَهُ ضَالَّةٌ وَفِي غَيْرِهِ ضَائِعٌ وَلُقَطَةٌ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ «فَلْيَقُلْ» قِيلَ نَدْبًا «لَا رَدَّهَا اللَّهُ» جُمْلَةٌ دِعَائِيَّةٌ لَعَلَّ هَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِيهِ لَا وَإِلَّا فَلَفْظُ لَا لَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي بِلَا تَكْرِيرٍ نَحْوَ لَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى «عَلَيْك» عُقُوبَةً عَلَى فِعْلِهِ «فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» .
فَالْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فَمَا لَمْ تُبْنَ الْمَسَاجِدُ لَهُ فَلَا يُفْعَلُ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَمَنْعُ صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ فِيهِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ لِلْمُصِيبَةِ وَلَا يَشْغَلُ الْمَسْجِدَ بِالْمَتَاعِ إلَّا لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ انْتَهَى مُسْتَصْفَى لَكِنْ يَشْكُلُ ذَلِكَ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِيهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِنَصٍّ مُخَالِفٍ لِلْقِيَاسِ كَمَا يُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فِيهِ كَمَا فِي النِّصَابِ فَإِنْ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَلَا تَجُوزُ وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُ السَّائِلِ وَإِنْ قَبْلَهَا فَإِنْ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَلَا يُؤْذِي أَحَدًا فَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ وَالْمُتَصَدِّقُ شَرِيكٌ فِي وِزْرِهِ لَكِنْ عَنْ الْمُلْتَقَطِ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ التَّصَدُّقِ فِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ لَوْ كُنْت قَاضِيًا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَةَ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِيِّ هَذَا فَلْسٌ يَحْتَاجُ إلَى سَبْعِينَ فَلْسًا لِيَصِيرَ كَفَّارَةً وَعَنْ النِّصَابِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ فَلَا يَقُومُ أَحَدٌ إلَّا سُؤَّالُ الْمَسْجِدِ»
وَفِي التَّنْبِيهِ حُرُمَاتُ الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ عَشَرَ الْأَوَّلُ أَنْ يُسَلِّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْمُ مَشْغُولِينَ بِدَرْسٍ وَذِكْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وَفِي نَحْوِ صَلَاةٍ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الثَّانِي الصَّلَاةُ قَبْلَ الْجُلُوسِ الثَّالِثُ عَدَمُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ
الرَّابِعُ عَدَمُ سَلِّ السَّيْفِ الْخَامِسُ عَدَمُ طَلَبِ الضَّالَّةِ السَّادِسُ عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى السَّابِعُ عَدَمُ التَّكَلُّمِ بِحَدِيثِ الدُّنْيَا الثَّامِنُ عَدَمُ تَخَطِّي رِقَابَ النَّاسِ التَّاسِعُ عَدَمُ نِزَاعِ